Thursday 28th March,200210773العددالخميس 14 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في الاقتصادفي الاقتصاد
مسؤوليات وأعمال لا تنتهي
د. سامي الغمري

يشعر البعض بأن هموم العمل وواجباته تتزايد يومياً مع تزايد متطلبات الحياة وتسابقها المادي. فيما يشعر البعض ان ساعات العمل المتواصلة تسبب ارهاقاً فكرياً وجسمانياً يأخذ منهم النصيب الوافر من أوقاتهم. واذا ما اضفنا الى ما يقوم به الفرد من أعمال ضرورية في البيت عند عودته من العمل مثل شراء تموينات المنزل ومراجعة تحصيل تكاليف الابناء المدرسية والزيارات الاجتماعية فان المحصلة النهائية ليومه هو بلا شك محصلة مليئة بالعناء الشديد المجهد وبما يعرف بضغوط العمل والمسؤوليات، ولزم الأمر على البعض منهم الى استعجال معالجتها والعناية بها عناية مناسبة سريعة. ويبدو أن هناك اختلاطا بين التعرض للضغوط في حد ذاتها وبين مدى الاستجابة الشخصية لها والتأثر بها وباحداثها بالعمق التي تتفاوت مع شخص إلى آخر. فالتعرض للضغوط بدون التعمق والاستجابة لها يعتبر من أقوى حوافز النمو في حياتنا العملية فهو يصقلها وينميها باستمرار مؤدياً إلى نمو ذهني مهني تتطلبه الحياة اليومية مما يدفع العامل إلى بلورة شخصيته وتقويتها لمقابلة المواقف الصعبة خاصة عند اتخاذ القرارات الادارية الهامة.
كما أن التعرض لضغوط العمل من ناحية أخرى يساعد على تقوية الاجهزة المناعية النفسية الصحية فتزيد صلابة الفكر التي تعكس بدورها قدرة أكبر على تحمل اعباء ومسؤوليات أكبر مقدمة للموظف مركزاً وظيفياً أفضل. وليس من المفترض على رجل المبيعات مثلاً أن يفقد اتزانه أو وظيفته في حال تراجع المبيعات مسبباً متاعب مالية جمة لاسرته. انما يفترض هنا أن يتفاعل مع المشكلات اليومية بسعة صدر ورحابة أفق. ويهمنا في هذا المجال مدى الاستجابة العاطفية الشخصية (مضخمة الأمور) ومدى الاستجابة لتلك الاحداث وتعظيمها والتي تؤثر في شخصياتهم تأثيراً سلبياً كبيراً يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يتمكنوا من نسيانها أو حتى التخلص منها أبداً. وعندما نعرف أن التدريب الذهني يتكون من بذل طاقة هادفة تضاعف القدرة على التحمل وتنميتها فانه يمكن عندها استخدام التدريبات الذهنية المتعددة لزيادة الصلابة الذهنية والتي من أهمها المثابرة والالتزام والاخلاص في العمل. فالمثابرة من العوامل الضرورية للنجاح في الأعمال والسير الصحيح صوب تحقيق الطموحات الذاتية. وان جوهر النشاط الاقتصادي يتمثل في كيفية ترجمتها لصالح نوعية الحياة الفردية التي يعيشها الانسان نفسه في محيط العمل سواء في متجره أو معمله أو وظيفته. والعمل غايته الأساسية خدمة المجتمع والعلاقة بين الاثنين تعتبر علاقة شديدة الصلة والارتباط. وعادة فان رجال الاعمال الناجحين الذين طوروا ثرواتهم المالية لايلجأون الى الانسحاب والتراجع أمام ضغوط العمل وهجماته العنيفة بل نراهم على العكس من ذلك تماماً. فمهما اشتدت بهم المحن والخطوب والخسائر المالية تظل قدراتهم الذهنية والجسمانية جاهزة مستعدة للتصرف السريع المناسب لتلك الأزمات. ونرى استجاباتهم تأتي متوازنة بعيدة عن السلبية أو الارتجالية العشوائية منصبة لاتمام العمل ونجاحه. ومن اسرار المهن فانه ليس من الضروري ان نجاح العمل والصفقات يأتي من وجود السلع والمنتجات الصناعية انما يأتي ايضاً من قدرة العامل واستمالته ونظرته التفاؤلية في تسخيرها لانجاز الضغوط اليومية. وفي الوقت الحاضر هناك اتجاه بين الشركات الأوربية في بناء بنية عمل بعيدة عن الروتين اليومي وقريبة من التفاعل والتناغم بروح مفعمة بالنشاط والحيوية لما لها من مردود اقتصادي. والأفضل لكثير من السلوكيات التقليدية الصارمة العنيفة ان تتخلى عن قالب الجدية المفرطة المصطنعة والتخلي عن مظاهر الوقار المفتعلة التي تؤدي الى تسرب الموظفين الاكفاء وتثبيط عزمهم. فتمكين الهموم من اصحابها انما هي عادات مضرة للحال الصحي قد تسبب لهم عوارض سيئة تكون فيها الوقاية خير من العلاج. وعلاجها يكون بقليل من المهدئات الايمانية لما لها من قوة ساحرة في الشفاء، واذا ما كانت المشاعر السلبية تمرض النفس وتعل البدن فأليس منطقياً ان المشاعر الايجابية والرضا بما قسمه الله يعين على الشفاء السريع.فالتفاؤلية والمعاملة الحسنة تحول الانطوائية الى سعادة مهنية. وليست الضغوط هي المسؤولة الوحيدة لتحديد حياة الفرد اليومية ولكن الانسان نفسه ومدى استجابته وتعامله معها تكاد تكون المؤشر الفعال والأحرى أن تكون تلك الاستجابة في أضيق حدود لها والأجدر ايضاً تجاهلها وغض الطرف عنها وهذا خير علاج لها.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved