كتبها وصوَّرها - ماجد ناشي العنزي
عندما تدلف قدماك أرض تبوك أو تخطو خطوة فوق أديمها تنتابك حالة من العشق ولن تخطئ عيناك ذلك الترحيب والبشر الشمالي الطافر في الوجوه فأبناء تبوك سوف يلتقونك بالشعر والهيل وتصافحك الورود وعقود الياسمين والجوري والبنفسج واللوتس.
خادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه ولي العهد في زيارة لتبوك عام 1408هـ
نهر متدفق وعطاء لا ينضب وإنجازات تترى.. إرهاصات وبيادر لقصة نجاح كبرى تعيشها تلك البقعة الغالية من بلادنا.
أغدق عليها بحبه وعطائه الجم فأحبته وبادلته الوفاء وسارت سفينة تشق عباب البحر تتكبد الصعاب وتطوي مسافات الزمن لتعبر إلى شواطئ الإبداع وتتخذ لنفسها متكأً قصياً على قمم المجد.
يقودها ربان ماهر وقائد متمرس أوكلت له القيادة من لدن مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ليكون أميناً على أبنائها وعيناً ساهرة تواصل الليل بالنهار لتضيء مزيداً من الشموع لكل القادمين إليها وليكون اختيار العاشقين لها مرسى.
لم تكن تبوك كما حدثني ذات مساء الأستاذ محمد عمر عرفة عضو مجلس المنطقة رئيس النادي الأدبي سوى شوارع وأزقة متناثرة في حي الخالدية وبعض أشجار النخيل الباسقة على مقربة من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومحطة خط السكة الحديد.. فقد عرفت تلك المدينة الماضي بقسوته وصعوبة حياته وخاضت تجاربها مع كل التجارب الأصلية.
وحين لاح في الأفق زهو الحاضر السعودي لم تتردد في الالتحاق بالركب وامتدت سواعد أبنائها تغرس الخير أخضر لتورق الأحلام في عمق الصحراء. إن تبوك المدينة العريقة تعيش واقعاً حضارياً مزدهراً ازداد إشراقاً عندما انتظم عقده وتكاملت عناصر نجاحه بشخص حفيد مؤسس هذا الكيان صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز الذي رسم ببراعة لهذه المنطقة التي تعيشها مملكتنا الحبيبة جعلت تبوك قمراً منيراً في سماء الشمال يسكنها الفرح وتنمو على طرقاتها بذور المحبة وتفوح من حبات رملها رائحة الفل والخزامى والشيح تتنفسه في ليالي صيفه الحالمة.
كما أن تفاعل رجالات تبوك مع المناسبات الكبيرة التي تستضيفها المنطقة على مستوى المملكة محل إعجاب جميع المسؤولين ممن تتشرف المنطقة بزيارتهم حتى أصبحت تبوك المكان المتميز لإقامة المؤتمرات والمنتديات واللقاءات بدعم ومؤازرة من الرجل الأول في المنطقة سمو سيدي الأمير فهد بن سلطان. إنها فعلاً أحلام التبوكيين التي حولها فهد بن سلطان إلى حقيقة ماثلة للعيان وما زالت وستستمر العلاقة الحميمة التي تربط سموه بتبوك حتى أصبح اسمه يمثل حاضر ومستقبل هذه المنطقة.
ولعلنا نبدأ في هذه الحلقات بالموقع الاستراتيجي للمنطقة.
الموقع الاستراتيجي
تقع منطقة تبوك في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، وتبلغ مساحتها «116400 كم2»، وهي تمثل ما نسبته 5% من مساحة المملكة وتعتبر تبوك بوابة الشمال للمملكة العربية السعودية حيث حدودها مع بعض الدول المجاورة، ونظراً لما لهذا الموقع من أهمية استراتيجية، فقد أخذت هذه المنطقة كثيراً من الاهتمام لدى حكومتنا الرشيدة رعاها الله وذلك في مختلف مجالات التنمية وتضم هذه المنطقة عدداً من المحافظات وهي محافظة تيماء ضباء أملج حقل بالإضافة إلى عدد كبير من المراكز والقرى والهجر، وكلها يرتبط بعضها ببعض من خلال شبكة الطرق الحديثة التي تغطي معظمها.
جيولوجية المنطقة وتضاريسها:
تتألف المنطقة من عدد من التكوينات الجيولوجية التي تعرف باسم تكوينات تبوك وهي عبارة عن صخور رملية من مختلف العصور الجيولوجية التي مرت بها هذه المنطقة وتحتضن هذه التكوينات كمية هائلة من المياه الجوفية المسماة بحوض العلا تبوك. وأما فيما يتعلق بسطح المنطقة: ففي الشمال الشرقي من تبوك تقع جبال شرورى على بعد «40» كم تقريباً، وهي من الجبال المشهورة بالمنطقة أما في غرب تبوك فتقع هضبة حسمي بجبالها الفريدة والعجيبة التكوين. في حين تمتد جبال ضفير من جنوب تبوك إلى شمالها، إضافة إلى المرتفعات الغربية «سلسلة جبال السروات» الموازية لساحل البحر الأحمر والتي يبلغ ارتفاعها ما بين «200م إلى 3000م» فوق سطح البحر ومن قمم السروات المشهورة في منطقة تبوك: جبل اللوز القريب من البدع، والذي تغطي قمته الثلوج في أكثر أيام الشتاء، وجبل شار القريب من ضباء، وجبل الورد القريب من الوجه. كما يوجد بالمنطقة عدد من الحرات أشهرها حرة الرحاة التي تعرف أيضا بحرة بني عطية، وحرة العويرض التي تسمى أيضا حرة بلي. وإذا أتينا إلى الأودية فإن منطقة تبوك تحتضن عدداً كبيراً من الأودية وأشهرها ما يلي:
1- وادي المعظم ويقع جنوب تبوك على بعد «130»كم، فيه بركة كبيرة وقلعة تسمى المعظم.
2- وادي الأخضر ويقع على بعد 70 كم جنوب مدينة تبوك وهو من الأودية التي نزل بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى تبوك.
3- وادي الأثيلي ويبدأ من حرة السليطية مندفعاً إلى الشرق حتى يصب في قاع المحتطب شمال تبوك ويسمى أسفل الوادي أبو نشيفة.
4- وادي أبو عجيجات ويبدأ من حرة السليطية ويتجه غرباً، ويمر بالقرب من جبال «رايس» ثم يصب في المحتطب.
5- وادي البقار ويقع غرب تبوك ويصب في المحتطب.
6- وادي ضم ويبدأ من حسمي ويصب في شرورى.
7- وادي دبل ويبدأ من جبل الطبيق ويصب في ذات الحاج.
ولعل ما يميز منطقة تبوك الأودية الساحلية التي تمتد على طول الساحل.
شريط ساحلي وأودية ساحلية
وبالإضافة إلى ذلك فإن المنطقة تحوي شريطاً ساحلياً محاذياً للبحر الأحمر بطول «500» كم تتخلله بعض الأودية والشعاب وبعض السهول التي تحتضن أكثر محافظات المنطقة كضباء والوجه وأملج وحقل وبعض المراكز التابعة لها كمركز المويلح والخريبة ومقنا وشرما، أما أهم الأودية بالمنطقة الساحلية فهي:
1- وادي أملج ويصب في البحر الأحمر قرب ميناء أملج.
2- وادي الحمض، ويمتد من المدينة المنورة ثم يسير في الأودية الجبلية في مرتفعات الحجاز إلى الشمال ثم الشمال الغربي حتى يأتي سهول تهامة حيث يصب في البحر الأحمر جنوب محافظة الوجه.
3- وادي المياه ويصب في البحر بالقرب من مدينة الوجه.
4- وادي السر ويسمى امتداده وادي ثلبة ويصب في البحر جنوب محافظة ضباء.
5- وادي عفال ويجري موازياً لخليج العقبة باتجاه الجنوب ويصب في البحر الأحمر بالقرب من مدخل خليج العقبة، وفي هذا الوادي تقع واحة البدع الشهيرة في المصادر التاريخية باسم مدين.
6- وادي شرما وينحدر من المرتفعات الغربية ويخترق السهل الساحلي ويصب في البحر الأحمر بالقرب من مركز شرما.
7- وادي عينونة وينحدر من المرتفعات الغربية ويخترق السهل الساحلي ويصب في البحر الأحمر قرب مركز الخريبة.
المناخ
يميل مناخ المنطقة إلى الاعتدال في أكثر أيام الصيف، بينما يميل إلى البرودة الشديدة في أيام الشتاء خصوصاً في تبوك والأماكن الداخلية المتاخمة لها، أما المناطق الساحلية فتبقى دافئة شتاءً، ولهذا فإن درجات الحرارة في منطقة تبوك متباينة ما بين الجهات الداخلية والأماكن الأخرى التي تقع محاذية لساحل البحر الأحمر، حيث تتراوح درجات الحرارة بشكل عام ما بين «40ْم» صيفاً وصفر مئوي شتاءً في الجهات الداخلية بينما نجد هذه الدرجات معتدلة في الجهات التي تقع محاذية للبحر الأحمر معظم شهور السنة مع قليل من الرطوبة كلما اتجهنا شمالاً وهو الأمر الذي ساعد على قيام الزراعة وتنوعها بالمنطقة.
منطقة تبوك عبر التاريخ
شهدت منطقة تبوك العديد من الحضارات القديمة على مّر العصور وذلك في كل من تيماء وتبوك والبدع ومقنا والمويلح وقرية ونواحي أملج والوجه وضباء وعينونة. إلى جانب بعض الأماكن الأخرى بهذه المنطقة. أما تبوك المدينة فقد شهدت إضافة إلى تلك الحضارات أحداثاً تاريخية لاحقة أهمها قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إليها في غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة. ويرد اسم تبوك بمسمى تباوا في جغرافية بطليموس، إلا أنها تعرف باسمها تبوك «قبل الغزوة» فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأفراد جيشه حينما اقترب منها: «إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك»، كما يرد وصف تبوك في عدد من كتب الجغرافيين المسلمين وكتب البلدان ففي معجم البلدان يروي ياقوت نقلاً عن أبي زيد «تبوك حصن به عين ونخيل وحائط ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم » ويقول ابن بطوطة «ونزلنا من عقبة الصوان إلى الصخرة التي يقال: (داخلها مفقود وخارجها مولود)، وبعد مسيرة يومين نزلنا ذات حاج وهي حسيان لا عمارة بها، ثم إلى وادي بلدح ولا ماء به ثم إلى تبوك وهو الموضع الذي غزاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها عين ماء كانت تبض بشيء من الماء حتى نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ منها فجاءت بالماء المعين».
غزوة تبوك نقطة تحول خطيرة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة في الغزوة المسماة باسمها، في وقت شديد الحر، بعد أن جهز جيشه المسمى بجيش العسرة، وذلك لمحاربة القبائل التي كانت تدين بالنصرانية وتحمل الحقد على الإسلام والمسلمين. وكان من نتائجها انتصار المسلمين، ودخول بعض قبائل المنطقة في طاعة الرسول، وقبولهم دفع الجزية المستحقة، حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة الشام يصمُّ آذان نصارى العرب، ويصعق جيوش الرومان الهاربة من وجهه بخطبة شهيرة عصماء، ألقاها في حشد ضم ثلاثين ألفاً من جنوده المظفرين بعد أن أدبر الأعداء من ميدان القتال. وكان من ضمنها كما ورد في كتاب الحديث الصحيح وفي كتب المغازي قوله صلى الله عليه وسلم «أيها الناس أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه ونسلم، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عواقبها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: من يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمّع الله به، ومن يتعبد يغفر الله له، ومن يعص الله يعذبه، اللهم اغفر لي ولأمتي وأستغفر الله لي ولكم».
وكانت غزوة تبوك نقطة تحول خطيرة ومصيرية في تاريخ الدعوة الإسلامية، إذ أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين قدرتهم على مواجهة أعتى قوة في العالم في ذلك الزمان في أحداث شهدتها قفار تبوك وكثبانها، وموائد الصحراء المترامية على أطرافها، وأشجار الطلح والسمر والغضى المتناثرة في صحاريها وهكذا فرت جحافل الأعداء مذعورة باتجاه الشمال، مولية الأدبار أمام زحف الجيش الإسلامي الهادر.
وهكذا أصبحت تبوك بعد الغزوة واحدة من أهم مناطق الدولة الإسلامية الناشئة ثم بقيت ثغراً مهما للجزيرة من جهة الشام، وطريقاً حيوياً للقوافل التجارية وقوافل الحجاج والمعتمرين، ومحطة مهمة للخط الحديدي الحجازي الذي كان أول وسيلة نقل حديثة ربطت الأماكن المقدسة بالشام وتركيا إلا أن استيطان السكان فيها كان محدوداً في ذلك الوقت بعكس ما هي عليه الآن حيث يسكنها مئات الألوف من السكان من مختلف مناطق المملكة إلى جانب الوافدين وهم ينعمون جميعاً بالأمن والاستقرار الذي تنعم به هذه البلاد والحمد لله.
قال الشاعر وهو يتغنى بوصول الرسول عليه الصلاة والسلام إلى تبوك وانتصاراته على أعداء الإسلام في غزوة العسرة:
أحد معالم منطقة تبوك (سكة حديد الحجاز وصل لها أول قطار عام 1906م)
تبوك تصدّر الورد إلى هولندا وأوروبا
الأمير فهد بن سلطان
المعظم والأخضر والأثيلي والبقار وضم ودبل أهم أوديتها و 500 كم طول ساحلها
درجة الحرارة ما بين صفر إلى 40 والمناخ ساهم في قيام زراعة متنوعة
وصل الرسول إلى تبوكَ مبكراً - والآي من لسن الجميع يرتلُ
فُتحت تبوكُ وقد خلت قيعانها - رومانها نحو الشمال تحولُوا
فبنو الأصيفر قد تفرق شملهم - مع تشتت في الفلاة يولولُ
الرعب يُقذَفُ في قلوب عدونا - والنصر للإسلام دوماً يحصلُ
صوتاً عظيماً قد تردد عالياً - صوت المؤذن للصلاة يحيعلُ
حين استتب الأمر صار بلطفه - يدعو الولاةُ وللمالك يرسلُ
وتنعمت تلك الربوع بطلعة - تزهو على كل الرجال وتفضلُ
يقف الرسول إلى تبوك مودعاً - يدعو لها وإلى المدينة يقفلُ
تطالعون في الحلقة الثانية أبرز الآثار في منطقة تبوك
|