يطيب لي أن أحيي جمعكم الميمون أجمل تحية، وباسمكم أحيي ضيفنا الكبير، الأستاذ ابراهيم بن عبدالرحمن البليهي وصحبه الكرام المهندس أحمد بن صالح السلطان، والمهندس عبدالرحمن بن سلطان العرفج، والدكتور عبدالله الحامد. وابنيه الأستاذين حسين وعمر.. الذين تكبدوا عناء السفر من القصيم الى الرياض، ليسعدونا كرما منهم بهذا اللقاء الذي يأتي مسك الختام لموسم هدا العام.
وأود في البداية أن أقف مع اضاءة صغيرة محييا بصفة خاصة العصامية في ضيفنا الكريم، وحبه للعلم ومثابرته على تحصيله منتسباً، في الوقت الذي طرق أبواب العمل في سن مبكرة، وهذا من النماذج التي أهديها بكل الحب لأبنائنا الذين يخوضون معترك الحياة ليعلموا ان مسالك الحياة مفتوحة لكل من ألقى السمع وهو شهيد، وليتأكدوا تماما أن مع العسر يسر.. «إن مع العسر يسرا».. وهنالك دائما يسر غير محدود، مع العسر المقيد بالألف واللام، بحول الله وقدرته.
لقد عرفنا ضيفنا الكريم كاتبا مميزاً.. وله عشرات المقالات الصحفية التي كرسها لدراسة العديد من القضايا بما قد تختلف معه طوراً، وتتفق أطواراً أخرى، ولكن في كل الأحوال لا تملك إلا ان تحترمه لأنه يحترم عقل المتلقي، ويطرح أفكاره بأسلوب علمي يرصد من خلاله المقدمات، وفي نهاية الطرح يتناول هذا المشروع الفكري، ما أسماه ضيفنا الكريم «عبقرية الاهتمام» محللا من خلال هذا الباب أسباب عجز العالم الثالث عن هضم وتمثل العلوم والمهارات، مشيرا الى «الكلال العلمي» و«الكلال المهني» اللذين يلقيان بظلالهما على مجمل حركة التنمية، اضافة الى أهمية التركيز والعناية والشغف والتنظيم والمثابرة والحب الحقيقي للعمل كشروط أساسية للنجاح والابداع.
إن فارس أمسيتنا بعمله الدؤوب على انجاز هذا المشروع الفكري يسد ثغرة كبيرة في منظومة الدراسات التي تجمع بين الاجتماع والاقتصاد، ويمتد أثر الدراسة ليشمل مكونات أخرى لا يتطرق لها كثير من الباحثين، كمسألة الثقافة والفكر في بناء الأسس التي يقوم عليها المجتمع العصري بكل نشاطاته وتعقيداته. وأشد على يده مهنئا بهذه النظرة الثاقبة، التي أرجو ان تؤتي أُكلها خيرا ونماء.
وتأكيدا لأهمية هذا التوجه، رأيت ان آتي ببعض الاحصائيات الموثقة، كشواهد على نوعية التخلف الذي تعاني منه دول العالم الثالث، ولغة الأرقام كما تعلمون - بقدر ماهي باردة وجافة - إلا أنها لا تقبل الجدل، بل تقول ما قل ودل، ثم تحدث فينا. ولنأخذ على سبيل المثال ثلاث دول عربية، بطريقة عشوائية، وبدون تحديد أسمائها.. فنلاحظ الآتي:
متوسط نسبة الأرض الصالحة للزراعة 10%.
متوسط عدد السكان 36 مليون نسمة.
متوسط نسبة المتعلمين 61%.
متوسط نسبة السكان تحت خط الفقر 14%.
متوسط نسبة البطالة 10%.
متوسط نسبة النمو الصناعي 10%.
متوسط دخل الفرد من اجمالي الناتج القومي 800 ،5$.
وننظر الى نفس هذه المقاييس بالنسبة لثلاث دول في أوروبا والشرق الأقصى، ما بين متقدمة صناعياً - وفي مجال الصناعة الخفيفة - والانتاج الزراعي والحيواني - فنقرأ الآتي:
متوسط نسبة الأرض الصالحة للزراعة 21%.
متوسط عدد السكان 27 مليون نسمة.
متوسط نسبة المتعلمين 96%.
متوسط نسبة السكان تحت خط الفقر لا يوجد.
متوسط نسبة البطالة 5%.
متوسط نسبة النمو الصناعي 3%.
متوسط دخل الفرد من اجمالي الناتج القومي 700 ،27$.
ولا أريد أن أثقل عليكم بالمقارنة.. فقط لنتأمل «متوسط دخل الفرد من اجمالي الناتج القومي»، لنجد انه يشكل أكثر من أربعة أضعاف مثيله في نموذج شريحة الدول العربية، والتي من بينها دولة بترولية عظمى، والمرجع متاح للجميع على شبكة الانترنت، لمن أراد المزيد من الحقائق، وهي للأسف حقائق مرة ومؤلمة.. إن علينا ان نستقرىء واقعنا بشيء من الشفافية.. وننضو عنا العنتريات التي ما قتلت ذبابة، على حد قول نزار قباني.
إننا نقف في منعطف خطير.. وما أثبته آنفا بالأرقام يؤكد أهمية المشروع الفكري الذي سيطرحه ضيفنا الكبير على الساحة قريباً بمشيئة الله.. وأرجو حينذاك أن يجد ما يستحقه من عرض وتحليل بواسطة مختلف وسائط الاعلام.. فالأمر أعجل وأهم من أن يمر مرور الكرام، وإذا لم نعمل جاهدين للحصول على مكان تحت الشمس، فسوف نضرس بأنياب ونوطأ بميسم، ونربأ بأنفسنا عن ذلك المصير، لأننا أمة أرادها الحق سبحانه وتعالى خير أمة أخرجت للناس، فقط علينا ان نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله عزوجل ما بنا نحو الأحسن، وليس أمامنا إلا العمل. والعمل.. ثم العمل.. والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الأساتذة الأفاضل: لا أملك إلا أن أزجي لكم عاطر الشكر والتقدير على تفضلكم بإحياء اثنى عشر لقاء شرف بها هذا المنتدى في موسمه الحالي. وعلى أمل ان نسعد جميعاً بالالتقاء مجدداً بعد العطلة الصيفية إن شاء الله. وأحب أن أنوه الى أن موسمنا القادم سيشهد انبلاج العام العشرين في مسيرة «الأثنينية».. وأرجو أن نسعد خلاله ببعض المفاجآت السارة التي تشكل رافداً جديداً. وخفقة ريح تسهم في دفع شراع الثقافة والفكر الى آفاق أرحب بعون الله وتوفيقه.
متمنياً لكم إجازة ممتعة.. وعوداً حميداً لمواصلة الركض على درب الكلمة.. ودمتم في حفظ الله ورعايته.
عبدالمقصود خوجة |