Wednesday 12th June,200210849العددالاربعاء 1 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بكائيَّةُ عبدالله نور بكائيَّةُ عبدالله نور
من نافذة الحزن تؤوب

* عبدالله نور...
من بوابة الحزن أشعلْتَ حنين العودة لمعاشرة العشق الحضاري «الكتابة»، وأثرْتَ عصافير الشجن والحزن ممتزجين حين نسجْتَ بخيوط المعاناة تلك البكائية قبل بضعة أعوام إثر رحيل الإنسانة/ الجمعية الخيرية - الأميرة الفاضلة (العنود بنت عبدالعزيز) في مقالة بعنوان (أرض ثامنة) وكم غبطتُّك - أيُّها القلم النور - أقلامٌ وألسنة عشقت الإبداع، ولم تظفر به، ولم تمتلك ناصيته التي احتضنتْها ذاكرتُك منذ نبت في أعماقك هاجس الوعي، واستقطبتَ نضيد تجلّياته من خزائن الفكر والمعرفة، ومصادرها الثمينة، وها أنت تعود مرةً أخرى (الأربعاء 10 ربيع الأول - الجزيرة 10828) ببكائية أخرى تذكرنا بأستاذنا الرائع خالد خليفة - رحمه الله - حين رثيت حرمه - رحمها بمقالة إبداعية، أدركتُ من أوّل نسيجها حتّى آخر رموش الحزن فيها أنها قصيدة يتفصّد الحزن بين حروفها:
يا أبلغ طير يتكلَّم بالقرآن..
عفواً - أمّاه -
فنحن - هنا - موتى.. قبل رحيلك عنّا!!
يا زَيْنَ نساء الأشجار المغروسة في عين الشمس،
يا أمّاه: من فردوسٍ أنت!
ولذا أسرعْتِ إلى وطنٍ مسكونٍ بالنُّور،
وبالغفرانِ، وبالرِّضوانْ.
أنتِ أقاويل الغدرانِ لأزهارِ الشطآن.
عفواً..
مازالتْ رائحةُ المحلول بخمر العنبر ساكنةً في كل بقاياكِ لدينا.
كلُّ أغانيك وأحزانك،
ورنينُ كلامك مخبوءاتٌ في أعماق خلايانا!
في كلِّ العَتَماتِ، وما هو خلْفَ العتمات، ونلحظ الأستاذ عبدالله نور يعتصر من وجدانه وشجن الطفولة وذاكرة الوفاء خيوطاً تنتظم في هذه البكائية/ القصيدة.. فيقول وهو يرسم لوحةً تراثية واقعيةً:
عفواً - أمّاه:
قسماً إنك أجملُ من جرَّر أذيالَ الثوب المصبوغ بلون الصندلِ، والسُّنبل.
قسماً.. أجودُ من أعطى تفليجَ التُّفاح،
وتفليجَ الرُّمانِ لأطفال الجيران!!
أكرمُ من عبَّأَ كيسان العسل المسحول بخرنوبِ الشامِ،
وماء الورْد!!
ويسترسلُ في هذه الغنائية الحزينة التي هي أثمن من تلك المنظومات التي تفرد لها الصفحات ولا تثير الوجد والوجدان - فيقول:
عفواً - يا أمّاهُ - فلا تثريب إذا قلتُ بأنّك أنتِ حياتي.
أنت الإكسيرُ الغازي لحياتي..
أنتِ الماءُ الراكضُ في كلِّ عروقي..
ويختتم بكائية الوداع بالوداع الشاعريِّ الحزين:
وداعاً - يا أمّاه -
لا خوف عليك - إن شاء الله
فأنت يقين الإيمان، والظنُّ يقينٌ في قلب المؤمن..
مثل ما النُّور يقينٌ في عينيكِ..
فنامي يا أمّاه..
نامي .. نامي.. رحمك الله.
وقد يستغرب من يقرأ مقالتي هذا ظنَّاً من إقحامي/ عبدالله نور في زمرة الشعراء وهو الذي عُرف أنه ناقد أدبي واجتماعي وكاتب مبدع في تجلياته النافذة العميقة، وأوكد هنا أنني لا أزعم أن الأستاذ عبدالله نور شاعر، وإنما أثق في شاعريته وخبرته العميقة بنسيج الشعر وصياغته، وأن يمتلك ذاكرة شعرية يقظة حاضرة، ويجيد فنَّ الإلقاء الشعريِّ ولكنه وهذا شأنه لم يستثمر طاقاته هذه ويسخرها في الحضور الثقافي الأمثل، لذلك وعبر نافذة الحزن التي أطلَّ علينا بها في هذه البكائية الإبداعية نأمل أن يعود إلى ميدان الثقافة والوعي قارئاً وناقداً وقلماً كاشفاً معبّراً عن معاناة الإنسان الطامح للتجاوز والعمران.
وإلى أن يلبِّي أستاذنا العزيز رغبة عشَّاق حرفه البهي ويستأنف فعالية الحضور أنسج (بطاقة دعوة) له تقول:
من رئة الحزن أتيتْ..
تتنفّسُ - مثل جريحْ -
واخترْتَ سراديبَ العزلةِ..
هذا المنتجعَ/ الموتْ..
وعهدْتُك من رَحِمِ اليقظة كنت تجيءْ!!
لاتعبأُ بالتَّبكيتاتْ..
و«لهاثُ الشمس» شفيعْ،
و«بيارقُ» ما زالت - بالنبضِ - تُضيءْ.
من همِّ الإبداعْ..
من تيَّارٍ مسكونٍ بالولَهِ الفطريِّ الدَّفاقْ..
تمتهنُ الحرفَ. المشتاقْ..
يا أَلَقاً يخترقُ الوجدَ..
فتنتفضُ الأعماقْ:
أيَّانَ.. وكيفَ تعودْ؟!

عبدالله بن سالم الحميد

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved