في كل بلدة غيورون على تاريخها وأعلامها يبادرون إلى إبراز ذلك بجهود علمية تأخذ منهم وقتاً طويلاً في البحث والتمحيص والمقارنة فتشتهر كتبهم بين الناس ويتلقونها بالقبول والتقدير للجهد المبذول فيها، ومن هذا الصنف معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر في كتابه «شقراء» الذي يتكون من 410 صفحات نشر دار الناصر عام 1405ه، وقد قرأته فوجدته وافياً بالحقائق الجغرافية والتاريخية عن هذه المنطقة العزيزة من بلادنا مدعمة بالوثائق والصور والخرائط مع غزارة المعلومات المفيدة عن أعلامها ومعالمها ومسمياتها وظهور ذاتية الباحث واجتهاداته الموفقة وغير ذلك مما يحتاج إليه القارئ للتعرف عليها.
وفي الجانب الآخر هناك من يبحث عن الربح المادي باستغلال حاجة الناس الى تدوين تاريخ بلدانهم ولو أفضى ذلك إلى سرقة شيء من جهد الآخرين، ومن هذا الصنف كتاب «شقراء» لناسخه احمد بن محمد العثمان ويقع في 70 صفحة، وعندما أسمي هذا الفعل نسخاً فهو تعبير عن حقيقته التي لم ترق الى مستوى التأليف بدليل وقوعه فيما يقع فيه النساخ عادة من الاخطاء كما سيتضح لاحقاً.
هذا الكتاب اشتمل على معلومات جديدة ولاسيما معلوماته الوافية عن بيت السبيعي ولكنها وإن لم تخل من الغلط الفاحش كما سيأتي قليلة جداً بالنسبة لموضوع الكتاب ولعل قلتها دفعت مؤلفه الى سرقة بعض المعلومات من كتاب الدكتور الشويعر سالف الذكر بنصوصها وبعضها أعاد صياغته بأسلوبه، وكنت أنوي الإعراض عن الإشارة الى ما فعله العثمان بحق الدكتور الشويعر على اساس انه ربما كان القصد بيعه على بعض الجهات الحكومية!!
وربما كان يتأول ما نقله بالتضمين وما شابه ذلك من وسائل الاقتباس المعروفة إلا أنه هالني حقاً ان العثمان لم يذكر كتاب الدكتور الشويعر ضمن مراجعه برغم ما نقله منه نصاً وبألفاظ الدكتور الشويعر نفسه، كما ان كتاب العثمان طبع في مطابع طيبة بالرياض ولم يذكر عليه سنة الطبع او رقم الردمك مما يوحي بشيء!!
ولست بحاجة الى وضع مقدمة عن اصول البحث العلمي وضوابط الاقتباس او الحديث عن السرقات الادبية مكتفياً بالإشارة الى قول الحريري في مقاماته المقامة اللصوصية : (وكانوا يغارون على بنات الأفكار كما يغارون على بنات الأبكار!) للدلالة على عظم امر سرقة الجهد العلمي وحسبي ان اورد هنا نماذج لما رأيت انه من سطو المؤلف العثمان على كتاب الدكتور الشويعر بالنص الحرفي اما ما أعيدت صياغته أو أخذ من كتب أخرى فقد تجاوزته للاختصار، فمن ذلك: ورد في كتاب شقراء للدكتور الشويعر ص12: «فقد رأى ياقوت الحموي «626 754ه» في معجم البلدان ان شقراء سميت بأكمة فيه، والشيخ محمد بن بليهد رحمه الله (000 1378ه) ممن يعجبه التعليلات في الاسماء فقد قال في كتابه صحيح الاخبار عندما استعرض آراء ياقوت الحموي في الشقراء وبعد قوله: ان الشقراء قرية لعدي وإنما سميت الشقراء بأكمة فيها وهي مدينة من مدن الوشم واسمها شقراء تحمله الى هذا العهد، وكنت اسمع في صغري من مشيخة اهل تلك الناحية منهم والدي رحمه الله قالوا إن شقراء سميت باسم هذه القارة الواقعة بين شقراء وذات غسل ورواية ياقوت أثبتت هذه الرواية ولا أعلم أين أخذ هذا الخبر منه والقارة المذكورة شقراء المنظر.
وقد نقلها العثمان في كتابه ص5 بهذا النص: (وقد رأى ياقوت الحموي «626754ه» في معجم البلدان ان شقراء سميت بأكمة فيها، والشيخ محمد بن بليهد رحمه الله (1378ه) ممن يعجبه التعليلات في الاسماء فقد قال في كتابه صحيح الاخبار عندما استعرض آراء ياقوت الحموي في الشقراء وبعد قوله: «ان الشقراء قرية لعدي وإنما سميت الشقراء بأكمة فيها وهي مدينة من مدن الوشم واسمها شقراء، وقالوا ان شقراء سميت باسم هذه القارة الواقعة بين شقراء وذات غسل والقارة المذكورة شقراء المنظر، ويلحظ عند قراءة نص العثمان انه حذف عبارة: وكنت أسمع في صغري من مشيخة أهل تلك الناحية منهم والدي رحمه الله قالوا إن شقراء سميت باسم هذه القارة الخ.. لأنه لم يعلم هل هذا القول لابن بليهد او للشويعر فحذفه، وقد اثبت هامش كلام الحموي كما ورد في كتاب الشويعر ولكنه لم يفعل ذلك بالنسبة لكلام ابن بليهد لأن الدكتور الشويعر لم يثبته إلا بعد أن استطرد في ذكر بيتين منسوبين للحطيئة وأكد انه لم يعثر عليهما فحذف العثمان الاستطراد ولم يهتد الى المصدر، كما اثبت العثمان عبارة «والشيخ محمد بن بليهد رحمه الله (1378ه) ممن يعجبه التعليلات في الاسماء «وربما ظن العثمان ان هذه العبارة من كلام الحموي عن ابن بليهد ولم يدرك انها من كلام الدكتور الشويعر وهذه فاجعة كبرى حقا!
وفي ص13 قال الدكتور الشويعر: وقد أوردها الهمداني في «صفة جزيرة العرب.. كما اوردها الاصفهاني في كتابه بلاد العرب واشار الى استدراك الشيخ الجاسر على الدكتور صالح العلي ثم ذكر قول الشيخ ابن خميس حول إلحاق الألف واللام فقالوا الشقراء.. فنقل العثمان كلام الشويعر في 12 سطرا بنصه وهوامشه وفواصله ص5 و6، ثم عاد العثمان فنقل نصا كلام الشويعر في كتابه ص14 عن شقراء وأشيقر أورده العثمان في كتابه ص6 وفعل العثمان ماهو أدهى عندما نقل كلام الدكتور الشويعر الوارد في ص14 و15 وهو قوله: وبرغم ان موطن العرب الاوائل في الجزيرة العربية لم يحظ بالتدوين إلا في وقت متأخر وبعد ان اتسعت المعارف والعلوم وكثر المهتمون بالبحث العلمي في العصر العباسي إلا ان اقدم من رصد معلومات عن بلاد العرب ووصفها هو الاصفهاني (القرن الثالث الهجري) والهمداني المتوفى عام 334ه فقد قال الاصفهاني في كتابه بلاد العرب الذي حققه الشيخ حمد الجاسر والدكتور صالح العلي: وأعظم موضع لعدي بعد الجفر الشقراء وهي قرية من الوشم عظيمة.
فإن الملحوظ على هذا النقل أن ما قرره الدكتور الشويعر باجتهاده نسبه العثمان لنفسه لنقله إياه بدون إشارة للمصدر سبحانك هذا بهتان عظيم كما يلحظ ان الناقل وقع فيما يقع فيه عامة النساخ عادة فعندما نقل عبارة الشويعر الواردة في النص السابق: «فقد قال الاصفهاني في كتابه بلاد العرب الذي حققه الشيخ حمد الجاسر والدكتور صالح العلي.. «نقلها هكذا:: «فقد قال الهمداني في كتابه بلاد العرب الذي حققه الشيخ حمد الجاسر والدكتور صالح العلي..» فهل القائل الهمداني أو الأصفهاني؟ وهل كتاب الهمداني هو بلاد العرب أو صفة جزيرة العرب؟ فهذا الخطأ لا يقع فيه إلا النساخ وسراق النصوص لأنه لا يخفى على باحث أو عالم.
وفي ص18 قال الدكتور الشويعر: وفي كتب التاريخ التي تهتم بالسرد التاريخي فقط فإن أقدم من ذكرها حسبما وصل إليه علمي من مؤرخي المنطقة حسين بن غنام الأحسائي.. فجاء العثمان ص 6 و7 فسطا على النص وحرفه ملغياً حق الشويعر في سبق الاكتشاف فنقله هكذا: وفي كتب التاريخ فإن أقدم من ذكرها تاريخنا كذا من مؤرخي المنطقة حسين بن غنام الاحسائي.. ويلحظ هنا ان ما اشار اليه الدكتور الشويعر انه حسبما وصل إليه علمه جعله العثمان جزماً منه وألغى قيد السرد التاريخي دون إدراك منه لأهمية هذا القيد فيما قرره من حقيقة ليست سوى سرقة أفكار الآخرين، وجاءت كلمة تاريخنا مقحمة في نص العثمان ولا معنى لها لأنها بقيت بعد محاولته بتر النص الأصلي ولم ينتبه لها.
والعثمان في سرقته للنقول لم يبخل في بتر النص عن سياقه التاريخي والمعنوي جهلاً منه بأهمية هذا الرابط وربما كان هدفه محاولة تغيير النص الأصلي حتى لا يعرف ففي ص18 قال الدكتور الشويعر: وقد أورد ابن بشر 1210 1290 في تاريخه عنوان المجد تعليقاً على هذه الحادثة وذلك أن أهل شقراء كانوا أهل سابقة في الدين وبذلوا أموالهم وأنفسهم في نصر الإسلام والمسلمين وكانوا هم أول من بايع الشيخ ومحمد بن سعود.. نقلها العثمان ص7: وقد أورد ابن بشير هكذا 12101290 في تاريخه عنوان المجد الكثير من أهل شقراء وكيف كانوا أهل سابقة في الدين وبذلوا أموالهم وأنفسهم في نصر الإسلام والمسلمين وكانوا هم أول من بايع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن مسعود هكذا وعند تجاوز الخطأين الطباعيين في اسمي ابن بشر وقد ورد ابن بشير وتكرر الخطأ في موضعين ومحمد بن سعود الذي ورد ابن مسعود نجد ان تلاعب العثمان بالنص كان للتخلص من اشارة ابن بشر الى حادثة ذكرها الشويعر ولم ينقلها العثمان ضمن ما سطا عليه، وعندما اشار الدكتور الشويعر ص21 الى انه لايتهم ابن بشر بالتحيز لشقراء لأنه من قبيلة بني زيد من الحراقيص وإنما هي معلومات استقاها ممن سبقه من المؤرخين كابن غنام وابن بسام، واشار الى عدد من المؤيدات لقوله وأحال إلى كتاب «تاريخ الفاخري» فجاء العثمان في ص7 فقرر ان ابن بشير هكذا ورد اسمه اهتم بذكر شقراء في اكثر من موضع لأنه منها وينتمي إليها فهو من قبيلة زيد يقصد بني زيد من الحراقيص فعكس المراد تماماً وأحال إلى مرجع النص المسروق الذي تلاعب به، ثم عاد في الصفحة ذاتها وأثبت ما انتهى اليه الدكتور الشويعر بنصه من ان معلومات ابن بشر انما استقاها ممن سبقه من المؤرخين مناقضاً نفسه بنفسه.
وفي ص25 قال الدكتور الشويعر: فهذا أحمد بن محمد المنقور 10671125ه وهو أقدم من ابن غنام.. 1225ه وابن بشر 12101290ه لم يفصل في احداثه التاريخية ومع هذا لم يغفل شقراء لكن يلمح اليها على طريقته المقتضبة في سرد الاحداث التاريخية في كتابه الذي حققه الدكتور عبدالعزيز الخويطر فهو في هذا الكتاب يعطي معلومات متناثرة عن نجد وما وقع فيها من احداث ونجده قد اوردها في حوادث عام 1099ه قام العثمان بمسخ النص مسخاً مشيناً ص7 فجاء هكذا: وحقيقة الأمر أي أمر؟ لا أحد يعلم أن أحمد بن محمد المنقور 10671125ه وهو أقدم من ابن غنام وابن بشر لم يغفل عن ذكر شقراء في سرد الاحداث التاريخية في كتابه الذي حققه الدكتور عبدالعزيز الخويطر في حوادث عام 1099ه.
ومشكلة العثمان انه عندما يختصر النص فإنه لا يستطيع التعامل مع معلوماته وإليك الدليل: فقد قال الدكتور الشويعر ص25 و26: ولعل أوفى من ذكرها فيما بعد من المؤرخين الشيخ ابراهيم بن صالح بن عيسى 12701343ه في تاريخه الذي حققه الشيخ حمد الجاسر واصدره عن دار اليمامة بالرياض فقد جاء فيه ذكر لوفيات بعض اعيانها وانسابهم لكن باختصار وتحفظ «تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد» وكتابه الآخر «عقد الدرر» فقد نقله العثمان ص8 هكذا: ولعل أوفى من ذكر شقراء فيما بعد من المؤرخين هو الشيخ ابراهيم بن صالح بن عيسى 1270 1343ه في تاريخه الذي حققه الشيخ حمد الجاسر وأصدره عن دار اليمامة بالرياض وكتابه الآخر عقد الدرر، والمقارنة بين النصين تنبئ عن حقيقة علم الرجلين ولعل القارئ الكريم يلحظ ان العثمان عندما اختصر النص لم يهتد الى اسم الكتاب الذي يتحدث عنه «تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد» فانطلق الى الكتاب الآخر مباشرة ولم يذكر الأول!!
اشار الدكتور الشويعر في ص27 و28 من كتابه الى الأهمية التاريخية لكل بلد والمكانة التي يتبوأها أهلها ومن هنا اقترن اسم شقراء بهذه النواحي واستغرق كلامه 34 سطرا نقلها العثمان بنصها وهوامشها، والمضحك المبكي ان الدكتور الشويعر ذكر في الهامش رقم واحد من هذا النص راجع هذا الكتاب ص245 فنقلها العثمان كما وردت وكتابه 70 صفحة فقط دون ان ينتبه لهذا المزلق، وكذلك فعل في الهامش رقم 2 حيث نقل هامش الدكتور الشويعر راجع ص53 من هذا الكتاب وص 52 و53 من كتاب العثمان عن اركان القهوة والطاقات المسدودة في بيت السبيعي!!
هذه بعض الاشارات حول النصوص التي سطا عليها احمد بن محمد العثمان في كتابه «شقراء» وهي من حقوق معالي الدكتور محمد الشويعر في كتابه «شقراء» وفي كتاب العثمان نصوص اخرى مسروقة من كتاب الشويعر الذي لم يتكرم حتى بذكره في المراجع وهل نطلب من السارق ان يدل على جريمته؟
وسأعود إن شاء الله تعالى للحديث عن النصوص المسروقة الأخرى وأثر هذا العمل في الحركة الثقافية في بلادنا وحكمه الشرعي الذي يتساهل فيه كثير من الناس وهم لا يدركون ان سرقة الافكار مثل سرقة الاموال بل ربما كانت أشد إيلاماً كما حصل للإمام السيوطي عندما ألف رسالة مطولة بعنوان «الفارق بين المصنِّف والسارق» للتشنيع على من سرق شيئا من نتاجه العلمي، وبالله التوفيق.
ص.ب 30242 الرياض 11477 |