شاهدت مؤخراً في إحدى القنوات الفضائية برنامجاً كان محوره كيف استطاعت الدولة العبرية تشتيت شمل الفلسطينيين وتخريب ديارهم وتمزيق أوصالهم.. إلى هنا والأمر عادي حيث يتناول مقدم البرنامج مع ضيوفه تحليلاً لما قامت به إسرائيل ووجهة نظر هنا وأخرى هناك.. إلى أن أعلن مقدم البرنامج للمشاهدين عن مفاجأة في البرنامج ويطلب منهم الانتظار بعد الفاصل الإعلاني المعتاد والذي أصبح مقرراً علينا حتى انتشر كالنار في الهشيم في البرامج الجادة أيضاً.
كان لزاماً علي أن اتحمل دقائق الفاصل الإعلاني إلى أن انتهى.. ونوه مقدم البرنامج بموضوع الحوار وهو الشتات الذي يعيشه أهل فلسطين ثم بدأت الأمور تأخذ مأخذاً عملياً حيث ظهرت على الشاشة سيدة فلسطينية تعيش في غزة وصفها مقدم البرنامج بأنها خنساء فلسطين مما يدل على عظمة هذه السيدة قبل أن تتحدث هي عن نفسها أو نعرف عنها شيئاً. خنساء فلسطين هذه استشهد من أبنائها واقربائها عشرة شهداء احتسبتهم جميعاً عند المولى تبارك وتعالى، وهي صامدة شامخة تحمد الله على هذه النعمة التي أنعم بها عليها، صحيح أن خنساء فلسطين غلبتها الدموع وهي تتحدث ولكنني شعرت معها والملايين الذين يشاهدونها بأنها دموع الفرح وليست غير ذلك.. موقف لا يقدر عليه أعتى الرجال فما بالكم وهي امرأة لها من العواطف ما يفوق عواطف الرجال بكثير.. بكيت معها وكنت أود أن احتضنها أو أقدم لها أي شيء ولكنني لم أجد غير مشاركتها البكاء!!
على الجانب الآخر أعلن مقدم البرنامج عن المفاجأة.. وبالطبع لم تكن مليون ريال أو وزنك ذهباً.. بل كانت ابنة الخنساء الموجودة في بيروت والتي لم تشاهد أمها منذ 25 سنة.. أي منذ اجتياح بيروت من قبل قوات الدولة العبرية.. يا الله!! أم لا تعرف أين ابنتها وابنة لا تعرف أين أمها ولم تتقابلا منذ 25 سنة.. ولك يا عزيزي القارئ أن تتصور لحظة اللقاء بين الخنساء وابنتها (ميمنة) عبر شاشة التلفزيون بعد هذا الزمن الطويل.
ترك مقدم البرنامج الحديث مع ضيوفه وأطلق العنان للكاميرا كي تصف للمشاهدين لحظات اللقاء بين الأم وابنتها بعد 25 سنة.. وبكيت معهما ومع المشاهدين كما لم أبك من قبل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخنساء الفلسطينية تطلب من ابنتها (ميمنة) الصبر وتعدها بأن نصر المؤمنين قريب لكنها في نفس الوقت وبعاطفة الأمومة تريد اللقاء بابنتها واحتضانها في أي مكان في الأرض، فترد الابنة على الفور لا يا أماه في القدس إن شاء الله لنا لقاء!! الكاميرا تظهر الابنة (ميمنة) وهي تحمل صورة أخيها ماهر الذي استشهد على كتفها برصاصات الغدر والخيانة وتبكي الأم كثيراً تريد أن تعرف مكان قبره وترد الابنة لا تخافي يا أماه كنت له أما وأختا.. خنساء فلسطين هي أيضاً شاعرة ألقت قصيدة رثاء في أصغر شهدائها ماهر ثم ألقت قصيدة أخرى تصورت أن ماهر وهو في الجنة يرد فيها على نداء أمه وكم كنت أود أن يكون معي كل المشاهدين في العالم العربي وقت إلقاء القصيدتين.. كم أنت عظيمة يا خنساء فلسطين.
سامية العباسي / مكتب الجزيرة - جدة |