Saturday 6th April,200210782العددالسبت 23 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في الأفق التربوي في الأفق التربوي
علاقة الأبناء بالآباء
أ.د. عبدالرحمن بن إبراهيم الشاعر

كثيراً ما نسمع من الآباء والأمهات صوراً غريبة ومرفوضة من العقوق أو قل الخروج عن طاعة الوالدين، وقد يكون هذا الأمر حقيقياً ويعاني منه الوالدان فعلاً، أو قد يكون قياسياً معيار الحكم عليه مقارنة سلوكهم بسلوك آبائهم عندما كانوا شباباً والقياس في هذه الحالة سوف يبرز حتماً فوارق ملموسة بين ابن اليوم وابن الأمس. وقد ساد اعتقاد ان القيم والمفاهيم والمبادئ تغيرت وتبدلت مع مرور الزمن وموجة التغيير والتغير الذي اجتاح المجتمعات البشرية، والحقيقة كما أراها ان هذا التغير وان حدث لم يكن المؤثر الوحيد على تبدل العلاقة وبعدها عن أدنى الحقوق والواجبات للوالدين. يحضرني في هذا المقام بعض سلوكيات السلف تجاه والديهم منها ما ذكر المأمون انه لم ير احداً أبرَّ من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من بره له انه كان لا يتوضأ إلا بماء سخن فمنعهم السجان ذات يوم من الوقود في ليلة باردة فلما اخذ يحيى مضجعه قام ابنه الفضل الى قمقم نحاس «إناء من نحاس» فملأه ماء وأدناه من المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده الى الصباح، حتى استيقظ يحيى من منامه. وموقف اخر قيل طلب بعضهم من ولده ان يسقيه ماء، فلما أتاه بالشربة وجده قد نام، فمازال الولد واقفا والشربة في يده الى الصبح حتى استيقظ ابوه من منامه. وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ان لي أماً بلغ منها الكبر انها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها، قال لا لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها، وقيل لعلي بن الحسين رضي الله عنه إنك أبرَّ الناس، ولا تأكل مع أمك في صحيفة، فقال اخاف ان تسبق يدي يدها الى ما تسبق عيناها اليه فأكون قد عققتها. صور من حياة السلف وسلوكياتهم تعكس التزامهم بالتوجيه الإلهي حيث قال الله سبحانه وتعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما» الاسراء اية 23. والتزموا بتوجيه وهدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: رغم أنف، رغم أنف، ثم رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر، احدهما او كليهما، فلم يدخل الجنة.ان مثل هذه القيم والمبادئ الإسلامية في حق الوالدين وان كنا نطمع ان نراها في أبنائنا إلا اننا لا نتوقع حدوثها ليس لسبب بعد الأبناء والآباء عن هذا التوجيه فحسب بل في نظرتنا الى مقومات ظهور هذه العلاقة كما كانت في السابق، في السابق كان ارتباط الابن بأبيه ارتباطاً اجتماعياً ونفسياً ووظيفياً في نفس الوقت، ومنطلقات جميع هذه المقومات الارتباط الحقيقي بالتوجيه الإسلامي في معاملة الوالدين بغية تحقيق الأجر والثواب الذي ولد الإحساس الغريزي بمسؤولية الابن المطلقة تجاه والديه. وعمومية هذا الإحساس في المجتمع الإسلامي آنذاك جعل الأبناء تحت طائلة المقت الاجتماعي فيما لو قصر أحدهم في حق والديه. اليوم اختفى او كاد الارتباط الوظيفي بين الابن وأبيه فلم يعد الأب يعتمد اعتماداً كلياً على ابنه، إما لان عمله الوظيفي لا يحتاج الى ذلك، او ان الابن لم يعد يرغب في عمل والده وخط لنفسه طريقا غير طريق والده. اما الارتباط الاجتماعي فقد اتسعت في الوقت الحاضر رقعة الرفاهية الاجتماعية، وتغير مفهومها بفضل التعليم والإعلام والمواصلات وشتى مقومات الرفاهية الاجتماعية، وهنا فقدت القدوة الحسنة وأصبحت المحاكاة للأسوأ.
لقد انتاب العلاقة الأسرية خلل تمثل بتبدل علاقة افراد الاسرة بعضهم ببعض وخاصة بين الآباء والأبناء. فمن قائل كنت لا امشي أمام والدي بل دائماً خلفه، ولا اجلس على طعام قبله، ولا اقدم على عمل قبل مشورته، ولا ارفع صوتي فوق صوته، ولا امتعض أمامه، ولا اخرج عن نطاق الأدب والاحترام عند محاورته. أوامره تنفذ ونواهيه تجتنب، لا رأي إلا رأيه ولا مشورة إلا مشورته، هكذا كان السلف وتلك كانت قناعاتهم وتربيتهم بصرف النظر عن ايجابياتها وسلبياتها. وبعد هذا التسليم الكامل بسلامة تلك العلاقة وذلك السلوك يواجه ابن الأمس واب اليوم ابناً لا يلتزم ولو بنسبة ضئيلة من ذلك السلوك، بل عصيان وتمرد فالقول ما يقوله الابن والرأي ما يراه، مطالبه مستجابة وأوامره مطاعة، وبين النقيضين تحدث المشكلة بين أب يريد ان يرى سلوكه مع والده في ابنه وبين ابن يرى ان الوقت تغير وزمن الطاعة العمياء اندثر. وبعيدا عن الحوار الموضوعي واستماع الرأي الآخر يحدث التنافر وقد تحدث القطيعة، او على اقل تقدير فتور تلك العلاقة.
ان من أدبيات التربية ما يدعو الى تقدير الذات البشرية وإعطائها حقها الطبيعي والغريزي في ممارسة نشاطها الحياتي بالقدر الذي جبلت عليه وفي حدود القيم والمعايير والاجتماعية الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب بعض التنازلات غير المخلة من قبل الأب والابن على حد سواء والتنازل المطلوب من الأب تقدير الذات البشرية ومنحها الفرصة لتنال حظها من التعبير وإبداء وجهة النظر ولا يتم ذلك إلا من خلال الحوار واحترام الرأي الآخر طالما انه في حدود الأدب والأعراف الاجتماعية.
ان العنف مهما كانت طبيعته لا يأتي بنتائج إيجابية تكفل استمرار العلاقة الحميمة او تقويم السلوك المعوج، كما ان تحقير الرأي الآخر ووجهات النظر تزيد مساحات الشقاق وتولد المجادلة غير المجدية. وفي الجانب الآخر لابد ان يدرك الابن ان هناك معايير وخطوطاً حمراء يجب ان يراعيها في علاقته مع والده. كما يجب أن يدرك ان هناك توجيهاً دينياً يقيم تلك العلاقة ويجازي عليها. لا بد ان يعلم ان اهتمام والده وحرصه على معرفة كل شيء عنه منبعه مصلحة ابنه وعطفه الأبوي.كل أب يريد أن يكون ابنه افضل منه، كل أب يريد ويتمنى ان يكون ابنه سنداً له، كل أب يريد ويتمنى ان يكون ابنه خلوقاً وناجحاً في حياته سواء الدراسية او العملية، يريد ان يرى فيه الأخلاق والسمات الحميدة قبل أن يرى آثار العلم والمعرفة عليه. والله المستعان.

shaer@Anet.Net.sa

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved