تواصلت إلى يوم الخميس الرابع عشر من شهر محرم الجاري فعاليات ندوة «الوقف في الشريعة الإسلامية ومجالاتها» التي بدأت أعمالها أمس الأول الثلاثاء تحت رعاية صاحب السمو الملكي سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، بعقدالجلسة الخامسة، برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن حمد الغطيمل وتحدث فيها كل من الدكتور أحمد بن صالح العبد السلام الأستاذ المشارك بكلية الملك خالد العسكرية بالحرس الوطني ببحث عنوانه «تاريخ الوقف عند المسلمين وغيرهم»، والثاني الدكتور عمر زهير حافظ من البنك الإسلامي للتنمية ببحث عنوانه «نماذج وقفية من القرن التاسع الهجري».
وفي مستهل الجلسة بدأ الدكتور أحمد بن صالح العبد السلام في استعراض بحثه عن تاريخ الوقف عند المسلمين وغيرهم، حيث استهله بالقول : إن الأوقاف الشرعية في شتى أصنافها كانت رافدا عظيما لاستمرار حركة العلم والتعليم والتنمية، من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى عصرنا الحاضر، وعبر العصور الإسلامية المختلفة، وإن المتأمل لتاريخ الوقف ليجد حرص المسلمين عليه، ويجد كذلك أن الأوقاف لم تكن محصورة على المدارس والمساجد فحسب، بل كانت تشتمل أنواع احتياجات المجتمع الإسلامي في ذلك العصر، حتى ذكر أهل التاريخ أن هناك وزارة للأحباس في العصور الماضية في المغرب الإسلامي تشرف على الأنشطة الوقفية في تلك العصور .
ثم أورد الباحث عدة تعاريف للوقف وحكمه، مشيرا إلى أن التعريف الأرجح وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وقال :إن حكم الوقف جائز شرعا بل هو من التبرعات والقرب المندوبة، وهذا قول أهل العلم وأئمة المذاهب الأربعة وقول الظاهرية أيضا، مستعرضا بعض الأدلة الشرعية للوقف .
وانتقل الباحث إلى الفصل الثاني من بحثه والذي تناول فيه تاريخ الوقف عند غير المسلمين حيث بين الفرق بين الوقف في الجاهلية والوقف عند المسلمين، وقال : إن الوقف في الجاهلية المقصود منه الفخر والمكابرة بينما والوقف عند المسلمين فإن الأصل فيه أن يكون قربة لله تعالى .
بعد ذلك تكلم الباحث في سياق تناوله لتاريخ الوقف عند المسلمين عن حال الوقف في عصر النبي «صلى الله عليه وسلم»، ثم ذكر أوقاف النبي بالمدينة المنورة، ومنها أموال مخيريق اليهودي بالمدينة وذكر الخصاف بسنده عن أبي كعب القرضي وأموال خيبر وفدك وبعض قرى المدينة ثم إلى أن وصل لعنوان وإلى أوقاف النبي « صلى الله عليه وسلم».
واستعرض الباحث حال الوقف في عصر الخلفاء الراشدين «رضي الله عنهم»، حيث ذكر بعض النماذج للأوقاف التي وجدت في عصر الخلفاء الراشدين «رضي الله عنهم» في المساجد والأوقاف العامة .
ثم عرج الدكتور أحمد العبد السلام على حال الوقف في آخر عهد الصحابة «رضوان الله عنهم» إلى حال الوقف في العصر العباسي إلى أن ضعفت الدولة العباسية ثم للدولة الفاطمية بمصر، ثم في الأيوبية بمصر، وكذلك دولة المماليك البحرية إلى الدولة العثمانية بعدها انتقل إلى الوقف في العصر الحديث .
وأوضح الباحث حال الوقف في المملكة العربية السعودية بعد أن آلت الجزيرة العربية إلى موحدها الملك عبد العزيز رحمه الله حيث وكل القضاة بالإشراف في معظم مناطق المملكة، ماعدا مكة المكرمة، والمدينة المنورة، حيث كان لهاتين المدينتين المقدستين، تنظيم خاص جرى العمل به من قبل الدولة العثمانية، فأبقى الملك عبد العزيز هذا النظام في بداية التأسيس للمملكة .
وأضاف الدكتور أحمد في بحثه أنه في عام « 1353ه» صدر الأمر بتوحيد شؤون الأوقاف في مكة والمدينة بإدارة واحدة، وفي نطاق عناية الدولة بالأوقاف أنشئت في عام «1381ه» وزارة للحج والأوقاف وما أنيط بوزارة الحج والأوقاف، انتقل إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد منذ عام « 1414ه»، وتولت الوزارة إدارة شؤون الأوقاف ورعايتها .
وفي الفصل الثالث من بحثه الذي جاء تحت عنوان «إلغاء الأوقاف الذرية الأهلية» حيث بدأه بأقسام الوقف وهي الوقف الأهلي أو الذري والوقف الخيري وبين أيضا شبه إلغاء الأوقاف الأهلية والرد عليها وإلغاء الأوقاف الأهلية في بعض البلاد الإسلامية مثل مصر وسوريا والعراق.
وانتهى الباحث إلى أن الوقف يحتاج إلى أيد أمينة ترعاه وتقوم على المصالح العامة، داعيا إلى توسيع مفهوم الوقت، لكيلا يحصر في العقارات فقط بل يشمل المشاريع الزراعية والدعوية والصحية وغيرها، والاهتمام بدراسة العوامل السلبية التي طرأت على الأوقاف ومؤسساتها في القرون المتأخرة والتي استغلها بعض المغرضين في تشويه صورة الوقف، داعيا إلى التخطيط لإشاعة الوعي بأهمية دور الوقف في التنمية الشاملة، وذلك بإبراز دوره التاريخي في تنمية الحضارة الإسلامية.
وفي البحث الثاني الذي قدمه للجلسة الدكتور عمر زهير حافظ بعنوان «نماذج وقفية من القرن التاسع الهجري»، عرف في بدايته الوقف في اللغة والاصطلاح، ثم قال : إن الوقف نظام ارتبط منذ فجر الإسلام بمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي كانت رافدا مهما في الحياة سواء على مستوى الفرد أو الجماعة.
وأضاف قائلا : إن المتتبع لمسيرة المجتمعات الإسلامية في التاريخ المعاصر، يلاحظ أن تحولا جذريا أصاب مؤسسة الوقف، فبعد أن كانت مؤسسة أهلية ذات درجة عالية من الاستقلال الإداري والمالي والوظيفي، ارتبطت بها مهام اجتماعية واقتصادية متعددة كالتعليم، والصحة، والمساجد، وغير ذلك أصبحت مؤسسة الوقف مؤسسة حكومية تحكمها أنظمة وسياسات الحكومات وخططها، وبالتالي فقدت هذه المؤسسة توهجها ودورها والتفاف الناس حولها، وفقدت المجتمعات الإسلامية ذلك النسيج من العلاقات الإنسانية التراحمية والتكافلية التي ربطت بين الدنيا والآخرة في إطار رائع من الحب والتعاون المدفوع فيما عند الله تعالى، من نعيم لا ينفد .
وأشار الباحث إلى أن هذا الخلل الذي أصاب مؤسسة الوقف وعطل وظائفها، يعكس مرضا عضالا أصاب المجتمعات المسلمة خاصة والمجتمعات التي تسمى بالنامية عامة، وهذا المرض تمثل في مفهوم الشمولية في الدولة المركزية الحديثة، الذي لا يسمح بالحياة لكيان تنظيمي اجتماعي أهلي مستقل عن هيمنة الدول، وهذا النمط من التفكير الحديث أدى إلى تصفية المؤسسات الأهلية وتحويلها إلى مؤسسات حكومية أو شبه حكومية خاضعة لسياسية الدولة وتعليماتها .
وعرض الباحث الدكتور زهير حافظ في بحثه بعضا من نماذج وقفية في مصر، في القرن التاسع الهجري وذلك من خلال دراسة نصوص حجج وقفية، مع محاولة تطبيق عناصر نموذج الحجة الوقفية، مستخلصا منها كيف كانت حرية الواقف، واستقلالية المؤسسة الوقفية، وتعدد الوظائف الاجتماعية والإنسانية التي عملت على تحقيقها.
كما قدم الباحث تحليلا لبعض نصوص حجج وقفية من القرن التاسع عشر الهجري مستعرضا العناصر التي يجب أن تتوفر في نموذج الحجة الوقفية، وبعض ما تعكسه تلك النصوص من واقع الفكر الوقفي والاجتماعي والفقهي .
وخلص الدكتور زهير حافظ من بحثه إلى القول : إن النصوص التي اشتملت عليها الحجج الوقفية في القديم وفي كل زمان تعتبر مرآة تعكس التوجيه الفقهي السائد وقت البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حين وأثناء إقرار الوقف، وقال: ويمكن أن نخلص من التحليل السابق إلى أن التوجيه الخيري عند حكام المسلمين للوقف توجه أصيل، يجب الاقتداء به وقد بدأه أفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويجب لذلك أن يحرص الناس في كل زمان على تسجيل ولاة الأمر على الوقف، وحثهم عليه، والملاحظ أن ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية ينفقون الكثير من الأموال على أعمال البر والخير، ولو توجهت والمثوبة، فإن في ذلك خيرا عميما وصدقة لا تنقطع .
ورأى أن الأغراض التي نص عليها أجدادنا، لا يمكن تنفيذ الكثير منها مع تطوير الأزمان والأحوال والأمم، وهنا يحتم الاجتهاد الفقهي المعاصر في الإغراض مع الأخذ بقادة شرط الواقف نص شرعي لا يجوز خلافه، بما يحقق أهداف الواقفين، والذي أخشاه أن بعض الناس يلغي الوقف نظرا لعدم إمكان تنفيذ أغراض وشروط الوقف، وهذا فهي حرمان للمنتفعين من الوقف، داعيا وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي إلى العمل في هذا الشأن عملا دؤوبا مستمرا حتى تؤدى الأمانات إلى أهلها ويحكم بين الناس بالعدل الذي شرعه الله عز وجل .
وقال في ختام بحثه : إن التداخل بين الوقف الخيري والوقف الذري، شائع وأصيل في مؤسسة الوقف في الإسلام ، وقد أخطأ من ألغاه أو جعل له حدودا بالطبقة الأولى أو الثانية، ويجب على علماء الأمة الإسلامية الدعوة إلى العودة إلى الأحكام الشرعية في هذا المجال، وحبذا لو توجه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو يضم العلماء من كل قطر إسلامي، بالنصح للدول الإسلامية التي ألغت الوقف الذري، أن تعود إلى الأخذ به ففيه خير كثير .
وفي الجلسة السادسة التي رأسها فهد بن عبدالرحمن الثنيان، قدمت ثلاثة بحوث الأول بعنوان «مجالات الوقف ومصارفه في القديم والحديث» للدكتور حمد بن إبراهيم الحيدري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والثاني للدكتور محمد أحمد الصالح أستاذ الفقة في كلية الشريعة عضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان «الوقف الخيري وتميزه عن الوقف الأهلي»، والثالث للدكتور صالح بن عبد الله اللاحم الأستاذ بكلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان «أسباب انحسار الإيقاف في العصر الحاضر» .
ففي البداية، قدم الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بالرياض وعضو المجلس العلمي بجامعه الأمام محمد بن سعود الإسلامية بحثا بعنوان «الوقف الخيري وتميزه عن الوقف الأهلي» وقال في بدايته: إن من أهم أعمال الخير الوقف الذي يبقي أصله ويمتد نفعه للأجيال على وجه البر والخير،وبين معنى الوقف لغة، وتعريفه اصطلاحا، وهو تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة، ثم بين حكم الوقف، ورجح استحباب الوقف، وأنه من الأعمال الباقية الصالحة وذكر عدة ادله شرعيه تبين ذلك .
أما الدكتور حمد الحيدري، فقد بين في مقدمة بحثه أن الأوقاف مورد معين، ورافد من روافد اقتصاد المسلمين، وهو من وجه آخر علم على التراجم، والتواصل، والتكافل بين المسلمين، وقال : إن الوقف يتميز بأمرين : أولهما : أن دافع الإنفاق فيه الإيمان، واحتساب الأجر والثواب، وهذا سبب عظيم من أسباب سخاء النفس الإنسانية وبذلها، ذلك أن المسلم يدرك الآثار الكثيرة للصدقة الواردة في الكتاب والسنة، والوقف ليس صدقة فحسب، وإنما هو صدقة جارية يتطلع المحتسب إلى طول أمدها، ويبذل الأسباب لذلك، والثاني : أن الأوقاف سبب من أسباب سد حاجات المسلمين، ودعم الأنشطة الدعوية، وسائر الوجوه الشرعية الخيرية التي يحتاج فيها إلى المال باستمرار دون انقطاع .
وقسم الباحث بحثه إلى ثلاثة مباحث، أولها التصرف في غلة الأموال الموقوفة وفيه أربعة مطالب، وهي الأصل في معرف الغلة وما يستثنى منه، وكيفية تقسيم الغلة على من عينة الواقف، وحكم الوقف المنقطع ومصرفه، وإذا وقف وقفا ولم يعين مصرفه، وبين الدكتور حمد الحيدري أن غلة الوقف غير ما استثنى مما سبق تكون على من عينه الواقف، فيرجع فهي إلى صيغة الواقف، فإن ذكر ما يدل على الترتيب حسب لفظه، وإن لم يذكر ما يدل على الترتيب فإن الغلة تقسم على من ينطبق عليه الاسم أو الوصف، موردا بعض الآراء الفقهية حول مسألة إذا وقف الإنسان وقفا ولم يعين مصرفه، وقال : إن حكمه حكم الوقف المنقطع الانتهاء .
ثم انتقل الباحث إلى المبحث الثاني، وهو مجالات الوقف ومعارفه في القديم، وقال : إن المقصود من مصارف الوقف الشرعية هي ما كان على بد قربة لله تعالى، وأما الأوقاف التي تخالف الشرع فأوقاف أهل البدع، مثل : الوقف على بناء القبور وإنارتها، فهي خسارة، بل وبال على أصحابها، وذكر عدة أنواع من مصارف الوقف في القديم منها، الأسرى، والأطباء، والأقارب، والأيتام، وأبناء السبيل، وإعمار الأوقاف، والتزويج، والجيش، والمساجد، والعلماء والبريد .
أما الدكتور صالح بن عبدالله اللاحم، فقد أكد في بداية حديثه عن أسباب انحسار الإيقاف في العصر الحاضر وطرق معالجته أن الوقف أحد مآثر هذه الأمة العظام، سنَّه المصطفى لأمته، وأرشد إليه صحابته، ووقفت الأمة في القيام به وخدمته، وتسابق المؤمنون في المبادرة إليه، والمسابقة فيه .
وقال : إن الوقف ظل طوال تاريخ الإسلام يؤدي دوره على وجه التمام، فكان ملجأ للمحتاج، ورزقا للمعلم والأستاذ، وسكنا للغرباء من الطلبة من أهل الجد والاجتهاد، ومعينا يستقي منه المسكين وابن السبيل، ورافدا مهما في حماية ثغور الدولة والدين .
وانتهى الدكتور صالح اللاحم إلى التأكيد أن من أولويات العمل على بعث الوقف من جديد وضع خطة متينة مدروسة، وأن يتولى أمر ذلك نخبة منتقاة من علماء الاقتصاد، والتخطيط والإدارة، كما ذكرنا فتح باب للوقف الجماعي، وقال :مما يفيد جدا في هذا الجانب الاستعانة بخبرة الجمعيات الخيرية، فقد عملت في أوساط الحاجة، وتلمست مواطن الإنفاق، وتجمع لديها خبرة في هذا الجانب لا يمكن الحصول عليها من غيرها .
وناقشت الجلسة السابعة للندوة، وهي الأخيرة التي رأسها الدكتور علي بن مرشد المرشد بحثين، الأول للدكتور صالح بن غانم السدلان أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان «عناية الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية بالوقف»، والثاني للدكتور مساعد بن إبراهيم الحديثي المدير العام لمركز البحوث والدراسات الإسلامية في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بعنوان «نماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في العناية بالأوقاف» وكان المتحدث الأول الدكتور صالح بن غانم السدلان حيث عالج في بحثه، عن عناية الدولة الإصلاحية في الجزيرة العربية بالوقف نقاطا كثيرة، وتناول قضية الوقف في الجزيرة العربية ماضيا وحاضرا وكان من أهم نقاطه ما يلي:
1 ازدهار الأوقاف ماضيا وحاضرا في قرى ومدن الجزيرة العربية وبخاصة في أشيقر قبل ظهور الدعوة الإصلاحية.
2 تنوع الأوقاف وتعددها ومن أهم ذلك الأرض الزراعية والنخيل والآلات الزارعية والصناعية والكتب والأسلحة وحفر الآبار والدور ومأوى الأيتام ومساعدة الفقراء والمساكين خاصة الصوام وطلاب العلم وتحري الأوقات الفاضلة لتوزيع ريع الوقف أيا كان نوعه.
3 توجيه معظم مصارف الأوقاف وغلالها إلى ذرية الواقفين وخاصة الذكور وحرمان أولاد البنات وصوام شهر رمضان وأئمة ومؤذني مساجد بلدان الواقفين .
4 الوقف لم يكن خاصا بالرجال وإنما كان للنساء فيه نصيب كبير .
5 حرص المجتمع على توثيق الصكوك الوقفية وحفظها والاستعانة بالعلماء في ضبط شروطها لمنع التعدي عليها من قبل النظار وغيرهم .
6 الدعوة الإصلاحية كان لها أثر بارز في تصحيح مسار الوقف .
7 عناية أئمة الدعوة وعلمائها وعلى رأسهم رائد الإصلاح الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالأوقاف من الناحية العملية وما يمس حاجة الناس وربط العلم بالعمل دائما وعدم التعصب وسعة الاطلاع وشمولية الفكر والمنهج .
8 فشهد عهد الملك عبد العزيز ومن أسند إليهم زمام الحكم من أولاده إلى يومنا هذا تطورا ملحوظا في الأوقاف خاصة الأوقاف الخيرية ولا يزال المسؤولون يطورون ويطلعوننا كل يوم على جديد في هذا المجال فجزاهم الله خيرا .
وفي نهاية البحث خلص الدكتور صالح بن غانم السدلان إلى القول : إن إحياء سنة الوقف تحتاج إلى عدد من الأمور المهمة منها :
أولا إن نظام الوقف في الشريعة الإسلامية قد لا يلقى اتفاقا بين الفقهاء في أكثر مسائله، فكان البحث فيه مجالا فسيحا وميدانا رحبا للوقوف على مسلك الفقهاء وطرق معالجتها لما أنه حدثت مخالفات وقع فيها بعض المسلمين في الميراث وليس في ذلك عيب على الوقف ونظامه وإنما جاء التطبيق العلمي لهذه الأحكام أحيانا بعيدا عن الأهداف التي شرعت لأجلها».
وهي وإن قلت في هذه الأيام فذلك يعود إلى خبو الوازع الديني في قلوب الناس، وبعدهم عن شريعة الله في كل زوايا حياتهم ، ومع ذلك ستظل الأوقاف الكثيرة توقف هنا وهناك، وسيظل في الناس الكثير من الخير الذي يجب أن ينمى ويراعى بكل الوسائل والسبل الممكنة خاصة ونحن نعيش في عصر تيسرت فيه كل سبل الإدارة والتنظيم والتطوير .
ثانيا إن دراسة ملكيات الأراضي في المدن الإسلامية مهم جدا لانفراد هذه المدن بمميزات خاصة تؤثر في نمو استخدام الأراضي وتتعلق هذه المميزات بظاهرة الانفاق التي قد تعكس إلى حد ما نمط الحياة وسبل المعيشة وسلوكيات الأفراد ومقدار التمسك بأحكام الشريعة والتطبيق العملي لخصائص الإسلام ومدى التكافل الاجتماعي في الأمة وبعض المضامين الاقتصادية ومعيار التقدم والرفاهية في المجتمع ومؤازرة أفراد بعضهم بعضا.
ثالثا التذكير بأهمية الوقف من خلال برامج إعلامية تعليمية داخل مناهج الجامعات أو يمكن أيضا إنشاء مؤسسات جديدة بعيدا عن الإدارة الحكومية تضمن مشاركة الواقفين، وضرورة العمل على ربط مشاريع الوقف الجديدة بالاحتياجات المعاصرة للمجتمع المسلم ويجب كذلك السعي والتخطيط لإفادة الثقة في أهلية إدارة الأوقاف الحالية للأوقاف القديمة وتثميرها وتنميتها لإعطاء صور صادقة للأجيال القادمة في العالم الإسلامي، فيجتمعوا بشكل دوري كل عام مرتين على الأقل، ليبحثوا القضايا المستجدة التي تتصل بمعاملات الناس، وتستمد من واقعهم ولابد أن يصلوا بعد التحاور والتداول إلى الحلول الإيجابية، والأحكام الشرعية في معالجتهم والحكم لها أو عليها .
رابعا العمل من قبل وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي على تنظيم موسوعة فقهية مرتبة أحكامها على الأحرف الأبجدية تشمل كل مذاهب أهل السنة والجماعة التي تلقت الأمة الإسلامية فقه أصحابها بالقبول كالأئمة الأربعة، ومذاهب الصحابة والتابعين، وما جاء بعدهم بإحسان كالشيخ ابن تيمية، حيث تكون سهلة المرجع والمتناول في الرجوع إلى أي حكم من أحكام الشريعة قال به مجتهد أو إمام .
خامسا : تنظيم مؤتمرات لفقهاء الإسلام دورية ومستمرة، تتبناها هيئات إسلامية مخلصة كرابطة العالم الإسلامي أو الجامعة الإسلامية أو وزارات الأوقاف في دول إسلامية تستشعر أحوال المسلمين وآمالهم، لا شك أن عمل البشر في حاجة إلى النظر الدائم ليرقى إلى الأحسن والأولى وفق القواعد والمنطلقات العامة التي بني عليها العمل ، وإن التجربة الميدانية والممارسة للأعمال تفصح عن مدركات جديدة يجب أخذها في الاعتبار ينبغي أن يستفاد من التطورات الحديثة في الإدارة للوصول بالأوقاف إلى مرحلة الإسهام في بناء المجتمع القوي السليم القادر على تجاوز الأزمات والمشاركة في بناء الحضارة الحديثة حسب المنطلقات الإسلامية التي تعتمد على العقيدة الصحيحة وفق ما شرعه الله تعالى وبينه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وحري بالوقف أن يسهم في بناء حضارة حديثة، تعتمد على نفسها في البناء والتشييد وتتخلص من التبعية الممقوتة التي تجرعت الأمة الإسلامية منها صنوف العذاب والنكال .
سادسا إن من اللازم لقياس مؤسسات وقفية ذات دور فعال في البناء والإعمار وجود أنظمة تجمع بين الشمول والمرونة والواقعية، وتتلاءم مع النظم الحديثة في إدارة الأعمال، فحري بنظام الوقف أن يتطور وفق متطلبات العصر، وأن يتبنى إنشاء منظمات وقفية قادرة على الوفاء باحتياجات المجتمع في شتى المجالات العلمية والثقافية والإعلامية والطبية وغيرها مما يلزم لكل مجتمع .
سابعا توعية المجتمع بأهمية الوقف، وتحديث أنظمة الوقف مع أهمية العمل وجذب العاملين في مجالات الأوقاف، ثم الاستفادة من ثمرات جهودهم مع اعتماد السبل العلمية والإحصائية في إدارة الأوقاف.
ثامنا إيجاد مجالات للوقف أكثر رحابة في خدمة الدعوة إلى الله من خلال تفصيل مجالات الدعوة مثل طباعة الكتب الدعوية ونشرها وتوزيعها وتوظيف الدعاة وتمويل المؤتمرات والندوات والدورات والملتقيات الدعوية وكذلك الإيقاف على البرامج التلفازية والإذاعية الخاصة بالدعوة إلى الله وغير ذلك كثير مما يتولد عن هذه المناشط .
وأخيرا ناقشت الجلسة السابعة البحث المقدم من الدكتور مساعد بن إبراهيم الحديثي المدير العام لمركز البحوث والدراسات الإسلامية بعنوان : «جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في العناية بالأوقاف»، حيث أبان الباحث فيه أن عناية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بالأوقاف لا يمكن حصرها والكتابة عنها في بحث واحد، وإنما تحتاج للعديد من الدراسات والبحوث والمجلدات إلا إنه في هذا البحث حاول إعطاء بعض النماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين في العناية بالأوقاف، ورعايتها ودعمها .
وجاء هذا البحث في خمسة فصول تناول الفصل الأول موضوع البحث وأهميته وأهدافه، كما تمت فيه مناقشة مفهوم الوقف، وتحديد منهج البحث، أما الفصل الثاني، فقد عني بإعطاء نماذج من رعاية الملك عبدالعزيز رحمه الله بالأوقاف موضحا فيه عنايته بالحرمين الشريفين وبالمساجد وبالكتب وطباعتها ونشرها.
ثم تناول في البحث الثاني من هذا الفصل تطوير العناية بالأوقاف في المملكة العربية السعودية في إطلالة تاريخية موجزة، كما تطرق الفصل الثالث من خلال مباحثه إلى إعطاء نبذة موجزة عن حياة خادم الحرمين الشريفين منذ ولادته ونشأته، إضافة المهمات الرسمية المبكرة التي تولاها حفظه الله ثم إعطاء نبذة مختصرة عن أبرز أعمال وإنجازات خادم الحرمين الشريفين .
وخصص الباحث الفصل الرابع من البحث للحديث عن نماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين في العناية بالأوقاف، حيث جاء هذا الفصل في ثمانية مباحث، تطرق المبحث الأول لاهتمام خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف وتطويرها ودعمه لوزارة الحج والأوقاف، ثم قراره بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وذلك من خلال المبحث الثاني .
أما المبحث الثالث، فقد تناول التوسعة العظيمة للحرمين الشريفين في عهده، مع إعطاء لمحة عن مظاهر أخرى من عنايته بالحرمين الشريفين .
وتناول المبحث الرابع الاهتمام بالأوقاف على الحرمين الشريفين من قبله حفظه الله ، وبالنسبة للمبحث الخامس، فقد حدد لمناقشة العناية بكتاب الله طباعة وتوزيعاً، ونشراً، مشيرا إلى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهدية خادم الحرمين الشريفين لحجاج بيت الله الحرام، والعناية بالجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم .
أما المبحث السادس من هذا الفصل، فقد اهتم بالحديث عن عناية خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف على المساجد سواء كانت داخل المملكة أو خارجها، وبالنسبة للمبحث السابع، فقد تناول عناية خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف على المدارس والمعاهد والجامعات، موضحا في هذا الصدد الأكاديميات العلمية المختلفة، وكراسي خادم الحرمين الشريفين للدراسات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وختم هذا الفصل بالحديث عن نماذج لمشروعات وقفية حديثة تم إنشاؤها بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وتطرق الباحث في الفصل الخامس إلى مستقبل الأوقاف في المملكة العربية السعودية في ضوء جهود خادم الحرمين الشريفين منطلقين في ذلك من التعريف بالاهتمام العلمي بالأوقاف، وما تقوم به الوزارة من حصر الأوقاف في المملكة وتطويرها، إضافة إلى آخر الأفكار والمقترحات التي تبنتها الوزارة في إنشاء الصناديق الوقفية، وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين في استثمار الأوقاف من خلال توجه إلى تحويل الأوقاف إلى مؤسسة عامة.
وقال الباحث : إنه إدراكا من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لأهمية الوقف وذلك الدور الذي يقوم به في المجتمع المسلم، جاء حرص خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف وتنميتها والاهتمام بها، والوقف على كافة مناحي الحياة بدءا من الوقف على كتاب الله العزيز، والعمل على نشره في كافة المعمورة وكذلك العناية بالحرمين الشريفين، والعناية بهما وتوسعتهما، والوقف على المساجد داخل وخارج المملكة، وكذلك المراكز الإسلامية، والوقف على الكراسي العلمية بالأكاديميات والجامعات المختلفة، بهدف نشر الإسلام والتعريف به، وكذلك الوقف على خدمة الجاليات المسلمة، ومبرات خادم الحرمين الشريفين في إفطار الصائمين، وسقي حجاج بيت الله الحرام، أيضا الوقف على المدارس والمكتبات والمحافظة على الآثار الإسلامية، وإقامة المستشفيات ورصف الطرق، ورعاية أبناء السبيل، والمعاونة على أداء فريضة الحج للذين لا يستطيعون إلى ذلك سبيلا، والإنفاق على الحرمين الشريفين، وإقامة الأسواق التجارية، وغيرها من الأوقاف التي أوقفها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بهدف مرضاة الله أولا وأخيرا وخدمة الإسلام والمسلمين .
|