لقد تم انشاء منظمة حلف شمال الأطلسي كما رسم لها اللورد أيسماي أول أمين عام للمنظمة وذلك للأهداف التالية: «جعل الأمريكيين بالداخل وابقاء الروس في الخارج وترك الألمان في الأسفل»، وقد قام الحلف وقتها وبنجاح بتأدية هذه الادوار بشكل ممتاز، ولكن حدثت تطورات منذ ذلك الحين اقتضت ضرورة التغيير.
فأوروبا الغربية ما تزال حرة ومزدهرة و انتهى الاتحاد السوفيتي وتفتت إلى جمهوريات، كما ان المانيا اليوم بلد يتمتع بالحرية والديمقراطية وقامت بخفض قواتها إلى000. 400 جندي كجزء من المعاهدة التي تقر بإعادة توحيدها الموقعةعام 1990.
أما الآن ألم يحن الوقت لعودة روسيا مجددا إلى الناتو؟
يجادل أنصار هذه الدعوة بانه لا يوجد الآن اية امكانية لدى روسيا لمهاجمة أوروبا الوسطى أو الغربية، فالجيش الروسي يعاني في الوقت الراهن من ازمات وضغوط وبالكاد يستطيع الحصول على مصادر للدفاع عن حدوده التي تقلصت، علاوةعلى هذا كله فان روسيا اليوم تريد ان تصبح جزءا من أوروبا.
ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية قامت روسيا في الشهور الاخيرة بالاحتجاج والتعبيرعن رغبتها في ايجاد علاقة تعاونية مع الغرب فقامت بتلبية دعوة الرئيس جورج بوش لاجراء تخفيضات جذرية في ترسانتها النووية الاستراتيجية، كما عملت أيضاً على اسكات الانتقادات التي وجهت لقرار الرئيس بوش الرامية إلى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية منع انتشار الاسلحة الباليستية التي كانت قد وقعت بين البلدين عام في 1972 وتقضي بالحد من اجراء الاختبارات وتطوير ونشر الصواريخ العابرة للقارات اضافة إلى منعها بناء نظام دفاع الدرع الصاروخي الذي تريد الولايات المتحدة تطبيقه الآن حيث تدافع الولايات المتحدة عن ذلك بقولها ان اتفاقية عام 1972 لم تعد تتماشى مع متطلباتها الامنية بعد انتهاء الحرب الباردة.
كما قام الروس أيضاً بالانضمام إلى الحرب ضد الارهاب التي قادتها الولايات المتحدة حيث شاركوا بالعمليات الاستخبارية مع القوات الخاصة الغربية وقاموا بفتح مجالهم الجوي من اجل ايصال «المساعدات الانسانية» إلى افغانستان محافظة بنفس الوقت على تدفق النفط الروسي إلى الغرب وبأسعار مقبولة.
وبقدر مساوٍ من الاهمية قامت روسيا بالتخفيف من حدة انتقادها لقرار الناتو الوشيك القاضي بتوسيع الحلف ليشمل دول البلطيق السوفياتية الثلاث السابقة (لاتيفيا وليتيوانيا واستونيا) بحيث تصر واشنطن على عدم استبعاد أي دولة من الانضمام بسبب التاريخ أو الجغرافيا.
وهكذا فانه بات من الواضح جدا رغبة روسيا الحقيقة بالانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وقد أكد على ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال: «لا أرى الآن أي سبب لعدم اجراء محادثات مع الغرب من اجل اتمام انضمام روسيا إلى الناتو»، وفي الحقيقة فان انضمام روسيا إلى الناتو يشكل أهمية قصوى حيث انه يدعم ويعزز الروابط الروسية مع أوروبا، كما انه يسمح لروسيا بتخفيض ميزانية مؤسستها العسكرية المرتفعة والأهم من ذلك كله هو فتح ابواب روسيا للاسواق الغربية، وبإدراك أهمية الاسهامات الروسية في كل هذه المجالات بدأ الناتو باتخاذ خطوات
جدية من شأنها ان تسفر في النهاية عن انضمام روسيا إلى الحلف، ففي السابع من كانون الاول من هذا العام التقى اعضاء الناتو بوزير الخارجية الروسي ايفان ايفانوف وأبرموا معه اتفاقية تهدف إلى ان تصبح روسيا شريكا كاملا مع 19 دولة التي كانت تعد في السابق عدوة لموسكو ايام الحرب الباردة، كما تهدف أيضاً إلى ان يكون لروسيا دور في صناعة القرار في بعض القضايا الامنية في المجلس المشترك الدائم للتعاون بين روسيا والتاتو.
وهكذا فمن الواضح هنا ان المجلس الدائم المعدل الذي تم انشاؤه مؤخرا سيكون محددا في القضايا التي يمكن للطرفين بحثها والتصرف بشأنها، وسيبقي على العلاقة الصعبة بين التاتو وروسيا كما كانت ابان الحرب الباردة، وبنفس الأهمية أيضاً فان الكثير وان لم يكن الأغلب من الدول الاوروبية تعتقد بأن عضوية روسيا بالناتو ستعمل على اتمام بناء المنظومة الأوروبية والتي ستؤدي في النهاية إلى سلام دائم في القارة.
وعلى العكس من ذلك تماما فان بقاء روسيا خارج حلف الناتو لن يعمل فقط على احداث فجوة رئيسية في هذه المنظمة بل سيعيد الخوف القديم من روسيا وعدوانيتها نحو أوروبا.
وفي أقل التقديرات فان عضوية روسيا في الناتو سوف تمنع الخلاف المستمر حول توسيع الحلف نحو الشرق، فالروس بالكاد يستطيعون ان يوجهوا النقد لمسألة انضمامهم إلى الناتو.
ومن الواضح ان المفاوضات النهائية حول التسوية النهائية للحرب المأساوية الدائرة في الشيشان ومطالبتهم بالحكم الذاتي وانسحاب الجيش الروسي ستتمخض عن تخفيف حدة المعارضة لأنضمام روسيا إلى الناتو.
وبنفس الوقت فانه يتوجب على منظمة حلف شمال الأطلسي ان توضح للروس بان استمرارهم في تدعيم الديمقراطية و الحفاظ على حرية الصحافة والاعلام (والتي تم استهدافهامن قبل حكومة بوتين) هي الشروط المسبقة لانضمامهم إلى الناتو.
ففي عام 1991 عندما انتهت الحرب الباردة طلب الرئيس الروسي بوريس يلتسين من الناتو الاعتراف ببلاده كعضو كامل بالحلف، وقد رفض طلبه وباستهزاء حيث أعلن الحلف حينها «ان روسيا ليست جاهزة بعد للانضمام الينا».
وكان من نتائج هذا الرفض التراجع في الديمقراطيات الروسية، وانتشار الفساد والاقتراب من حافة الانهيار الاقتصادي، اضافة إلى الخلاف الذي قام بين الناتو وروسيا حول البوسنة وكوسوفو.
اما الآن ونتيجة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المأساوية فانه يوجد لدى الغرب فرصة ثانية لانهاء الحرب الباردة وانهاء الانقسام في أوروبا، ومن ثم جعل روسيا شريكا كاملا للناتو في محاربته للارهاب ومنع انتشار اسلحة الدمار الشامل، ولهذا فانه يتوجب على كل من الناتو والولايات المتحدة (التي تقوده) ان لاتفوت الفرصة التي منحتها اياها احداث الحادي عشر من سبتمبر، كما يتوجب على الناتو أيضاً ان يوضح للروس بان استمرار تعاونهم مع الناتو اضافة إلى تقدم خطواتهم نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان خاصة في الشيشان ستقودهم في النهاية إلى الانضمام إلى الحلف مع نهاية هذا العقد.
* كرسيتيان ساينس مونيتور ( خاص ) خدمة الجزيرة الصحفية |