* القاهرة علي البلهاسي:
العدوان الوحشي الذي تتعرض له الاراضي الفلسطينية على يد القوات الاسرائيلية حاليا رغم بشاعته لا يمثل سوى اضافة جديدة لتاريخ دموي طويل انتهجته العصابات الصهيونية عبر 54 عاما ضد الفلسطينيين والعرب الذين ارتكبت بحقهم العديد من المجازر والمذابح قبل وبعد نكبة 1948م، ومارست ضدهم اقسى عمليات التطهير العرقي والعنصرية.
دعاء حسين الباحثة بمركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان حاولت في دراسة حديثة لها إلقاء الضوء على ابرز هذه المذابح واختازت اكثرها دلالة على كشف الطبيعة العنصرية لممارسات الدولة الصهيونية ومواطنيها على حد سواء معتمدة على شهادات مرتكبي ابرز تلك المذابح..
والتفاصيل في العرض التالي:
مذابح عام النكبة:
تقول الدراسة ان عام 1948م شهد الكثير من المذابح التي ارتكبها آل صهيون ضد الشعب الفلسطيني وكان على رأسها مذبحة دير ياسين في التاسع من ابريل 1948م، وأدت هذه المذبحة الوحشية كما يقول مناحم بيجن الى اصابة العرب بهلع لا حدود له جعلهم يهربون بطريقة جماعية، ومن مجموعة 800 ألف عربي كانوا يعيشون على ارض اسرائيل بقي 165 الف فقط، وهيأت المذبحة السبيل لتطهير اكثر من 400 قرية عربية من سكانها الاصليين ليستوطنها اليهود، حيث افضت الى مصرع نحو 250 360 فلسطينيا من بين سكان القرية الصغيرة «دير ياسين» التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز الألف نسمة.
وحسب وصف بيجن نفسه فقد كان القتال يدور من منزل الى منزل في هذه القرية وكلما احتل اليهود بيتا فجروه على ما فيه وتم احتلال القرية بكاملها قبل ساعات الصباح واصطادت الميليشيات اليهودية المسلحة كل من حاول الهرب من القرية، وبعد انتهاء المعركة بدأ الاسرائيليون عملية تطهير لمنازل القرية واطلقوا النار على كل من شاهدوه في الطرقات والمنازل دون تمييز، وحاولت العصابات الصهيونية اخفاء معالم الجريمة فقاموا بجمع ما استطاعوا من اشلاء الضحايا وألقوها في بئر القرية وأقفلوا باب البئر وحاولوا تغيير معالم المكان، ومع ذلك امكن لممثل الصليب الاحمر تحديد موقع البئر ووجد فيها مائة وخمسين جثة مشوهة لنساء واطفال وشيوخ، علاوة على اكتشاف العديد من القبور الجماعية.
وتظهر بعض الشهادات ان رغبة اليهود في اخفاء معالم جريمتهم قد دفعتهم الى محاولة حرق جثث الضحايا، يقول شمعون مونيتا احد المشاركين في المذبحة اعتقدنا ان الجثث ستشتعل ولكن لا يمكن احراق جثث في الهواء الطلق وقد صببنا ثلاثة اوعية نفط على ثلاثين جثة في الشارع الرئيسي وبعد نصف ساعة ادركنا ان هذا مستحيل، وأجهز القتلة على الاسرى والجرحى بينما تعرضت الاسيرات للسلب والنهب. وبعد هذه المشاهد الوحشية للسلب والنهب والقتل والحرق يصف مناحم بيجن احتلال دير ياسين بأنه انجاز رائع ووجه نائبه رسالة الى القتلة يهنئهم فيها بهذا الانجاز الرائع.
وعلى نفس المنوال من الوحشية الهمجية تناولت الدراسة العديد من المجازر الاخرى حيث عرضت الدراسة لمجزرة الطنطورة التي وقعت في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من مايو عام 1948 ابان الحرب حيث اقتحمت الكتيبة الثالثة من لواء الكسندرواني قرية الطنطورة الساحلية بهدف احتلالها وطرد سكانها وتمكنوا من ذلك بعد مقاومة عنيفة استمرت لبضع ساعات، وبعد وقوع القرية في ايديهم ارتكبوا فيها مجزرة بحق العزّل من ابنائها لا تقل بشاعة عن مذبحة دير ياسين قدر ضحاياها بما لا يقل عن 230 شخصا.
وهناك ايضا مذبحة اللد في 21 22 من يونيو 1948م وحدثت خلال الحرب عندما هاجمت القوات الاسرئيلية المدينة وخلفت وراءها 250 قتيلا من المدنيين الابرباء، تفاصيل ما حدث جاءت على لسان العقيد احتياط موشيه كولمان الذي يقول: «اقتحمنا المدينة وسيطرنا عليها وتدفق السكان الى المسجد الكبير والكنيسة المجاورة له، وامرنا بتسليم سلاح المقاومة فلم يوافقوا وصدرت الاوامر لرجالنا باطلاق النار على أي هدف، وسقط خلال المعركة عدد كبير من الضحايا المدنيين من سكان المدينة حوالي 250 قتيلا ومن جانبنا 24 فقط.
مذابح الحدود
كذلك مذبحة قبية في 14 15 اكتوبر 1953م وهي قرية اردنية تعرضت لعدوان اسرائيلي وحشي نفذه السفاح شارون قائد الوحدة 101 النظامية في ذلك الوقت والذي قال في تبريره للمذبحة «كانت اوامر القيادة واضحة بشأن التعامل مع سكان القرية وجعلها مثالا وأمثولة لغيرها من القرى».
وبالفعل قامت القوات الاسرائيلية بتطويق المدينة وبدأ الهجوم بقصف مدفعي مركز وكثيف على مساكن القرى وتوالى اطلاق النيران بمختلف انواع الاسلحة فقتل من قتل تحت انقاض البيوت وتطايرت اشلاء بعض من حاولوا النجاة وأجهز افراد المشاة على من وجدوه حيا، ونجم عن القصف تدمير 56 منزلا ومسجد القرية ومدرستها وخزان المياه واستشهد 67 مواطنا من سكان القرية.
وشهدت قرية كفر قاسم مذبحة بشعة في 29 اكتوبر 1956م لم تفرق نيران الجيش الاسرائيلي بين طفل وامرأة وعجوز ورجل، كانت الحياة في تلك القرية تسير وفق نظام ثابت يقضي بحظر التجول من السادسة مساء، وفي التاسع والعشرين من اكتوبر جاءت التعليمات الى عمدة القرية بأن يعود الجميع الى منازلهم في الخامسة مساء، وكانت الساعة في ذلك الوقت الخامسة الا الربع، ولم تفلح توسلات العمدة في اعطاء السكان مهلة نصف ساعة لإخطارهم بالموعد الجديد لحظر التجول، وكان واضحا، ان المذبحة تم التخطيط لها مسبقا فقد صدرت الاوامر للجنود باطلاق النار على كل من يكون خارج بيته بعد الخامسة مساء.
وفي الخامسة بالفعل بدأت المذبحة عند طرف القرية الغربي وتم اصطياد العمال والفلاحين العائدين من عملهم ومن الحقول، وفتحت نيران الرشاشات على الابرياء الذين لم يكن لديهم علم بالتعليمات الجديدة التي صدرت فجأة، فسقط منهم 57 شهيدا بينهم 17 امرأة وطفلا وجرح 27 آخرين.
وفي 25 فيراير 1994م حدثت مذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل والتي راح ضحيتها اكثر من 60 شهيدا ونحو 300 جريح، واختار القتلة صلاة فجر الجمعة التي تجمع خلالها اكثر من الفي مصل من الفلسطينيين موعدا لهذه المذبحة التي قادها المستوطن وضابط الاحتياط باروخ جولدشتين عضو حركة كاخ العنصرية حيث اقتحم بصحبة عدد من المستوطنين المسجد الابراهيمي على مرأى من جنود الاحتلال التي كانت تحيط بالمسجد وقاموا باطلاق النيران من رشاش سريع الطلقات «900 طلقة في الدقيقة» الى جانب القنابل اليدوية، واخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم وبعد بضع ساعات من المذبحة تصدى جيش الاحتلال لأبناء الجليل الذين تظاهروا احتجاجا على المذبحة مما ادى الى استشهاد 7 مواطنين جدد بخلاف سقوط العديد من الجرحى.
مذابح الأسرى المصريين
وعلى صعيد المذابح المصرية عرضت الدراسة لثلاث مذابح جماعية اعترف الاسرائيليون بارتكابها بحق المدنيين والأسرى المصريين خلال حرب 1956م، الاولى كانت قرب ممر متلا بصحراء سيناء وقتل فيها 49 عاملا مصريا غير مسلحين او مقاتلين ولم يكن لهم اية صلة بسير عمليات القتال خلال الحرب، والثانية راح ضحيتها عشرات من المصريين كانوا على ظهر شاحنة بمنطقة رأس سدر وأطلق عليهم النيران دون أدنى تبرير تقتضيه الحرب، والثالثة قتل خلالها 190 جنديا مصريا وقعوا في الاسر في شرم الشيخ بواسطة افراد الكتيبة 890.
وخلال حرب 1967م قام الجيش الاسرائيلي بارتكاب العديد من المذابح الجماعية ضد الجنود والضباط المصريين طالت نحو 900 منهم بعد قيامهم بتسليم انفسهم وتسليم اسلحتهم وكان من بينهم 300 400 من العسكريين الذين قتلوا على رمال العريش بعد استسلامهم لقوات الكوماندوز التي كان يشرف عليها بنيامين بن اليعازر ولجأ القتلة الى إجبار المئات من الأسرى المصريين على حفر قبورهم بأنفسهم قبل قتلهم، وطالت المذابح عددا من المدنيين قدروا بنحو ثلاثة آلاف منهم اكثر من 50 عاملا من عمال شركة سيناء للمنجنيز.
وفي حرب الاستنزاف قامت طائرات الفانتوم الاسرائيلية في 18 ابريل 1969م بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية بمحافظة الشرقية مما ادى الى مصرع 40 تلميذا واصابة عشرات آخرين، كما قامت الطائرات الاسرائيلية بقصف مصنع ابو زعبل في 12 فبراير 1970م مما أدى الى مصرع 30 عاملا واصابة عشرات آخرين.
مذابح لبنان
وانتقلت الدراسة الى مذابح التطهير العرقي الاسرائيلية داخل لبنان في محاولة لاستئصال الوجود الفلسطيني برمته من قلب المخيمات، وفي هذا الاطار كانت مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا في 16 18 سبتمبر 1982م والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 2000 من سكان المخيمين وكان وراءها شارون السفاح والذي كان وزير الدفاع وقتها بالتعاون مع ميليشيات الكتائب اللبنانية التي اقتحمت المخيمين تحت غطاء الطائرات الاسرائيلية والقوات التي أحكمت الحصار حول المخيمين، واستمرت المذابح حوالي 40 ساعة دون انقطاع، وخلال الليل وبعد انقطاع الكهرباء عن بيروت الغربية اطلق الاسرائيليون القنابل المضيئة لتسهيل مهمة القتلة، وفي مخيم شاتيلا كانت القوات الاسرائيلية التي تحاصر المخيم تجبر اللاجئين الذين حاولوا الهرب الى العودة مرة اخرى الى المخيم ليتمكن منهم القتلة في الداخل.
وفي الحادي عشر من ابريل 1996م شنت القوات الاسرائيلية سلسلة من عمليات القصف اليومي لعشرات من القرى والمدن اللبنانية عرفت باسم «عناقيد الغضب» وسقط خلالها عشرات من القتلى المدنيين، وقد توجت هذه العمليات الوحشية في 18 ابريل بمجزرة قانا التي راح ضحيتها 109 من المدنيين من الذين احتموا بمركز القوات الدولية الفيجية وتوهموا ان اسرائيل يمكن ان تحترم الحصانة التي يتمتع بها الموظفون الدوليون وهيئاتهم.
وكانت القوة الدولية للامم المتحدة قد اعلنت رسميا قبل مأساة قانا ان نحو ستة آلاف شخص لجأوا الى مراكزها المتعددة منهم اكثر من 800 شخص في مقر الكتيبة الفيجية التي تعرضت لوابل من القذائف الاسرائيلية، وتروي لادا مارلو مراسلة مجلة تايم الامريكية ما رأته هناك قائلة: «وجدت جثث القتلى مكدسة فوق بعضها من أياد محرقة واطراف مبتورة وسيقان ممزقة تظهر من تحت الاغطية التي ألقاها جنود قوة حفظ السلام فوق اشلاء الضحايا.. كانت بعض الجثث متفحمة والبعض الآخر محروقا ومشوها ومعظم الضحايا كانوا من الاطفال والنساء وكانت دماؤهم في كل مكان.. حتى اسقف الغرف كانت ملطخة بالدماء.. واخذ افراد القوة الدولية يحملون بقايا اللحم البشري بينما قام آخرون بوضع قطع اللحم الآدمي في اكياس بلاستيك سوداء.. شاهدت بعيني احد افراد القوة الدولية يمسك في يده بطفل رضيع مقطوع الرأس، وعلى طول ارضية الممر الذي يؤدي الى الخارج والذي يسير فيه عمال الانقاذ حاملين بقايا الضحايا كانت هناك آثار أقدام حمراء اللون ستظل ذكرى لما حدث في قانا».
وتؤكد الباحثة ان محاكمة مرتكبي المذابح العنصرية الصهاينة سواء الماضية او القائمة حاليا والتي تتم على مرأى ومسمع من الجميع اصبحت مسؤولية ملقاة على عاتقنا جميعا كعرب، واذا كانت سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها امريكا ويتسم بها سلوك مجلس الامن الدولي والقوى الكبرى قد حصّنت اسرائيل من المساءلة الدولية والمعاقبة على جرأتها، فلماذا لا يفعلها العرب؟ ولماذا لا تحذو حذو بلجيكا التي اعلنت قطع علاقاتها مع اسرائيل ومن قبل فتحت أبواب محاكمها أمام العرب لمحاكمة شارون؟!
الباب مفتوح أمام الجميع للبرهنة على موقف حازم من تلك الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية الصارخة والمستمرة!
|