Thursday 28th March,200210773العددالخميس 14 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تلميحةتلميحة
الجميل جميل .. ولو قلب رأساً على عقب
محمد المنيف

لي صديق إعلامي مثقف ضليع في مجال الصحافة وإدارتها يعمل مسؤولا بارزا في مجاله، يدير إصداراً مقروءاً ومحبوباً عند الجميع، جرى بيني وبينه حوار غير قابل للنشر لعدم جديته نظراً «للميانة» أو كما يجب أن نسميها احمدية الحديث التي تحيط بعلاقتنا دائما، كان النقاش يدور في فلك الفن التشكيلي اقتطعت منه موقفا طريفا لهذا الصديق عندما قام بمساعدة قريبه في نقل أثاث منزله فكان ضمن العفش لوحة نفذت بأسلوب تجريدي معلَّقة على جدار إحدى الغرف فلاحظ صديقي أن اللوحة كانت مقلوبة وعلى مدى عشرين عاما هي فترة سكن قريبه في هذا المنزل دون علمه فأخبره بالموقف معلقا على عدم فهمه للفن الحديث.
هذا المشهد أو الاستشهاد من صديقي الإعلامي المثقف ليس جادا بقدر ما يعني استفزازي ومحاولة إثراء النقاش بشيء من أساليب بعض الحوارات التلفزيونية التي خرجت لنا مؤخرا لاتمت للحوار الهادف بأي نتيجة بقدر ما ترفع ضغط المشاهد وتحرق أعصابه. المهم أنني اكتشفت نيته وعالجت الموقف بهدوء لم يتعوده الأصدقاء الحضور، فقلت له إن الجميل يبقى جميلا ولو قلب رأسا على عقب ويبقى لنا كيفية التعامل معه ولن ينجح في ذلك إلا من يمتلك الإحساس الصادق والراقي بالجمال بشموليته دون البحث عن التفاصيل. هذه الحادثة أو الموقف الطريف ذكَّرني أيضا بموقف أكثر طرافة، إذ تم تحكيم أحد المعارض ومنحت الجائزة الأولى للوحة لم يتنبَّه المحكمون أنها مقلوبة إلا بعد إعلان النتيجة رسميا.. مع الإشارة إلى أن هناك سبلا كثيرة يتبعها بعض الفنانين بعد انتهائهم من رسم لوحاتهم، إذ يقوم الفنان بعرضها أمام مرآة فتصبح عكس وضعها الطبيعي وكأنها من تنفيذ فنان آخر، فيكتشف الفنان بعض عيوبها ويعود لإصلاحها. على العموم الحكايات حول الفن التشكيلي كثيرة غالبيتها يقصد بها التندر والمزاح إلا أنها لا تغيّر من علاقة الفنانين بفنهم ولا بتواجدهم بقدر ما تدفعهم للتواصل مع الكثير ممن يقدِّرون إبداعهم ومنهم صديقي الإعلامي الرائع والقارىء الدائم لهذه الصفحة الذي منحني بقراءته لها وساما من الأوسمة التي نتلقاها دائما ممن يمتلكون الوعي بكل العطاءات الإنسانية المساهمة في بناء الحضارات.
لماذا لا نلوِّن حياتنا بألوان الطيف
شاهدتها تسير في إحدى طرقات القرية الصغيرة أو الضيعة المطلة على الساحل الشرقي لحوض البحر المتوسط تحمل سلة مليئة بأنواع الورود التي تزخر بها حديقة منزلها فتبيع الفائض منها للمارة. دفعتنا الرأفة بها للتوقف وشراء بعضا منها فوجدتها فرصة للحديث معها حول الورود وأنواعها وعن زبائنها متذكرا أغنية أم كلثوم وهي تغني: «الورد جميل» فاستأنست لحديثنا وأخذت في سرد قصة حياتها وعلاقتها بحديقتها وعن الألوان ومعانيها وأن لكل عمر ألوانه، فالشباب يطلبون الورد الجوري ذي اللون الأحمر القاني لشعورهم بالقوة والحيوية والحب الملتهب تجاه الحياة واللون الأصفر للتعبير عن الغيرة والأبيض للتعبير عن التسامح وصفاء القلب خصوصا إذا كان هناك خصام وهكذا فقلت لها مداعبا وماذا عني وأي الألوان تناسبني في هذا العمر فضحكت حتى تبيَّن أنها لا تملك في فمها سوى سنين متجاورين فقط قائلة «اللون الرمادي يا ابني».
كانت اجابتها فرصة لسخرية وتهكم صديقي وقتها وحتى الآن عبر إيميلاته التي لا تنقطع.
الحوار مع بائعة الورد لم ينته، بل كشفت أنها كانت بطلة للوحات أحد السياح حينما علمت من صديقي أن بإمكاني رسمها في لوحة قد تكون كالموناليزا في قيمته المادية فتعوِّضها عن البيع في الطرقات.
أخيراً سألتها عن الحياة وكيف تراها قالت أراها بكل ألوان الطيف فلا أترك للحزن فرصة ولا للحقد مكاناً فكلها بألوان قاتمة لا تجد في وجداني ولا حديقة بيتي مكاناً.
قلت لصديقي علينا إذاً أن نبيع الورد لنرى الحياة كما هي في أصلها جميلة كألوان قوس قزح لحظة تتعانق فيها الشمس مع زخات المطر.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved