Thursday 28th March,200210773العددالخميس 14 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التضخم المالي.. أصبح مشكلة العصر الحديثالتضخم المالي.. أصبح مشكلة العصر الحديث

* إعداد وسيلة محمود الحلبي:
الاستقرار في أسعار السلع اصبح صعباً للغاية في هذا العصر الذي نعيشه، فكثرة المعروض في الاسواق من السلع وتعدد مصادرها وانواعها، لم يجعل سعرها مستقراً، بينما كانت اسعار السلع في الماضي ترتفع بشكل مفاجئ ثم تستقر.. فهذا التضخم في الاسعار من المسؤول عنه، وماهي اسبابه، وياترى هو بحد ذاته ناتج عن ماذا هل ناتج عن سوء ادارة الثروة ام نتيجة التبذير الرأسمالي، ام هو نتيجة التوسع في المشروعات الصناعية او التجارية او المصارف.. ترى ماهي علاقة التضخم بالتنمية وماهو التضخم بحد ذاته...
التضخم هو تخفيض قيمة النقد، وذلك اما ان يكون هناك تضخم عندما تزداد كمية النقد التي يتداولها الناس بسرعة اكبر من تزايد السلع التي يستطيعون شراءها.
وهناك تضخم عندما يريد الناس ان يستهلكوا اكثر مما يشتغلون وهناك تضخم اذا اردنا الاقتراض بهدف البناء او غيره وهناك تضخم يسمى مرضاً اقتصادياً، وهناك تضخم ناتج عن الرأسمالية، وهناك تضخم ناتج عن التبذير وسوء ادارة الاموال العامة من قبل الدولة.
وقد اختلفت الآراء حول التضخم فمنهم من اعتبره ظاهرة نقدية، وآخرون اعتبروه انعكاساً لتناقضات الرأسمالية المعاصرة، اما الاقتصاديون فيعتبرون التضخم طريقاً سهلاً لارتفاع الاسعار وهناك من يعتبرارتفاع الاسعار واستمراره الى ما لا نهاية تضخماً، اما ارتفاع سلعة معينة في فترة معينة فهذا لايعتبر تضخماً.
ومن هنا نقول: ان التضخم يظهر على شكل ارتفاع معين في الاسعار، ولكن ليس هو الاساس بل الاساس هو في حجم الازمة الاقتصادية التي تحصل، حيث يسبب البطالة، وازمة السكن وارتفاع اجور النقل وهبوط سعر النقد المحلي في اسواق العملة، وتوقف النمو، وتباطؤ وعدم الاستقرار، اي انه يغني البعض ويفقر البعض الآخر وبمعنى آخر انه (يبدل البنى الاجتماعية كلها) وبالدرجة الاولى البنية الطبيعية، كما يغير في اخلاق الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض.
اما اسباب التضخم فهي:
1 بنيوي.
2 سوسيولوجي.
3 المضاربة.
ü ولكن كيف يمكننا مكافحة التضخم وماهي الاسباب التي تدعونا الى محاربته؟
إن اولى الاسباب التي تدعونا لمحاربته هي: (إلغاء حياد الزمن في المجال الاقتصادي، وذلك بتخفيض قيمة المدى البعيد لحساب المدى القريب) والمجتمع الذي شبع الحاجات الآنية متأملاً بذلك انخفاض القيمة في المستقبل.
وليس صدفة ان يكون مجتمع الاستهلاك هو مجتمع التضخم لأن هناك اسباباً عديدة لارتباط احدهما بالآخر.
فالسبب الأول: وهو يعتبر اكثر الاسباب تقنية ولكنه ليس اكملها خطورة: فهو ان التضخم بالحساب الاقتصادي مضطرب وأحد شروط جريان هذا الحساب بصورة صحيحة هو ان تحتفظ العناصر التي ينصب عليها على وجه التقريب، بقيمتها خلال الزمن، وهذا المبدأ بديهي ذلك ان قانون المجتمع المتحرك هو ان تغير المميزات التي تؤلفه قيمها النسبية تدريجياً إلاَّ ان التضخم يسرع (عندما يبلغ المعدلات الحالية) ايقاعات هبوط القيمة الى حد يغدو، معه الحساب الطويل الاجل مستحيلاً، ولاسيما وان هبوط القيمة يعرف معدلات شديدة التنوع حسب القطاعات، وهذا الاختلال المتزايد في الحساب الطويل الامد يولد حلقة تضخمية مفرغة على اعتبار ان المشاريع ستحتفظ امام خطر العمليات الطويلة الامد المتزايدة الكبرى بهوامش ربح مرتفعة ارتفاعاً غير سوي.
وهو مايكون مصدراً جديداً للتضخم، إلاّ ان اخطر نتيجة للانحراف التضخمي في الحساب الاقتصادي هي (انه يؤدي الى غياب المشاريع الطويلة الامد) وذلك هو السبب الاول الذي يشجع التضخم من اجله لمشاريع ذات المرور السريع بالقياس مع تلك التي تتطلب آجال نضج طويلة في التضخم يرجع على المستوى التقني للحساب الاقتصادي فعلاً الاستدراك على الاستثمار.
اما السبب الثاني: فنلاحظ من خلاله ان التضخم هو المسؤول عن اضعاف سوق الادخار الطويل، وقد وصفنا آلية هذا الاضعاف ويكفي هنا ان نلمح على واقعه كون وجود مثل هذا التوفير شرطاً ضرورياً لنمو الاستثمارات الجمعية، او الاجتماعية، او ذات النضج الاقتصادي الطويل الأجل التي تنقص اليوم أشد النقص، وعلى العكس من ذلك فإن تمويل الاستثمار بالادخار القصير يغذي هو الآخر دائرة تضخمية مفرغة، ويشجع بصورة خاصة الاتجاه الى الاستثمارات ذات النضج الاقتصادي القصير، وكي تقتصر على مثال واحد نقول: (ان التوسع السريع جداً في الادوات الكهربائية المنزلية الذي تدعمه تسهيلات التقسيط يقابل تجميدات صناعية سريعة الاستهلاك، وهو يستطيع بسهولة ان يتعايش مع وضع تضخمي، والمشكلة هي ان معدل تجهيز المنازل بالسلع الاستهلاكية الدائمة او شبه الدائمة الشائعة يقترب من السقف، وهكذا نرى ان التضخم يخلق هذا الوضع المخادع لاقتصاد لايستطيع ان يمول غير انتاج السلع التي لاحاجة اليها في حين ان ضروب الانتاج ذات النفع المحلي لاتجد تمويلاً مناسباً لاختلال العمق في الآليات يجبر على اعطاء اولوية الفعالية الاقتصادية لانتاج مواد استهلاكية، وماهو أسوأ من ذلك هو ان هذا الانتاج لابد ان ينصب على سلع تتطور بسرعة بمعنى (ينصب الانتاج على سلع رديئة النوعية او ذات شكل يغير دون ضرورة) وذلك الحال بالنسبة للمنظمات وبعض المنتجات الصيدلانية.
فغالباً مايفرض الاعلان الحاجة الماسة اليها، ولو لم يكن التضخم يهدم حياد الزمن في توزيع الادخار لما تردد هذا الاخير في استرداد الشكل الطويل مدمراً بذلك الأسس المالية لمجتمع الاستهلاك.
اما السبب الثالث: الذي يجعل من مجتمع الاستهلاك مجتمع تضخم هو ان التضخم يغذي ما اسميه (اقتصاد السيطرة) وطبيعة هذه السيطرة ليست عديمة الاهمية ذلك انه يمكن ان نحلم فهي تستطيع ان تشجع التجهيزات الجمعية على حساب اشياء الرفاه القليلة الاهمية التي تبهر الانظار، ولكن العكس هو الصحيح ذلك ان المشاريع المسيطرة هي تلك التي تملك امكانية بيع السلع بسعر اعلى من كلفة الانتاج بفضل الاقناع السيكولوجي، الايديولوجي العام الذي يطبع بطابعه المجتمع، وكذلك بفضل كون التضخم يزود المستهلكين بسيولات كافية ليستمروا في الشراء رغم ارتفاع الاسعار، ونجد هنا من جديد (مشكلة النظرية السيكولوجية للقيمة ومساوئ اقتصاد ينصف بالتفاوت حيث يكون فيه الهرب الى الامام بالاستهلاك السلعي هو الطريقة الوحيدة للتعويض الاجتماعي عن هذه الضروب من التفاوت وجهود سعر الليبرالية الاقتصادية يردون على هذه المحاكمة بأن البيوت لم تكن لتشتري السلع التي تقترح عليها لو لم تكن ترغب فيها) ولكان المنتجون سيرغمون على انتاج شيء آخر اكثر تلبية للطلب، ذلك هو بالفعل المخطط النظري لقانون العرض والطلب وافضل برهان على ان هذا القانون عاجز عن ضبط الفعالية الاقتصادية ضبطاً صحيحاً هو انه قد افلس في الواقع، ولم يعد يجدي ابداً الغوص في اساليب نظرية واسعة ؟؟.
ورغم التحذيرات الواردة من كل مكان ورغم الافقار الواضح الذي يسببه النظام الاستهلاكي للعلاقات بين الناس، ولعلاقات الناس بالطبيعة فإن هذا النظام مازال قائماً، وهذا حقاً الدليل على اقتصاد يزعم انه منظم من اجل اشباع الاغلبية يستطيع ان يعمل من اجل مصالح بعضهم، وهذه الضغوط المادية التي تولدها تناقضات النمو.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو:
مَنْ هم الرابحون؟ ومَنْ هم الخاسرون في اقتصاد السيطرة هذا؟ حيث يسمح ارتفاع الاسعار للمشاريع المسيطرة بدعم مواقعها؟؟!!
ولنجيب على هذا التساؤل لابد ان ننطلق من آلية التضخم بوصفه تقنية استخدام للقيمة المضافة وهي تقنية من جملة تقنيات اخرى ولكنها ليست كالتقنيات الاخرى، وتلك هي المشكلة فإذا لاحظنا مايجري عندما يعمد مشروع مسيطر الى زيادة اسعاره فاننا نتبين ان الامر يدور حول اقتطاع اضافي من مداخيل العملاء الاقتصاديين الآخرين وذلك (هو الادخار الاجباري)، وعلى العكس من ذلك فإن مداخيل العملاء الاقتصاديين تخصص ياردا متعمدة في اقتصاد تحارب فيه السيطرة بواسطة تنافس حقيقي بين المشاريع في التخطيط وبمراقبة المستهلكين للمنتجات، وضمن هذا الاطار فإن قسم التمويل الخاص للمشاريع التي سوف تبقى سيقابل استخداماً سوياً للقيمة المضافة، اما التمويل التضخمى يعني تزايد القيمة المضافة بفضل ارتفاع الأسعار فهو على العكس من ذلك اقتطاع اجباري من المداخيل الانتاجية للفعاليات الاخرى.
ومن الواضح في هذه الشروط ان الرابح الاول من التضخم هو استثمار المنشآت المسيطرة، ونعلم ان لهذه المشاريع نموذجاً انتاجياً هو رمز الوجوه السلبية للمجتمع الاستهلاكي وتشجيع هذا النموذج الانتاجي هو في رأينا اخطر عيوب التضخم.
ونلاحظ ان احدى نتائج انتصار رأس المال المسيطر على رأس مال المشاريع الصغيرة المبعثرة هو ان المشاريع المسيطرة تستطيع ان تخضع لمطالب العمال المتعلقة بالاجور بأسهل مما تستطيعه المشاريع الاخرى.
صحيح ان التضخم السوسيولوجي اي ظواهر الاستدراك قوي اليوم، وانه يشجع تعميم ضروب ارتفاع المداخيل من خلال كل الوحدات الاقتصادية إلاّ ان هذا التعميم ليس كلياً ولا محققاً مباشرة ومن اجل ذلك يكون اجراء المشاريع المسيطرة في وضع متميز بالنسبة للآخرين، ان وجود مثل هذا الوضع هو احد الاسباب الذي يهدد من اجله (تضخم السيطرة) من انتقال مجتمع الى الاشتراكية لانه يمكن ان يعزي اجزاء بفضل التضخم بأن يمتلكوا على غير وجه حق قسما من القيمة المضافة القوية على حساب الاجراء الآخرين والمستهلكين.
ولابد ان اشير هنا: اننا لانستطيع ان نتوقف عند دور التضخم في خفض قيمة المداخيل الثابتة رغم اننا لانقلل من الضرر الذي ينزله بها، وهذه ظاهرة معروفة جداً يعاني منها بشكل خاص المتقاعدون والمسنون وهو يقوي ظلم التضخم، وكذلك فمن غير المجدي (ان نلح على نزع الملكية الحقيقي الذي ينزل التضخم بصغار المدخرين، يستاء الملاكون الواسعو الثراء من عدم تعويض رؤوس اموالهم التي تؤمم ولكن ملايين الدنانير التي يدخرها الشعب هي ماينتزع ملكيتها ببساطة التضخم.
ومن هنا يتضح لنا ان التضخم لايكتفي بأن يلعب دوراً اقتصادياً مؤذياً باستنزافه موارد الادخار الطويل، فهو يؤثر ايضاً تأثيراً اجتماعياً سلبياً على المجتمع وعلى العكس من ذلك، فإن الاشخاص الذين يملكون مايكفي من الثروة لتوظيف رؤوس اموالهم في «قيم موثوقة» كالاراضي والابنية، قد حققوا منذ عشرين عاماً، ضروباً استثنائية من فضل القيمة يدهشنا ألا تسترد الضرائب نصيباً منها لصالح العام، وهؤلاء هم الافراد والفئات الاجتماعية الرابحون والخاسرون في لعبة التضخم، إلاّ انه يجب ألا تنسى ان هناك ايضاً رابحين وخاسرين على مستوى الوظائف الاقتصادية الكبرى لن تكو هناك مبالغة في ترديد القول إن وظيفة الاستثمار الطويل الأمد تتأذى دائماً من التضخم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved