سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الاستاذ خالد بن حمد المالك حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقرأ مايكتب على صفحات هذه الجريدة عن القبول في الدراسات العليا بجامعاتنا وان تطور مناهج واساليب الدراسات العليا في اي بلد هي دليل تطوره وتطور ابنائه وبحثهم عن الافضل.. وهي المقياس في حضارة البلد وتطوره العلمي والفني.. ولكن هذه الشهادات ماهي الا شيء نسبي او مقياس «رقمي» لقياس مدى التحصيل العلمي للشخص.. والا فان هناك اشخاصاً يستحقون اكثر من درجة «بروفسور» ولم يحصلوا عليها بسبب عدم تقييمهم وربما يكون المقوم «بفتح الشدة على الواو» افضل بمراحل من «المقوَّم» «بكسر الشدة على الواو» فربما يكون حصوله على شهادة الدكتوراه سهلاً ولم يبذل من جهد كما بذل من درس حتى صاحب درجة الماجستير، فالامر إذاً نسبي ويختلف التحصيل من شخص الى آخر.. ويكفي لتوضيح ذلك ان اول من ناقش رسالة دكتوراه لم يحصل على شهادة الماجستير او الدكتوراه. فمثل هذه الالقاب والشهادات.. اصبحت مع الاسف الشديد مجرد الفاظ مفرغة المضمون والمعنى وليس لها اي اثر علمي.. ان هذه الدرجات هي مجال خصب للبحث العلمي المتقن المبني على اساليب بحث دقيقة وبعيدة عن التخرصات والمجاملات.. ان في رسائل الماجستير والدكتوراه التي حضرها ودرسها ابناء المملكة ارث ثقافي وعلمي ضخم، ولكن المشكلة ان معظم هذه الرسائل تم تحضيرها ودراستها في بيئات غير مطابقة لبيئتنا وبلادنا.. بل هي في دول غربية بعيدة كل البعد عنا ويصعب تطبيق ما درس فيها عندنا نظرا لاختلاف البيئات الادارية والاجتماعية وحتى المناخية فليس الهدف من هذه الرسائل ان تكون مجلدات فاخرة يضاف بعدها الى اسم مؤلفها حرف «د» فقد.. وانما الهدف هو خدمة هذا المجتمع.. ان رسائل الماجستير والدكتوراه يجب ان تتجذر في المجتمع والبلاد اولاً.. وان تبتعد عن التنظير والفلسفة التي ماجنينا منها حتى الآن الا التعقيد والابتعاد عن الواقع.. وان تتجه هذه الرسائل الى تطبيق عملي فعلي وواقعي وان تبتعد كل البعد عن الفلسفة المقيتة.
ان خير دليل على ان هذه الدراسات لافائدة تذكر منها.. ان «الدكاتره» الذين ابتعثتهم الجامعات عادوا الى جامعاتهم وهم في نفس الحلقة المفرغة يدورون.. حلقة التنظير الذي تحصره جدران الجامعات تنظيراً من كليات بريطانيا واميركا.. ليجد نفسه وسط صحراء العرب لا اساس اجتماعي او بيئي لتطبيقه.. يجب منذ الآن ان نبتعد عن ذلك.. انني لا أنكر فائدة بعض الدراسات الفنية المتخصصة كالطب المتقدم او الهندسة الالكترونية التي لامجال للنقاش في اهميتها ففيها 1+1=2 اما في كثير من المجالات كالتربية والادارة فانها يجب ان تنشأ من عندنا ومن بيئتنا وان نكون لها الارضية المناسبة وذلك بما يلي:
1 ان تقوم كل وزارة او جهة حكومية بوضع برامج «دراسات عليا» لمن يرغب من منسوبيها.. وان يتم المفاضلة بينهم على اساس الاجدر والاكفأ وان تكون هذه البرامج على حساب هذه الجهات نفسها ومن ضمن بنود ميزانيتها لكي يقوم كل موظف او مدير ادارة يواجه مشكلة علمية او ادارية او فنية في ادارته في اجراء دراسات علمية حول هذه المشكلة.. نابعة من المشكلة نفسها وان يقدم حولها بحثاً بدرجة «ماجستير» او «دكتوراه».. على سبيل المثال تطبيق هيكل تنظيمي وظيفي لادارة من الادارات وان يقوم بهذا البحث المسؤول المباشر نفسه ونفسه فقط لأنه الادرى بالمشكلة ويساعده في ذلك اساتذة الجامعة التي ابتعث اليها لتحضير هذه الدرجة.
2 مايدل على ان ماتم تحضيره حتى الآن من رسائل دكتوراه هي رسائل لاقيمة واقعية على ارض الواقع لها.. اننا لم نجد حتى الآن اي ثمرة لأي رسالة من هذه الرسائل التي هي فقط انتساخ من رسائل سابقة او بحوث تتم في امريكا او بريطانيا او غيرها من الدول.. وكأن هذه الدول هي البيئة المناسبة لمثل هذه البحوث.. ان البحوث العلمية لدينا لاتزال في اوراقها وادراجها.. ودكاترة الجامعات يتباهون ويتفاخرون بهذه الرسائل المنسوخة والتي لاعلاقة لنا بها.. هي مجرد هدر مادي لا فائدة منه لأن انعكاسها على ارض الواقع «صفر».
3 ان يتم فتح مجال الدراسات العليا في الجامعات لكل من لديه طموح بعد اختبار دقيق لطموحه.. وليس اختبار دقيق لمهاراته وحفظه للمعلومات.. لانه مع الاسف الشديد.. اثبتت حتى الآن طرق القبول في الجامعات للدراسات العليا فشلها من حيث اشتراط شروط اكاديمية معينة.. دون النظر الى الطموح والقدرات البحثية بعيداً عن اللف والدوران المعقد الذي يغوص في المعادلات الرياضية.. وحفظ قوانين فلان وعلان.. ان لدينا من العباقرة الذين سيبدعون لو اتيح لهم المجال في الدراسات العليا وبتفرغ كلي بعيداً عن الوظائف او التدريس.. ليقدموا لنا دراسات علمية موثقة بعيدة عن التقليد الاعمى ؟؟..
4 حتى الآن فان «دكاترة» الجامعات لدينا ليس لديهم اي فهم للواقع فدراساتهم هي من مؤلفات بيئة غير بيئتنا.. حتى انك تجد الفاظهم وحتى لو كانوا مدرسي «لغة عربية» هي الفاظ مخلوطة بكلمات اجنبية وكأن ليس هناك الا اللغات الاجنبية دليلاً على التحصيل والتفوق.. ومع الاسف انك تجدهم «يظهرون مهارة فائقة جداً» في تعقيد الطالب بهذه المصطلحات وبالبحث عن الاسئلة التعجيزية التي درسوها في بيئة غير بيئة الطالب وعرفوها.. وكأن الهدف هو تخريج جيل محشو بهذه المعلومات والمصطلحات.. لايفقه من واقعه شيئاً.
لقد آن الاوان لتضييق هذه الهوَّة الواسعة بين الواقع البيئي والاجتماعي وبين التنظير الاكاديمي في الجامعات الذي يمتهنه اعزاؤنا «الدكاترة» اسلوباً ربما لإخفاء جهل بعضهم اولاظهار مهارة بعضهم الآخر.. لقد آن الاوان للتطبيق العملي «للدراسات العليا» وان تكون لدينا بيئة علمية جيدة وقاعدة معلوماتية متينة للدراسات العليا التي تنبع من الوطن وتعود الى الوطن.
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني البدائع |