Saturday 6th April,200210782العددالسبت 23 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يحمل عنوان «أرواح عرفات السبعة» يحمل عنوان «أرواح عرفات السبعة»
قراءة في ملف «أبو عمار» لدى المخابرات الإسرائيلية

* القاهرة ايلاف:
بدأنا نعد ملفا لياسر عرفات منذ مطلع ستينات القرن الماضي، ليصل في غضون اعوام قليلة الى حجم مكتبة ضخمة هكذا كتب يهوشع ساغي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية «أمان» السابق، فعندما ظهر اسم ياسر عرفات للمرة الاولى في تقارير اجهزة المخابرات الاسرائيلية تدفقت مئات التقارير حول متابعة تحركاته ومكالماته وعلاقاته.. ولم تتوقف حتى في منتصف التسعينات حينما بدأ عملية السلام مع اسرائيل رسميا.. بل ربما تضاعف حجمها.
يؤكد ذلك احد كبار المفاوضين الاسرائيليين قائلا: «ان الاجهزة الاسرائيلية لم تتوقف عن متابعة كل مكالمات عرفات وكأنه ما زال ارهابيا وليس شريكا كما اصبح بعد ان وقعنا معه الاتفاقيات».
ولعله من المفيد ان نشير الى ان عددا من المتابعين الاسرائيليين لعرفات اصبحوا الآن اكاديميين مرموقين، فضباط «أمان» الكبار انتقلوا من مجرد متنصتين عليه الى باحثين يوثقون لسيرته وقصة تنظيم فتح في اطروحات للدكتوراه.
احد ابرز هؤلاء الخبراء هو الدكتور ابراهام سيلع الذي كان يرأس قسما مهمته متابعة «أبو عمار» في شعبة الاستخبارات قبل توجهه للجامعة يقول عنه انه شخص يتمتع بشجاعة واقدام نادرين على الرغم من كل ما ينسب اليه من خصومه، العرب او الفلسطينيين قبل الاسرائيليين.
ووفقا لرؤية سيلع فان لحظات عودة عرفات الى طرابلس في شمال لبنان في 1983م حيث دخل الى عرين الاسد السوري ليخوض قتالا مستحيلا وعنيدا مستصرخا العالم العربي ليجلو من هناك للمرة الثانية فيخرج منتصرا مهزوما في نفس الوقت، ومن هناك يصل الى القاهرة في خطوة مفاجئة بعد قطيعة لسنوات مغيرا دفة سفينة منظمة التحرير الفلسطينية بين ليلة وضحاها ومستخرجا من قلب الضعف رحيق النصر الصعب.
صورة وسيرة
هناك آخرون من صفوف الشاباك الذين لاحقوا عرفات ومنظمة التحرير سنوات طويلة وعرفوا افضل من غيرهم الحقيقة والكذب في الطرفين عقدوا صفقات تجارية مع رجال عرفات حين بدأ بناء فلسطين الجديدة وبيتهم الخاص، وهم قادة كبار من الشاباك من امثال يوسي غينوسار الذي يتحدث مع الرئيس بلغته ويقضي معه عدة ساعات اكثر من اي اسرائيلي آخر.
آخرون ما زال بعضهم حتى اليوم ممنوعا من الحديث قد انتقلوا من الطرف المطارد الذي يلاحق عرفات للقضاء عليه الى الطرف المفاوض حول السلام، حتى ان احدهم الذي كان بين طاقم الاغتيال الذي شكلته شعبة الاستخبارات في 1982م اصبح محبوبا جدا على عرفات الذي لم يعرف كم كان هذا الشخص قريبا من عنقه في بيروت المحاصرة قبل عقدين من الزمان.
وقبل قدوم عرفات كانت هناك خطط مفصلة لاغتياله وخطفه والوصول اليه واحضاره الى هنا وبالتزامن مع ظهور اسم عرفات في ملفات الاجهزة الامنية الاسرائيلية ظهر ايضا في وسائل الاعلام وتغلغل في وعي القارىء الاسرائيلي خلال سنوات قليلة حافلة بالعمليات الارهابية وقصاصات الصحف والتصريحات السياسية رسخ نصب عرفات كالفولاذ في وعيهم باعتباره كبير المخربين الاكثر تعطشا للدماء من الجميع.
يوسي غينوسار يقول ان «الشاباك» ايضا عمل على تشويه صورة عرفات، هذا التشويه الذي تحول مع السنين من اداة فعالة مفيدة الى اداة هدامة حتى للاسرائيليين انفسهم حسب رأيه.
وفي عام 1976م نشر الامريكي توماس كيرنان سيرة لعرفات وصف والده بأنه قاتل، لكن رئيس شعبة الاستخبارات في حينه قال لي انه قرأ هذه السيرة المفبركة والقاها في سلة القمامة صورة عرفات وسيرته التي رسمتها الصحافة الاسرائيلية ربطته بكل الكراهية ومشاعر الذنب والفزع من الانتقام، وعدم ترك هذا الكيان الصهيوني يعرف طعما للراحة، ففي مطلع ذلك الصيف القائظ من التعرف على عرفات في تلك الفترة التقى الرجل في مكان سري مع ثلاثة موسيقيين فلسطينيين قاموا بتلحين وتأليف نشيد حركة فتح بطلب منه، المعزوفة لم تنته الا وكانت الطائرات الاسرائيلية قد قصفت قواعد الفدائيين في السلطة مرتكبة خطأ مداه خمس دقائق حيث اصابوا احد المقربين منه وقتلوه اما هو فنجا، ومثل هذا المشهد تكرر بعد ذلك مرة تلو الاخرى مع عرفات، وكما قال عنه البرت اغازريان من جامعة بيرزيت انه الشخص الذي يدفنه الجميع وعندما تبدأ جنازته ويصطف الناس لمصافحة الاقارب يجدونه يظهر فجأة باسما ومصافحا معهم.
من قبل ان يحتفل عرفات بمرور عام على تعيينه في منصب القائد انتشرت الشائعات حول حركة معارضة له في منظمة فتح وان هناك احتمالا لازاحته لكنه ضحك وتنقل بين لبنان والجزائر وفي كل مكان، حدث الناس عن تأييد كوبا وقادة الفيتكونغ في فيتنام لحركة فتح، وقام بتشكيل الخلايا التخريبية التي تسللت داخل اسرائيل.
أما مجلة «فيغارو» الفرنسية فقد تحدثت في حينه رفع عرفات شعار البندقية كأداة للنضال عن مبادرة سرية لموشيه ديان للقاء عرفات، الا ان غولدا مائير قالت ان عرفات رئيس عصابة قتلة وليس لديها ما تتحدث به معه، وموشي ديان ايضا تراجع عن مبادرته تلك قبل تجسيدها وفي حزيران 1967م كان عرفات في الضفة الغربية التي احتلها الجيش الاسرائيلي ونظم فيها الخلايا السرية والقى نظرة على تل ابيب ثم فر بعد ان اوشك على الوقوع بيد الاسرائيليين الى الاردن ومنه الى لبنان ليصبح رحالة جوالا خلال 25 عاما الى ان يصل الى غزة ويشكل قواعد واسس الحياة حول فلسطين محيطا نفسه بحركة الوسط حركة فتح التي تواصل بقاءها رغم كل التقلبات يكافح الاردنيين واللبنانيين يزرع الشقاق ويصالح يحرض ويطارد، يفجر فينجو ليظهر كساحر في مكان آخر وليبدأ من جديد، ليصالح الآخرين على الدوام في آخر المطاف.
وبعد المذبحة الدموية التي انزلها جنود الملك حسين في ايلول بالفلسطينيين في 1970م صرح ياسر عرفات قائلا: بيننا وبين الحسين بحر من الدماء لا يمكن اجتيازه، لكنه بعد ذلك بأربعة ايام فقط عانق الملك حسين بحرارة في القاهرة ووقع معه على اتفاق الهدنة، نفس الشيء حدث مع مذبحة غولدشتاين حيث استشاط غضبا، ولكنه وبعد 12 ساعة اتخذ قراراً بمواصلة المفاوضات مخالفا رأي كل مستشاريه في نهاية كل الازمات تأتي المصالحة من اجل مواصلة الطريق على حافة الهاوية من دون الوقوع ولا مرة فيها.
أعوام على الطائرة
على ساحل البحر في غزة حيث كان يقع مقر قيادة عرفات قبل ان يدمره شارون الذي يقضي فيه اغلب ساعات اليوم في بناية بسيطة المظهر توجد ايضا غرفة جلوس، غرفة صغيرة للاستراحة مع سرير حيث يغفو عرفات في بعض الاحيان ساعة ونصف الساعة في اليوم.
من على جدران المكتب يطل عليه الموتى الذين ساروا معه من بداية الطريق وغابوا ابو جهاد صديقه المقرب، وابو اياد المنظر الايديولوجي وغيرهما، وحتى الوزير بشير البرغوثي وهو من آخر القدماء ظل يئن تحت وطأة المرض العضال في عمان.
وفي مكان غير بعيد عن بيت عرفات يوجد مقر رئاسي رفض الانتقال اليه حتى لا يقولوا عنه الاقاويل في الشارع الامر الذي حرص عليه دائما وتجنبه حتى لا تلتصق به وصمة الفساد.
اما شقيقاته الثلاث انعام وخديجة ويسرى انتقلن من القاهرة ليقطن بجواره الآن.
عرفات الذي قضى وقتا طويلا من حياته في الطائرة بين مكان وآخر حتى في داخل فلسطين بعد عودته الى غزة من تونس. وهو يواصل الترحال بين عواصم العالم حتى لا يفقد الدعم الدولي الرقيق له، وهذا الترحال جعله يتملص دوما من مراقبة الاجهزة الامنية الاسرائيلية له التي وجدت مشقة كبيرة في معرفة المكان الذي يتواجد فيه.
الثنائي «بلوتسكي طهاري» كتبا سيرة عن عرفات اسمياها «ارواح عرفات السبعة» وقالا فيها انه مثل القط يموت وينهض من جديد حتى من الناحية السياسية. عرفات شوهد مرة واحدة فقط خلال السنوات الاخيرة وهو يرتعد في كل ارجاء جسمه من الذعر والاسى والالم.. الدبلوماسي النرويجي ترياه لارسن كان الى جانبه في غزة عشية الرابع من تشرين الثاني حيث وصله نبأ قتل اسحاق رابين في ميدان تل ابيب، كان عرفات يتمتم بأسى حول فقدان الشريك وجسمه كله يرتجف بعدها اصابته نوبة اكتئاب لشهرين لدرجة ان احد الاسرائيليين الذين يعرفونه جيدا قال انه بدا وكأنه المحزون الاكبر على موت رابين.
قتل رابين جعل عرفات يستوعب لاول مرة الجزع العميق الذي يصيب اسرائيل وهشاشة الوجود حتى لزعيم كرابين تحيطه ترسانة من حراس جهاز الاستخبارات الافضل في العالم ومنذ هذه اللحظة تعززت الحراسة حوله بشكل مكثف، وبدأ الارهاق يلف نشاطه الزائد، وفي بعض الاحيان يتوقف عرفات في منتصف الوجبة محدقا في الهواء لدقائق طويلة.
بن غوريون الفلسطيني
الغموض لا يقتصر على حاضر عرفات وحده، فحتى طفولته محاطة بستار من الضباب، فعرفات ولد في القاهرة في عام 1929م في شهر آب اغسطس، واسمه محمد عبد الرحمن عبدالرؤوف عرفات القدوة. الابن السادس لعبد الرؤوف وزهوة ابو السعود.
وعلى مدى السنين كانت لعرفات سيرة حياتية غير مدونة تدعي انه في عكا او في غزة او صفد او في البلدة القديمة من القدس وفي اماكن اخرى موزعة على خارطة فلسطين القديمة.
الكثيرون قالوا ليس من المعقول ان لا يمر بطل فلسطين رمز الكفاح بالتجربة الفلسطينية اللاذعة كلسعة النيران: ولادة وحياة سعيدة في قرية فلسطينية تحت عرائش العنب. بجانب البئر وبعدها كارثة الطرد والشتات البائس مع اللاجئين بأشواقه وحنينه.
لكن ياسر عرفات حسب الوثائق المصرية وبطاقة الولادة وارشيف جامعة القاهرة وغيرها من الاماكن عبارة عن طفل فلسطيني قاهري المولد وطالب قاهري يحتفظ الى يومنا هذا بلهجته المصرية التي تغيرت بعض الشيء مع السنوات.
«ولدت في النصف الاول من آب اغسطس 1929»، هكذا ردد عرفات اكثر من مرة.. وتاريخ ميلاده حسب شهادة الميلاد المصرية هو 24 آب اغسطس 1929م، وهذا تاريخ معروف جدا كما لو انه جاء ليمثل تاريخا رمزيا في الوقت الذي ولد في القاهرة من سيكون الزعيم الفلسطيني الاكثر تأثيرا في القرن العشرين، كان زعيم الحركة الصهيونية التي سبقت الحركة الفلسطينية بخمسين سنة على متن سفينة «كارنرو» وسمع عن مشكلة في فلسطين. كان دافيد بن غوريون الكهل «43 عاما» في ذلك الحين عائدا من احدى جولاته في اوروبا حين تلقى برقية وهو على متن السفينة تفيد بأن «عصابة عربية هاجمت موتسا وقتلت ستة فلاحين يهود وهكذا جاء ميلاد عرفات بالضبط في اليوم الاول من احداث 1929م ايام مذبحة يهود الخليل وامتداد النيران الفلسطينية في انحاء اسرائيل.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved