Tuesday 28th May,200210834العددالثلاثاء 16 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دفق قلم دفق قلم
رداء الذُّلِّ
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

عجبا .. هل للذلّ رداء؟ ومن الذي ينسج هذا الرِّداء القبيح، وبأي خيوط ينسجه؟ ولماذا ينسجُه؟
أما رداء الذل فهو موجود، يلبسه كثير من الناس، وأما الذي ينسجه فهم كثير، ينسجونه بخيوطٍ سوداء من الوهم، وسوء الفهم، وضعف الوعي، ينسجونه ويلبسونه، وهم بوهمهم يظنُّون أنهم قد نسجوا رداءً جميلاً، ولبسوا ما يمنحهم مكانةً بين الناس، ولا عجب في ذلك، فإن في الوهم مصارع البشر.
رداء الذل.. ما أقبحه من رداء، وما أشدَّ شُؤمَه على مَنْ رضي به لباساً، ومن طاوعته نفسه على التصاقه بجسده على ما فيه من دنسٍ ورجسٍ، ورائحة كريهةٍ، تشمئزُّ منها النفوس.
رداء الذل.. وما أدراكم ما رداء الذلِّ؟، إنه رداء الخُيَلاء والكبرياء الذي يلبسه المغرور بنفسه، المغموس في وهمه ورجسه، رداء الخُيَلاء الذي تَبَخْتَر فيه قارون على مَرْأى من قومه ومسمع، فخسف الله به وبداره الأرض، فأصبح أثراً بعد عين.
إنَّه رداء الذل في حقيقته، وإن ظنَّ لابسُه الواهم أنه رداء الكبرياء، والاستعلاء على الناس، وهل يكون الاستعلاء على الناس إلا ذُلاًّ؟!، وهل رأت عيون الناس على مدى التاريخ البشري مغروراً ومتكبِّراً إلاَّ ناله من الذلِّ ما يجعل المخدوعين بمظهره يقولون حين يصيبه ذُلُّ الغرور: «الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به».
{وّلا تٍصّعٌَرً خّدَّكّ لٌلنَّاسٌ وّلا تّمًشٌ فٌي الأّرًضٌ مّرّحْا إنَّ پلَّهّ لا يٍحٌبٍَ كٍلَّ مٍخًتّالُ فّخٍورُ}.
صورة قرآنية بديعة، تعرض لنا ذلك الخدَّ المصعَّر المنتفخ، وذلك المشي الوئيدَ الثقيل في دروب الاختيال القاتمة، فتشعرنا بما فيها من قُبْحٍ وسوء، وتزيدنا منها نفوراً حينما تُتْبِعُها بالصورة الأخرى: {إنَّ پلَّهّ لا يٍحٌبٍَ كٍلَّ مٍخًتّالُ فّخٍورُ}.
هنا تُغْلَقُ كلُّ منافذ القبول لتلك الصورة القبيحة، وكيف تَقبل النفوس صورةً لا يحبُّها الله سبحانه وتعالى ؟!.
رداء الذُّلّ.. أتدرون أيُّها الأحبة لماذا كان رداء الكبرياء رداءً للذلّ؟لأن الإنسان يتعالى به على البشر، ويُطاول بخُيَلائه ربَّ البشر، وهذه أسوأ صفةٍ يتصف بها الإنسان.
هو رداء الذل لأن نتيجته في الدنيا «كراهية الناس له» ونتيجته في الآخرة تتجلى في قول أصدق البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجَنَّة من كان في قلبه مثقال حبة من كِبر».
يالها من صورة مرعبة ووعيد شديد.
إشارة:
«الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب».
حديث شريف يؤكد لنا أن الأصل واحد، والمادة التي خُلق منها البشر جميعاً واحدة، فَعَلامَ الخُيَلاء والكبرياء، وعَلاَمَ غَمْطُ حقوق الضعفاء، وعَلاَمَ التفاخرُ بالأجداد والآباء؟!
نعم.. البشر جميعاً أبناء آدم..وآدم خلق من التراب..
ألا يكفي ذلك؟؟!.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved