كان وَدُوداً ورضيّاً ومؤنساً ونبيلاً..
كان فاكهةَ المجالس، وقنديلَ السَّمَر..
يودُّه الصحب، ويتوقون إلى وجوده..
ويتفاءلون بقصصه وحكاياته وطرفه ونكاته..
وكان معه الوعيُ والحضور، وبه كان سيداً
جميلاً محترماً..
رَكَنَ إلى «المتعة» وسباهُ «ذهاب العقل»
فتحول وبشكل مدمّر إلى «مَسْخ»، وأمسى «عبرةً» تثير الشفقة، وأصبح الجمعُ يضحك عليه بدلاً من أن يضحكوا منه، وسقط من أعين الندماء والأصدقاء:
« افتتاح »
يا ذاهلاً أَوْغَلَتْ في ذاته الخاءُ..
والميمُ تُشْعِلُهُ إذْ يُكْسَرُ الماءُ..
والرَّاءُ تَسْرِي سريعاً في مَفَاصِلِه
وقد أقامت على إيقاعها الرَّاءُ
والتاءُ إذْ تحتمي بالهاء مُعْجَلَةً..
يَهْوِي بها من رويِّ الرُّوح إقواءُ:
أَقْوَتْ بك الخطراتُ الخضُر وانَْدَلَعتْ
نارُ الخَبَال وأَنْهى فألَكَ الداءُ..
وأصبحتْ سَهَراتُ الأُنْسِ مترعةً
بوحشة الذّنب.. ما للذّنْب إغراءُ..!
والحزنُ يَغْرقُ في حزنٍ يُبَدِّلُه
بالقهر في آخر التعليل إزراءٌ..
والشيء إذْ يَغْتدي بالفقه معرفةً
تردُّه بشديدِ المقت أشياءُ
حفظتَ كلَّ سياقِ العارفين بها
ولم يفقْ في سياقِ الوعي إمضاءُ
تَبَدَّلَتْ حالُك المثلى بوصمتها
أمسيتَ مَسْخاً وهامت فيكَ غوغاءُ
أَشْْهَدْتَ ربَّك والأصحابَ منكفئاً
وُعدْتَ صوبَ مصيرِ النّفْس تَسْتاءُ
وما استياؤُكَ في دنياً تَهِيمُ بها
مثلَ استيائك إذْ تنتابُك الحاءُ
والسّينُ تأوي إلى سُوءٍ ونازلةٍ
لم تنفردْ مثلَها بالرُّوحِ لأْوَاءُ..
وإذْ تَلَفُّكَ في عِزِّ الأَسَى ألفٌ
الباءُ تُسْرِفُ في بلوائها الباءُ..
«سيرة»
قد كنتَ خَيّال السُّرى..
في ليلك الزَّاهي..
مَجِيئُكَ
مهرجانُ الأوفياءْ..
والفجرُ..
يَشْهدُ بالدُّعاءْ
يعتادكَ الذكرُ الرَّضِيُّ
بفيضِهِ..
ويقيم في دمك الرَّجَاءْ..
ما بين وجهك واللقاءْ..
ما بين هتّانِ التّحايا..
والسؤالِ..
ونشوةٍ
لا يستكين بها احتفاءْ
كانت تَشِعُّ بك الحَنَايا..
والزّوايا..
والمودّةُ..
دِيمةٌ..
طَرِبَتْ لها
لغةُالمَسَاءْ..!!
طَفِقَ الغَرُورَ..
يُجيلُ فيكَ قِدَاحَهُ..
فاصطادَكَ الملعونُ..
كيف قِدَاحُهُ.. قَدَحتْ وأيقظت الهَوَى..
وَاسْطاعَ أَنْ يجتازَ كلَّ حصونِكَ الخضراءِ..؟!
كيف تصدَّعتْ جدرانُ بيئتكَ..
التي أَرْبتْ على العشرين..
والعشرين..
تبذرُ فيك جيناتِ النّقاءْ؟
جدرانُ بيئتك التي هَدَّمتَها..
ما كان في كَوْنِ الإلَهِ مثيلُها..
هي أمُّ كلِّ المورقات..
الصافيات..
المٌخْلَصَاتِ..
بلا مِرَاءْ..
عزَّ البديُل..
وقد تَدَاعتْ كلُّ أقبية التّردِّي والفَنَاءْ..
لكنَّكَ..
المغترُّ..
يتبعك الجنوحُ..
ويصطفيك الشؤمُ..
في دَرَكِ الشَّقَاءْ..
لم ييأس المطرودُ من ربض الجنانِ..
فأَوْجَفَتْ هَمَزاتُهُ..
وتردّدتْ نَفَثَاتُهُ..
وتجاوبتْ نَفَخاتُهُ..
وتأجّجت نَزَغاتُهُ..
وأَتَاكَ في تَوْهيمِهِ..
ورأيتَه في شِرْكِهِ
فركبتَ أبشعَ خيلِهِ
فتوسَّطَتْ بك رَجْلَهُ..
أمسيتَ من أتباعِهِ
وغدوتَ بين قبيلِهِ..
عَرَفَ الطريق إلى سقائِكَ..
فانْتحاكَ بمكرِهِ..
فدلَقْتَ عند نفيرِهِ سرَّ الوِكَاءْ..
اللَّهَ..
ما أرداك..
تحت سنابِكِ غدرِهِ..
وفصيلِهِ..
إنْ جُنَّتِ الفُرسانُ
فوق الصافناتِ..
وأَقْدَمَتْ بصهيلها..
فلأنْتَ منفعلٌ..
وَمُشْتعلٌ إذاً..
بصهيلِهِ..
اللَّهَ!!
ما أشقاكَ..
إذْ داستْ مصلاّكَ الطَّهُورَ..
سنابُك الشَّهواتِ..
واشْتَدَّتْ بكَ النزواتُ..
أَزَّتْكَ المَزَاعمُ..
بين أعوانِ اللعينِ..
فصرتَ مهزلةَ اللّعينِ
وقامَ فيك المقتُ..
يشهدُ بالبلاءْ..
ها...
أنت..
تسرف في الجنوحِ بلا حياءْ..
هل
أنت..
لا مثلٌ يردُّك للصوابِ
ولا اقْتداءْ
هَا
قد..
هَدَرْتَ بقيةَ الشّرفِ الرفيعِ..
وعدتَ..
تمسحُ ما تَبَقَّى..
من إبائِكَ..
كيفَ يمكنُ أَنْ ينامَ الحرُّ..
دونَ سجيّةٍ..
يختال فوق نَسيجها..
شرفُ الإباءْ..؟!
قد كَرَّمتْكَ سَحَائِبُ الرحمنِ..
وانتظرتْك أزمنةُ الشّفاءْ..
قد طَهّرْتكَ مساكبُ الدَّيّانِ..
صرتَ بفضلِهِ..
في ركبْ خيرِ الأنبياءْ..
وأعاذَكَ التنزيلُ
من سُوءِ المصير
وصرتَ تنهلُ..
من كتابِ الصالحينَ..
ومن دليل الأوفياءْ..
هَا..
أنت..
قد ناصبتَ مَنْ سوَّاكَ أصنافَ العِدَاءْ..
جاهرتَ بالذنبِ الكبيرِ..
ركبتَ أمواجَ العُصاةِ..
ولُذْتَ بالجبل الغريقِ
فأين أنتَ..
وأين بارقةُ النَّجاةِ؟
وأينَ أشرعةُ السَّلامِة
والبقاءْ؟
اليأسُ..
مُنْفَتِلٌ على أطنابِهِ..
يَشْتَدُّ..
إلاّ..
أَنْ يَشَاءَ مُقَلِّبُ الأبصارِ..
والأحوال..
خَلاّقُ الرَّجَاءْ..
فهو الذي في غيبِهِ...
في خلقِهِ..
يمحو.. ويثبتُ ما يَشَاءْ..
«صوت»
ألا أيَّّا الآدميُّ الذي قد عصيتَ
وما شَدَّك النورُ...
صوب النجاةِ..
ولا أنت..
في سيرك المستريبِ ارْعويتْ..
إذا كنتَ فَدْماً..
نسيتَ أباكَ الذي باع جنّاتِ النعيمِ..
بوعدٍ..
تَنَوَّرتُهُ فيه..
ثم انْثَنَيْتْ..
إَلاَ تتذكرُ يا آدميُّ..
أَخَاكَ الرّضيَّ الذّي اخْتَطّ...
صومعةً من خُشوعٍ..
وواكفةً.. من دُعاءٍ..
وترتيلةً من دموعْ..
يُهَدْهِدُهُ في السُّجُودِ الرَّجاءُ
إذا ما تنََاهَبُه اليأسُ
حينَ الركوعْ..
أتيتُ إليه..
ومن بعد سبعين..
جئتُ أفجّر حقدي عليه..
**
وأُوقِدُ نارَ انْدحاري
لديه..
أخذتُ..
أمرّرُ ما اسْتطيعُ..
على جانِبيَهْ..
ومن سكرات احتيالي..
إلى خطرات انخذالي..
تصوَّرتُ روحاً..
تكوّنتُ ناراً..
ونوراً..
وأضرمت كلَّ انفعالي
على خافقيه..
أشرتُ له..
أن يكونَ أميراًَ..
غنيَّاً.. حبيباً..
وزيّنْتُ أَنْ يقتلَ الجارَ..
يستوطنَ الدارَ..
يأوي..
إلى خدرٍ وجمالٍ..
يُشبّبُ ما شابَ من عارضيه..
ولكنّه انْثال صوبي
بنار اليقينِ..
وعاذَ..
ولاذَ..
بربِّ الأنامِ..
فما أَفْلَحَتْ حسراتي..
ولا احْتَفَلَتْ خطراتي..
خَنَسْتُ..
ولم أتحملْ سهاماً..
تَتَالتْ..
وجذّتْ حباليَ..
من ناظريَهْ..
لشدّة ذُلّي..
وغيظي..
رجعتُ إليه..
وعتّقتُ سحرَ شِباكي..
لكيْ..
أتربصَ بالرّغباتِ العِذَابِ..
فلا شيء عندي..
ألذَّ من الشهواتِ..
ونارِ الهوى..
وجنونِ الفِتَنْ..
تَبَدَّتْ قعيدةُ بيت الجوارِ..
وسيّدُها راحَ
لما استراحَ..
إلى وِجْهَةٍ
وزمنْ..
فأشرقَ خَلْقٌ بهيٌّ
وحُسْنٌ رَضِيٌّ..
وسحرٌ..
تَدَفّق من..
خَفَرٍ قاسَمَتْهُ السَّجَايا رحيقَ الوَسَنْ..
فصِحتُ..
وأغريتُ توْقاً
إلى مهجةِ الرغباتِ..
وأوغرتُ كلَّ عروق الحنينِ..
إلى لحظاتٍ..
تُجِنُّ بها نشوةٌ في الفؤادِ..
ويسكَرُ فيها صهيلُ البَدنْ..
وذكَّرتُه بشميمِ العَرَارِ..
قرأتُ له كلَّ ما قيل حُبَّاً وعشقاً..
وعنْ سيرةِ الماءِ عذباً نميراً..
وعن همسات النخيلِ..
وظلٍّ ظليل..
ومن قبل ذاكَ الذي لايُراقُ..
ومن بعد هذا الذي لا يُطاقُ..
إلى أينَ يمكنُ أَنْ يستقلَّ الهجيرَ..
وينجوَ من سطوة الوجْدِ..
حين استهلَّ..
وهَلّ..
وجارَ..
وحارَ بوجهٍ حَسَنْ..
فما كانَ من سيّدِ الذكرِ والفكرِ..
إذْ رابَ..
ثم اسْترابَ..
سوى أن تذكَّر حورَ الجَنَانِ..
وأشفقَ من ظُلمات الجحيمِ..
وخافَ..
وأجفل من خالقٍ لا ينامُ..
ومن سكراتِ عذابٍ مُقيم..
حَثَا إذْ تَوَلّى على نَزَغاتي
ترابَ النجاةِ..
ولاذَ بحق اليقينِ..
وعاذَ من الموبقات
فعدتُ إلى همهمات قبيلي
أجرجُر أذيالَ ذُلّي..
وأبكى لذيذَ مَقِيلي..
ولكنني..
عدتُ قبل مغيبِ احتيالي..
فما كان لي أَنْ أُعاقِرَ يأسي..
ولا أَنْ أسلّم يومي لأمسي..
فلا والّذي قد قضَى..
أَن أكونَ من المنظرينَ..
إلى يوم بَعْثِ الخليقةِ..
لا أسَتريحُ..
إذا ما ابنُ آدم
صارَ رَضيّاً..
قريباً من اللَّه..
يخسَرُ ذنباً..
ويكسبُ حبّاً..
ويسجُدُ هذا السجودَ العجيبَ
الذي قد أَبَيْتُ..
فصرتُ طريداً..
لعيناً..
أسابقُ عمري
إلى غَضَبِ الرّبِّ
في ظُلماتِ العَذَاب الأليم..
فجئتُ إلى صاحبي المُسْتَثَارِ..
وقلت له:
دَعْكَ من قتل هذا القريبِ
ودَعْكَ من الفُحْشِ..
دَعْكَ من الرَّيبِ والشَكّ فيما أُريدُ..
أجبْني..
إلى دعوةٍ لا تُردُّ..
أجبني..
إلى لحظةٍ..
ليس فيها قتيلٌ..
ولا أنت فيها تخونُ المودةَ..
أو تستهينُ بعيشٍ وملحٍ..
ولا بِسِنِيِّ الجوارِ القديم..
أشار إليَّ:
وما ذاك...؟
قلتُ:
قليلاً من الرَّاحِ والمُسْتَرَاح..
فللِروح عند خفيِّ الجروحِ مَرَاحٌ تَعِزُّ لديه الشُّروحُ..
تأملْ حُبيباتِ كأسٍ مذيبٍ
وشَعْشِعْ على وَجْدِكَ العذّبِ
شيئاً من الشُّقرةِ التي لا تذوبُ..
فلستَ بفاقد شيءٍ
ولكنّها متعةٌ لا تقاومُ
بيني وبينكَ..
بينَك والذاتِ
هلاّ احْتَسَيْتْ
دَنَا وجدُهُ
من سرابِ وعودي..
دنا عشقُهُ
من غوايات همزي
ونفثي..
ومدَّ يداً طالما كبّرتْ لِلَّذي يَعْلَمُ السرَّ فيه وأخفى..
وضَمَّ أَنَاملَ
ما أخلفتْ في زمانٍ.. ولا خالَفَتْ في مكانٍ..
تُسبِّحُ للِه بدءاً..
وعَطْفا..
على قَدَحِ الذّنبِ..
يوليه.. عُنْفاً..
ولطفا..
وعبَّ من الرَّاحِ..
حتى اسْتَقَلَّ عن العقلِ..
في لحظاتٍ..
تنكَّبَ فيها سياقَ الرَّشَادِ..
وخامر منها سياقَ الوحوشِ..
فأشعلتُ وسْواسَ خُبثي..
وزينتُ كلَّ الذي أبتغيهِ..
فَزَانَ لديه انتظاري..
ومُكْثي..
فقام الشقيُّ..
إلى سكنات الجوارِ
وأخْمَدَ أنفاسَ وُدٍّ قديمٍ..
ولما انْتشى بالذي لا يعادُ..
ولا يستعادُ..
دنوتُ وخامرته بدنيء الغرامِ
فقام إلى حُرّةٍ بَرّةٍ..
لم تَرِدْ وِرْدَ سوءٍ
فجرّعَها الفُحشَ..
أردى العفافَ..
وأودى بها.. صوبَ مقْتِ المغيبِ..
فباركني.. بين موتي.. وبعثي..
فأجلبتُ عند فمِ المنكراتِ
بِخيْلِ الشماتةِ..
أعلنتُ إيقاع مَسّي..
فأوْجَفْتُ زهواً..
بأشكالِ غدري..
وأصنافِ نكثي..
تناديتُ بيني وبيني..
وناديتُ أطرافَ غِلّي..
وصحتُ بكلِّ اعتدادي
بأني عدوٌّ مبينٌ..
حقيرٌ..
رخيصٌ.. لعينٌ
ولكنّك الآن.. يا آدميُّ تُعاقِرُ سِرّي..
إذا ما امتثلتَ لأمري
وصدّقتَ ظَنِّي..
وقمتَ بما زيّنتْه الشياطينُ فيكَ
تنازلتُ عن كلِّ ألوان فِسْقي
وصرتَ..
بدون جدالٍ
خليفةَ مكري..
وتَوَّجْتُ فيكَ انحرافي
تَوَاسيتَ إبليساً فتيّاً..
تُجدِّدُ ما رَثَّ مِنِّي..
وتُحْضِرُ ما غابَ من سيئاتي..
وكيدي..
وحِنْثي..
خاتمة
يا مُسْرِفاً لا يستفيقُ به الدَّمُ
قد ضَمَّ مَسْراكَ السبيلُ المظلمُ..
كلُّ القناديلِ التّي أَسْرجتَها..
قد أطفئتْ.. ومَدَاكَ أُفْقٌ معتمُ..
هيمانَ تسترقُ الضّياءَ بومضةٍ..
والبرقُ حولَكَ مرعبٌ لا يرحمُ..
هلاّ سَمَوَْتَ إلى السَّلاَم وسَبَّحتْ
خَطَرَاتُ روحِكَ إذْ غَشَاها الموسمُ؟
فلأنت سّيدُ لحظةٍ أَضْرَمْتها
ما زلت تُسْرِف في الوقود وتُضْرِمُ..
أجرمْتَ في حقّ المسير ونورِهِ..
ولأنتَ في حقّ النهاية أجرمُ..
ما بين مُعْتَركِ الخَطَايا لحظةٌ
تَنْجيك فيها توبةٌ.. وتَنَدُّمُ..
أحياكَ حيٌّ لا يموتُ وأنت في
عين النّعيم مجاهرٌ تَسْتأثمُ..
إنْ كنتَ من عبدٍ ذليل تَسْتحي
هلاّ اسْتَحَيْتَ وقد رَعَاكَ الأكرُم؟
بايعت ربَّك مُسْلِماً مُسْتَسْلِماً..
هلاّ وَفَيْتَ وأنت.. أنت المسلمُ..؟
إنْ حاصرتْكَ كبائرٌ جَبّارةٌ
فالله أكبرُ من سواه وأعظمُ..
|