Saturday 6th April,200210782العددالسبت 23 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

النبوءة الأمريكية «2 - 2» النبوءة الأمريكية «2 - 2»
رضا محمد العراقي

تساءلنا في الجزء الأول من هذا المقال عن فكر النخبة المتحكمة في الإدارة الأمريكية وتصوراتها لحل القضية المحورية في الشرق الأوسط.
وقبل الإجابة أريد التوقف قليلاً عند نقطة هامة حيث بادرني أكثر من زميل يتساءل عن هوية وأسماء هذا الفريق الذي يتبنى فكر الامبراطورية الأمريكية وأجيبهم بأن هذا الفريق يضم فيما يضم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس طاقم تشيني لويس ليبي، والمسؤول عن وضع السياسات في البنتاجون دوجلاس فيث، ومسؤولاً في الخارجية هو ايليون ابرامز.. ويساند هؤلاء صحفيون كبار وإعلاميون مرموقون من الحزب الجمهوري والديمقراطي على السواء.. إضافة إلى وجود عناصر مساندة لهم من خارج الدوائر الرسمية مثل الكاتب المشهور فرانسيس فوكاياما، ومدير المخابرات المركزية الأسبق جيمس وولسي.
وحتى تتضح الصورة أكثر عن فكر هؤلاء لقضية الشرق الأوسط، فإن كثيراً من أعضاء هذا الفريق له علاقة وثيقة مع قادة تكتل الليكود الإسرائيلي بل وبمنظِّري اليمين المتطرف في إسرائيل.
هذا الفريق يروج الآن لنفس أفكار اليمين الإسرائيلي بإعادة هيكلة النظم الحاكمة في بعض الدول العربية بحيث يتم ضرب العراق وإنهاء حكم صدام حسين، والاتيان بالأسرة الهاشمية إلى حكم بغداد مرة أخرى، ثم تحويل الأردن إلى دولة فلسطينية كوطن بديل للفلسطينيين، والذي شجعهم على تبني هذا التصور تغيير نظام الحكم في افغانستان الذي استدعى الأفكار اليمينية الإسرائيلية المتطرفة من الذاكرة لتطل برأسها من جديد في ظل تجارب مماثلة قد نجحت فيها أمريكا.
لذلك لا نستغرب اصرار الولايات المتحدة على ضرب العراق رغم انها واجهت معارضة جماعية من الدول العربية ودول كثيرة أخرى، كما يوجد انقسام كبير في صفوف السياسيين البريطانيين بين مؤيد للضرب ومعارض له، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء توني بلير يطلب من بوش التريث والتمهل في الإقدام على هذه الخطوة.
لكن هذا الفريق المتشدد في الإدارة الأمريكية ومعهم أنصار من قادة الكنيسة الانجيلية يدفعون بوش للإقدام على هذه الخطوة لتحقيق أفكارهم بإعادة هيكلة بعض النظم الحاكمة العربية من جديد!!.
وقد استرعى انتباهي ان الحكومة الإسرائيلية لم تقم الدنيا وتقعدها كعادتها عندما لم تستخدم الإدارة الأمريكية حق الفيتو كعادتها أيضاً ضد القرار الخاص بإنشاء وطن مستقل للفلسطينيين من مجلس الأمن.. وهو الأمر الذي زاد من شكوكي حول حدود هذه الدولة ومكانها.. والغريب ان تحركات الحكومة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني بأمريكا لم تكن بحجم القرار، لذلك نؤكد ان ما تنويه الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية بشأن تنفيذ هذا القرار سيكون الوطن البديل للفلسطينيين وهو الأردن!!.
وكان أحد سيناريوهات هذا الحل، هو الحملة المسعورة الحالية التي بدأها شارون باحتلال كل المناطق الفلسطينية مرة أخرى والقبض على كل أذرع السلطة من قواتها وقتلهم إذا لزم الأمر، ومحاصرة ياسر عرفات في مقره وحيداً حتى يوقِّع وينفذ كل التنازلات التي تريدها إسرائيل، وأهمها عدم المطالبة بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية أو أي جهة أخرى منها.
هذا السيناريو الذي باركته الإدارة الأمريكية بدليل مماطلتها بالهروب من مواجهة شارون رغم مطالبة كل دول العالم لها بالتدخل لوقف المهزلة والمجزرة التي تشهد فصولها الأراضي الفلسطينية الآن.
ومازال بوش مصراً على مطالبة عرفات بوقف العنف وادانته وهو محاصر وحيداً شريداً، وكل قواته يتم ترحيلها حالياً إلى معتقلات جماعية بإسرائيل. هذا الهروب الأمريكي من الالتزامات والمعاهدات التي تم توقيعها والاحتفال بها داخل حديقة البيت الأبيض نفسه ليس له تفسير غير ان الإدارة الأمريكية ماضية في طريقها لتنفيذ أفكار اليمين الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين للأردن «عملية ترانسفير» والقضاء على السلطة الفلسطينية ومؤسساتها لإقرار واقع جديد على الأمة العربية.. وبعد الانتهاء من الحالة الفلسطينية ستتجه أمريكا إلى العراق للقضاء على نظام صدام حسين وتمكين الأسرة الهاشمية من حكم العراق مرة أخرى.
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا ان السكوت الإسرائيلي على قرار مجلس الأمن هو دليل قاطع على ان إسرائيل وأمريكا نسقتا فيما بينهما على صيغة القرار لترضية الدول العربية من جهة وتمرير الموافقة على ضرب العراق من جهة أخرى، لكن عندما واجهت أمريكا رفضاً عربياً جماعياً، نفذت سيناريو شارون أولاً ثم ضرب العراق بعد ذلك، فقد كانت الإدارة الأمريكية ترى ان ضرب العراق الخطوة الأولى في الخطة ثم يأتي القضاء على السلطة الفلسطينية والمقاومة بعد ذلك.. لكن رفض الدول العربية ضرب العراق جعل سيناريو شارون هو الأقرب للتنفيذ.. وما نشهده الآن من اجتياح إسرائيلي كامل لمناطق السلطة الفلسطينية خير دليل على ذلك.
وبكل أسف نقول إن إسرائيل استطاعت، بضغوطها المختلفة وعبر أكثر من وسيلة على مدى الخمسين سنة الماضية، ان تقنع أمريكا بسياسة التحيز لها، وقد خاضت في سبيل تحقيق ذلك غمار حرب سياسية وإعلامية ودبلوماسية لا هوادة فيها، وواصلت العمل ليل نهار على تحقيق هذه القناعة للإدارة الأمريكية ونجحت مؤخراً.. فعلى سبيل المثال دأبت إسرائيل على نشر إعلان «صفحة كاملة» في كبرى الصحف الأمريكية وموقع من أعضاء في الكونجرس الأمريكي يقول بالنص «إن سياسة حكومتنا في الشرق الأوسط التي تسعى لأن تكون غير متحيزة بين العرب وإسرائيل هي سياسة خاطئة».
هذا الإعلان الذي تكرر نشره في الإعلام الأمريكي يذكرنا بآخر سياسي أمريكي نطق بكلمة «عدم التحيز» وذلك كان عام 1969 عندما أوفد الرئيس نيكسون مبعوثه لمنطقة الشرق الأوسط وكان حاكم ولاية بنسلفانيا ويليام سكرانتون، الذي أطلق تصريحه الشهير، وربما كان الأخير له، حيث قال: «إن إدارة الرئيس نيكسون سوف تتبع سياسة غير متحيزة بين العرب وإسرائيل».. وأنهى سكرانتون مهمته في المنطقة وعاد إلى بلاده لكنه لم يعد إلى بؤرة الأحداث بعد ذلك وبلعه النسيان واختفت أخباره وتحركاته من الوجود جزاء نطقه بكلمة «عدم التحيز».
ومن الآن فصاعداً لا مكان لسياسة أمريكية غير متحيزة بين العرب وإسرائيل، بل هناك سياسة متحيزة لإسرائيل، وبذلك كسبت إسرائيل جولتها مع الإدارة الأمريكية، وأستطيع ان أقول انها الآن تنفرد بالنخبة الحاكمة في الإدارة الأمريكية، وما نسمعه من الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته الآن، هو نغمة نسمعها لأول مرة ولم يسبق لأي إدارة أخرى ان تحيزت بكل هذا الثقل لصالح إسرائيل، ولكنها كانت تعمل ذلك على استحياء وليس بكل هذا الوضوح المعلن.
وربما كان هذا الوضوح يجعلني اميط اللثام عن اللغط والالتباس الذي حدث لكثير من المراقبين والمحللين إزاء البيان الذي أصدره 60 عالماً ومثقفاً أمريكياً في 12 فبراير الماضي تحت عنوان «من أجل ماذا نحارب؟»، وكان من بين الموقعين فرانسيس فوكاياما وصموئيل هنتجتون، برروا خلاله المبدأ الأخلاقي من وجهة نظرهم للحروب الأمريكية التي تقضي بالتدخل بالقوة لحماية الأبرياء، وكان هدفهم الحقيقي هو إعلاء مبدأ العدالة على الأخلاق بحيث لا توجد أمة في العالم تحقق ذلك غير الأمة الأمريكية.
هذه هي النبوءة الأمريكية التي يبشرنا بها هذا الفريق الأمريكي، إذ يؤكد ان الامبراطورية الأمريكية قد اكتمل نصابها ولن يشهد التاريخ مثيلاً لها في الحجم والتأثير والنفوذ، وأكدوا ان هذا القرن هو «القرن الأمريكي الجديد» وستفعل أمريكا ما تريد، أينما تريد، وحيثما تريد، وبالقوة إذا لزم الأمر، وما يحدث في فلسطين من مجازر وجرائم ضد الإنسانية هو إقرار حقيقي لهذا التصور، ويبدو ان منطقة الشرق الأوسط هي أول منطقة ستدفع فاتورة هذه النبوءة الأمريكية وتكوين الامبراطورية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved