Sunday 28th April,200210804العددالأحد 15 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

على ضفاف الواقع على ضفاف الواقع
كيف ننقذ السمك من الغرق؟
غادة عبدالله الخضير

يحكى أن هنالك قرداً كان شجاعاً وذا حمية، رأى هذا القرد ذات يوم سمكة تسبح بعكس التيار فأثارت شفقته ورق لها قلبه الطيب فخاطر إيما مخاطرة كي يخلصها مما هي فيه وأخيراً تعلّق في غصن شجرة كي يستطيع ان يخرج السمكة من الماء معتقداً أنه بذلك ينقذها من الغرق!
من منا لعب دور القرد؟
ومن منا لعب دور السمكة؟
ومن منا تعب من أولئك الذين يقومون بدور القرد؟
ومن منا تعب وهو يحاول ان يثبت أنه سمكة حياتها الماء وإخراجها منه.. إنهاء لحياتها؟..
أرواح عدة لعبت هذا وذاك.. وأرواح عدة عانت من هذا وذاك!!!
تتساءل قارئي وما علاقة القرد والسمكة بالكتابة اليوم؟ وقد تستنكر أنك قمت في يوم من أيام حياتك بدور قرد.. أو حتى سمكة؟!
أنا معك.. فلقد قرأت هذه الحكاية مراراً.. ولم أشعر بها إلا عندما.. عشت دور السمكة.. وعانيت من شجاعة القرد المهلكة!!
يمر بك ظرف ما.. ترغب وأنت في معمعته ان تنسحب بهدوء عن كل الذين يعيشون حولك.. تنسحب شيئاً فشيئاً دون أن تصنع من خطوات غيابك ضجة عالية تلفت الانتباه، رغبة منك ان تصل إلى بر الأمان مع نفسك قبل ان تصل إليه مع الآخرين.
لم تعد أنت.. كأنت السابق.. تغيرت ربما، التزمت الصمت ربما، أصبحت تملك ملامح لا تعابير عليها ربما، لم تعد تمتلك تلك القوة في احتواء الآخرين ربما، تعيش كبوة جواد ربما، كل تلك احتمالات واردة.. جعلتك تفكر جدياً أن تنأى بروحك لفترة من الزمن بعيداً عن كثير من الملامح.. فقد ترتاح روحك قليلاً وتهدأ.. وتعود إلى سالف مجدها..
انت هكذا.. عندما تغزوك عاصفة ما.. لا تفكر إلا في كيفية الوصول إلى بر الهدوء.. ومابين العاصفة والهدوء.. يحدث لك أن تمتلك.. أخلاقا صعبة حادة.. قد تؤذي من حولك وتجرح.. مشاعرهم. إذن تفكر في عزلة تمتد إلى ما شاء الله..
هكذا أنت.. وهكذا هي العزلة طريقتك وفلسفتك إلى الراحة، ولا إبعاد من حولك عن سهامك.. ولكنهم قلة أولئك الذين يفهمون ذلك فيك فيتسارعون عن طيب وحسن نية.. وعمق صداقة إلى إخراجك من عزلتك إلى محاولة إخراجك من عزلتك.. جاهلين تماماً ان ذلك لن يزيد الأمر إلا سوءاً.. ولن يزيدك إلا تمسكاً بعزلتك.. وبطريقتك بالتعامل مع مصاعب الحياة.. انهم لا يطيقون ان يروك.. متعباً.. مهموماً.. شارداً.. حزيناً.. وإن حدث وضبطوك متلبساً بذلك.. فلا نامت أعين الجبناء!!
أنت تؤمن تماماً ان لعزلتك منطقاً خاصاً .. وربما يكون مميزاً عمن تتعايش معهم انك تسعى إلى هدنة يتم إنعقادها بين النفس والحياة.. عزلة.. وهدنة لا يخصان أحداً سواك.. وهي ليست من أجل أحد.. إنها عزلة من ذلك النوع الذي نعيد فيه لأنفسنا توازن الحياة.. تستغني فيها النفس من كل شيء.. نطهرها من هذا الهجوم على الحياة.. نطهر فيها أسماعنا من ذلك الفائض عن الحد من الكلمات التي لا فائدة منها ولا معنى ولاهدف.. نطهر أبصارنا من ذلك اللحاق المنطلق لكل مافي الدنيا من ألوان صارخة.. نفكر قليلاً بما بين أيدينا. ماذا أعطينا؟ ماذا أخذنا؟ ماذا فعلنا؟ وماذا سنفعل؟
هذا منهجك الذي تتبناه.. لكن ملامح عدة حولك تستنكر ذلك وترغب صادقة.. جاهدة ان تخلصك من ألمك الذي يزداد بعزلتك.. تحاول ان تعيد لك روح الكلام وروح المرح.. وشكل الابتسامة.. وعمق الضحكة.. تحاول ان تعيدك إلى سابق عهدك معها.. بل إنها كلما شعرت بتمسكك بعزلتك المؤقتة طبعاً هي لا تعي ذلك هددتك.. ان ذلك قد يؤثر على علاقتك معها.. وانها قد تتغير عليك.. ولا أنقصك حديثا قارئي.. هي فعلاً تتغير.. دون دراية أو علم.. ان الصداقة هي ان نقبل الآخرين كما هم.. لا أن نغيرهم كما نبغي نحن!! وهكذا..
وهكذا.. تلبس دور السمكة.. التي لايضرها انها عكس التيار.. بقدر ما يضرها إخراجها من الماء!!
.. فهل لعبت قارئي العزيز.. دور السمكة أو دور القرد؟! سيان الأمر.. لأن الأجمل ان نتعلم ان لكل منا فلسفة خاصة بالحياة.. فليس جميعنا أسماك.. وليس جميعنا..!!!
بوح هادئ..
.. ترى بماذا يمكن ان نسمي تلك المعركة التي نخرج منها دون هزيمة أو نصر.. دون غنائم أو خسارة. دون رغبة في الاستمرار أو الانسحاب.. دون ان نكلف أنفسنا عناء ان ننظر إلى الخلف قليلاً.. لنتأمل ساحتها.. لنتأمل صولاتنا بها.. عندما كنا.. بماذا يمكن ان نصف كل هذا.. بل الأكثر حيرة.. هذا إذا كان هنالك حيرة.. بماذا يمكن ان نصف مشاعرنا.. اتجاه طرف المعركة الآخر الذي مازال يبحث عن النصر!!!
عن الغنائم!!!
عن الاستمرار!!!
تراه يعلم ان سيفه مكسور.. وحصانه العزيز قد بلغ من الكبر عتيا.. وان الانسحاب قبل الهزيمة.. لايعني إلا النصر.. تراه يعلم؟!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved