حدد نظام الخدمة المدنية سن الدخول في الخدمة بحيث لا يمكن تعيين من يقل عمره عن سبعة عشر عاما، كما حدد سن الخروج منها بحيث لا يمكن بقاء من أكمل السن النظامية للتقاعد وفقا للعمر المحدد لها، وجعل بينهما مجالا للاختيار بين الاستمرار أو طلب التقاعد المبكر.
والموظف يأخذ في الاعتبار عند تعيينه ان سنوات الخدمة تشكل رصيداً يمكنه في المستقبل من الحصول على راتب تقاعدي، ولهذا يحرص على عدم ضياع أي فرصة تمكنه من الحصول على العلاوة الدورية، ويبذل كل ما في وسعه للمنافسة في عملية الترقية، ويجعل ذلك أهم أهدافه الوظيفية، ومن هنا يشكل التقاعد منعطفاً مهما في حياة الموظف، وهناك بعض الموظفين تتيسر لهم فرص الترقية أكثر من غيرهم، اما لتوفر الوظائف في الجهات التي يعملون بها، او ان المنافسة في محاضر الترقيات أقل منها في بعض الجهات، فهناك محاضر ترقيات يطرح فيها عدد قليل من الوظائف ويتنافس عليها مئات الموظفين، بينما هناك محاضر يكون فيها عدد الوظائف أكثر من عدد الموظفين المكملين للمدة النظامية للترقية، ولا شك ان هذا التفاوت أوجد خللاً في عملية التدرج الوظيفي بين الموظفين، وأثر على مقياس الترقية، ليس بسبب الجوانب المتعلقة بالشروط والضوابط الخاصة بها، وانما بسبب التفاوت في عملية تنظيم الوظائف في الهياكل التنظيمية، ولهذا وجد الضغط على بعض الأجهزة، وصار لها تميزاً على حساب الجهات الأخرى، ولم يقتصر الوضع على ذلك فقط، بل تعدى الأمر إلى التأثير على مستوى الأداء، لأننا نعرف ان عملية الترقية والحصول على العلاوة السنوية من أهم الحوافر التي تدفع الموظفين لتقديم خدمة أفضل، وتشجيع روح الانتماء الوظيفي لديهم.
ان توقف الترقية يمكن تحمله إذا ما اقتصر على الانتقال من مرتبة إلى مرتبة أعلى، لكن عندما يتعلق الوضع بالتأثير على العلاوة السنوية فإن الموظف في هذه الحالة يفقد كل معنى للقيمة الوظيفية، ويجب ان ندرك ونحن نستعرض هذا الحال ان هناك موظفين مضى عليهم سنوات وهم محرومين من العلاوات الدورية، لأنهم أكملوا السلم الوظيفي، حتى وصلوا إلى الدرجة الأخيرة مما يتعذر معه نظاما منحهم علاوة، وبقي وضعهم معلقا بالحصول على الترقية، وقد يمتد ذلك لسنوات طويلة!!.
فكيف نعالج هذا الوضع؟
ولماذا لا نطرح هذه المشكلة للبحث؟؟
إن معالجة هذه المشكلة لها ارتباط كبير بعملية توفر الوظائف وفتح المجال أمام المواطنين المؤهلين لإشغالها، وهو هدف تسعى الأجهزة المختصة وعلى رأسها وزارة الخدمة المدنية إلى تحقيقه!! لأننا نعرف ان هناك موظفين يرغبون في الحصول على التقاعد المبكر، والتقاعد هو أحد المجالات التي توفر الوظائف الشاغرة، لكننا لا نستفيد من ذلك لأن بعض من يرغبون في التقاعد المبكر يؤجلون إقدامهم على ذلك رغبة في الحصول على ترقية، خاصة من توقفت علاوته السنوية، ويظل يصارع هذه السنوات على أمل لعل وعسى، وفي النهاية قد يحصل على ترقية وقد لا يحصل!!.
ثم هناك الأشخاص الذين أكملوا السن المحددة للتقاعد، قد يكون مضى على أحدهم أكثر من عشر سنوات وهو في مرتبة واحدة، وقد تتوفر وظيفة شاغرة في الجهاز الذي يعمل فيه لكنه يحرم من الترقية عليها بحجج قد تبدو في ظاهرها انها «نظامية» أو «منطقية» لكنها في الحقيقة ضد «الواقع»، فتجد بعض الجهات تحرم الموظف من فرصة الترقية بحجة انه مسبوق، أو لا تتوفر لديه الشروط بكاملها!! بينما هو يريد الحصول عليها ليوم واحد فقط ثم يحال على التقاعد، فأي شروط يطالب بها؟؟ وأي فائدة من الانتظار؟ وماذا يضير منافسيه لو ترقى عليها، وتركها من الغد؟ إن مثل هذا الموظف أحق من ترقية غيره، حتى لو كان الجانب النظامي يخالف ذلك، لأن مخالفة النظام لهذا الإجراء لم تأخذ بالاعتبار هذا التصور، وإنما وضعت الأنظمة لضبط التصورات الدائمة المستقرة، وليست الحالات الاستثنائية التي تدعو الحاجة إليها، كما هو الواقع في هذه المشكلة.
نحن ندرك انه لا يمكن تجاوز الأنظمة، أو اهمال الجانب التنظيمي للقرارات والتعليمات المنظمة لعملية الترقية، وإنما ندعو إلى معالجة مشكلة حلها واضح، وكأننا لا نراه!!
ثم إن الفائدة من ورائه متعدية إلى أكثر من موظف، وهذا ما يجب ان ندركه!!؟
فإذا كان الموظف سيكمل السن «60» عاما في 1/7 ونحن في 25/6 وهناك وظيفة شاغرة، ماذا نستفيد من حرمانه من الترقية عليها بحجة ان خبرته لا تتجانس مع تلك الوظيفة؟ وأي تجانس نسعى إلى تحقيقه لمدة خمسة أيام؟
ولمصلحة من يكون ذلك؟ ونحن ندرك ان «الشروط» المطلوبة للترقية إنما توضع من أجل التأكد من قدرة الموظف للقيام بمهام تلك الوظيفة على اعتبار انه سيشغلها فترة طويلة لا تقل عن سنتين، فهل مثل هذا الموظف سيظل شاغلاً لها هذه المدة؟
أم ان فترة شغله لها أيام قليلة، وربما اجبرت الظروف الجهة التي يعمل بها إلى عدم ترقيته فترة طويلة لأسباب قد تكون خارجة عن ارادتها وارادته.
إن هذه مشكلة يعاني منها مجموعة كبيرة من الموظفين، وأنا بدوري ارفعها إلى معالي وزير الخدمة المدنية الذي عُرف عنه وقوفه الدائم مع كل مصلحة للموظف، وأؤكد على ان ذلك يجب ان يكون مقيدا لمن عرفوا بالتميز، وتقف بعض الجوانب التنظيمية دون تقدير تميزهم، أما من هم دون ذلك فلا يخصهم هذا الطرح لأن عدم تميزهم أصلاً أفقدهم الحصول على الترقية، وليس من سبب يدعو إلى معالجة أوضاعهم.
معالي الوزير: إن هذا الواقع يعاني منه مجموعة كبيرة من الموظفين الذين خدموا وضحّوا بكل طاقاتهم وجهدهم، فهل نقف دون تكريمهم، ونحن قادرون على الحل؟
لا شك ان معاليكم خير من يسعى إلى هذا التكريم!!!
وبالله التوفيق.
سليمان بن محمد الجريش هيئة التحقيق والادعاء العام |