تحقيق فائز موسى البدراني:
هذه دراسة موثقة عن التنظيمات القانونية والقضائية لدى قبائل الحجاز قبل العهد السعودي قام بتحقيقها الاستاذ فائز بن موسى البدراني والذي اهتم بتاريخ بلادنا وأعطى تصوراً ومفاهيم لدى ذوي الاختصاص والمثقفين وساعد في كتابة وثائق قديمة بترجمة جيدة واطلاع واسع وبحث دقيق فأنجز مجموعة من البحوث التي تعتبر رمزاً من رموز المآثر التاريخية.. والبدراني عرفته باحثا خلّد واستقرأ تاريخ قبائل المملكة ووضعها الاجتماعي والاقتصادي بدراسات تعبّر عن حقبة مرت على الكثير من المؤرخين ولم يعطوها إضافات بحثية وموضوعية محققة ولكنه بجهده محّص المراجع والمصادر وتتبع الرواة الموثوقين وتنقل بين المكتبات المحلية والخارجية فأعطى القارئ العاشق لتراث بلادنا وتاريخها معلومات جديدة ومفيدة.
كما ان الباحث أجاد في الكثير من الدراسات المختلفة التي يستفيد منها المؤرخ والجغرافي والآثاري والفلكلوري كما يستفيد منها اللغوي والأديب والقانوني والفقيه.
يقول أ.د. منصور الحازمي: «إن هذه الوثائق بلغتها المحلية الشديدة، وصرامتها وعاميتها.. لكنها تحتاج إلى دراسة علمية دقيقة، تبين صلاتها اللهجية باللغة الأم من جهة وبلغات القبائل الأخرى في جميع انحاء الجزيرة العربية من جهة ثانية» والحقيقة فإن الاستاذ البدراني أجاد في عرض ومنهجية هذه الدراسة وأكد بأن القوانين القبلية لاتتعارض في معظمها مع تعاليم الدين الإسلامي والأخلاق العربية، لأن الحياة لأي مجتمع بشري لا تقوم إلا على نظام يحدد مسؤوليات الأفراد والتزاماتهم تجاه الجماعة والعكس.
وقد اطلعت على مجموعة كبيرة من الوثائق الاجتماعية مع البدراني فوجدته باحثا دقيقا ومؤرخا يجيد توثيق التاريخ والبحث والاستقصاء عبر مصادر الدراسة ومراجعها وعن مخطوطات وحجج شرعية كالمبايعات والعقود والاتفاقات بين القبائل وبرغم صعوبة قراءة الوثائق بسبب رداءة خطها أو ركاكة لغتها وعاميتها إلا ان الباحث راعى الأمانة العلمية ودوّن بعضها كما صحح البعض الآخر..
كما قدم دراسة تاريخية عن قبيلة حرب وبطونها وأفخاذها ووضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي ودراسة موثقة عن وضع قبائل الحجاز في العهد العثماني وقال: فرض هذا الوضع على الناس حياة جديدة لها مظاهرها وأنظمتها الذاتية وقوانينها المحلية التي تقوم في معظمها على التعاليم الإسلامية ثم الأعراف والتقاليد العربية التي توارثها أبناء القبائل العربية والتي هدفها الأساسي ضبط الحقوق والمحافظة على المكارم والفضائل ومنع المفاسد والرذائل.
أما عن المكارم التي كانت تتصف بها قبائل الجزيرة العربية فأهمها المروءة والشهامة وحسن الجوار والأخلاق العربية الكريمة التي لايتصف بها غير العرب.. وعدّد المؤلف بعض هذه الصفات ومنها عدم قتل الأسير ولا الجريح، ولا المرأة ولا الشيخ المسن، ولا الطفل ولا الورّاد ولا المدّاد ولا الشدّاد.
والورّاد: هو المكلف بجلب الماء.
والمدّاد: هو المكلف بجلب الغذاء.
والشدّاد: هو المرتحل من مكان إلى آخر فلا يؤخذ أثناء الارتحال أما معاملات الجار والمستجير والضعيف والحفاظ على الشرف والابتعاد عن العار فأمور يقدرها العرب ويحرصون عليها باستثناء الثأر الذي قد يطال غير المعتدين.
وعن أهم الجوانب التنظيمية للقانون فهي جوانب قوية صادرة عن كبار القبيلة وتتعلق بمشيخة القبيلة وحماية المراعي وقوانين متعلقة بالأخلاق والأحلاف والعلاقات القبلية وقد توسع الباحث في الجانب الأخير وحقق الكثير من الوثائق التاريخية المتعلقة بالحماية والدفاع المشترك والدخلة، الاستجارة وغيرها.
ومن المصطلحات اللغوية المحلية المستخدمة في النصوص مايلي:
الأخاوة: وهي الأخوّة
بياض الدرج: وهو بياض السيل في الصفا في مجاري الأودية
الثلاث البيض: وهي الضيف والجار والرفيق. ويسمونها الضيف السارح والطنب السابح والخوي.
الحجرة: وهو الكبير الذي يرجعون إليه.
الرفدة: وهي المساعدة المالية.
العواني: جمع عانية وهي العون والنصرة والوقوف معه.
عيال المراغة: وهم الصبيان الذين يلعبون في ساحة الحي ويحصل فيما بينهم من إصابات.
قضّابة الجنبية: وهم المجتمعون في الجد الخامس
المحلّق: عملة نقدية.
المعدال: هو مايوضع رهناً لضمان الوفاء بالحق.
وعن النماذج الموثقة اثبت قوانين متعلقة بمشيخة القبيلة والرئاسة كقولهم «تعاهدوا المذكورين بأمان الله وعهد الله القوي الذي علوّه في العرش واسفله في الفرش عهدا لاينقضه ناقض حتى يبيد التراب ويشيب ا لغراب ويرث الله الأرض ومن عليها...»
«أربعة أحوال جانيها على نفسه وهي: ضاوي الحرمة، وضارب رجّال الدولة، والمخالف في درب السلطان وضارب ابن عمه مخطي عليه...»
وعن التلازم والاخوّة كقولهم «تلازموا بينهم ملازماً صحيحا ماروثا على ان لا أحد منهم يطلع نفسه عن بعضهم بعضا وأنهم أولاد رجل واحد..».
وكقولهم: «تلازموا على ان ضرّاب رفيقه مابدت شكيته ماله عاني. وتلازموا على حماية الديرة وقطعها..»
وكقولهم باتفاق عن مشيخة أحدهم: (... تحاضروا وأرادوا أنهم يشيّخونه ويمضونه على قالاتهم وأنهم محتمينه في القالات التي تنصاه بحماية بمال وميقاف بالحال..»
وكقولهم: «... تحاضروا وتراضوا على أنهم يقلطون لهم كبير تنصاه قالتهم وهو حجرتهم وأمانتهم...»
وعن التحالف والتلازم قالوا: «تحالفوا على أنهم عيال رجّال واحد من دون كل أحد وعلى كل أحد، معداهم وغيضهم واحد، في السوق واحد وان ا لأخ بينهم مايحشم لخوه وان صيحتهم واحدة، ومجفلهم واحد وتعاطوا أمان الله وعهد الله وميثاقه...»
وفي الحماية المالية أو الدخلة قولهم: (بأني قد أدخلت على فلان نصيته خيار الضحى من النهار، ودخلت عليه بمالي وما تحيش اسبالي وماعقبوا لي أهالي، وادخلت عليه جميع العالات والمالات والتعرضات ومن له الحق ثاني له الواجب على يدي رفيقي، دخيلي..) والمحقق أعطى القارئ العاشق للتراث والتاريخ نماذج مصورة من معاهدات ولزامات عهده وحماية من أهمها عن الشيخ بوثائق مؤرخة بدأها بتاريخ 13/11/1077ه وحتى عام 1341ه وعددها 47 وثيقة تاريخية.
ونماذج موثقة من القوانين المتعلقة بالأخلاق القبلية والعلاقات الأسرية مؤرخة من عام 1131ه وحتى عام 1331ه وعددها 47 وثيقة تاريخية.
ونماذج من القوانين المتعلقة بالحماية المالية «الدخلة» من عام 1190ه وحتى عام 1329ه وعددها 41 وثيقة تاريخية ثبتت بالشرح والتعليق والشواهد والتوضيحات.. أجاد فيها البدراني وأعان القارئ على قراءة هذه الوثائق النادرة التي تعد مكسباً للمكتبة السعودية، توثيقاً وإعداداً وبحثاً شاملاً ودراسة بمنهجية جيدة.
الخرمة ص.ب 12 |