Tuesday 14th May,200210820العددالثلاثاء 2 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في مثل هذا اليوم في مثل هذا اليوم
بعد 50 عاماً من وفاته يعمل الفلسطينيون والعرب بنصيحته
الملك عبد العزيز ودبلوماسية الوجه الواحد في مواجهة سياسة المعايير المزدوجة
خمسون عاماً على ترجل الفارس (1)

بقلم د. محمد أبوبكر حميد
  مات الملك عبدالعزيز قبل نصف قرن، مات في الثاني من شهر ربيع الأول لسنة 1373ه الموافق التاسع من شهر نوفمبر 1953م، وفي نفسه غصة وفي قلبه حزن مقيم منذ خمس سنوات، وهي السنوات الخمس التي عاشها بعد ضياع فلسطين وقيام دولة إسرائيل في 15/5/1948م.
لم يحمل عاهل الجزيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود هماً بعد «هم» توحيد جزيرة العرب وجمع شتات قلوب أهلها على عقيدة السلف مثل «هم» فلسطين وبيت المقدس ثالث المسجدين ومسرى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
الملك عبد العزيز في اجتماعه الشهير مع تشرشل وبينهما سكرتيره الشيخ عبد الله بلخير مترجماً
للحقيقة والتاريخ
وكان مبلغ حزنه وأساه رحمه الله، أن قومه لم يستجيبوا لنصحه حين نصح بعدم دخول الدول العربية حرباً نظامية بجيوشها في فلسطين، وحذَّر من تآمر الدول الغربية ومن الهزيمة وضياع فلسطين، ولكن زعماء العرب أصروا على دخول الحرب، ولم يرد الملك عبدالعزيز أن يكون خارجا على الإجماع العربي، على الرغم من أن لسان حاله كان يقول لهم:


وقد بذلت لكم نصحي بلا دخلٍ
فاستيقظوا إن خير العلم ما نفعا
هذا كتابي إليكم والنذير لكم
لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

ولكنه كان يريد ان يفوِّت الفرصة على الذين يريدون اتهامه بالتخاذل أو شق الصف. كان الملك عبدالعزيز يرى ان الحفاظ على وحدة الأمة.. وحدة كلمتها ووحدة صفها فريضة لا يتركها زعيم مسلم قط. ولم يكن الملك عبدالعزيز يريد أن يشق برأيه الصف على المسلمين، قال اللهم إني قد بلغت ثم وضع يده في أيديهم.
كانت حكمة الملك عبدالعزيز تغلب السيف، فقد كان يرى التعاطف الغربي كله مع اليهود ويرى تمسكن اليهود ومذلتهم التي يستدرون بها عطف الغرب عليهم، فإذا قامت دولة يهودية وحاربتها جيوش العرب وأفنتها جاء الغرب بقضه وقضيضه ليحاربنا ويدمر جيوشنا، لأن إسرائيل ستظهر أمام الغرب مظهر الحمل الوديع المحاصر بالجيوش العربية والدول العربية جميعاً. كان الملك عبدالعزيز يرى تسليح الفلسطينيين وإطلاقهم لتحرير وطنهم.. تأمين الدعم المادي والمعنوي لهم من كل الدول العربية لشن حرب غير نظامية وهو الدعم الذي تحقق على أيدي ابنائه البررة خلال الخمسين عاما الماضية من الصراع مع اليهود، وكان آخرها وقفة المملكة الصلبة مع الشعب الفلسطيني في محنته الأخيرة ابتداء من اقتراح سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لصندوق القدس الذي دفعت فيه المملكة نصيب الأسد وانتهاء بزيارة سموه للولايات المتحدة الأمريكية باسم كل العرب لإبلاغ رسالة حازمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وللحقيقة والتاريخ فإن العرب والفلسطينيين عادوا للعمل بنصيحة الملك عبدالعزيز بعد أن جربوا الهزيمة مرتين سنة 1948م وسنة 1967م حين حاربوا إسرائيل بجيوشهم النظامية. ولم يبق إلا العمل من الداخل.. الجهاد بالحجارة وبالنفس وقد أثمرت انتفاضة الحجارة الأولى وها هي الانتفاضة الثانية تشق طريقها بقوة في قلب العدو بالعمليات الاستشهادية التي جنَّ لها جنون إسرائيل ومن وراءها. ولو عمل العرب بنصيحة الملك عبدالعزيز ودعموا الشعب الفلسطيني معنويا ومادياً وتركوه يقود جهاده ويحرر أرضه بطريقته ربما لم تقم لإسرائيل هذه الدولة الكبرى التوسعية، لهذا كان الملك عبدالعزيز من أكثر زعماء العرب والمسلمين تألماً لهزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين، لأنه قد رأى ذلك بفراسة المؤمن الذي يرى بنور الله. واذا كان قوم دريد ابن الصمة قد استبانوا نصحه لهم ضحى الغد بعد ان كان قد أمرهم فخالفوه ثم ندموا فإن الملك عبدالعزيز لم يأمر وإنما نصح ولكن قومه لم يستبينوا الرشد الا بعد خمسين عاما. لهذا كان البيت الثاني من قول دريد يعبِّر عن حال الملك عبدالعزيز بعد ان اضطر لدخول حرب فلسطين حتى لا يشق الاجماع العربي رغم توقعه للنتيجة.
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى
غوايتهم وانني غير مهتد
مصارحة الإنجليز
هكذا كان موقف الملك عبدالعزيز من قضية فلسطين منذ البداية موقفاً مبدئياً ثابتاً لم يتغير، لم يخضع يوماً للمصالح ولم يخف يوماً من المخاطر، ولم يحسب حساباً لكبير. فقد كان دائماً يردد كما يقول شهود عصره أن «الله أكبر» و«أننا لا نخاف في وقفة الحق لومة لائم». ومن هذا المنطلق كان موقفه من الإنجليز الذين كان يعترف لهم بالصداقة ولكنه كان يطالبهم في الوقت نفسه باحترام العهود والمواثيق التي تخص الحقوق العربية وتخص شعب فلسطين في وطنه. ومن لديه شك في ذلك فليرجع لصحف العصر التي تشهد للملك عبدالعزيز بالعديد من التصريحات التي بدأت بالتلميح وانتهت بالتصريح والتحذير.
ذكر الملك عبدالعزيز في أكثر من تصريح ان مقتل اللورد موين في مصر مكيدة يهودية للوقيعة بين العرب والإنجليز وحذَّر الإنجليز من التساهل مع العصابات الصهيونية في فلسطين. وعندما قالوا لهم إنهم قلة بل هم كثرة.
قال الملك عبدالعزيز للإنجليز ان الصهاينة يقتلون جنودكم في فلسطين وبجلائكم عن فلسطين سيستولي الصهاينة عليها. أصدقوا معنا وسلمونا أرضنا فنحن لكم أصدقاء، ونحن معشر العرب والمسلمين لا نخون ولا نخدع وأهل صدق ومروءة وقد جربتمونا.
هذا فحوى ما كان يدلي به الملك عبدالعزيز من تصريحات ويكتبه من رسائل لهم، ولكنه لم يلق أذناً صاغيه فانتقل بعد ذلك من مرحلة التلميح إلى مرحلة التصريح والمكاشفة. فنشرت جريدة الأهرام في 2/4/1946م تصريحاً له أدلى به للجنةٍ بريطانية أمريكية في 19/3/1946م. قال لهم الملك عبدالعزيز إنه صديق للحلفاء.
وأشار إلى بعض ما قام به لخدمة قضيتهم اثناء الحرب، وندد بالصهيونيين تنديداً شديداً، وأكد ان توسعهم في فلسطين يهدد كيان العرب بدليل ما رأته اللجنة فيها من قوة الصهيونية وعظم تسلحها، ومن فقر أصحاب البلاد الشرعيين، والظلم النازل بهم. وقال الملك عبدالعزيز ان الفلسطينيين يُصلبون على أعواد المشانق ويُسجنون ويشردون من أرضهم. وتساءل «أن اليهود يفتكون بعساكركم أيها الإنجليز ويقتلون كبراءكم وأنتم لا تجيبونهم الا بإطلاق الرصاص في الهواء».
وذكر الملك عبدالعزيز التحذيرات نفسها للوزير البريطاني الذي قابله في جدة. وقال الملك عبدالعزيز لقد تحملت مسئولية تأييدكم في الحرب بمقابل وقوفكم إلى جانب أصحاب الحق في مسألة فلسطين، وعبَّر عن خيبة أمله صراحة حين قال:
* «فكانت نتيجة أعمالي ما نحن فيه اليوم. وها انني الآن في مشكلٍ أمام شعبي وأمام العرب والمسلمين. فإذا أنكرت إنجلترا وعودها فلا يبقى أمامي ما أقول للمسلمين».
قال الملك عبدالعزيز للجنة الإنجليزية البريطانية بالحرف الواحد: «أسألكم أنتم رأيكم وأرضى بكم حكماً، أتقبلون ان يعتدي أحد من العرب على امرأة إنجليزية أو أمريكية؟
ان اليهود يأتون إلى بلاد العرب ويأخذون أموالهم ويؤذونهم ويطردونهم، فكيف يقبل العرب هذا. إني لا أريد أن أجرح عواطفكم، ولكني صديقكم، ومن حق الصديق أن يصارح صديقه».
كان الرأي الذي طرحه الملك عبدالعزيز أمام اللجنة الإنجليزية الأمريكية وأكد لهم أنه قال للرئيسين روزفلت وتشرشل، إنه لو كانت الحرب بين العرب واليهود لما تأخر العرب لحظة واحدة، لكن «دفاع بريطانيا عن اليهود يجعل الحرب بيننا وبينها. ان العرب لا يريدون محاربة إنجلترا وليس من مصلحة انجلترا محاربة العرب». و«الدنيا ليست على حالٍ واحدة. فلماذا تسعى إنجلترا الى تأليف مجموعة ضدها من كل عربي ومسلم في الشرق والغرب؟!».
دخول الحرب
شعر الملك عبد العزيز ان قرار الإنجليز بالانسحاب من فلسطين سنة 1948م يحمل نذر حرب يريدون بها جر الدول العربية لحرب شاملة ولكن لا بد مما ليس منه. كان الملك عبدالعزيز يتابع باهتمام بالغ وقلق كما ابلغني بذلك معالي الشيخ عبدالله بلخير الذي كان سكرتيراً للملك آنذاك لمتابعة الأخبار.
واستولى اليهود على المراكز الإنجليزية واحداً تلو الآخر في فلسطين، وقد حذَّر حكومتي المملكة والولايات المتحدة من غدر اليهود بالإنجليز وعرب فلسطين معاً وهو يعرف جيداً ما وراء الاكمة.
ورأى انه لا بد ان يفتح باب الجهاد لمن يريد من ابناء شعبه الى جانب الحرب النظامية.
ففتح باب التطوع في حرب فلسطين للمواطنين الذين رغبوا في الجهاد دفاعاً عن القدس، ونظّم تسجيل المتطوعين لمن هم فوق سن العشرين، وكانت تصريحاته ومقابلاته لصحافة واعلام العالم ورسائله للرؤساء الأمريكان قد هيأت جو الجهاد، وهيأت الرأي العام الشعبي العالمي لتفهم وضع الفلسطينيين. لم يكن الملك عبدالعزيز يملك آنذاك جهازاً إعلامياً ولا صحفاً ولم تكن لديه حتى وزارة إعلام، لكن صدقه وإخلاصه كان صوته الذي يسعى العالم لسماعه في كل مكان.
كانت الصحف العالمية تتهافت على إيصال تصريحاته وأقواله وأخباره، واذا وجد من يقوم بجمع ما قاله الملك عبدالعزيز من تصريحات لوسائل الاعلام العربية والعالمية فسيؤلف كتاباً ضخماً عن ذلك.
ان من يعود إلى صحف العصر سيجد ان الملك عبدالعزيز وحده أكثر من معظم زعماء العرب أقام الدنيا ولم يقعدها عندما سمع بموافقة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترومان على هجرة 100 ألف يهودي إلى فلسطين.
وذكرت احدى صحف ذلك العهد ان الملك عبدالعزيز سئل هل توافق على هجرة 1500 يهودي إلى فلسطين بدلاً من 100 ألف قال: لا.. «الموت خير لنا».
كان هذا كله يحدث على مسمع ومرأى من الشعب السعودي فكيف لا يُقبل على التطوع للجهاد في سبيل الله.
وهكذا أمر الملك عبدالعزيز بجعل مدينة الجوف مقراً لحشود المتطوعين الذين توجهوا إلى فلسطين عن طريق الأردن وقاتلوا ضمن فوج اليرموك الأول، وقد استشهد منهم (140) وجرح منهم (33) من بينهم أربعة معاقين إعاقة مستديمة.
وعندما تمكن اليهود من حشد 65 ألف مقاتل واستولوا على فلسطين قبل دخول الجيوش العربية سنة 1948م ولم يجد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في قوس الصبر منزعاً الا ان يشارك اخوانه القادة العرب في هذه الحرب إبراءً للذمة للمرة الثانية فقد أبرأها في المرة الأولى عندما وجَّه النصح. أصدر الملك عبدالعزيز أوامره إلى وزير الدفاع وأمره باستنفار الجيش السعودي، وكانت القوات السعودية تتمركز في مدينة الطائف على شكل سرايا مقاتلة.
وما إن وصلت الأوامر حتى غادرت القوات السعودية مطار جدة متوجهة إلى مصر، حيث نزلت بميناء فاروق الجوي، اما الاسلحة المساندة والذخائر فقد أرسلت بحراً الى ميناء السويس، وبعد ان تجمعت القوات في العريش دخلت فلسطين عن طريق رفح وواصلت سيرها الى غزة. وقد بلغ عدد القوات السعودية التي شاركت في حرب فلسطين 3000 مقاتل موزعين على فوجين كل فوج 1500 مقاتل، وكل فوج يتكون من ثلاث سرايا مشاة كل سرية تضم 220 مقاتلاً. وقد وصلت هذه القوات في شهر رجب 1367هـ الموافق يونيو 1948م، تكونت الدفعة الأولى من الفوج الأول وقاتل إلى جانب القوات المصرية الشقيقة.
اما الدفعة الثانية فتكونت من الفوج الثاني مشاة ومن سرية مدرعات، وقد احتشدت القوات السعودية جنباً إلى جنب مع القوات المصرية في الجبهة الجنوبية ثم تقدمت في اتجاه الشمال مروراً بدير البلح، خان يونس، المجدول، دير سنيد. وكانت قيادة هذه القوات في مدينة غزة. وقد قاتل السعوديون في الخطوط الأمامية في غزة ودير سنيد وبيت عفة وموقعة كراتيه التي استمرت سبعة ايام متواصلة وكذلك معركة بيت إسحاق ومعركة المزرعة، وعلى قلة وصعوبة المواصلات والاخبارات كان الملك عبدالعزيز يتابع بنفسه كل صغيرة وكبيرة في حركة الجيش السعودي والجيوش العربية في فلسطين.
وهكذا كان الموقف السعودي من فلسطين ذا شقين وقد حدده الملك عبدالعزيز بشقيه. الشق الأول الذي يتصل بفلسفة الملك عبدالعزيز ورأيه في حل قضية فلسطين، وهو أمر لا يستطيع إلزام كل الأطراف به، والشق الثاني يتصل بعدم تردد المملكة في المشاركة في كل ما يجمع عليه العرب فيما يخص هذه القضية حتى ولو كان ذلك خلاف ما ترى، وهو ما حدث مع الملك عبدالعزيز سنة 1948م وما هو معروف من موقفه حيال تلك الحرب ومع ذلك شارك بالفعل فيها.
الوعي بالدور الأمريكي
أدرك الملك عبدالعزيز رحمه الله في مرحلةٍ مبكرة خطورة الدور الأمريكي في دعم حلم الدولة الصهيونية في فلسطين، وان بريطانيا صاحبة «وعد بلفور» تعمل على تهيئة الأجواء لتحقيق هذا الوعد لكنها لن تستطيع ان تدعمه باستمرار بالقوة التي تضمن له استمرار وجوده، وان البساط بدأ يُسحب من تحت قدمي الإمبراطورية الاستعمارية التي تغرب شمها لتشرق على العالم في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد رأى الملك عبدالعزيز بوادر هذا الدعم الأمريكي لتحقيق الحلم الصهيوني يتحقق في كثافة الهجرة اليهودية لفلسطين بمباركة ورعاية أمريكية، فبدأ مراسلاته للرؤساء الأمريكان بهذا الخصوص.
ورسائل الملك عبدالعزيز للرؤساء الأمريكان وخاصة روزفلت وترومان بشأن قضية فلسطين مشهورة بمواقفها الحازمة، فقد أرسى الملك عبدالعزيز رحمه الله في هذه المراسلات ثوابت السياسة السعودية التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأفراد. وهذه الرسائل بحاجةٍ إلى جمع ودراسة في كتاب مستقل. وقد حرص الملك عبدالعزيز ان تكون رسائله تلك معروفة بل ومنشور بعضها، فالثوابت السعودية الإسلامية ليست سراً على أحد. وحرص الملك عبدالعزيز على نشر احدى هذه الرسائل في الصحف آنذاك ليشهد العالم أجمع ويعرف الملأ بحقيقة الموقف السعودي الذي لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يحسب حساباً في المبادئ لمنفعة عاجلة أو مضرةٍ آجلة.
ولعل أقدم رسالة وجَّهها الملك عبدالعزيز لرئيس أمريكي بخصوص قضية فلسطين، هي تلك الرسالة التي أرسلها للرئيس روزفلت في 7/10/1357هـ الموافق 29/11/1938م (العدد الخامس والسابع، لسنة 1357هـ). ونشرتها عدة صحف ومجلات أجنبية وعربية أهمها مجلة العالم الإسلامي وقد فنّد الملك عبدالعزيز في تلك المرحلة المبكرة للرئيس الأمريكي الدعاوي الصهيونية وحذّره من الاغترار بها وتصديقها، وقال له:
«لقد ظهر لنا من البيان الذي نشر عن موقف أمريكا، أن قضية فلسطين قد نُظر إليها من وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر اليهود والصهيونية، وأهملت وجهات نظر العرب. وقد رأينا من آثار الدعايات اليهودية الواسعة النطاق، أن الشعب الأمريكي الديمقراطي، قد ضُلل تضليلاً عظيماً أدى إلى اعتبار مناصرة اليهود على سحق العرب في فلسطين، عملاً إنسانياً.. في حين أن مثل ذلك ظلم فادح وُجّه إلى شعب آمن مستوطن في بلاده، كان ولايزال يثق بعدالة الرأي العام الديمقراطي، في العالم عامة وفي أمريكا خاصة».
وقد أوضح الملك عبدالعزيز في هذه الرسالة قصة التآمر العالمي على شعب فلسطين ابتداءً بوعد بلفور سنة 1917م وانتهاءً بما انتهت إليه الحربان العالميتان: الأولى والثانية من ضياع وخيانة للعهود والمواثيق التي قطعها الحلفاء للعرب والتي انتهت باحتلال واقتسام معظم دول العالم العربي، ثم أعقبها برسالة أخرى للرئيس روزفلت بتاريخ 30/4/1943م تابع فيها شرحه التاريخي لقضية فلسطين مطالباً بتفهم أمريكي لقضية ذلك الشعب الذي يُشرد بإرادة دولية، مطالباً بإيقاف سيل الهجرة إلى فلسطين:
«.. إننا لو تركنا جانباً العدواة الدينية القائمة بين المسلمين واليهود، من أول نشأة الإسلام، بأسباب ما كاده اليهود للإسلام والمسلمين ونبيهم من أول يوم، لو تركنا ذلك جانباً، ونظرنا إلى قضية اليهود من الوجهة الإنسانية البحتة، لوجدنا الأمر كما ذكرته لفخامتكم في كتابي السابق، من أن فلسطين باعتراف سائر من عرف فلسطين من أبناء البشر، لا تستطيع أن تحل قضية اليهود العالمية. ولو فرضنا أن أحكام الظلم طُبقت على فلسطين بكل معانيها، بمعنى أنه لو فرضنا أن قتل أبناء فلسطين العرب عن بكرة أبيهم، رجالاً ونساءً وأطفالاً، وأُخذت أراضيهم وسلمت كلها لليهود؛ فإن ذلك لا يمكن أن يحل المشكلة اليهودية، ولا يمكن أن يؤمن أرضاً كافية يسكنها اليهود. فلماذا نرضى بهذا الظلم الفرد الفذ في تاريخ البشرية، بدون وصول إلى نتيجة نرضي الساعين في هذا لقتل أنفسهم ونعني بهم اليهود؟
لقد ذكرت لفخامتكم في كتابي السابق، أنه إذا نظر إلى الموضوع من وجهته الإنسانية، فإن فلسطين، البلد الصغير، قد زُج فيها من اليهود، إلى ما قبل الحرب العالمية الحاضرة، ما يقرب من أربعمائة ألف، فصارت نسبتهم فيها بعدما كانت في آخر الحرب العالمية الماضية سبعة في المائة، صارت قبل الحرب العالمية الحاضرة تسعة وعشرين في المائة. وهذه الزيادة لاتزال مستمرة، ولا ندري إلى أي حد ستنتهي. وأصبح ما يملكونه إلى ما قبل الحرب العالمية الحاضرة مليونا وثلاثمائة واثنين وثلاثين دونماً من أصل سبعة ملايين دونم وهو كل ما هو قابل للزراعة في فلسطين جميعها».
هكذا كان الملك عبدالعزيز رحمه الله يتابع كل صغيرة وكبيرة وها هو يعرض حلاً: «..إننا لا نريد محو اليهود، ولا نطالب بذلك، ولكننا نطالب بألا يُمحى العرب من أرض فلسطين، من أجل إسكان اليهود فيها. إن أرض العالم لن تضيق على اليهود. فإذا تحمل كل بلد من بلدان الحلفاء الآن، في الوقت الحاضر، عُشر ما تحملته فلسطين، أمكن حل قضية اليهود، وأمكن حل قضية إسكانهم. وكل ما نرجوه في هذا الموقف الحاضر، هو مساعدة فخامتكم لإيقاف سيل هذه الهجرة، إيقافاً تاماً بإيجاد أماكن لليهود في غير فلسطين، يأوون إليها؛ ومنع بيع الأراضي لليهود في فلسطين منعاً باتاً، ثم ينظر فيما بعد بين العرب والحلفاء لتأمين حياة من يمكن أن تتحمله فلسطين من اليهود المقيمين فيها الآن».
***********
ان العرب لا يريدون محاربة إنجلترا وليس من مصلحة انجلترا محاربة العرب والدنيا ليست على حالٍ واحدة. فلماذا تسعى إنجلترا الى تأليف مجموعة ضدها من كل عربي ومسلم في الشرق والغرب؟!».
عبد العزيز آل سعود

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved