توطئة
الداهنة فاعل من دهن؛ فهو داهن وهي داهنة والدهنة القليل من المطر؛ والدهن ما يوضع على الرأس من طيب ونحوه؛ فيقال طيّب الداهنة أي الرائحة.
وتقع الداهنة في غربي سفح جبل طويق في سهل الحمادة المعروف في اقليم الوشم وينحدر إليها خط معبد من جلاجل طوله 17 كم؛ إذ تقع جلاجل فوق الجبل والداهنة تحت سفحه. وكان إنشاء الداهنة سنة 1331هـ ..؛إذ اجتمع عدد من الأخوان بعد سماعهم بإنشاء الأرطاوية فسكنوا الداهنة التي كانت عين ماء لآل سويد أهل جلاجل؛ وكان معهم رجل يدعى أبا الصافي فقام بإنشاء مسجد هناك ما زال إلى اليوم وهو جامع الهجرة الآن؛ ولما ضايق الأخوان على البادية الذين لم يهاجروا ومنهم الشيخ عبدالرحمن بن تركي بن ربيعان والشيخ مناحي الهيضل والشيخ ابن بصيص هاجر ابن بصيص إلى فريثان هجرة الحمادين من مطير والحمران من ذوي ثبيت؛ وهاجر بن ربيعان والهيضل إلى الداهنة وتولى ابن ربيعان أمرها وهو كهل ومريض؛ وكان ابنه الشيخ عمر هو الذي قام مقام ابيه الكهل وتولى شؤون الهجرة.
وفي سنة 1336هـ تم تعيين الشيخ عبدالله بن زاحم قاضياً ومرشداً للداهنة فأحبه أهلها لشجاعته وسماحته وكرمه رحمه الله؛ بل صاروا يحسبونه منهم.
نسب الشيخ ابن زاحم
هو الشيخ عبدالله بن عبدالوهاب بن عثمان بن محمد بن عبدالوهاب بن زاحم بن محمد بن حسن بن سلطان بن زاحم.
وآل زاحم فخذ من آل محمد من المرازيق من البقوم من بني أزد شنوءة القحطانيين.
وقد نزح آل زاحم من تربة إلى القصب واستوطنوا هناك منذ 970هـ.
مولده وتعليمه ومناصبه
ذكر ابنه عبدالرحمن أنه ولد في بلدته القصب سنة 1300هـ ونشأ في رعاية أبيه الذي كان من تجار القصب يومها؛ وقد توفي والده وعمر الشيخ 21 عاما؛ أما أخواله فهم آل منيع من أهالي القصب أيضا؛ كما أن أخوال أبيه من أهل الوشم من آل الصبيحي من القرائن.
وقد تعلم الشيخ على يد أحد حفاظ القرآن في القصب وهو سليمان بن قاسم الذي كان يحفظ الصبية القرآن هناك رحمه الله وكان الشيخ ابن زاحم صاحب ذاكرة قوية إذ حفظ القرآن عن ظهر قلب وهو صغير؛ ثم رحل لطلب العلم بعد أن بدأ يقرأ الكتب الدينية؛ فقد رحل إلى شقراء لتلقي العلم هناك؛ لكنه رحل منها إلى أشيقر التي كانت مركزاً للعلم آنذاك ومن أشهر القرى النجدية في هذا الشأن؛ فدرس فيها عند الشيخ ابن عيسى؛ وأعجب ابن عيسى بنجابته وحذقه ومعرفته حتى صار يراسله بعد رحيله من أشيقر إلى شقراء التي درس فيها على يد الشيخ علي بن عيسى أصول الفقه والعربية؛ ومن ثم يمم الرياض حيث أشهر العلماء هناك مثل الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ حمد بن فارس والشيخ محمد بن محمود والشيخ عبدالله بن راشد بن جلعود «من أهالي القصب» والشيخ العلامة سعد بن عتيق وغيرهم من فطاحل العلماء رحمهم الله جميعا؛ وقد درس الشيخ عبدالله بن زاحم عليهم وأخذ العلم منهم إذ أخذ التوحيد والعقائد والتفسير من آل الشيخ وأخذ الحديث وعلومه من الشيخ ابن محمود وأخذ الفرائض من الشيخ ابن جلعود وأخذ العربية ونحوها وصرفها وكل علومها من اللغوي الضليع ابن قارس؛ وكان يزامله يومها الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري الذي هو أكبر منه سنا لكن الصداقة توطدت بينهما.
تعيينه في الداهنة
لما تم تعيين الشيخ العنقري قاضياً لسدير بمدينة المجمعة سنة 1334هـ أخذ معه الشيخ عبدالله بن زاحم كملازم قضائي له؛ ولما نزل ابن ربيعان الداهنة وأراد الملك تعيين قاض ومرشد للداهنة تم ترشيح الشيخ ابن زاحم لهذه المهمة سنة 1336هـ.
وكان الشيخ ابن زاحم من أكثر العلماء كرما وشجاعة وشهامة لذلك توطنت نفسه لأهالي هجرة الداهنة وتوطنت أنفسهم إليه وشغفوا به؛ حتى أني أذكر كبار السن من أهل الهجرة إذا حل ذكره رحمه الله قالوا «الله من الشجاعة والكرم فيه» وهذا أقصى تعبير يقوله البادية عند الإعجاب. وكان يشارك أهل الهجرة في الحروب بثبات وشجاعة؛ ولم يذكر أهل الهجرة أنه تخلف عن ذلك قط؛ وقد حدثني أحد المشاركين في حرب اليمن مع الأمير فيصل بن عبدالعزيز «الملك فيما بعد» رحمه الله قال: «لما نزلنا جازان مرض أكثر الجند بحمى جازان؛ فكان الشيخ عمر بن ربيعان والشيخ ابن زاحم ومعهما فلان وفلان يحلبون الإبل ويغمسون أذيالها في الحليب ويسقونه المرضى الذين شفي معظمهم ومات منهم «36» رجلاً وكان رحمه الله لا يستريح بل كأنه أصغر القوم ويقوم بمساعدة المرضى ويواسيهم ليدخل عليهم السعادة» أ.ه وقد شارك الشيخ ابن زاحم في معركة جبلة التي كان يقود الموالين للملك فيها الشيخ عمر بن ربيعان؛ وكان الشيخ ابن زاحم معهم؛ حدثني أحد الذين حضروا الوقعة قال: لما انتهينا من الوقعة كان ابن زاخم معنا وكان يجري بين المقاتلين ويمدهم بالرصاص والماء أثناء المعركة وكأني أنظر إليه ومعه ثياب بيض يعطيها المقاتلين بعد المعركة وخاصة الذين غشي الدم ملابسهم وكنت منهم إذ أني أنزلت عيدا بن قبلان الثبيتي وهو مصاب في أعلى الجبل؛ فاستقبلني الشيخ بثوب أبيض وشق ثوبي المملوء دما لأستبدله.
وبعد معركة السبلة وبالتحديد سنة 1348هـ وبناء على مؤتمر الشعراء رحل بن ربيعان من الداهنة إلى نفي ورحل معه الشيخ ابن زاحم قاضيا في نفي إلى أن تم تعيينه في الرياض سنة 1358هـ؛ وفي سنة 1364هـ تولى القضاء في المدينة المنورة كرئيس للمحكمة الشرعية فيه إلى أن انتقل إلى رحمة مولاه في سنة 1374هـ؛ وبالتحديد في السابع من رجب من السنة المذكورة رحمه الله.
أوراق الشيخ بن زاحم أين هي؟؟
يبقى أثر العلماء بعد رحيلهم؛ ومنهم الشيخ عبدالله بن زاحم رحمه الله فقد أمضى في الداهنة وقتا كافياً لأن يكون له رصيد معرفي جيد؛ خاصة إذا عرفنا أنه بقي فيها من سنة 1336ه إلى سنة 1348ه أي اثنتي عشرة سنة كلها كان يقوم بمهام القضاء والإرشاد؛ فلا بد أن يكون هناك معاملات لأهل الهجرة؛ مثل البيع والشراء والأنكحة وغيرها كالوصايا؛ لكني لم أعثر على شيء سوى ورقات تتعلق ببيع بعض المنازل ومنها نخيلات وبيت اشتراه أبي من شخص يسمى القريني «يعرف هذا البيت الآن في الداهنة باسم القرينية» وكانت هذه الورقة عند أسرتنا إلا أنها فقدت؛ ومن خلال هذا المنبر الثقافي أسأل من لديه أية أوراق خطها ابن زاحم وهو في الداهنة أن يسعفنا بها لأني بصدد كتابة بحث عن الشيخ عبدالله بن زاحم رحمه الله.. والله المستعان وإليه المصير..
محمد بن ناصر أبو حمرا
الرياض
ملحوظة: اعتمدت بشكل كبير على ما سمعته من كبار السن في الداهنة ونفي وكذا على كتاب ابنه عبدالرحمن.
|