استطلاعات ميدانية.. كتبها وصورها: حمّاد بن حامد السالمي الطائف
رحلتنا اليوم، صوب بقعة سوف تصبح عن قريب منتجعاً سياحياً كبيراً يقصده الناس من كل مكان، من عرب وعجم... إلى جبل كشب او ما يسمى عند بادية هذه النواحي ب (الوعبة) و(مقلع طمية)..
فهذا المكان مع انه يبعد عن الطائف قرابة 260 كم، إلا ان تركيبته الجغرافية الطبيعية تؤهله لأن يصبح احد المعالم السياحية الجاذبة والمهمة سواء في الصيف أو في الشتاء.
إن جبل كشب هذا ، يقع في منطقة صحراوية بين نجد والحجاز إلى الشمال الغربي من المويه. والطريق الى هذا الموقع هو من مفرق ام الدوم على طريق الطائف الرياض السريع. ومن ام الدوم نأخذ طريقاً مزفتاً الى حفر كشب حيث ينقطع الطريق المزفت قبل الوصول الى جبل كشب بحوالي تسعة كيلات هي عبارة عن طريق ترابي يقود الى قمة الجبل المطلة على المقلع الكبير الذي يتوسط قمة الجبل على شكل حفرة كبيرة الى اسفل.
أرض قفر..؟!
* وصلت هنا.. الى قمة الجبل قبل الظهيرة، كانت الشمس تتقد، والحرارة مرتفعة، فنحن ما زلنا في فترة تسبق الشتاء، وفي موسم الشتاء مثلما هومعروف تشتد البرودة، والجفاف، وهذه هي الطبيعة الجغرافية بين الحجاز ونجد على العموم، صحارى تمتد الى ما لا نهاية لا تقطعها سوى جبيلات هنا أو هناك، مناخ على طرفي نقيض، فإما الحرارة مرتفعة صيفاً، او برودة شديدة شتاء، ولا يجمع بين هذين النقيضين سوى الجفاف!
كَشِب.. وكُشْب
إن جبل كشب هذا هو من اكبر وارفع الجبال في هذه الجهات، والقمة التي (كانت) له، تجوفت وتكورت فشكلت فوهة تؤدي إلى مقلع دائري حدث في جسم الجبل لعله بفعل بركان منذ آلاف السنين..
والانطباع الذي يخرج به من يقف على حافة هذا المقلع الضخم مؤداه، ان جزءاً عظيماً من جبل كشب قلع وانتثرت أحجاره على مسافات بعيدة من هنا.
اما الجبل فقد ذكره ابن بليهد هكذا (كَشِب) بفتح الكاف وكسر الشين فباء. ونقل عنه ابن خميس(1).
قال: قال البكري: (كَشِب) جبل مما يلي حدود اليمن. وذكره ابن دريد (كَشْب). بإسكان الشين.
وأبو الأخفش يقول: (كُشُب) بضم الأول والثاني. قال بشامة بن عمرو:
فمرت على (كُشْب) غدوة
وحاذت بجنب أريك أصيلا
* قال احمد بن عبيدة: كشب جبل قريب من وجرة(2) بينه وبين أريك ناء من الارض. يقول: سارت في يوم واحد ما يسار في ايام.
وقال مزاحم العقيلي:
ما بين نجران.. نجران الحقول إلى
أعلام صارة فالأغوال من كشب
وصارة: جبل هناك.
ويدل على ان جبل كشب لونه اسود، قول العجاج:
كأن من حرة ليلى(3) ظرباً(4)
أسود مثل كشب أو كشباً
أكشاب.. والموضع واحد..
* وعند مراجعة كتب المؤرخين والرحالة أمثال البكري وابن دريد وابن بليهد والرماني وابن منصور وابن خميس والبلادي؛ نجد الكلام يدور على اكثر من كشب. ولكن الموضع المقصود واحد وهو هذا حتى وان تعددت الروايات.
حرة لا جبل..!
* ونتوقف هنا، عند كلام البلادي(5) حول كشب. فقد قال بتعدد الروايات حول كشب مع ان الموضع واحد لا اكثر.
* وانفرد البلادي بالقول: ان كُشْب هذا انما هو حرة وليس جبلا، حتى لو درج هذا الاسم على ألسنة الناس وقال: كشب، حرة عظيمة من حرار الحجاز الشرقية. تمتد من سهول ركبة جنوباً شرق عشيرة الى جنوبي المهد عند الهطب ومشيرفة. على امتداد من الغرب وادي عقيق عشيرة ثم قيعة وسباخ حاذة وصفنية وسهول ما نسميه بحوض العقيق. ومن الشرق صحاري نجد من غرب الدفينة في الجنوب الى المزيرعات والقحاطم شمالاً.
تسيل منها اودية عديدة غربا في حوض العقيق. وفي الشمال بنو عبدالله من مطير.
الحب بين قَطْن.. وطَمية..!
* كيف حدث هذاالاخدود العظيم في كشب..!
* تتعدد الروايات حول هذه الظاهرة الطبيعية. ويتفنن البدو في نسج الروايات الخيالية مع ان الامرلا يحتاج الى مثل هذا.. فالتفسير العلمي الاقرب لتوضيح هذا اللغز الذي يسكن الجماجم منذ مئات السنين، هو ان نيزكاً سقط هنا وأحدث هذه الحفرة الهائلة في الارض، او ان بركاناً ثار بقوة من سفح هذا الجبل فقذف بحممه بعيداً حتى وصلت قرب القصيم.
* اما ما يردده العامة من روايات حول هذه الظاهرة فأشهره قصة: (طمية وقطن).. فمن هي طمية..! ومن هو قطن..؟!
نقل البلادي(6) عن ياقوت عن الكلبي عن طمية:
بأنها سميت بطمية بنت حاج بن جُمى بن تراوة من بني عمليق. وكانت اختاً لسلمى بنت حاج بن جمى عند ابن عم لها يقال له سلم بن الهجين، فولدت له ضميراً وبرشقاً والقلاح والتريع فهم بالحيرة. الا ترى ان العبادي اذا غضب على العبادي قال له: اسكت يا سلم بن طمية.
وانما يعني سلم بن طمية هذا. وسمي الجبل بمكانه جبل بمكة.
قال ابو عبدالله السكوني: اذا خرجت من المحاجر تقصد مكة تنظر الى طمية. وهو جبل بنجد شرقي الطريق. والى عكاش، وهو جبل تقول العرب انه زوج طمية.. سمكهما واحد. وهما يتناوحان. وفيهما قيل:
تزوج عكاش طمية بعدما
تأيم عُكَّاشٌ وكاد يشيب
وقال السمهري اللص:
أعني على برق أريك وميضه
بشوق إذا استوضحت برقاً عنانيا
أرقت له والبرق دون طمية
وذي نجب، يا بعده من مكانيا
وقال عمر بن لجأ:
تأوبني ذكر لزولة كالخبل
وما حيث يلقى بالكثيب ولا المهل
تحل وركن من طمية دونها
وجرفاء مما قد يحل به أهلي
* أما أصل (طمية) هذه، فإنها نزعت من حفرة كبيرة مستديرة عمقها بمئات الامتار من جسم كشب. وسميت هذه الحفرة عند اهالي هذه الديار: (الوعبة) او(مقلع طمية). اما اصل الحكاية فهي كالتالي:
طمية كانت بالحجاز في كشب. وقطن الجبل الابيض الجميل كان من نواحي المدينة، فلما ربعت نجد نزع قطن إليها. وبينما كان في طريقه، برق البرق، فرأته طمية فأعجبت به! وهوته فزعت إليه!
فلما رأته رأي العين؛ اعترض طريقها جبل اسمرمن جلدتها يقال له عكاش..! فاستغواها عن قطن، واقنعها انه هو الاسمر احق بها لانهما يتشابهان في اللون..! وهكذا لم يسعف قطن هذا جماله حيال الواقع المرير. فمالت طمية الى عكاش. فرمت مراسيها اليه معرضة عن قطن، جاعلة وادي الرمة بينهما..!
* ويقول البعض: بأن المزعة من الجبل التي هي بجانب الوعباء يوجد موضعها في طمية وبنفس المقاس والشكل..! ويدللون على ذلك باشعار يتوارثونها. فيقول احدهم:
الهوى قدامنا شدَّ وطمية
استخالت قطن، يوم البرق لا حي
وشد يعني رحًّل.
* وفي اسفل هذه الوعبة ماء يتكون من المرتفع، ليس له طريق إلا من ثلم في دار المحفرة يسمى (خرق عديس).
ويسمى ماؤها (كُسَّان). يقول شاعرهم:
الدرب خرق عَدَيْس والعد كسان
وليا صدر مظماه يمّ امكوات
* شافت قطن..؟!
* ومن الشعراء الذين وظفوا هذه الرواية في شعرهم، عبدالهادي بن ثعلي الروقي رداً على شاعرة اسمها نورة قالت بأنها سوف تدفن حبها(7)
عاني طمية قدمنا طقها التيه
خذت مع الحزم الرقاق انهزامه
شافت قطن واختارته من مشاهيه
والصبح مقلعها تراطن حمامة
.. ومن أشعارهن.. ؟!
* ولا يتوقف ذكر حرة كشب وما يثيره مقلعها من غرابة تستغلق دون كنهه العقول عند حد وصفي او خيالي..
لكن شاعرات البادية أيضاً مشدودات الى هذه البقعة.
* فالشاعرة نافعة المطيري(8) مثلاً، تتغزل في (هلال)، معشوقها عندما مر في احدى غزواته.. وتقول..
يا راكب عملية تقطع الخوف
عملية والسر من تيه الاحرار
مسراحها من (كشب) مع حقة الشوف
......................................................
ملفاك من نشره يوالي به الخوف
ربعي مسقين المعادين الاحرار
.. إلى آخر الابيات
* وهذه شاعرة اخرى هي (صالحة العيسائية)، تذكر اخاً لها اسمه (غازي)، وقد رأت منه امارات العشق لفتاة ما وسمعته ينشد هذه الابيات:
يا مرحبا باللي على بيتنا مر
رد السلام ولا معي فيه حيله
يا مرحبا عدد حصا (كشب) واكثر
وعدد جراد طاير من مقيله
يا حلو زوله يوم لبس المشجر
يا طى بمصبوب القدم في شليله
فقالت تنهاه:
انهاك يا غازي عن الحب الاقشر
انهاك عن درب الهوى وتغدي به
.. الى آخر القصيدة
* * وأكتفى بهذا القدر من ذكر لكشب ومقلعه ووعبته الشهيرة من كتب الرحلات والمؤرخين واشعار الشعراء.
الحفر.. إدارياً..
إن حرة كشب وهذا الموقع المحير في جبلها.. كل ذلك جزء من مركز اداري يتبع محافظة الطائف هو (مركز الحفر)..
* فالحفر الذي نزوره اليوم هو المركز الذي يمتد الى الشرق والجنوب من كشب، وسمي بذلك لوقوعه في حفرة منخفضة بين جبال من جهاته الاربع. كان في القديم مورداً للبادية على آبار متناثرة هنا يمر بها درب الحاج بين مكة والعراق وهو درب (المنقى)..
* ونتيجة لتوجه البادية الرحل الى الاستقرار والاستيطان تكونت هنا قرية، حول الحفر ثم انضمت اليها قرى اخرى وهجر سماها لنا رئيس مركز الحفر كريم بن عوض بن شعيل العطاوي فقال:هي: (البدائع الزربان ام الريلان الرفيعة زبنة المسالطة الربع العوالي الطلعة النافهية مقر الشديد مقر شنيف نمران الصالحية البطينية المحاوي المنتزه المشوية المزارعة).
سكان ومدارس وأعمال
* ويقول رئيس المركز:
إن اول مركز انشئ في الحفر كان عام 1379ه. واول رئيس لهذا المركز هو سهل القوس، ثم حسن العريفي، ثم مضحي بن هيران العطاوي. وكان هذا قبل عام 1410ه.
* ومن مهام المركز: مباشرة جميع القضايا التي تخص المواطنين، وتوجيه الادارات الاخرى وحفظ الامن.
* ثم يضيف:
عدد سكان الحفر يقدر بحوالي 4125 نسمة يعملون بالزراعة والتجارة والرعي.
ويوجد بالحفر:
6 مدارس بنين ابتدائية ومتوسطة وثانوية
5 مدارس بنات ابتدائية ومتوسطة وثانوية ومعهد معلمات
وعدد الطلاب 827 طالباً.
وعدد الطالبات 538 طالبة.
جبال وأودية وآثار
* إلى جانب الوعبة التي تشد اليها الانظار والرحال ايضا، يوجد على بعد كيلات من غربها مبنى حجري بنسب الى بني عبس.
وهذا كل ما يتعلق بالآثار اذا اضيف اليه بعض ابار وبرك درب الحاج المار من هنا. ومنها بركة بجوار جبل شعر.
* ومن الجبال المشهورة اضافة الى جبل كشب: جبل زبنة وام المراكيز وام اصبع. وشلمان. وام المغاريب.
وجبل ام المح. اضافة الى دخنة وغيرها من الجبلات الصغيرة.
* ومن اودية الحفر: وادي جيري والمعاردة والدية والمحبيس والمعرد.
* وعلى مساحة هذه الحرة الكبيرة لا يوجد شجركثير الا ما نلاحظه من الطلح والسمر. وتنتشر الاعشاب الرعوية بعد الشتاء وقبيل الصيف.
ومن الممكن ملاحظة طيور مثل الكدري والغطاط والحمام والقماري.
من مشايخ الحفر
* في الحفر عدد من المشايخ قابلت منهم ذعار بن ضيف الله وبصان ومحيل بن سويلم العازمي. ومسري بن حبيب الزلامي، ومنهم أيضاً:
جدي بن مناحي
عواص بن سهو العتبي
ومبشع بن سمار الذيابي
وسعيد بن نجم الذيابي
وذيب بن ضيف الله الذيابي
خدمات بلدية وكهربية..؟!
وفي احاديث رئيس المركز ومشايخ الحفر أجمع الكل على نقص حاد في الخدمات البلدية، بل لا يوجد اي اهتمام بالنظافة او التخطيط.
كما ركزوا على سرعة ايصال الكهرباء والعمل على ربط طريق الوعبة، مع طريق المهد وربط طريق المحفر بالطريق نفسه.
خدمات حاضرة..
يقول رئيس المركز كريم العطاوي:
يوجد في الحفر مخفر شرطة ، ومركز صحي، وقائم بأعمال بريد. ومركز صحي بمقر شنيف.
هموم ومطالب في الحفر
* اما اهالي الحفر واعيانه فهم لا يخفون بعض همومهم ومطالبهم، فالى جانب إهمال بلدية الطائف لقراهم وهجرهم، فهم يطلبون من كافة المسئولين الآتي:
1 زيادة مقرر الماء العذب
2 مكتب بريد ومكتب للبرقيات
3 مكتب لخدمات البلدية
4 صيانة الطرق وتعبيد الترابية منها
5 اكمال نواقص المستوصف الصحي
6 التعجيل بالمشروع الاستثماري لمقلع طمية لتنشيط المنطقة.
وداع الشعر..!
* قبل ان نغادر مركز الحفر.. اراد رئيس المركز الاخ كريم العطاوي؛ ان يكون الوداع شعراً في الحفر، فزودني بهذه الأبيات الدالة على قدامة الحفر ومكانتها في قلوب ساكنيها.
* يقول شاعرهم:
انا وشبي ما بكي وتبكي ضما يري
على منهلا قيد القعود ارشاه
ابكى على (مران) عدا به الردا
و(الحفر) يعني للعليل ابماه
وسجاء مرب القود عن ديرة الوبي
تضمي على ساق العناب وراه
* ويقول الثاني:
(الحفر) دار اللي ليا هبت المشبط
تشبع مجاويع العرب في نعمها
* ويقول الثالث:
الى سالت الهدباء من الطرق ليله
ربحي الحول ما غلق توالي جرينها
* والهدباء: آبار معروفة في الحفر، وكانت زراعية فيما مضى.
ونترك الحفر وكشب والوعبة وما مضى من ايام الحب الجارف بين طمية وقطن وعكاش (العزول)..!
في انتظار قيام مشروع تلفريك سياحي على هذا المقلع العجيب يزوره مئات الناس من عرب وعجم، ومن المهتمين بالتاريخ والظواهر الطبيعية.
هوامش وتعليقات
(1) معجم جبال الجزيرة. ج 4 مادة (كشب)
(2) وجرة محطة على درب زبيدة قبيل مكة وبعيد ذات عرق بكيلات قليلة
(3) حرة ليلى: حرة عظيمة الى الشمال من عشيرة. وليلى هي العامرية صاحبة قيس.
(4) الظرب: جبيل صغير محدد الحجارة
(5) معجم معالم الحجاز . ج7 . مادة (كشب)
(6) الرحلة النجدية (ص 24)
(7) شاعرات البادية، عبدالله بن رداس. ج2 ص 92
(8) المصدر السابق. ج1 ص 37.
|