مشاهدات يكتبها: جاسر الجاسر -2-
إذا كان لأحداث 11 سبتمبر من توابع وافرازات فلعل من أهمها دفع الأمريكيين إلى محاولة فهم الإسلام والمسلمين، وإذا كان من المعروف أن الأمريكيين لا يعطون اهتماماً لما هو خارج اختصاصهم، فتراهم لا يعبأون بما يجري في الشرق الأوسط، وإذا كان الأمريكي لا يعرف من المنطقة سوى إسرائيل من كثرة ما تردده وسائل الإعلام الأمريكية وبالذات محطات التلفاز، فإن أحداث 11 سبتمبر دفعت الأمريكيين إلى البحث جدياً عن معلومات عن الإسلام والمسلمين وقد وجدت الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن المواضيع الإسلامية اقبالاً شديداً جعلت المفكر الأمريكي أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون البرفيسور جون ل. اسبوزيتو يعيد طرح كتبه في طبعات منقحة، وله كتابان جديدان هما «التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة» و«الجهاد الإسلامي» والكتابان يقدمان رصداً للحركات الإسلامية ونشوء حركة الجهاد الإسلامي والجهاد الأفغاني وظهور جماعة الأفغان العرب وصولاً إلى حركة طالبان ومنظمة القاعدة.
أيضاً اتجه الأمريكيون إلى المراكز الإسلامية والجمعيات الإسلامية لمعرفة المزيد عن الإسلام وقد شهدت فترة ما بعد 11 سبتمبر اقبالاً من الأمريكيين على اعتناق الإسلام، وقد ذكر الداعية المسلم الأمريكي الأصل والجنسية الشيخ ابراهيم هوبر المدير التنفيذي المشارك في اتحاد المسلمون الأمريكيون «كير» أن أحداث 11 سبتمبر جعلت المسلمين يلتفون حول منظماتهم وأصبحوا أكثر تأثيراً في الحياة السياسية وان برزت قوة الناخب الإسلامي ابان انتخابات الرئاسة الأمريكية فكما تعلمون كان لتأثير أصوات المسلمين تأثير قوي على ترجيح فوز الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش.
يضيف الشيخ ابراهيم هوبر أنه نتيجة تنامي قوة المسلمين في الحياة العامة والسياسية في المجتمع الأمريكي قُبل طلبنا في اقامة صلاة الجمعة في الكونغرس الأمريكي، ويحضر الصلاة وسماع خطبة الجمعة المئات من المسلمين الأمريكيين.
تنامي قوة المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال يواجه بهجمة مضادة تقوم بها الدوائر الصهيونية والإعلام الأمريكية سواء عن جهل أو عن عمد باثارة حالة من الفزع على مستوى العالم بأسره من «الخطر الأصولي» وقد زادت الهجمات على الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر، ويقول المفكر الأمريكي البروفيسور جون أسبوسيتو، أنه قد يبدوأن الغضب «الأصولي الإسلامي» قد وصل للمرة الأولى إلى شواطئ الشيطان الأكبر» على حد وصف الخميني لأمريكا.. وللأسف فإن العلماء والمثقفين لم يفعلوا في الغرب إلا القليل لتشجيع الرأى العام للتساؤل عن وجه الخطأ في ذلك التصوير، إن مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي نعيشها، تعاني مما يسمى «فراغ من التهديد، بسبب تأثر الكثير من الأمريكيين بمرحلة الصراع الطويل بين الدول العظمى، حتى أنهم أصبحوا يبحثون عن حل بديل جديد يجسد ذلك التهديد العالمي.
إن البعض يرى أن ذلك العدو العالمي يتجسد في قوة اليابان الاقتصادية، بينما يراه البعض الآخر في الأصوليين الإسلاميين.. ولما كان معتنقو الدين الإسلامي يبلغون المليار نسمة، فإن ذلك يبرر لبعض المراقبين اتخاذه بديلاً لخطر الاتحاد السوفيتي، لما له من قوة سياسية.
إن الحكومة الأمريكية تتصرف من منطلق الكوارث والأزمات، والإعلام الغربي تحركه حوافز الاثارة والعناوين البراقة، الأمر الذي أدى إلى تغذية روح الخوف وترويج بعض الصور النمطية التي أصبح مألوفاً ارتباطها في الأذهان بالإسلام.
اضافة إلى استعمال بعض التعبيرات الاستفزازية مثل: المتطرفون الإسلاميون، الأصوليون المتزمتون، الجهاد، الارهاب.. الخ.
وقد دعمت هذه النظرة للإسلام حوادث سياسية ملتهبة مثل حادث احتجاز الرهائن في لبنان وإيران وحوادث تفجير السفارتين الأمريكيتين في أفريقا والمدمرة الحربية البحرية الأمريكية في ميناء عدن وأخيراً حوادث 11 سبتمبر.
ولقد أدى ذلك إلى ايجاد نوع من الهالة حول الرادكالية والارهاب والتي أخذ بعض الغربيين من خلالها يفسرون الإسلام وأحداث العالم الإسلامي والأحداث الأخيرة وبالذات 11 سبتمبر.
ان كلا من زعماء إسرائيل وعدد من الكتاب الأمريكيين الذين لهم علاقة بإسرائيل مثل توماس فيردمان وحتى بعض القادة العرب والكتاب الليبراليين في منطقتهم يصورون الأصوليين الإسلاميين على أنهم الخطر العالمي الجديد لدرجة أن آرييل شارون يعلن أننا «إسرائيل» أول من يقف اليوم على خط النار في مواجهة الارهاب الإسلامي إن الرأي العام في الغرب يتأثر بشدة بآراء المحللين والمعلقين الذين صوروا نمو الإسلام والحركات الإسلامية في أوروبا على أنها تهديد سياسي وديموغرافي سكاني، حتى أننا نجد العديد من الصحف والمجلات تحوي مقالات وعناوين مثيرة مثل «جذور الغضب الإسلامي» «نمو الإسلام يمكن أن يطغى على الغرب»، «الانتفاضة العالمية»، احترس من الراديكالية الدينية»، «بالإسلام أو السيف» و«الإسلام في مواجهة الديمقراطية».
إن كثيراً من العلماء الغربيين - بالرغم من اتسامهم بالحكمة - فشلوا في استيعاب أن تحليلاتهم للمجتمعات الإسلامية متأثرة بشكل بالغ - إن لم يكن مدمر - بالفكر العلماني، وقد أدى ذلك إلى فشلهم في فهم طبيعة وحوافز الحركات الدينية التي تعارض مفاهيمنا في الغرب عن الحياة، وأصبح الحال كما كان في زمن الحرب الباردة، حيث أن أي شخص لا يقوم بترويع العامة من المسلمين فإنه يخاطر بأن يوصم بأنه متعاطف مع «الأعداء» لقد نتج عن ذلك التساوي بين محاولات العلماء وبين العامة إلى التوصل لصيغة المعادلة التالية: إن الإسلام = الأصولية = التطرف الراديكالي..!
إن «الأصولية» كمصطلح أصبح يستعمل بطريقة عشوائية وبدون وعي، ليشمل مجموعة عريضة من القادة والدول والمنظمات، فعلى سبيل المثال، فإن السعودية، ليبيا، باكستان وإيران يشار إليهم بأنهم دوله أصولية، ولكن هذا المصطلح لا يدلنا على أقل القليل عن هذه الحكومات وطبيعتها الإسلامية، ولا يقدم تصوراً يشرح اختلاف نظرتهم للولايات المتحدة، إن الصحوة الإسلامية فقدت كثيراً من افتراضات ذذلك المفهوم السائد بأن التحديث يعني الانخراط وبدون تحفظات في علمنة وتغريب المجتمع، إن تحليلات العلماء في الغرب تتشكل مرة تلو الأخرى بمفهوم علماني تحرري، الأمر الذي أدى إلى عجزها عن استيعاب أنها بذلك تمثل وجهة نظر واحدة للحياة والكون. وأن هؤلاء العلماء بافتراضهم أن العلمانية هي الحقيقة الوحيدة البينة وغير القابلة للنقاش، قد وقعوا في مأزق يمكن أن يوصف بأنه «أصولية علمانية».
إن كثيراً من المقالات تتكلم بصورة روتينية عن استعمال «الأصولين» للعنف، وعن خطرهم على حقوق الانسان والأقليات والنساء. وهذه النظرة تستمد شرعيتها من بعض التعديلات في مصر والسودان وإيران، ولكن نفس هؤلاء الكتاب نادراً ما يؤكدون حقيقة أن شرعية واستقرار كثير من الحكام هي مؤمنة بقوى الجيش والأمن. وأن تعديات هؤلاء موثقة في سجلات منظمات حقوق الانسان العالمية، إن القليل من هؤلاء من يتحدث عن حقوق الإسلاميين في ممارسة حقهم في العمل السياسي، أو يتحدث عن الانتهاكات المستمرة والمنظمة على حقوقهم في تلك الممارسة.
إن التركيز على الخطر العالمي من «الأصولية الإسلامية» قد قوى الميل إلى مساواة العنف بالإسلام، وبالفشل من التمييز بين الاستعمال غير المشروع للدين كما في حالة بعض الأشخاص، وبين الدين كعقيدة وكممارسة لمعظم المسلمين في العالم، الذين هم - مثلهم مثل باقي المؤمنين بالأديان - يتوقون للعيش في سلام.
إن الربط بين الإسلام والأصولية الإسلامية وبين التطرف هو في الواقع حكم على الإسلام من خلال أعمال أقلية من المسلمين المشاغبين، في الوقت الذي لا يطبق فيه نفس هذا المعيار على اليهودية أو النصرانية.
إن الخوف من الأصولية قد خلق جواً أصبح فيه المسلمون والمنظمات الإسلامية في حالة إدانة ومطلوب منها أن تثبت براءتها..! إن بعض الأفعال الشائنة أو المرفوضة التي تقوم بها مجموعة من الأشخاص أو المنظمات يتوجب عدم الصاقها - بأي حال - بالإسلام، فبالرغم من أن سجلات التاريخ مليئة بممارسات المسيحيين والدول الغربية - على سبيل المثال - في أعمال الحرب وتنمية أسلحة الدمار الشامل وفرض نظام امبريالي، إلا أن الإسلام والثقافة الإسلامية هي التي يتم تصويرها على أنها توسعية وان الحرب والعنف هي شيء مفطورة عليه.
إن التطرف موجود وله أفعاله في العالم الإسلامي كما يبدو من الأحداث الأخيرة لكن لكي نفهم الآلية الحالية في الكثير من المجتمعات الإسلامية، فإننا نحتاج للعديد من الدراسات التي تقدر المدى الذي حققته الصحوة الإسلامية في التسعينات وانجازاتها في بناء مؤسسات والاندماج بالجماهير في العديد من البلدان، فمن مصر إلى أندونيسيا هناك طيف عريض من المسلمين ذوي التعليم العالي، كما أن المؤسسات الإسلامية قائمة بالفعل ومكرسة لتكامل الإسلام مع الحياة العامة، إنهم يقدمون بديلاً اجتماعياً وسياسياً لقوى الحكم، مدارس ومستشفيات وعيادات طبية ومكاتب استشارات قانونية وبنوك ومطابع وأندية شبابية وأحزاب سياسية، وبالرغم من التقاء هذه الجماعات على التوجه الإسلامي العام، إلا أن هناك تبايناً في نوعيات القيادة وأساليب ولوائح العمل.
إننا في الغرب لا بد أن نتعلم من ماضينا، أن الخوف من الاتحاد السوفيتي قد أعمانا أحياناً عن التنوع في فهم الشيوعية، وأدى بنا ذلك إلى مساندة أنظمة ديكتاتورية معادية للشيوعية، وأدت «بالعالم الحر» بأن يتقبل اضطهاد المعارضة الشيوعية والمخالفات الفاضحة لحقوق الانسان من جانب حكومات نعتت مخالفيها بأنهم شيوعيون واشتراكيون!! ان الخطر الحقيقي - اليوم - هو في أن خوفنا المبالغ فيه سيؤدي إلى معايير مزدوجة في محاولاتنا لنشر الديمقراطية وحقوق الانسان، قارن مثلاً بين حجم القلق في الغرب على حقوق الانسان فيما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وبين حالة الخرس والعجز في الولايات المتحدة وأوروبا عن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط أو بالدفاع عن مسلمي البوسنة.
إن العالم الإسلامي متنوع، ويمر حالياً بمرحلة التحول وإعادة التكوين، إن التركيز على دور الإسلام في الحياة العامة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي يتعارض كثيراً مع افتراضاتنا العلمانية،ولكي نتفادى حالة الهستيريا التي أعقبت حادث التفجير في مجمع التجارة العالمي، ولكي نتفهم ونتعامل بطريقة صحيحة مع الإسلام السياسي فلا بد لنا - في الغرب - أن نستوعب التنوع في أشكال الممارسة للإسلام سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.
هذه الآراء والتحليل العلمي للهستيريا التي تسود الأوساط السياسية الغربية وتغذيه الدوائر الصهيونية لم يمنع في تواصل نمو المسلمين الأمريكيين وتنامي قوتهم السياسية فقد بدأت في الكونغرس نواة قوة ضغط مؤيدة للمسلمين حيث يبرز في هذا الخصوص النائبة الأمريكية عن ولاية جورجيا سنثيا ماكيني والتي تشغل مقعد الولاية لعشر سنوات.
ويقول الأستاذ علاء بيومي من الناشطين في اتحاد المسلمين الأمريكيين ان النائبة سنثيا ماكيني لها العديد من المواقف الفريدة والشجاعة في مساندة قضايا المسلمين والعرب في أمريكا وخاصة بعد 11 سبتمبر.
وتكاد سنثيا ماكيني أن تكون أكبر داعم للقضايا الإسلامية والعربية ولذلك أصبحت هدفاً لجماعات الضغط السياسي واللوبي اليهودي المعادي لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا.
وللنائبة أهمية كبرى ولصوتها وموقفها يعتبر حاسماً وخاصة لكون سنثيا ماكيني عضو بلجنة العلاقات الدولية بالكونجرس وعضو لجنة أخرى خاصة بالقوات المسلحة والتسليح،ومن يعرف الكونجرس الأمريكي يعرف أهمية هاتين اللجنتين، لأنهما تمثلان محور اهتمام مؤسسات التجارة الخارجية الأمريكية العملاقة وعلى رأسها شركات تصنيع وتجارة الأسلحة بأموالها الطائلة وبجماعات الضغط والمصالح التابعة لها، كما أن هذه اللجان تمثل محور اهتمام أحد أكثر جماعات المصالح واللوبي تنظيماً في أمريكا وهو اللوبي الموالي للكيان الصهيوني والذي يتميز بتركيزه الكبير على قضايا العلاقات الدولية الكبيرة والصغيرة منها، سعياً لتأمين علاقة أمريكا بالكيان الصهيوني.
ومن يحضر اجتماعات هذه اللجان ومن يقرأ تاريخ أعضائها يدرك حجم الضغوط الكبيرة التي يمارسها ذلك اللوبي على كل من يتولى عضوية هذه اللجان وحجم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها كل من يحاول مخالفته أو حتى التفكير المستقل عن إرادته، الأمر الذي حول جلسات هذه اللجان المتعلقة بالشرق الأوسط إلى مظاهرات حب في تأييد الكيان الصهيوني.
والعجيب أيضاً أن سنثيا ماكيني اعتلت قمة قوائم أعضاء الكونجرس المطلوب اسقاطهم لفترة طويلة بدأت على الأقل منذ انتخابات عام 1996م، لكنها استطاعت بنجاح غير مسبوق الانتصار على منافسيها والحفاظ على مقعدها بالكونجرس بل إنها زادت من مواقفها الشجاعة والمزعجة لهذه الجماعات خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي جعلها واحدة من أكثر أعضاء الكونجرس الحالي اثارة للجدل بسبب مواقفها الجريئة جداً.
ومن أحدث هذه المواقف الشجاعة خطاب أرسلته سنثيا ماكيني إلى الأمير الوليد بن طلال في شهر أكتوبر الماضي تعتذر فيه عن رفض عمدة نيويورك السابق رودلف جولياني تبرع الوليد بمبلغ 10 ملايين دولار لضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك بسبب انتقاده لسياسة أمريكا تجاه الكيان الصهيوني.
ولم تكتف سنثيا في خطابها بالاعتذار فحسب وإنما شجعته على التبرع بالملايين العشرة لفقراء الأفارقة الأمريكيين الذي تمتلئ بهم العاصمة واشنطن. وقد جاء خطاب ماكيني في توقيت لم يكن يجرؤ فيه أحد على اتخاذ موقف مثل موقفها، الأمر الذي عرضها لكثيرمن الانتقادات ليس فقط داخل واشنطن، وإنما في العالم وعلى صفحات الجرائد المحلية في ولاية جورجيا.
وقد واجهت سنثيا ماكيني هذه الحملة كعهدها بقوة وصمود وبنشاطات أخرى - سنتناولها فيما بعد - مساندة لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا خلال فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الحرجة والمهمة في التاريخ الأمريكي وفي تاريخ علاقة المسلمين والعرب في أمريكا بغيرهم من الجماعات المكونة للمجتمع الأمريكي، الأمر الذي احتفظ لسنثيا ماكيني بدورها كنائبة كونجرس قوية مصممة على أهدافها ومواقفها.
ويمكن تحليل مظاهر مساندة سنثيا ماكيني لقضايا المسلمين والعرب على مستويين: مستوى السياسة الداخلية ومستوى سياسة أمريكا الخارجية وسنبدأ أولاً بالحديث عن مساندتها لقضايا المسلمين والعرب الخارجية.
بالنسبة للقضية الفلسطينية يمكننا الاشارة إلى العديد من المواقف التي كان آخرها امتناعها عن تأييد القرار الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي في الخامس من ديسمبر الماضي للتعبير عن «تأييده لإسرائيل في حربها ضد الارهاب» كما قدمت بالمشاركة مع 39 عضواً من مجلس النواب مشروع قرار يدعو إلى تأييد تقرير ميتشل وإلى تطبيق سلام عادل بالشرق الأوسط يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي الثاني عشر من أكتوبر أرسلت خطاب مساندة إلى الأمير الوليد بن طلال بعد أن رفض عمدة نيويورك السابق تبرعه بعشرة ملايين دولار أمريكي لضحايا انفجارات سبتمبر بنيويورك وذلك بعد أن انتقد الوليد الكيان الصهيوني وسياسة أمريكا المنحازة له، وقد رأى اللوبي الموالي للكيان الصهيوني في خطاب سنثيا ماكيني تحدياً كبيراً له.
كما قامت سنثيا ماكيني في الفترة التالية للحادي عشر من سبتمبر باستضافة بعض جماعات السلام الفلسطينية واليهودية في مكتبها بالكونجرس للتعبير عن مساندتها لجهود السلام العادل بالشرق الأوسط، وقد برهنت هذه الاجتماعات بقوة على شجاعتها السياسية، فالاجتماعات جاءت في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وهي فترة زادت فيها حدة موجة العداء للمسلمين والعرب بشكل غير مسبوق وقلت فيها مساندة أعضاء الكونجرس لقضايا المسلمين العرب، ومنها أيضاً طبيعة الاجتماعات التي حضرتها جماعات سلام أمريكية مختلفة الأعراف والأديان مما مثل فرصة كبيرة لجماعات السلام الفلسطينية لتقوية علاقاتها بها ومن أهم خصائص سنثيا ماكيني كنائبة مساندة لقضايا المسلمين والعرب حساسيتها لمشاعر الرأي العام المسلم والعربي، فقد أعربت في أكثر من مناسبة عن خشيتها من وقوع ضحايا مدنيين لأن في ذلك تأليباً لمشاعر الشعوب المسلمة والعربية، وقد اتضحت هذه الخاصية مجدداً خلال الحملة الأمريكية ضد طالبان إذ طالبت سنثيا ماكيني في خطاب لها بمجلس النواب في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي بضرورة الاسراع بتقديم المساعدات الانسانية لأبناء الشعب الأفغاني موضحة ما قادت إليه الحملة العسكرية من تهجير لملايين الأفغان الفقراء ومؤكدة على خشيتها من تعرض هؤلاء المهجرين للمجاعة وخشيتها من ردة فعل الرأي العام العربي والإسلام تجاه معاناة المدنيين الأفغان.
وفيما يتعلق بمواقف سنثيا ماكيني المساندة للمسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة فهي تكاد تكون حليفاً دائماً لهم في معظم قضاياهم، وسنكتفي هنا بالاشارة إلى مساندتها للمنظمات المسلمة والعربية الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر إذ تعرضت علاقة هذه المنظمات بغيرهم من الجماعات الأمريكية لامتحان عسير خلال فترة العداء الشعبي التي استهدفتهم.
وفي ذلك الوقت أحجم العديد من السياسيين الأمريكيين عن مساندة المنظمات المسلمة والعربية علانية، ولكن سنثيا ماكيني لم تنحن للعاصفة وإنما قررت الصمود أمامها، وقررت حضور مجموعة من المؤتمرات والندوات السياسية المهمة التي نظمتها المنظمات المسلمة الأمريكية في أعقاب أحداث سبتمبر وهو ما عرضها لهجوم عنيف خاصة من اللوبي المعادي للمسلمين والعرب في أمريكا والذي نعتها بأسوأ النعوت واعتبرها عدوته الأولى.
والواضح أن من عادة سنثيا ماكيني الصمود في وجه العاصفة، وقد صمدت أمامها منذ مجيئها للكونجرس في عام 1992م، ففي عام 1996م شن اللوبي الموالي لإسرائيل هجوماً عاتياً عليها بسبب رفضها إدانة بعض مواقف زعيم أمة الإسلام لويس فرقان بالشكل الذي يرضي هذا اللوبي، وحاول منافسها في الانتخابات السياسي الجمهوري جون ميتنك تصويرها مؤيدة للعنصرية ومعادية للسامية، ولكنها استطاعت هزيمته والاحتفاظ بمقعدها في مجلس النواب.
وفي انتخابات عام 2000م صمدت أمام عاصفة عاتية لم تستطع هيلاري كلينتون نفسها الصمود أمامها، فقد اتهم اللوبي كلينتون بقبول تبرعات من مسلمين أمريكيين يساندون حماس وجماعات أخرى، ووصف اللوبي الموالي لإسرائيل هذه التبرعات بأنها ملوثة بالدماء وأنها أموال تؤيد الارهاب.
ولم تستطع هيلاري الصمود في وجه الاتهامات وقررت إعادة التبرعات لأصحابها، أما سنثيا ماكيني - التي وجه إليها نفس الاتهام - فقد صمدت ورفضت إعادة التبرعات بل شنت هجوماً مضاداً ضد منافسها مرشح الحزب الجمهوري صني وارن واتهمته بالعنصرية ونشر الكراهية، وانتهت المنافسة الانتخابية بفوز سنثيا ماكيني بفارق يتعدى العشرين في المائة من الأصوات بدائرتها الانتخابية.
وقد احتفل بول فيندلي النائب الأمريكي الأسبق الذي يعتبر عميد أعضاء الكونجرس المساندين لقضايا المسلمين العرب في أمريكا بفوز سنثيا ماكيني في انتخابات عام 2000م في كتابه الجديد عن المسلمين في أمريكا والذي صدر في أوائل عام 2001م بعنوان «لا صمت بعد اليوم» كمحاولة منه لتوثيق معالم قوة المسلمين والعرب المتزايدة داخل الولايات المتحدة.
ومازالت سنثيا ماكيني صامدة حتى اليوم أمام العواصف العديدة التي تحاول النيل منها والتي يتوقع أن تزداد وخاصة في أعوام الانتخابات التشريعية مثل العام الحالي، إذ ستخوض سنثيا ماكيني في نوفمبر القادم معركة جديدة للحفاظ على مقعدها بمجلس النواب، فهل ستظل صامدة أمام العاصفة كما صمدت بنجاح في الماضي؟ وهل سيتنبه العرب والمسلمون في أمريكا وخارجها إلى ما قدمته هذه النائبة لهم ويهبون لمساعدتها قبل أن يفوت الأوان؟
وإذا كنا قد أوردنا نموذجين لمستقبل المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الحوار مع البروفيسور جون اسبوزيتو لمعرفة رأي المثقفين الأمريكيين عن طبيعة الإسلام والمسلمين وفهمهم للإسلام، وقدمنا نموذجاً لسياسي أمريكي متحرر من الضغط الصهيوني، فالأحرى بنا أن نعرض لرأي المثقف العربي المسلم حيث يبرز في هذا المجال ما قالته الدكتورة نادية مصطفى استاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد في ندوة حضرها لفيف من المفكرين إذ تربط الدكتورة نادية ما حصل بعد 11 سبتمبر وما يجري الآن على الساحة الدولية بصراع الحضارات ولذا فالدكتورة نادية تؤكد على ضروة قيام العالم العربي والإسلامي بإجراء حوار جاد وحقيقي مع الغرب لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية وإزالة التشوه في الصورة العربية والإسلامية لدى وسائل الإعلام الغربية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، مشيرة إلى أن قضية صراع الحضارات طرحت منذ فترة طويلة، وأن ما طرحه «هينتنغتون» في سياق هذه القضية وضع أساساً جديداً في علم السياسة الدولية، باستحضاره الحضارة في مضمونها الديني، وتركيزه على أن الإسلام هو المرشح القوي للعب دور هام ومؤثر في ثقافة العالم مستقبلاً مما يهدد الحضارة الغربية، منتقلة إلى المستجدات التي حملت في طياتها هذا الصراع.
وقالت إن تلك المستجدات مبعثها الثورة التكنولوجية في المعلومات والمعرفة والإعلام، بالإضافة إلى الإنترنت والفضائيات والإنتاج الغزير من الكتب والمقالات، وسرعة انتقال الأفراد والسرعة الفائقة في نقل المعلومات، مشيرة إلى أن هذه المستجدات حملت معها صراع الحضارات لكنه قفز إلى صدارة الاهتمام عقب أحداث 11 سبتمبر واتهام العرب والمسلمين بأنهم وراء تلك الأحداث، مما أدى الى ضرورة الحوار بين الحضارات والبعد عن الصراع وتداعياته.
وانتقلت د.نادية من طرح هذه القضية إلى ما يجري حاليا حيث الموقف العالمي من قضية صراع أم حوار الحضارات، والتي امتد الحديث فيها عن العلاقة بين الحضارات من الفكر إلى السياسة وأوضحت د.نادية أن حوار أو صراع الحضارات لم يقتصر على الاطار الفكري بل انتقل فعلاً إلى الساحة السياسية، وتقوم سياسات دولية بتوظيف هذا الصراع لخدمة مصالحها وتحقيق أغراضها خاصة وان انتقال الحوار من الفكر إلى السياسة يبرز في الشراكة الأوروبية المتوسطية التي بدأت من برشلونة 1995م وحتى الآن وهذه الشراكة بما تحمله من ابعاد ثقافية بجانب ابعادها الاقتصادية والسياسية تعمل على تنشيط حوار الحضارات باعتباره وسيلة لخلق مناخ من التفاهم والترابط بين ثقافات شعوب البحر المتوسط، في محاولة لإقامة شراكة للتعاون الإقليمي تقوم على التعددية الثقافية، وإلغاء عقوبة الإعدام وتبني الحريات، وحقوق المرأة.
وقالت د. نادية ان هذه القضايا تختلف في مضمونها الثقافي بين شمال وجنوب المتوسط، وقد امتد الحديث من خلال البعد الثقافي عن «أنا» و«الآخر» أو «نحن» و«هم» حيث برزت المقارنة بين «من أنا» و«من هو الآخر»؟ ليظهر في المقارنة الفرد بقيمه ومعتقداته وتاريخه ليدخل حواراً مع الآخر حول الاختلاف والاتفاق بينهما؟ وتشير د.نادية إلى أن الحديث عن «ثقافة السلام» و«الأديان والأصولية» و«الإصلاح الديمقراطي» سيوظفهم البعض لخلق مناخ سياسي يخدم مصالح الشمال.
وأشارت د.نادية مصطفى أن موضوع صراع الحضارات طرح نظريا في العقد الماضي وانتقل إلى الطرح العملي الواقعي عقب أحداث 11 سبتمبر، ومع ذلك نجد العالم العربي والإسلامي يقف «كحاله دائماً» في محطة رد الفعل وليس الفاعل أو المتفاعل مع الأحداث موضحة ان العرب والمسلمين تحدثوا عن حوار الحضارات للدفاع عن أنفسهم ودينهم، وتحدثوا عن حبهم للسلام واستنكارهم للإرهاب وأن الإسلام دين سلام، وحثت د. نادية المسلمين أن يستثمروا الحوار في تحسين صورتهم التي ازدادت سوءاً بعد أحداث سبتمبر، وأن عليهم فهم حوار الغرب بما يريد وبما يفهم في محاولة لتوضيح الحقائق عن الحضارة والدين الإسلامي، والدخول في حوار بين طرفين يختلفان لكن لديهما الرغبة في أن يفهم كل منهما الآخر. ويصلا إلى اتصال وحوار متكافىء يقوم على الاحترام المتبادل.
وأكدت د.نادية أن الحوار ضروري ومهم حتى نتجنب كارثة الصراع، وقالت إن استخدام الحوار كأداة سياسية غير مجد وغير مؤثر لوجود تباين كبير في موازين القوى المادية بين الدول المتقدمة والدول غير المتقدمة وأن هذا التباين في القوى لو استخدم كأداة سياسية بدلاً من الحوار وتبادل سبل الشراكة في خدمة الإنسان سيؤدي إلى فرض الهيمنة بطريقة أو بأخرى وسيخرج الحوار عن دوره في التقريب بين الحضارات ويعمل على احتدام الصراع، موضحة ان الحوار كقناة فكرية ثقافية بين نخبة مثقفة وإعلامية أمر طبيعي كان موجوداً وهو ما نطالب به وندعو إلى تفعيله بعيداً عن موازين القوى وفرض الرأي، وانما نريد حواراً متكافئاً.. حواراً ثقافيا حضارياً بعيداً عن موازين القوى واولويات السياسة. ومثل هذا الحوار يجب ان يعتمد على الفاعليات والمنظمات الشعبية التي تمثل الشعوب ويلعب فيها المثقفون دوراً بارزاً.
|