كتبها وصورها/ ماجد ناشي العنزي
ما نراه اليوم من نهضة تنموية شاملة بمختلف القطاعات في منطقة تبوك وخاصة في المجال الزراعي ما هو إلا تأكيد لبشرى الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان عندما قال: «يوشك بك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا قد ملئ جناناً».
وبالفعل أخذت المنتجات الزراعية والأشجار بمختلف أنواعها تنتشر في المنطقة خلال هذا القرن وازدادت في العشر سنوات الماضية وأصبحت إحدى السمات التي تتميز بها تبوك إذ بلغ عدد المزارع المنتجة حوالي 6742 مزرعة على مساحة 52 ،1 مليون دونم تنتج جميع المحاصيل الشتوية والصيفية ولم تقتصر منتجاتها على السوق السعودي فقط ولكن تخطت الحدود وعبرت البحار والمحيطات إلى الأسواق العالمية.
ولم يتوقف الأمر عند القطاع الزراعي ولكن هناك مجالات أخرى يسعى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك أن تأخذ نصيبها من الاستثمار خاصة في مجال السياحة والصناعة بالإضافة إلى الآثار التاريخية التي تزخر بها منطقة تبوك ومحافظاتها.
ولعلنا في هذه الحلقة سنتناول مقومات التنمية السياحية في منطقة تبوك والنهضة الحضارية الكبيرة التي تعيشها المنطقة:
منطقة تبوك والنهضة الحضارية
بوابة الشمال.. تبوك المدينة وتبوك المنطقة.. أهم مناطق درب الحاج منذ القدم أخذت في هذا العصر حقها من النمو والازدهار ففي شمالها منفذ حالة عمار معبر الحجاج والمعتمرين من الجهة الشمالية بالإضافة إلى كونها طريق التجارة عبر الطريق الدولي إلى المدينة المنورة أما من الشمال الغربي فتقع محافظة حقل ومنفذ الدرة معبر الحجاج والمعتمرين من الأردن ومصر إلى جانب ميناء ضباء التجاري والذي يربط المنطقة بجمهورية مصر العربية وكلتاهما ترتبطان بشبكة الطرق الحديثة المتصلة بالطريق الدولي الساحلي الممتد إلى محافظة جدة مروراً بمحافظات الوجه وأملج وينبع وعدد من المنافذ والاستراحات الحديثة المعدة لخدمة الحجاج القادمين إلى المملكة، عبر هذه الأماكن ومن منطلق الأهمية الاستراتيجية البالغة لمنطقة تبوك فقد أخذت في السنوات العشر الأخيرة نصيبها من التنمية الشاملة التي تعيشها مملكتنا الغالية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام.
ولقد كان لصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان أمير هذه المنطقة الدور الفاعل في دفع مسيرة التنمية والتقدم لهذه المنطقة كما أن لزيارته الدورية لمحافظات المنطقة وتلمس احتياجات المواطنين عن كثب وتوجيه المسؤولين عن المحافظات مباشرة لتحقيق الأهداف الطموحة المتوخاة الأثر الكبير في تطور محافظات المنطقة وازدهارها في جميع مجالات الحياة وما ازدياد عدد السكان فيها إلا مؤشر حقيقي لنجاح خطط التنمية في المنطقة.
لقد تم افتتاح مئات المدارس الجديدة في المنطقة ما بين ابتدائية ومتوسطة وثانوية بنين وبنات بالإضافة إلى عدد من الكليات والمعاهد والتي منها كلية المجتمع وكلية التقنية كنواة لإنشاء فرع لإحدى الجامعات في المنطقة في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.
قال الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم) في غزوة تبوك: (إن طال بك العمر يا معاذ سترى ما هاهنا قد مُلئ جناناً). كلمة حق قالها الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وها نحن اليوم نراها وقد تجسدت على أرض الواقع من خلال آلاف المزارع ومشاريع القمح والشعير والفواكه والخضروات بأنواعها وبكميات كبيرة ونوعيات جيدة صدرت منها المنطقة الكثير من المنتجات الزراعية إلى المناطق الأخرى لبعض الدول كالبطاطس والفواكه والأعلاف والورود التي تميزت تبوك بانتاجها على وجه الخصوص بالإضافة إلى تصدير طير السمان الذي تعنى بتربيته مزارع استرا النموذجية بالمنطقة أما شركة تبوك للتنمية الزراعية والتي تأسست عام 1403هـ فقد قامت بزراعة مئات الآلاف من الهكتارات من المحاصيل المتنوعة وبأرقى المستويات والأسس والمواصفات العالمية والفنية حيث تضم في حقولها ما يقارب المليون شجرة مثمرة من الفواكه المختلفة وإنتاج آلاف الأطنان من البطاطس والبصل بالإضافة إلى القمح والشعير والأعلاف وإلى جانب هذا كله تشتهر المنطقة بتربية الماشية على مختلف أنواعها بالإضافة إلى الدواجن، وعلى صعيد آخر قامت في المنطقة عدة مصانع متطورة كمصنع الأسمنت في محافظة ضباء ومصنع الأدوية في مدينة تبوك وعدد من المصانع الزراعية المتواضعة في الوقت نفسه حظيت المنطقة باهتمام بالغ في مجال الخدمات الصحية وخير شاهد على ذلك توفر العديد من المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية المتقدمة بالمنطقة والتي يرجع تاريخ أقدم مستشفى حكومي بها إلى عام 1386هـ ناهيك عن العديد من الخدمات الأخرى للمواطنين مثل توفير مياه الشرب بمختلف وسائلها ومنها محطات التحلية في المحافظات والمراكز الساحلية بالإضافة إلى الطاقة الكهربائية والاتصالات الهاتفية وخدمات الصرف الصحي والذي سيشمل كافة أحياء المنطقة لاحقاً بإذن الله تعالى. كما شهدت المنطقة ومحافظاتها تقدماً عمرانياً مذهلاً إذ أخذت الأحياء الجديدة تتنامى بصورة متوازية مع احتياجات وطموح المواطن وهي تبرز روعة الهندسة وجمال المنشآت وتلبي احتياجات المواطن. وذلك كنتيجة حتمية لما تقدمه الدولة أعزها الله للمواطنين من قروض عقارية ميسرة من خلال صندوق التنمية العقاري بالمنطقة والذي تم افتتاح مكتبه عام 1403هـ. ناهيك عن سفلتة الشوارع وإنارتها ونظافتها على مدار اليوم إلى جانب إنشاء الحدائق والمنتزهات كمتنفس
للمواطنين في تبوك ومحافظاتها والتي تأتي ضمن اهتمامات البلدية بهذه المنطقة العزيزة. من جهة أخرى حظيت المنطقة بنصيب كبير في مجال المواصلات وليس أدل على ذلك من ارتباط جميع أجزائها بشبكة من الطرق السريعة المسفلتة وربطها بالمناطق الأخرى في المملكة إضافة للطرق الجوية المتمثلة في مطاري تبوك ومحافظة الوجه الإقليميين والطرق البخرية عبر ميناء ضباء التجاري الذي يصل المملكة بجمهورية مصر العربية والدول المجاورة. ولتميز ساحل البحر الأحمر الذي تطل عليه هذه المنطقة من الجهة الغربية فقد تم استثمار العديد من المواقع من هذا الساحل كمنتجعات سياحية وذلك في كل من محافظة ضباء والوجه وحقل وأملج ومقنا. ومن منطلق رعاية الشباب والاهتمام بأبناء المنطقة بشكل عام جسمياً وفكرياً وثقافياً فقد أنشئ في المنطقة عدد من الأندية الرياضية بالمنطقة إضافة لمدينة الملك خالد الرياضية بتبوك لخدمة هؤلاء الشباب في مختلف الألعاب الرياضية إلى جانب ذلك تم إنشاء النادي الأدبي الذي يخدم المفكرين والأدباء وشعراء المنطقة عام 1415هـ. ومركز حضاري باسم الأمير سلطان بن عبدالعزيز يحفظه الله. لدعم الحركة الثقافية وكذلك مركز الأمير فهد بن سلطان الاجتماعي الذي تم افتتاحه في 2/10/1422هـ برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام. والذي يعتبر نافذة جديدة لتقديم مجموعة من البرامج الاجتماعية والثقافية والصحية والرياضية وتحقيق مفهوم الترابط الاجتماعي.يضاف إلى ذلك وجود عدد من الجمعيات الخيرية لتقديم المساعدات المالية والعينية لمحتاجيها من أبناء وأسر المنطقة ناهيك عما تقدمه الدولة لمثل هذه الطبقة المحتاجة والعجزة وكبار السن والمرضى من مساعدات مالية من خلال الضمان الاجتماعي بالمنطقة.
إن ما ذكرناه في الأسطر السابقة ما هو في واقعه إلا أمثلة حية لما تم إنجازه في هذه المنطقة العزيزة من بلادنا في هذا العهد السعودي الزاهر الذي يقود دفته بثبات راسخ من العقيدة الإسلامية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز واخوانه الغر الميامين حفظهم الله جميعاً.مدركين في الوقت نفسه أن خطط التنمية الهادفة لهذه المنطقة على وجه الخصوص والمملكة العربية السعودية بصفة عامة ما زالت تسير وفق طموحات القيادة الرشيدة لهذه البلاد الطاهرة والتي تنظر إلى التقدم على أنه سمة عصرية لازمة لمسايرة ركب الحضارة وازدهار الأوطان وتقدم الإنسانية. وهذا ما كان يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- من منطلق المصلحة العامة للوطن والمواطن وذلك طبقاً لما جاءت به شريعتنا الإسلامية التي اعتبرها خادم الحرمين الشريفين الأساس والقاعدة لكل تطور تسعى الدولة إلى تحقيقه من أجل مسايرة الأمم في تقدمها وتطورها المستمر.
ولما كانت تبوك قد نالت نصيبها الوافر من هذا الاهتمام من قبل الدولة نصرها الله فإنها بالتالي لم تكن بعيدة عن ذهن الملك فهد وما كان يتوقعه حيالها من البهاء والازدهار وهي الحقيقة التي رآها أرض الواقع عند زيارته تبوك عام 1408هـ كما يؤكده -حفظه الله- من خلال كلمته التي القاها أثناء زيارته لتبوك قائلاً (إن انطباعاتي هي نفس ما كنت أتوقع أن أراه في مدينة تبوك). أما ما شاهدته من الناحية المدنية فقد شاهدت في الواقع مدينة تضاهي المدن الأخرى في أنحاء البلاد. مدينة تتطور بين شهر وآخر وتندفع إلى الأمام.. وهذا ليس فقط لأن الدولة وفرت جميع الامكانات ولكن شعب المملكة العربية السعودية في هذه المنطقة وفي جميع المناطق الأخرى عنده القابلية والاستعداد لأن يصل بوطنه إلى ما وصلت إليه الأوطان الأخرى من رقي وتطور في حدود شريعتنا الإسلامية التي هي في الواقع الأساس والقاعدة. فأهنئ نفسي وأهنئ شعب المملكة العربية السعودية بما لمسته في هذه المنطقة من تطور.
التنمية السياحية بمنطقة تبوك
تعيش منطقة تبوك في ظل نفس المعوقات السياحية التي تعيشها معظم مناطق المملكة ويعاني الاستثمار السياحي بها من المشاكل العامة مثل غياب وجود هيئة منظمة وداعمة للقطاع السياحي ومشاكل تمويل المشروعات السياحية ومشاكل الركود والموسمية التي تواجه غالبية المناطق والمشروعات ولكن توجد بعض المعوقات المؤثرة على التنمية االسياحية بمنطقة تبوك منها:
غياب معلومات النشاط السياحي:
صعب على المستثمرين دراسة فرص الاستثمار السياحي بالمنطقة، ولعل مشكلة غياب المعلومات حول حجم الاستثمار في المنطقة والفرص المتاحة وحجم الاستثمارات اللازمة لها يمكن أن يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن دخول الاستثمار السياحي. لذلك تشكل مشكلة توافر المعلومات إحدى عقبات التنمية السياحية بالمنطقة.
توافر البنية الأساسية والخدمات:
يمثل عدم توافر عناصر البنية الأساسية والخدمات في العديد من المواقع السياحية إحدى المعوقات التي تواجه الاستثمار السياحي في تبوك حيث تتوافر العشرات من المواقع السياحية البكر التي تفتقد لعناصر البنية الأساسية، لذلك يجب دعم الجهود الحالية في توفير وتطوير وتنمية البنية الأساسية بالمنطقة وتمهيد الطريق إلى المشروعات السياحية ومنح تسهيلات للمستثمرين بما يحفزهم على الاستثمار السياحي في تبوك.
وعي المستثمرين بأهمية تبوك:
تختلف تبوك عن جدة وأبها من حيث أن المستثمر لايزال يجهل المقومات السياحية المتاحة بالمنطقة وفرص الاستثمار الواعدة بها.. كما أن البلدية والغرفة التجارية قامتا بإجراء العديد من الدراسات للفرص الاستثمارية التي لا يعلم عنها المستثمرون شيئا.. لذلك توجد أهمية للأهتمام بالجانب الإعلامي حول المقومات المتوفرة في تبوك ودعوة رجال الأعمال إلى لقاءات وندوات تعقد لطرح فرص الاستثمار عليهم حتى يعرف المستثمرون الإمكانيات الواعدة في هذه المنطقة من الوطن الغالي.
غياب وعي المواطنين
بمقومات السياحة في تبوك:
تعاني تبوك مثل العديد من مناطق المملكة من مشكلة غياب الوعي بالمقومات الطبيعية والسياحية بها، وهو ما يحتاج إلى تطوير برامج التعليم والإعلام بحيث تشمل تعريف المواطنين بالمقومات المتوفرة في مختلف مدن المملكة، لكي لا يندفع المواطنون إلى خارج المملكة يبحثون عن بعض المقومات التي يوجد مثيل لها داخل المملكة، إضافة إلي توافق العادات والتقاليد وتوفير مليارات الريالات التي تتسرب سنوياً إلى خارج المملكة.
فرص التنمية السياحية بالمنطقة:
قامت الغرفة التجارية الصناعية بمنطقة تبوك بإعداد عدة دراسات اقتصادية لتقييم فرص الاستثمار السياحي بالمنطقة وطرحها على المستثمرين، كما قامت البلديات بتطوير العديد من المواقع لطرحها على المستثمرين ولكن لاتزال منطقة تبوك تزخر بالعديد من المواقع السياحية المتميزة والتي لا يوجد لها مثيل في مناطق أخرى بالخليج العربي وليس فقط على مستوى المملكة والتي يمكن في حال استثمارها أن تحول المنطقة إلى واحد من أهم مناطق الجذب السياحي بالمملكة.
ولكن لا تزال بعض المواقع تعاني من بعدها عن الطرق الرئيسية وعدم توفر البنية الأساسية بما يجعل القطاع الخاص يحجم عن الدخول بقوة أكبر في مجال الاستثمار السياحي.
لذلك حين نفكر في تنويع مصادر الدخل الوطني للتغلب على مشكلة تراجع أسعار النفط بما يدفعنا للتأكيد على أهمية المصادر البديلة للدخل والتي يأتي القطاع السياحي على رأس أولوياتها.
وإذا كان الله قد حبا تبوك بطبيعة متنوعة من بحر وجبال واثار ثقافية ومواقع تاريخية إضافة إلى موقعها على المدخل الشمالي للمملكة، كل ذلك يدعم أهمية دعم الاستثمار السياحي بالمنطقة.
لقد عقد اجتماع للتنمية السياحية والاستثمار السياحي في عام 1995م ونتج عن الاجتماع تكوين شركة تبوك الدوائية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز، ولقد اصبحت تبوك تتمتع باستثمارات متميزة في المجال الزراعي والصناعي ولكن لايزال القطاع السياحي بحاجة لمزيد من الدعم والرعاية من أجل تحقيق الاستثمار المنشود للمقومات السياحية بتبوك.
ولا تزال هناك ضرورة لدعوة المستثمرين من مختلف أنحاء المملكة للاستثمار السياحي في تبوك. كما ان الزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز أمين عام الهيئة العليا للسياحة مؤخراً لمنطقة تبوك ومحافظاتها تأتي في إطار بحث فرص السياحة والاستثمار في المنطقة وتنمية السياحة الداخلية وصناعة منطقة تبوك كمنطقة سياحة واعدة.
|