مع إطلالة كل إجازةٍ صيفيةٍ أو شتويةٍ تتردد عبارة«نستطيع الآن أن نكتفي من النوم» وكأن الإجازة أصبحت عرفاً مرادفاً للنوم، لدرجة الارتواء والشبع! وما يعقبه من كسلٍ وخمول.. مع العلم أن أيام الإجازة لدينا أكثر من أيام العمل والدراسة! ويستطيع المرء أن ينام بصورة طبيعيةٍ حتى في هذه الأيام لأن ساعات العمل والدراسة لا تصل إلى ثلث ساعات اليوم، ولكن يبدو أن الناس يمكنهم تأجيل نومهم وترحيله إلى الإجازة!! علما بأن هناك ما يسمى بالمنفعة الحدية من النوم وغيره وما زاد يعتبر مضرا للجسد ومجهداً للنفس!!
وتعجب حين ترى أثناء الإجازة خلوَّ شوارع المدينة من الناس حتى ساعات العصر! وفيها يتخلف الشباب وبعض الكبار عن أداء صلاة الظهر في وقتها بسبب النوم المتأخر والسهر المتواصل حتى الساعات الأولى من الصباح. وينسى أفراد مجتمعنا أن الله تعالى جعل الليل لباساً والنهار معاشاً، وجعل حلول الظلام مؤشراً على السكينة والبقاء في البيوت، كما أن بزوغ الشمس دليلٌ على الانتشار واستئناف العمل.
ومما يزيد الأمر عجبا أنك ترى الشخص الذي يحافظ على صحته واتزانه بالنوم الباكر والاستيقاظ المبكر، موضع سخرية من أفراد المجتمع الذين يستفزونه بأسئلة تحمل في طياتها الاستنكار! مثل: ماذا لديك من عمل لتستيقظ باكرا؟! ويوردون له النصائح الداعية إلى مواصلة النوم حتى الظهيرة، ويجد المرء المنضبط نفسه وكأنه مريض محتاج لعلاج، ويدعونه للاستعانة ببعض الأدوية والعقاقير المهدئة والمنومة! وتأخير موعد النوم ما أمكن وذلك بالانشغال بعمل ما، أو زيارات خارجية، ولست أدري عما يمنع من الانشغال بذلك العمل بعينه في الصباح الباكر ولاسيما أننا نحن المسلمين مبارك لنا في بكورنا وفيه توزيع الرزق على العباد.. وماذا يرجى من أمة شبابها ينام النهار بطوله، ويسهر في الليل، لا إحياء لعبادة أو التزام بعمل مصيري بقدر ما هو تقليد واستنزاف للطاقة والصحة!!
وإذا نظرت لتلك الوجوه التي أقضها السهر تجدها كالحة بعد الاستيقاظ وتحيط بالعيون الهالات السوداء، فضلا عن الدمار النفسي والاكتئاب والغثيان وآلام المفاصل الذي يصاحب- عادة- ممن يغيِّرون في أوقات نومهم ومعاشهم! وفي هذا معاكسة للطبيعة التي أوجدها الله في الإنسان.
ومن المعروف أن الشخص الطبيعي لا يحتاج للنوم لأكثر من ثماني ساعات، وذكرت بعض الدراسات أن كثرة النوم تسبب أمراضا عديدة وقد تؤدي إلى الموت نتيجة إضعافه لعضلة القلب وينتج عنها خمول وكسل بسبب حالة الخدر المفاجىء في عضلات القلب، كما أن السهر ليلا يؤدي إلى إرباك أعضاء الجسم جميعها في وقت هي بأمس الحاجة إلى الراحة، وقد يدخل في مضمار السهر بالإجازة الأطفال الذين يحتاجون لساعات أطول في النوم ليلا، والسهر يقضي على هرمون النمو حيث إنه يعمل وينشط في الليل!!
ترى إلى متى ونحن نعبث بأنفسنا ونرغمها بقسوة لنغيِّر مواعيد النوم والأكل والزيارات؟! وحين تحتج النفس ويثأر الجسد تظهر عليه أمراض مختلفة فلا عجب إذاً حين نرى المستشفيات تعج بأنواع مختلفة من الأمراض التي قد يكون أحد أسبابها مخالفة فطرة الله والتي يمكن بعد مشيئة الله ألا تحدث حين يوازن المرء بين معيشته ومتطلبات جسده ونفسه.
إن اقتران الصيف لدينا بالكسل لم يكن معروفاً عند المسلمين، فلم يذكر أنهم أوقفوا غزواتهم وفتوحاتهم الإسلامية الظافرة في فصل الصيف، بل إن أول رمضان صام فيه المسلمون كان في شدة الصيف وسمي الشهر بهذا الاسم لشدة الحرارة و«الرمضاء».
وإن كانت الدعوة للنوم حتى الظهيرة أو بعدها بقليل أو كثير بسبب حرارة الجو، فنحن ولله الحمد قد أنعم الله علينا بأجهزة التكييف المختلفة التي تجعل المرء يعيش براحةٍ في منزله ومقر عمله حتى في أيام الصيف. وإن كان فصل الصيف في عصرنا هذا قد صاحبه الكسل والخمول والضجر فيقطع تارة بالإجازات وتارة بالسهر والزيارات. فهلا أحييناه بالعمل والنشاط وطرق أبواب تعلُّم المهارات المختلفة كالحاسب الآلي أو الاشتراك بالمراكز الصيفية، والتفرغ لحفظ القرآن الكريم وتجويده، والقراءة والاطلاع والتأمل لعلنا نجعل هناك توازناً روحياً مثلما يكون التوازن الجسدي والنفسي.
|