Saturday 6th April,200210782العددالسبت 23 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

روسيا الاتحادية وعلاقاتنا العلمية والثقافية 1 - 2 روسيا الاتحادية وعلاقاتنا العلمية والثقافية 1 - 2
د. ماجد بن عبدالعزيز التركي *

مدخل:روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي، حملت من بعده ما خلفه النظام الشيوعي من تبعات سياسية، واقتصادية، وما لحق بذلك من مشكلات اجتماعية تتصل بأكثر من أربعين قومية تداخلت مواطن حياتها بين دول الاتحاد السابق، وعاشت خلال العقد الماضي مرحلة العودة للمواطن الأصلية، مع ارتباطات اجتماعية، واقتصادية، وثقافية واقعية في غير مواطنها، تشدها عن العودة إلى أصولها، وإن كان الأكثر قد عاد، وبدأ في تشكيل نمط حياته الجديدة.
الحياة العلمية والثقافية في روسيا:
وإن من بين تركات الاتحاد السوفيتي السابق والذي يمكن أن يقال حظيت به روسيا، هو الزخم العلمي والثقافي الكبير جداً، تمثل في معاقل علمية عملاقة «أكاديمية العلوم الروسية جامعة موسكو الوطنية جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الجامعة التربوية جامعة سان بطرس بورغ «لينجراد سابقاً» جامعة قازان»، وغيرها مئات من المعاهد والأكاديميات المتخصصة في العلوم الانسانية والتطبيقية، وما يتصل بهذه المعاهد والأكاديميات من معامل ومصانع، وما تفرع عن هذه الأخيرة من مراكز بحوث تخصصية، وبين هذا وذاك، الآلاف من العلماء والباحثين المتخصصين الذين لم يجدوا في المرحلة المعاصرة من أدوات الدعم العلمي الذي اعتادوا عليه في العهد الشيوعي، وقابل ذلك اغراءات ضخمة أمريكية وأوروبية وإسرائيلية للهجرة والتنعم بالحياة في نمطها الغربي.
وبالرغم من المثبطات الاقتصادية المحلية، والاغراءات المادية الخارجية، لا تزال الساحة الروسية «العلمية والثقافية» مليئة بالعلماء والباحثين الذين تحتضنهم المراكز والمؤسسات العلمية، وتكفي زيارات تأملية متأنية لتقف على حقيقة الواقع العلمي في روسيا المليء بكل شيء.
حاجزان أساسيان في التعامل الخارجي:
يمتزج بهذه الحياة العلمية الثقافية في روسيا حاجزان رئيسيان، يعيقان التعاون الخارجي بالشكل المطلوب:
الأول: حاجز اللغة، حيث ان اللغة الروسية تظل غريبة لكثير من الشعوب، وكلياً بالنسبة لنا في عالمنا العربي وبخاصة نحن في المملكة، ما عدا «العراق وسوريا» فهما خارج هذا العموم، وإن كان حاجز اللغة الروسية بدأ يتضاءل، وهذا ليس عائداً إلى انتشار اللغة الروسية وسعة استخدامها على مستوى العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تبعاً لانتشار مقدرات هذا الجزء من العالم «والذي يمكن تشبيهه بانفجار قنبلة وتطاير محتوياتها في كل اتجاه»، بل لاتجاه معظم الشعب الروسي لدراسة اللغات الأجنبية، ولذا تجد الكثير من العلماء والباحثين يحرص على أن يتحدث معك بلغة أجنبية وبالطبع بالإنجليزية بنسبة كبيرة جداً.
الثاني: قلة الخبرة الروسية في بناء العلاقات الخارجية على أساس تبادل المعلومات العلمية والثقافية، فمع حاجز اللغة، باعتبار اللغة الروسية لغة أمة انعزلت عن العالم «70» سنة تقريباً، اضافة إلى ذلك ضعف الامكانات التقنية التي تمكن الشعب الروسي من التواصل مع العالم الخارجي، فالكم الهائل من المعلومات الروسية ستظل حبيسة الأرفف «على النظام القديم» حتى يتقادم عليها الزمن، فإدخال التقنيات الكمبيوترية الحديثة لتخزين ومعالجة المعلومات، تمهيداً لتبادلها مع الآخرين يتطلب امكانات مالية وتقنية كبيرة، وجهودا ضخمة في عملية التخزين، ومن ثم المعالجة وفق برامج معلوماتية عملاقة، تتفق مع النظم المعلوماتية لدى كثير من دول العالم.
صحيح ان الخطوات في هذا الاتجاه بدأت تتواصل، ولكن المسيرة طويلة جداً إلى درجة أنه يستحيل التمكن من الاستفادة من الكم المعلوماتي الهائل إلا بعد زمن قد يطول، وكلما تقادم الزمن سبقت المعرفة قيمة هذه المعلومات. هاتان اشكاليتان رئيستان في الحياة العلمية والثقافية في روسيا والتعاون معها في هذا المجال، وهذا لا يعني الاستحالة، ولكن فقط بهدف لفت النظر إلى جانبين مهمين:
الأول: ان الساحة مليئة بالمعلومات العلمية القيمة جداً، والساحة تزخر بكم هائل من العلماء والمثقفين في كل الاتجاهات العلمية، والمستويات الأكاديمية.
الثاني: ان الاستفادة من هذه الساحة وما فيها يحتاج إلى عزيمة، تدفعها الرغبة الجادة الواعية باحتياجاتنا العلمية من المنطقة، بحيث يمكن بهما تجاوز العقبات اللغوية والتقنية.
لماذا سعينا في هذا الاتجاه؟
قد يسأل سائل لماذا نسعى في اتجاه الشرق، مع أن الغرب فاتح لنا ذراعيه، وخبرتنا فيه طويلة، ولنا معه لغة مشتركة، ويمكننا الوصول إليه ونحن في مكاتبنا، بل وفي منازلنا؟ هذه حقيقة لا مبالغة فيها، ولكن تيسر هذا لا يعني اغفال الآخر، وذلك في تقديري لاعتبارات:
الأول: ان الغرب والآن على وجه الخصوص «بعد أحداث 11 سبتمبر»، لم يعد كما كان سابقاً، وحتى إن كان كذلك فمن البلاهة أن نتصور أن بإمكاننا أن نأخذ كل ما نريد، بل وكل وما نحتاجه، فالتجارب العلمية والعملية السابقة لنا مع الغرب أثبتت أننا لا نأخذ سوى الفتات والقليل، وبعض مما نأخذ يكون قد تقادم عليه زمن المعلومات، بشيء آخر أحدث منه لم يصلنا بعد، ولن يصلنا إلا بعد قِدَمِه.
الثاني: أننا وروسيا تجمعنا طبيعة شرقية واحدة تجعل من السهولة إلى درجة كبيرة التعامل والتعايش العام، وليس هذا عائدا لكون روسيا تسعى للامتزاج الشرقي، لا، ولكنه التأثير الشرقي في الحياة الروسية من خلال امتزاج الأعراق الشرقية في الحياة الروسية العامة خلال سبعة عقود شيوعية، ويمكن أن تنسلخ من أمور كثيرة بخطوات سريعة، إلا الانطباع الاجتماعي فإنه يظل ولو بنسبة قليلة.
الثالث: أننا في العالم العربي في حاجة إلى هذا التوجه باعتبار أن الغرب قد أدار عن بعض من اهتماماته، وبدأ يظهر لنا التململ من هذه العلاقات التاريخية وأبرز ملامح ذلك مجرد الرغبة في الزيارة السياحية العامة التي لم تعد متاحة كما كانت سابقاً.
الرابع: باعتبار الواقع الاقتصادي المتردي للعالم العربي الذي لا يمكنه في المستقبل المنظور على أقل تقدير أن يلبي المتطلبات المالية الغربية للحصول على متطلباتنا العربية في العالم الغربي، ويقابل ذلك قلة الكلفة المالية في الاتجاه الآخر للحصول على كثير من متطلباتنا على الأقل «العلمية والثقافية» وإن كان في غيرهما من المتطلبات أبرز بكثير. «وللحديث بقية»
والله الموفق.

* باحث مختص في الشؤون الروسية الرياض

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved