Thursday 9th May,200210815العددالخميس 26 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

كيف يفكر الإسرائيليون كيف يفكر الإسرائيليون

شارون يفقد أعصابه
قبل حوالي شهر ونصف إسرائيل استغلت الهجوم الاستشهادي الذي خلف 29 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى، فاستدعى رئيس الوزراء آرئيل شارون مجلس وزرائه المصغر، إضافة لرؤساء الأمن والجيش لمناقشة الرد الإسرائيلي.
ووفقا لما قاله بعض المشاركين في الاجتماع ونشرته أجهزة الإعلام الإسرائيلية، فإن الجنرال شاؤول موفاز، رئيس هيئة أركان الجيش، اقترح هجوما انتقاميا على مواقع المجاهدين الفلسطينيين «لتغير طبيعة الأمن فيما يتعلق بالفلسطينيين ولإتاحة المجال أمام المفاوضات السياسية.
«عن ماذا تتحدث؟» بهذا الشكل اعترض شارون وبغضب، ثم أضاف: «لن يكون هناك أي مفاوضات سياسية».
وبهذا الشكل أطلق شارون تحركه ضمن عملية عسكرية هي الأكبر منذ عقدين، معيدا احتلال المدن الرئيسية الفلسطينية والبلدات في الضفة الغربية، وهي عملية شاملة سبق لحزب الليكود الذي يرأسه شارون أن خطط لها قبل البدء بها بعدة شهور، فقبل انفجار نتانيا كان شارون يقوم بعمليات خفيفة، خشية على علاقاته مع الولايات المتحدة وعلى التحالف ضمن حكومته، فاستعمل وسائل ضغط أخرى على الفلسطينيين مثل الاغتيالات والاجتياحات العسكرية المحدودة والحصار الاقتصادي.
لكن بعد مقتل 126 إسرائيليا خلال شهر واحد، وهو ثمن باهظ لم تعهده الدولة اليهودية إطلاقا، قرر شارون في 28 شباط اتخاذ المبادرة.
ووفق بعض المحللين فإن النتيجة بقيت خارج الجدول الزمني الخاص بشارون، فهذا الزعيم الإسرائيلي والذي يبلغ 74 عاما عارض مفاوضات السلام بشكل حاد والتي انطلقت في التسعينات.
ويضيف المحللين أن هجومه الأخير كان يسعى إلى أهداف طويلة الأمد: تنحية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تدمير المجموعات العسكرية الفلسطينية والتأكيد على تفوق الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية.
ويرى يوسي ألفير، محلل استراتيجي وموظف سابق في جهاز الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية)، أن «شارون مصمم على تدمير السلطة الفلسطينية نهائيا، وتحطيم عرفات مع كافة نتائج اتفاقية اوسلو».
ويضيف أن شارون «يريد إعادة تأسيس السيادة العسكرية الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة، مع دفع القيادات الفلسطينية إلى مزيد من التعاون معه».
موقع جديد لعرفات
لم يستطع شارون تدمير عرفات رغم الخراب الذي لحق بالبنية التحتية للأجهزة المدنية والأمنية الفلسطينية؛ وهو أبعد ما يكون عن سحق أو عزل الزعيم الفلسطيني، بل على العكس فشارون منح عرفات موقعا جديدا عند الفلسطينيين وعلى طول العالم العربي.
ووفق ما يقول نعوم بارني، الصحفي والمعلق السياسي الخبير في صحيفة يديعوت أحرانوت، فإن «الناس يعتقدون أنهم يدافعون عن منازلهم الخاصة، بينما كان الشعور أثناء الحرب في بيروت هو عن السبب في الذهاب بعيدا لمهاجمة مدينة غريبة؟ كان المر بالنسبة لنا مثل حرب فيتنام، وهناك فرق كبير بين الأمس واليوم».
اجتمع شارون في وقت متأخر من 28 آذار مع مجلس وزرائه لدراسة التحول في طريقة التعامل، واستمرت هذه الجلسة الطارئة طوال الليل، ومع الفجر بدأت المدرعات الإسرائيلية هجومها ضد المدن التي أعيدت للفلسطينيين في التسعينات.
وبإلحاح من شارون فإن مجلس الوزراء أعطى موافقته لشن هجوم شامل على كافة المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين، كما خوّل مجلس الوزراء استدعاء 20 ألفا من جنود الاحتياط للقيام بمثل هذه العملية، وهو أكبر رقم لاستدعاء الاحتياط منذ الحرب في لبنان.
ووفق المشاركين في هذا الاجتماع فإن المعارضة كانت قليلة، فوزير الخارجية شمعون بيريز، وهو زعيم من حزب العمل ومهندس اتفاقيات أوسلو مع عرفات، امتنع عن التصويت وقال إنه متخوف من نتائج مهاجمة مخيمات اللاجئين، بينما أبدى ماتان فيلناي، نائب رئيس الأركان ووزير عمالي في الحكومة، قلقه من إعطاء الضوء الأخضر لعملية عسكرية غير محدودة، بينما صوت أكثر من 20 وزيرا لهجوم واسع النطاق على المراكز السكانية الفلسطينية.
وبالنسبة لشارون فإن التصويت كان لحظة فاصله، فهو تعرض لانتقادات شديدة من قبل أعضاء حزبه الليكوديين المتشددين المتحالفين معه او المنافسين له، وقاد هذا الهجوم ضده رئيس الوزراء السابق بنيامين نيتنياهو وذلك من أجل القيام بعمل عنيف ضد الفلسطينيين، واستطاع اليوم إسكات المنتقدين ورضوخ حزب العمل، الشريك الرئيس له في التحالف الحكومي.
اعتاد زعيم حزب العمل ووزير الدفاع بنيامين بن أليعازر القول إنه لا وجود لحل عسكري في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه ومنذ اللحظات الأولى لتخطيط هذا الهجوم ظهر وكأنه يراقب مع شارون ما يجري.
ويتذكر المشاركون في اجتماع مجلس الوزراء ان المناقشة الوحيدة التي جرت كانت حول اقتراح شارون اعتقال أو نفي عرفات، حيث أيد موفاز ووزراء الليكود هذا المقترح بينما عارضه بن أليعازر.
ويتذكر بعض المشاركين أيضا أنه في منتصف الاجتماع، وحوالي الساعة الثانية صباحا، اتصل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وحذّر شارون من طرد عرفات لأن هذا الأمر سيسبب الكثير من الهياج في العالم العربي.
وكانت اللحظة الحاسمة عندما استمع مجلس الوزراء لتقرير ثلاثة من قيادات الأمن، ووفقا لما قاله بعض من حضر الاجتماع فإن نقاشا دار حول ان عرفات سيؤذي إسرائيل من المنفى أكثر مما لو بقي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
خيارات سيئة
ووفق ما قاله مسؤول أمني إسرائيلي رفض الكشف عن اسمه فإن «الخيارات المنتظرة كانت سيئة وهي تزداد سوءاً بشكل مستمر».
وأضاف: «والسؤال كان هل ستجني إسرائيل أي فائدة فيما لو نفي عرفات وبدأ التجول بشكل حر في العواصم الأوروبية، وعقد مؤتمرات صحفية لتهشيم إسرائيل، أو عقد مباحثات مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك أو مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير؟ وكان الخيار إبقاءه في رام الله كأقل الاحتمالات سوءاً».
ولكن الاحتمالات المتأرجحة داخل الجهاز الأمني حملت بعض الوزراء الإسرائيليين على إبداء شكوكهم من نفي عرفات، ف«يشاي» ووزير الموصلات الإسرائيلي ريوفين رفلين، وهما من مستشاري عرفات، قدما عرضا يقضي بإعلان عرفات عدوا لإسرائيل وإبقائه معزولا في رام الله داخل مقره العام، على ألا ينفى في الوقت الحالي على الأقل.
وبينما كان شارون في صبيحة 29 نيسان يعقد مؤتمرا صحفيا في التلفزيون، كانت الدبابات الإسرائيلية تجوب رام الله وتشق طريقها باتجاه مقر عرفات، وكاستعراض للوحدة الوطنية، ظهر شارون محاطا بزعماء الأحزاب المختلفة داخل ائتلافه الحاكم.
وقال في هذا المؤتمر: «لن ألزم نفسي بالزمن اللازم لإيقاف هذا الإرهاب».
ثم أضاف: «لكننا قررنا ان نمحو الإرهاب مع بنيته التحتية».
عدم ثقة بالسلام
ومن جانب آخر تم سؤال «الشين بيت» (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) عن قدرة عرفات في تطويق العنف الفلسطيني، وظهرت شكوك في أن ضرب أمنه بالقنابل والصواريخ سيساعد على تحقيق هذه المهمة المطلوبة منه.
وأيد شارون الجيش، فهو «مثل أكثر الإسرائيليين يلقي اللوم على السلطة الفلسطينية «حسب ما قال موشي أرينز، وزير الدفاع السابق وعضو الليكود غير المتطرف».
وأضاف أرينز: «إن شارون لا يرى السلطة الفلسطينية كمؤسسة تريد محاربة الإرهاب».وفي الواقع فإن الهجوم يظهر أن شارون يحاول تجاوز الأرض في اتفاق السلام الذي توصل إليه المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون في اوسلو عام 1993.ويقول المحللون إن شارون لا يثق بالسلام المعتمد على أجهزة الشرطة الفلسطينية لضمان الأمن الإسرائيلي، فأجهزة عرفات من الشرطة والأمن أصبحت عدوا يجب استهدافه.عندما تدخل بوش في الرابع من نيسان داعيا شارون إلى البدء بمرحلة معاكسة (أي الانسحاب)، فإن رئيس الوزراء أهمل هذا الطلب، وحسب وزير إسرائيلي وثيق الصلة برئيس الوزراء فإن شارون لم يأخذ طلب بوش على محمل الجد.
وقال الوزير الذي رفض الإفصاح عن اسمه إنه وجد هذا الطلب قابلا للتفاوض، فشارون بدأ انسحابا منظما، لكن هجومه استمر لأسابيع ومازالت إسرائيل تقوم باجتياحات يومية للمناطق الفلسطينية. ويعترف شارون أن من ضمن أولوياته عدم جعل هذه العملية الأخيرة من نوعها.ويقول أحد كبار موظفي الأمن لديه: «هذه العملية ليست الأكبر، فنحن دخلنا ست مدن، ولم نتعرض لغزة أو لجنوبي الضفة الغربية».خلال اجتماع مجلس الوزراء وبعد انتهاء معظم العمليات العسكرية، سأل رانكوهين، الوزير من حزب العمل، شارون ان يلخص له نتائج عملية الدرع الواقي.
أجابه شارون: «هذا ليس وقتا لتقديم الخلاصات».
ثم أضاف وفقا لما رواه بعض المشاركين في الاجتماع: «لم نصل بعد إلى نهاية العملية، نحن غيّرنا فقط أسلوبنا، ولم ننسحب بالكامل، ونحن لا نستسلم، وإذا عادوا للهجمات الإرهابية فسنعود في حال الضرورة إلى كل الأماكن التي كنا فيها».

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved