هناك منطلقان للفكر يشكلان خطين متوازيين في بداية عبورهما بالذات الفنية حتى يتقابلا ويتضافرا محددين شكلاً فنيا خاصاَ يمر على مستوى تاريخ الفنون مخلفاً تراثاً تشكيلياً يتميز بالفرادة عند الرجوع إليه بالبحث والدراسة.
فالخط الأول هو مصادر الإبداع الفني، فلا شك انها مشكلة تقلق الفكر الحسي لدى كل فنان عن ماهية هذه المصادر باعتبارها مثيرات ومنابع للإبداع التشكيلي تخلق منه دافعاً للتعامل مع المسطح أو المجسم أو كليهما معاً علاقة جمالية حسية داخل ذاته الفنية، فمصادر الإبداع الفني هي بذور ينتقيها الفنان وينشرها في أرضية أعماقه الحسية ويحتضنها ويرويها بمشاعره وأفكاره وأحاسيسه لتنمو مرورا بالتجربة الإبداعية في ظروف العديد من التفاعلات الذاتية، وهذه الندوة ما هي إلا مفردات تتواجد وتغلف محيط الفنان داخلياً وخارجياً سواء كانت الطبيعة أو التراث أو البيئة أو قضايا المجتمع وعاداته وتقاليده أو مشكلات فلسفية قوامها الثقافة والمواكبة لحدث الفكر التكنولوجي في علاقة ملتحمة مع المشاعر الكائنة التي تسكن ذاته الإبداعية، هذه المفردات هي سلالم موسيقية تتبادل مع أسلوب الفنان مخلفة قصيدة متناغمة الفقرات أدواتها الأشكال المصاغة جماليا تنطق بحريته وفكره حاملة المضمون.
الخط الثاني: قضية الشكل والمضمون
مما سبق نرى ان التشكيل هو تجسيد للمضمون وما المضمون إلا صور متفاعلة لما تخيره الفنان من مصادره الإبداعية وانطلق بها وعبر عنها في صياغة تشكيلية مبتكرة، فالشكل نافذة تقع خلفها المعايير والقوانين والالتزام والأفكار التي اتخذها الفنان كمنطلق للتعبير عن أسلوبه الفني وتجربته الذاتية في ظل ظروف وضوابط أقامها كأغلال حريرية ومخملية تترابط وتتشابك وتذوب في رقة لتنسج منظومة جمالية تبثها ذاته ويحييها ويحررها بمشاعره وأحاسيسه وينطلق بها في ظل قيود يعتبرها حريته الخاصة، تلك القيود هي إطار فكره المغلف بحدود حريته ولا تنفك عن سياق نظامه الفني وتفكيره الإبداعي.
فالفنان يتحرك في فلك المضمون ليضع الشكل ما بين الحدود والحرية ليعطي للعمل الفني دائرة مكتملة لا تقبل الإضافة وتعكس النضوج والحبكة الفنية، والصياغة التشكيلية هي ثوب المضمون يرتديه الشكل في رؤى ثرية تدلل على براعة الفنان وطلاقة تعبيره، وبالتالي نرى ان الشكل والمضمون وجهان لعملة واحدة هي العمل الفني، والإبداع في المضمون ينبض من مدى توازن واكتمال حدود الرسالة المحملة للشكل.
* أستاذ مساعد بجامعة الملك سعود تخصص نقد وتذوق فني | 