بُحَّ صوتي، ولم أزلْ في سُكوتي
شمعةً والرياحُ بالتيهِ تجري
وندائي منَ الأصمِّ بفَجْعٍ
مأتمٌ ضجت به أمة بِرِّ
وحفيفٌ من الشجيراتِ يغدو
في ظلال المفازة الصوتُ يجرِي
صوتُ ماذا سوى بقايا هديرٍ
لطَموحٍ حنينُه المرُّيزري؟
صوتُ ماذا سوى حُثالةِ روحٍ
أُثخِنَتْ بالجراحِ تفري وتفري؟
ضوءُ ما ذلكَ الضياءُ بِنَفْسٍ
أُتْرِعَتْ حُرقةً وقَهْراً بِقَهْرِ؟
أنداءٌ من الجريحِ المسجّى
يُسمِعُ الناسَ؟ منَ لمُدْنَفِ فكر؟
ما نداءٌ يصيحٌ من عمق ِعمقٍ
سابغات الهموم أمواج بحر؟
أحفيفٌ؟ لا بل فحيح جاء يدنو
نافثاً سُمّه التليدَ بِفِكْريِ
أنا طفلٌ، ونزفُ عمري أمامي
وا لِعُمري.. ومن يغنّي لِعُمري!
أنا طفلٌ، ونجم ليلي كسيفٌ
صامتٌ كالوجومِ، يهفو لبدري
أنا طفلٌ، وبدْرُ ليلي عبَوسٌ
بائسٌ يرتجي بُزُوغاً لِفَجِْري
أنا طفل والأسى يحبكُ حَبْكَا
دائباً متقناً نسيجاً لأَسري
أنا طفلٌ وبؤسُ عُمْري مُراقٌ
أُهرقَتْ أسجالُهُ في عذب نهري
أنا طفلُ، وسَوْطُكُمْ يتلوّى
صارخاً لائذاً بناحلِ ظَهري
أنا طفلٌ، وفي ترَدُّدِ نَبْضِي
صَرَخَاتٌ تروي إباءً ِلحُرِّ
أنا طفلُ، وفي عيُوُني بريقٌ
تارةً يَصْطَلي لِيُظِهرَ بِشْرِي
ثُمَّ يَخْبُو لكي تَرَوْا في عُيوني
كيفَ يحيا اليتيمُ دونما وِزرِ؟
إنَّني مُفردٌ يتيمٌ.. فواها
زفرتي أُطلقت تَُمزقُ صَدْرِي
سائرُ أَرْقُبُ الرِّفَاقَ فأهفُو
نحوهُمْ طائراً.. فَيُصفَعُ طَيْرِي
«غِبْ ولا تَأْتِ، إنّنا قُبَّراتُ
شادياتُ ولا مكانَ لفأرِ»
ولماذَا؟ إِنِّي أُجيدُ النَّشِيدَ الْـ
ـعذَبْ شدواً فيه براءةُ طُهري
لَستُ فَأراً يا صحْب إنّا سواءٌ
فاجعلوا عَيْشَنا يَمُرُّ بِخَيْرِ
كُلُّ صحبي مُعَزَّزٌ باحترامٍ
وأنا عِزَّتِي تُذَلُّ بِجَهْرِ
دَارَ فِي ذِهْنِيَ الصَّغيِر سُؤَالٌ
مُطفئٌ جَذْوةً تَبَقَّتْ لِصَبْرِي
مَا لَهُمْ يأنَفُونَ أَنْ يُشْركوني
في تلاهٍ لَهُمْ ويأَبَوْنَ ذِكرِي؟!
إِنَّ يُتْمي تَفَتَّقٌ لجراحي
فاسمعوا صرختي أصيخُوا لأمري
إنني في غِنَى مِنَ اللهِ عنكم
وإلى عطفكُم مرامي وفقري
إنني أرغبُ الجنانَ وأهفو
لأمانٍ يُريحُ قلبي وفكري
إنَّ حضناً يفيضُ حُبّاً ودِفْئاً
لَهْوَبَلُّ الصّدى وجابرُ كَسْري
فاحضنيني يا كلَّ أمِّ أراها
تلثم الثَّغرَ للوَليدِ الأَغَرِّ
قَبِّلِيني فإِنَّنِي أتلاشى
بانعدام الجِنانِ في قاعِ بحرِ
أخرجيني إلى الحياة عظيماً
فوراءَ العظيم أعظَمُ صدرِ
قد حملتُم حنانكُمْ لبنيكُمْ
وَوَطئتُمْ سهواً غضاضةَ زهري
فتأوَهْتُ إذ تأوَّهَ حُزْناً
حَسَراتٍ تكسَّرتْ فوق ثغري
أنا أدري أنْ لا أبوةَ تحويـ
ـني، وآهٍ.. ياليتني لستُ أدري
إنَّ ربِّي قضى وأمضى مصيري
أنَّ أعيشَ الحياةَ دوماً بوترِ
دونما والدٍ يحنُّ بلطفٍ
يجعلُ الأيامَ ريحاناً بنحري
دونَ أمٍّ لها الأناشيدُ جَذْلَى
أَحتسي حُبهّا، وتحظى ببرِّي
إنما ذاك لا يُسيغ اُحتقاري
فأنا ستركم، وأنتُم ُستري
هل تناهى إليكُمُ ما عذابي؟
هل شَعْرتُم؟ْ أم انتشيتمْ بسُكر؟
والكُمْ إذ أفضتمُ اليومَ عني
وسدرتُمْ، وفي جنانيَ جَمْري
مَنْ أُنادي إذا سدرُتم بعيداً؟
إذ قَلبْتُمْ قلوبَ إنسٍ لصَخْرِ؟!
أين بنيانُكُمْ؟ أما يحتويني
ماسحاً عَبْرَتي؟ على الله أجري
ربِّي أَوْصَاكُمُ فلا تقهروني
لاتَدُسُّوا مواهبي وَسْط قَبري
في ضلوعي توهُّجاتُ ضياءٍ
ويقين لَهُ فعائلُ سحر
فأنا قائدٌ أحرِّرُ قْدْساً
مُرْجِعٌ للديار، آخِذُ ثأر
وأنا مبدع أحرِّرُ فكراً
عَبْقَريٌّ، بل عبقرٌ هو شَطري
وَأَنا نافعٌ لنفسي وَقومي
وأنا قادرٌ على كُلِّ أَمْرِ
قدِّروا قدرتي سريعاً لأنِّي
في اصطبارٍٍ ، وفي انتظارٍ لدوري
إنني أرفضُ الحياةَ ذليلاً
رغم يُتمي وما يُثيرُ بِفِكْرِي