* تحقيق عبدالله بن ظافر الأسمري
أنعم الله على هذه الأمة بدين عظيم ومنهج رباني قويم من تمسك به أفلح ونجا، ومن تركه وأعرض عنه هلك وتردى، ومنذ بزوغ فجر الإسلام كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ويرشدهم ويربيهم، وقد كان المسجد مركزاً لهذه التربية والتعليم والتوجيه والوعظ والشورى وكل ما يهم الإسلام والمسلمين «والرسالة» تستطلع في هذا الشأن مكانة المسجد ودوره الحقيقي، الذي يحاول بعضهم التقليل منه ومن مكانته بادعاء أنه للعبادة والصلاة فقط.. ولاستطلاع الموضوع كان هذا التحقيق:
المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة:
في بداية الحديث عن هذا الموضوع المهم يتحدث «للرسالة» فضيلة الشيخ مقرن بن سعد المقرن المحاضر بكلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيقول:للمساجد أهمية وميزة على بقية الأماكن، فقد نسبها الله تبارك وتعالى إليه حيث قال: {وّأّنَّ پًمّسّاجٌدّ لٌلَّهٌ} ليميزها عن الأماكن الأخرى ، ذلك ان اختصاص المساجد بالله يجعلها في المنزلة العالية في الإسلام، وإشارة إلى أنها موضع اهتمام خاص من لدنه تعالى، وعليه فإن الأعمال التي تمارس فيها يجب ان تكون مرتبطة بالله تعالى، وألا يطرح فيها أي أمر إلا ان يكون طاعة لله.إن للمسجد في الإسلام مكانة عظيمة، فالمساجد بيوت الله في الأرض وأحب الأمكنة إلى الله فلقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». وكان أول عمل قام به رسول الله عند دخوله المدينة المنورة مهاجراً هو تحديد موقع المسجد، وذلك لأهميته في حياة الناس والدور العظيم الذي يؤديه.والمسجد في الإسلام ليس مكانا للعبادة ومحلا لإقامة الصلاة فقط، فالمساجد في الإسلام تبنى لأكثر من ذلك:
1 فالمسجد هو المدرسة التي تتربى فيها النفوس تربية روحية باتصالها بخالقها أثناء تأدية الصلاة والتعبد فيه.
2 المسجد هو المدرسة التي يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الإسلام في المسجد.
3 المسجد كان القاعدة الحربية التي تجتمع فيها الجيوش وتعقد فيها الألوية، وتنطلق للجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام.
4 المسجد كان دار القضاء والإفتاء والدعوة والإرشاد وتوعية المسلمين.
5 المسجد كان داراً لمجلس الشورى تناقش فيه أمور الأمة على ضوء الكتاب والسنة.
تلك هي جزء من رسالة المسجد في الإسلام، فرسالة المسجد في الإسلام شاملة لا تدع أمراً من أمور الدين والدنيا إلا أحصته.
ولذلك لايقتصر دور المسجد بكونه مكاناً للعبادة فقط بل هو مكان يصنع فيه الرجال وتصدر فيه الأخلاق الفاضلة والمعاني السامية التي تبث في النفوس الترابط والتراحم والتواصي بالخير، وتحثهم على التكافل والتماسك ليكونوا كالجسد الواحد الذي نص عليه الهدي النبوي، ويكمن هذا الترابط بوجود ذلك الإمام الذي يعتبر هو القدوة وهو الموجه والمربي لجماعة المسجد، إن دور الإمام لاينتهي بالتسليم بل دوره يتعدى ذلك بل يشمل في رأيي جانبين غير جانب العبادة:
الجانب الأول: التعليمي، وذلك بأن يحرص على إحياء دروس العلم في المسجد، لأن طلب العلم وتعليمه فريضة على كل مسلم، لاسيما إذا كان ممن له ولاية على أبناء ا لمجتمع، كإمام المسجد، فيجب عليه إذاً ألا يبخل بعلمه إن كان صاحب علم، أو أن يحرص على جلب من هم من أهل العلم المعتبرين، وذلك لينير الدرب، ويضيء الطريق.
الجانب الثاني: الاجتماعي، وذلك بأن يحرص على تصفية النفوس بين جماعة المسجد وعقد اللقاءات الاجتماعية التي يشع منها روح التآلف والتعاطف والمحبة.
كما لابد أن يكون ا لمسجد نواة لخروج القرارات السديدة التي يتخذها المسلمون، فقد كان هو مجمع المسلمين ومنه تنطلق قراراتهم من خلال التشاور والتفاهم.
الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن:
وامتداداً لدور المسجد وأهميته ودور القائمين عليه في تفعيل أنشطته وإظهارها بالمكانة اللائقة كما كان عليه في صدر الإسلام، وفي هذا الشأن تحدث «للرسالة» فضيلة إمام جامع التعاون بحي الدار البيضاء الشيخ عبدالله بن مرزوق آل محمد حيث قال فضيلته:
مما لاشك فيه أن دور الإمام والمؤذن كذلك مهم لأنهما هما أقرب الناس اتصالاً بالمسجد وهما قدوة للآخرين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين».فإذا شاهد الجماعة الإمام والمؤذن هما أحرص الناس على الخير والإقبال عليه تشجعوا هم أيضا ونشطوا في الخير ورغبوا فيه، فالإمام والمؤذن ملزمان بإدارة الوظيفة الأساسية وتطوير المستوى والعلم والثقافة حتى يحصل نفع الناس وإرشادهم على علم وبصيرة.فالإمام مسؤول عن الاهتمام بإقامة الدروس العلمية والعامة لأهل الحي، وكذلك إقامة ومتابعة حلق تحفيظ القرآن الكريم للصغار والشباب والكبار أيضاً، ولابد للإمام أيضاً من الاهتمام بمجتمع النساء وإقامة دار تحفيظ القرآن الكريم النسائية في المسجد، وذلك لأنه لايخفى مدى دور المرأة المسلمة في التربية وتنشئة الجيل المسلم على هدى من الله وبصيرة، كما أن المسجد هو حلقة الوصل الرئيسية بين أفراد الحي الواحد، وفيه تفقُّد المريض والمحتاج ولذلك كان المسجد هو أهم ملتقى في صدر الإسلام وسالف الزمان.
وإن كان الإمام هو من يتحمل العبء الأكبر وهو العامل الأساس في إحياء دور المسجد، والعنصر الأكبر فاعلية في نجاحه، إذاً على الإمام الرفع من مستواه العلمي والثقافي وكذلك تعليم الناس، أما البعد التاريخي للمسجد فلا يخفى على الجميع سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فأول ما وصل إلى المدينة لم يستقر به المقام حتى بدأ ببناء مسجد قباء في بني عمرو بن عوف وهو أول مسجد بني في المدينة كما جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله.
وعن عنايته صلى الله عليه وسلم بالمسجد يبين فضله وأهميته في الإسلام فقال «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها».
وقبل ذلك جاء في محكم التنزيل قول الحق:{إنَّمّا يّعًمٍرٍ مّسّاجٌدّ پلَّهٌ مّنً آمّّنّ بٌاللَّهٌ وّالًيّوًمٌ الآخٌرٌ وّأّقّامّ پصَّلاةّ وّآتّى پزَّكّاةّ وّلّمً يّخًشّ إلاَّ پلَّهّ فّعّسّى" أٍوًلّئٌكّ أّن يّكٍونٍوا مٌنّ پًمٍهًتّدٌينّ} [التوبة: 18]
وقال عليه الصلاة والسلام: «من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة»»، وفي رواية «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة...».
إذاً خرّج المسجد النبوي الجيل الأول، صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في الأمصار والبلدان المختلفة، فحيثما وجد مسلمون جعل الصحابي مقره المسجد ليربي الناس على ما رباه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتخرج على أيديهم جيل التابعين، وخلفوهم خير خلافة في أداء الأمانة فكانوا خير القرون بعد الصحابة كما قال عليه الصلاة والسلام: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
وسار الأئمة على دربهم، فملئت الدنيا عبر التاريخ الإسلامي المبارك بمساجد عرفت بأداء آثار تاريخية في بناء حضارات الأمم بعد تحويلها عن الجاهليات، لما يدرّس فيها من العلوم النافعة. ومن المساجد التي لها تاريخ عريق في تربية الأجيال المتلاحقة على سبيل المثال لا الحصر:
جامع عمرو بن العاص بمصر، تأسس سنة 21ه.
الجامع الأموي بدمشق.
جامع المنصور ببغداد.
جامع القرويين بفاس «المغرب».
جامع الزيتونة بتونس.
الجامع الأزهر بمصر.
وكلها قديمة عمرت أكثر من ألف عام.
إذاً كان المسجد وخاصة في صدر الإسلام هو الكلية الحربية لإعداد الجيوش والانطلاق إلى ساحات المعارك وكان هو العيادة الطبية أحياناً وقد ضربت خيمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده لسعد بن عبادة عندما مرض ليعوده عليه الصلاة والسلام من قريب.
وكان المسجد هو بيت الصدقات فمنه تقسم الأرزاق وهو أيضاً دار العلم والمعرفة عن طريق الدروس العلمية وخطب الجمعة والمواعظ... وغيرها.
* مركز التعليم والتوجيه والإرشاد
وفي حديث آخر عن دور المسجد في الإسلام يتحدث «للرسالة» فضيلة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة بلقرن الشيخ ضيف الله بن محمد القرني، الذي أشار بدوره إلى هذا الصرح العظيم من حيث التعليم والتوجيه والإرشاد، وكذلك في التنشئة والتربية، حيث قال فضيلته:المسجد أحب البقاع إلى الله تعالى قال سبحانه: {فٌي بٍيٍوتُ أّذٌنّ پلَّهٍ أّن تٍرًفّعّ وّيٍذًكّرّ فٌيهّا \سًمٍهٍ يٍسّبٌَحٍ لّهٍ فٌيهّا بٌالًغٍدٍوٌَ وّالآصّالٌ رٌجّالِ لاَّ تٍلًهٌيهٌمً تٌجّارّةِ وّلا بّيًعِ عّن ذٌكًرٌ پلَّهٌ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى ا لله أسواقها»» رواه مسلم. إن المسجد قلعة الإيمان وحصن الفضيلة وهو المدرسة الأولى ومكان اجتماع المسلمين كل يوم خمس مرات ومحل تناصحهم وتشاورهم ومن المسجد خرجت الجيوش الإسلامية ففتحت مشارق الأرض مغاربها ومن عناية الرسول عليه الصلاة والسلام أنه «كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين» رواه البخاري ومسلم من حديث طويل.لقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد ليكون مركزاً للتعليم والتوجيه والتفقه في الدين حيث ان المسجد أنسب الأماكن لهذه المهام العظيمة خصوصاً عند اجتماع المسلمين للصلاة كل يوم خمس مرات في المسجد وعند اجتماع عدة أحياء بعدد كبير كل اسبوع مرة يوم الجمعة في المسجد الجامع وإنصاتهم لسماع خطبة الجمعة المتضمنة للعديد من الإرشادات والتوجيهات وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعقد مجالس العلم في مسجده وكان المسلمون يتزاحمون على مجلسه ويتنافسون في القرب منه لتمام الاستفادة وإن من أجل الأعمال وأعظمها منزلة عمارة المساجد بيوت الله وأحب بالبقاع إليه عمارة حسية بالبناء، والترميم، والتنظيف. وعمارة معنوية بالصلاة فيها، وتلاوة القرآن، والذكر والدعاء، وإن عمارة المساجد حسيا ومعنوياً من أبين الأدلة على صدق الإيمان قال الله تعالى {إنَّمّا يّعًمٍرٍ مّسّاجٌدّ پلَّهٌ مّنً آمّّنّ بٌاللَّهٌ وّالًيّوًمٌ الآخٌرٌ وّأّقّامّ پصَّلاةّ} ولقد أشاد الإسلام بفضل عمارة المساجد وما تعود به زيارتها على النفوس من أثر فعال وأضافها الله لنفسه إضافة تشريف فقال: {وّأّنَّ پًمّسّاجٌدّ لٌلَّهٌ فّلا تّدًعٍوا مّعّ پلَّهٌ أّحّدْا } ولا غرابة فعمارة المساجد كالمرأة الصافية تعكس أحوال الناس وبيان مدى رغبتهم في الخير، وبزيارة المسلمين للمساجد خمس مرات يتضح المؤمن من المنافق. ويقول عبدالله بن مسعود: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض»» رواه مسلم. والمسجد يشع منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن الأثر النفسي الذي يتركه المسجد في حياة المسلم أنه تصعد منه الأعمال الصالحة وفيه تنزل الرحمات كيف لا والمساجد مدارس لتعليم الدين وتهذيب النفوس وتقويم الأخلاق وصقل العقائد وإنارتها ومدارس لتلاوة القرآن ومصحات لأمراض القلوب التي هي أخطر من أمراض الأجسام.
قال تعالى {إنَّمّا يّعًمٍرٍ مّسّاجٌدّ پلَّهٌ مّنً آمّّنّ بٌاللَّهٌ...}الآية. وإنما شرع الاجتماع في المسجد لمصالح عظيمة عاجلة وآجلة يحصل بها التعارف بين المسلمين والتواصل بالبر والإحسان ويحصل بها التوادّ والتحابّّ في القلوب ويحصل بها تفقد بعضهم لأحوال بعض ليعودوا مريضهم ويشيعوا ميتهم ويواسوا فقيرهم ويحصل بها تعليم الجاهل وتذكير الغافل ويحصل بها إظهار قوة المسلمين وإغاظة الكفار والمنافقين ويحصل بالاجتماع في المسجد تكفير السيئات ورفعة الدرجات والجد في الأعمال الصالحة والتعاون على البر والتقوى، ودور المسجد في تربية النشء عظيم فهو الأساس الأول في تكوين شخصية المسلم وتكوين خلقه وعبادته وعلاقته بربه وبنفسه وإخوانه المسلمين فالمسجد في صورته الاجتماعية وارتباط المسلمين به مركز إشعاع وتوجيه وتربية لهم.
TOP0077@MAKTOOB.COM |