Friday 19th April,200210795العددالجمعة 6 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

حجاب المرأة - الشهبات واراء العلماء حجاب المرأة - الشهبات واراء العلماء
د.محمد بن سعد الشويعر

في الغرب اليوم بصفة خاصة ومنذ أمد بصفة عامة حملة شعواء على حجاب المرأة المسلمة وحقوقها التي يتباكون عليها. وقد كانوا يركزون على مفهوم الحقوق بأهمية مشاركتها العمل مع الرجل جنباً إلى جنب ونزع الحجاب.
في الوقت التي نرى فيها المرأة في الغرب، تتألم مما حولوها إليه انسياقاً، وتمجِّد المنصفات منهن، تعاليم الإسلام، التي حفظت كرامة المرأة، وأعطتها حقوقاً تتوق لمثلها المرأة في كثير من بلاد الدنيا.
والذي يعنينا، ما يثار من حملات حول حجاب المرأة، وخاصة في كثير من بلاد الإسلام، حيث يريدونها أن تنبذ أمر الله سبحانه، بالحجاب وعدم التبرُّج.. في تقليد لمن لايدينون بالإسلام عقيدة ولا عملاً.
والشبهة التي يتمسك بها، من يدعو لنبذ الحجاب، هي كشف الوجه واليدين، واعتبارهما غير واردين في مفهوم الأمر الرباني بحجاب المرأة في سورة النور، وفي سورة الأحزاب.. أخذاً من قوله تعالى: {إلاَّ مّا ظّهّرّ مٌنًهّا} [النور: 31].
وفي هذا نستعرض آراء بعض العلماء واستدلالهم على هذه الشبهة وردّها.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في رسالة له في الحجاب: ولا أعلم لمن أجاز نظر الوجه والكفين، من الأجنبيَّة دليلاً من الكتاب والسنة سوى ما يأتي:
الأول: قوله تعالى: {وّلا يٍبًدٌينّ زٌينّتّهٍنَّ إلاَّ مّا ظّهّرّ} [النور: 31] حيث كان أحد قولي ابن عباس رضي الله عنهما هي وجهها وكفّاها والخاتم.. قال الأعمش عن سعيد بن جبير عنه، وتفسير الصحابة حجة بردّ هذا في مواضع منها حديث الخطبة لمن ينظر للمرأة، وإن كانت لا تعلم، الذي رواه الإمام أحمد، قال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح، وجه الدلالة منه ان النبيَّ صلى ا لله عليه وسلم نفى الجناح، وهو الإثم عن الخاطب خاصّة، إذا نظر من مخطوبته، بشرط أن يكون نظرة للخطبة، فدلَّ على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة، مثل أن يكون غرضه بالنَّظر التلذذ والتمتع.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما أمر بإخراج النساء، إلى مصلى العيد، قلن يارسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتلبسها أختها من جلبابها» رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فهذا الحديث يدل على ان المعتاد، عند نساء الصحابة، ألا تخرج المرأة، إلا بجلباب، وأنها عند عدمه، لا يمكن ان تخرج، ولذلك ذكرن رضى الله عنهن هذا المانع، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما أمرهن بالخروج إلى مصلى العيد، فبيّن لهن حلّ الإشكال، ولم يأذن لهن بالخروج إلى مصلى العيد، وهو مشروع مأمور به للرجال والنساء بغير جلباب.
ومنها: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات، ملفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن، ما يعرفهن أحد من الناس، وقالت: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا، لمنعهن من المساجد، كما منعت بنو إسرائيل نساءها، وقد روى نحو هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه وفي هذا دلالة على أن الحجاب والتستر، كان من عادة نساء الصحابة، الذين هم خير القرون، وأكرمها على الله عز وجل، وأعلاها أخلاقاً وآداباً، وأكملها إيماناً، وأصلحها عملاً، فهم القدوة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
الثاني: ما رواه أبو داود في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: يا أسماء ان المرأة، إذا بلغت سن المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه.
الثالث: ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، ان أخاه الفضل، كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه، أي وجه الفضل إلى الشق الآخر، ففي هذا دليل على أن المرأة هذه كانت كاشفة وجهها.
الرابع: ما أخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في صلاة العيد، ثم وعظهم وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، وقال: يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم، فقامت امرأة من سِطَةِ النساء، سفعاء الخدّين.. الحديث، ولولا أن وجهها مكشوف ما عرف أنها سفعاء الخدين.
هذا ما أعرفه من الأدلة التي يمكن أن يستدل بها، على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة، ولكن هذه الأدلة، لا تعارض أدلة وجوب ستره (ص102 104).
ثم قال فضيلته رحمه الله: الرد على ذلك:
وإن في تأصيل الردّ علي القائلين بجواز كشف الوجه للأجانب يأتي من وجوه، وقد حرص على أن يستشهد بآراء العلماء:
الأول: ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، في قصة الإفك الذي جاء فيه: عن صفوان بن المعطل قالت: فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه، حين عرفني فخمرت وجهي، بجلبابي والله ما كلمني كلمة، إلى نهاية الحديث، الذي أورده ابن كثير في سورة النور (3268).
فهذا دليل صريح على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة، كن يكشفن وجوههن وأيديهن، قبل نزول آية الحجاب، وبعدما نزلت احتجبن استجابة لأمر الله: في تغطية الوجه وغيره، مما كان يظهر قبل الحجاب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وإنما ضرب الحجاب على النساء، لئلا ترى وجوههن وأيديهن، والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه: أن الحرة تحتجب والأمة تبرز.
وأما قوله تعالى: {وّالًقّوّاعٌدٍ مٌنّ پنٌَسّاءٌ پلاَّتٌي لا يّرًجٍونّ نٌكّاحْا فّلّيًسّ عّلّيًهٌنَّ جٍنّاحِ} [النور: 60] فقد رخّص فيها للعجوز التي لا تطمع في النكاح، أن تضع ثيابها، فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب، وإن كانت مستثناة من المفسدة الموجودة في غيرها، كما استثنى التابعين غير أولى الإربة من الرجال، في إظهار الزينة لهم، في عدم الشهوة، التي تتولد من الفتنة.
وكذلك الأَمة، إذا كان بها الفتنة، كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غضّ البصر عنها ومنها. فالإماء والصبيان، إذا كنّ حساناً، تخشى الفتنة بالنظر إليهم، كان حكمهم كذلك، كما ذكر العلماء ذلك، ثم أورد رحمه الله أقوالاً للعلماء في هذا، منها قول المروذي: قلت لأبي عبدالله: يعني أحمد بن حنبل الرجل ينظر إلى المملوك؟ قال: إذا خاف الفتنة، لم ينظر إليه، كم نظرة ألقت في القلب بلاء.
قال المروذيّ: قلت لأبي عبدالله الرجل تاب، وقال لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية، إلا أنّه لايدع النظر، فقال: أي توبة هذه؟!. قال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؟ قال: اصرف بصرك. (انظر، مجموعة رسائل في الحجاب والنور: حجاب المرأة ولباسها لابن تيمية 26 29).
الثاني: آيات الحجاب، فهي أمر صريح بالتزام الحجاب: لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، ونساء المؤمنين في قوله تعالى: {يّا أّيٍَهّا پنَّبٌيٍَ قٍل لأّزًوّاجٌكّ وّبّنّاتٌكّ وّنٌسّاءٌ پًمٍؤًمٌنٌينّ يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ} [الأحزاب: 59] .
قال ابن عطيّة في تفسيره: المحرّر الوجيز، في تفسير الكتاب العزيز: لما كانت عادة العربيّات التبذل في معنى الحجبة، وكنّ يكشفن وجوهن، كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكر فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: بأمرهنّ بإدناء الجلابيب، ليقع سترهن، ويبين الفرق بين الحرائر والإماء، فيعرف الحرائر بسترهن، فيكفّ عن معارضتهن من كان غزلاً أو شاباً.
وروي أنه كان في المدينة قوم، يجلسون على الصعدات، لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت الآية بسبب ذلك، والجلباب ثوب أكبر من الخمار.. وروي عن ابن عباس وابن مسعود: انه الرداء، واختلف الناس، في صورة إدنائه، فقال ابن عباس، وعبيدة السلماني: ذلك ان تلويه المرأة، حتى لايظهر إلاّ عين واحدة، تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة: وذلك أن تلويه فوق الجبين، وتشدّه ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر، ومعظم الوجه.
وقوله تعالى {ذّلٌكّ أّدًنّى" أّن يٍعًرّفًنّ} [الأحزاب: 59] أي على الجملة بالفرق، حتى لايختلطن بالإماء، فإذا عرضن لم يقابلن بأذى من المعارضة، مراقبة لرتبة الحريّة، وليس المعنى: ان تعرف المرأة، حتى يعلم من هي؟ وكان عمر رضي الله عنه، إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة، محافظة على زي الحرائر (13 ، 99100).
والآية الثانية في الأمر بالحجاب، قول الله تعالى{وّإذّا سّأّلًتٍمٍوهٍنَّ مّتّاعْا فّاسًأّلٍوهٍنَّ مٌن وّرّاءٌ حٌجّابُ ذّلٌكٍمً أّطًهّرٍ لٌقٍلٍوبٌكٍمً وّقٍلٍوبٌهٌنَّ} [الأحزاب: 53]
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان: إن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك، أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً: وتكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، وفي هذه قلنا: إن قول كثير من الناس: إن آية الحجاب هذه، خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم، الذي هو إيجاب الحجاب، بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة، في قوله تعالى {ذّلٌكٍمً أّطًهّرٍ لٌقٍلٍوبٌكٍمً وّقٍلٍوبٌهٌنَّ} قرينة واضحة، على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لا حاجة إلى أطهريّة قلوبهن ، وقلوب الرجال من الريبة منهن. وقد تقرّر في الأصول: أن العلة قد تعمّم معلولها.
وبما ذكرنا تعلم، أن في هذه الآية الكريمة، الدليل الواضح، على أن وجوب الحجاب حكم عام، في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصاً بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه.
وإذا علمت أن قوله تعالى: {ذّلٌكٍمً أّطًهّرٍ لٌقٍلٍوبٌكٍمً وّقٍلٍوبٌهٌنَّ}، هو علة قوله تعالى: {فّاسًأّلٍوهٍنَّ مٌن وّرّاءٌ حٌجّابُ} وعلمت أن حكم العلة عام.. فاعلم أن العلة قد تعمم معلولها، وقد تخصص كما ذكرنا في بيت مراقي السعود وهو قوله:
وقد تخصّص وقد تعمّم
لأصلها لكنها لا تخرم
وبه تعلم أن حكم آية الحجاب عام لعموم علته، وإذا كان حكم هذه الآية عاماً، بدلالة القرينة القرآنية، فاعلم أن الحجاب واجب، بدلالة القرآن على جميع النساء (6:584 585).
وقد توسع الشيخ الشنقيطي رحمه الله في هذا الموضوع، إذْ بسطه في أكثر من عشرين صفة، ذاكراً الأدلة القرآنية على وجوب الحجاب على العموم، ثم الأدلة من السنة، ثم مناقشة أدلّة الطرفين، وذكر الجواب عن أدلة من قالوا بعدم وجوب الحجاب، على غير أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، وقد يورد شبهات القائلين بعدم ستر الوجه ويرد عليهم «6:586 403» ومن ذلك قوله: ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها، جميع بدنها حتى وجهها، قوله تعالى:{يّا أّيٍَهّا پنَّبٌيٍَ قٍل لأّزًوّاجٌكّ وّبّنّاتٌكّ وّنٌسّاءٌ پًمٍؤًمٌنٌينّ يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ } [الأحزاب: 59]، فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى يدنين عليهن من جلابيبهن أنهن يسترن بها جميع وجوههنّ، ولا يظهر منهن شيء، إلاّ عين واحدة، تبصر بها، وممن قال به: ابن مسعود وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم فإن قيل: لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى:{يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ } لا يلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نصّ من كتاب الله، ولاسنة رسوله، ولا اجماع على استلزامه ذلك، وقول بعض المفسرين: إن يستلزمه معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه، وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
فالجواب: ان في الآية الكريمة قرينة واضحة، على أن قوله تعالى فيها:{يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ } ، يدخل في معناه ستر وجوههنّ، بإدناء جلابيبهنّ عليها.. والقرينة المذكورة، هي قوله تعالى{قٍل لأّزًوّاجٌكّ} ووجوب احتجاب أزواجه، وسترهن وجوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين، فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين، يدل على وجوب ستر الوجوه، بإدناء الجلابيب كما ترى.
ثم قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله . ومن الأدلة على ذلك، ما قدمنا في سورة النورة في الكلام على قوله تعالى:{يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ } [آية 31]. من أن استقراء القرآن يدل على أن معنى إلا ما ظهر منها: الملاءة فوق الثياب، وأنه لا يصح تفسير إلا ما ظهر منها: بالوجه والكفين، كما تم إيضاحه هناك.
واعلم أن قول من قال إنه قد قامت قرينة قرآنية، على أن قوله تعالى:{يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ } لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة القرآنية المذكورة، هي قوله تعالى:{ذّلٌكّ أّدًنّى" أّن يٍعًرّفًنّ} قال: وقد دلّ عليه قوله: {أّن يٍعًرّفًنّ} على أنهن سافرات، كاشفات وجوههن، لأن التي تستر وجهها لا تعرف، باطل وبطلانه واضح، وسياق الآية يمنعه منعاً باتّاً، لأن قوله: {يٍدًنٌينّ عّلّيًهٌنَّ مٌن جّلابٌيبٌهٌنَّ} صريح في منع ذلك.
وايضاحه ان الاشارة في قوله:{ذّلٌكّ أّدًنّى" أّن يٍعًرّفًنّ} راجعة إلى إدنائهنّ عليهن من جلابيبهن، وإدناؤهن عليهن من جلابيبهن، لا يمكن بحال أن يكون أدنى أن يعرفن يسفورهنّ، وكشفهنّ عن وجوههنّ، كما ترى، فإدناء الجلابيب، مناف لكون المعرفة معرفة شخصيّة بالكشف عن الوجوه كما لا يخفى.
وقوله في الآية الكريمة:{ قٍل لأّزًوّاجٌكّ} دليل أيضاً على أن المعرفة المذكورة في الآية، ليست بكشف الوجوه، لأن احتجابهن، لا خلاف فيه بين المسلمين.
والحاصل: أن القول المذكور تدل على بطلانه أدلة متعددة: الأول سياق الآية كما أوضحناه آنفاً، الثاني أن قوله:{ قٍل لأّزًوّاجٌكّ} كما تقدم أيضاً..
في فتح نهاوند:
ذكر الطبري في تاريخه: تاريخ الأمم والملوك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعث السائب بن الأقرع، مولى ثقيف، وكان رجلاً كاتباً حاسباً، فقال: الحق بهذا الجيش في نهاوند فكن فيهم، فإن فتح الله عليهم، فاقسم على المسلمين فيئهم، وخذ خمس الله، وخمس رسوله، وإنْ هذا الجيش أصيب، فاذهب في سواد الأرض، فبطن الأرض خير من ظهرها.
قال السائب: فلما فتح الله على المسلمين نهاوند، أصابوا غنائم عظاماً، فوالله إني لأقسم بين الناس، إذْ جاءني علج من أهلها، فقال: أتؤمنني على نفسي، وأهلي وأهل بيتي، على أن أدلَّك على كنوز آل كسرى، تكون لك ولصاحبك، ولا يَشْرَكُك فيها أحد؟ قلت: نعم.
قالك فابعث معي من أدلُّه عليها، فبعثت معه، فأتى بسفطين عظيمين، ليس فيهما إلاّ اللؤلؤ والزبرجد والياقوت.
فلما فرغت من قَسْمِي بين الناس،احتملتهما معي، ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ما وراءك يا سائب؟. فقلت: خيراً يا أمير المؤمنين، فتح الله عليك بأعظم فتح، واستشهد النعمان بن مقرّن «رحمه الله» فقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون.. ثم بكى فنشج.. فلما رأيت ذلك، قلت: والله يا أمير المؤمنين، ما أصيب بعده من رجل يُعْرف وجهه.
ثم قام ليدخل فقلت إن معي مالاً عظيماً قد جئت به.. ثم أخبرته خبر السفطين، فقال: أدخلهما بيت المال، حتى ننظر في شأنهما، والحق بجندك، فأدخلتهما بيت المال، ثم خرجت سريعاً إلى الكوفة.
وبات عمر تلك الليلة التي خرجت فيها، فلما أصبح بعث في أثري رسولاً، فوالله ما أدركني، حتى دخلت الكوفة، فأنخت بعيري، وأناخ بعيره على عرقوبَيْ بعيري.
وقال: الحق بأمير المؤمنين، فقد بعثني في طلبك، فلم أقدر عليك إلاّ الآن، قلت: ويلك ماذا؟ ولماذا؟ قالك لا أدري والله.
فركبت معه، حتى قدمت عليه في المدينة، فلما رآني قالك مالي ولابن أم السائب؟. بل ما لابن أم السائب ومالي؟ قلت: وماذاك يا أمير المؤمنين؟
قال: ويحك.. والله ما هو إلا أن نمت في الليلة، التي خَرَجْتَ فيها، فباتَتْ ملائكة ربي تسحبني إلى ذينك السّفطين، يشتعلان ناراً يقولون: لنكويَنّك بهما، فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين، فخذهما مني لا أبالك، والحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وفي أرزاقهم، فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، فابتاعهما مني عمر بن حُرَيْث المخزومي، بألفي ألف درهم، ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم، فباعهما بأربعة آلاف ألف.
«تاريخ الطبري 4 :232».

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved