تعتبر الرقابة من أهم الوظائف الإدارية التي وجدت من أجل التحقق من أن الأهداف التي وضعت لمؤسسة ما قد تحققت، وأن العمل يسير على خير ما يرام، وحيث إن الرقابة لا تقوم إلا إذا وجدت خطة محكمة للعمل وحددت الأهداف، فهل لنا أن نقول بأن الرئاسة العامة لتعليم البنات لا تسير على خطة محكمة ولم تضع أهدافاً لعملها؟ وإن كانت الخطة المحكمة موجودة والأهداف واضحة ومحددة فأين الرقابة إذاً؟ فقد لوحظ في الفترة الأخيرة كثرة الحوادث المروعة التي حظيت الرئاسة العامة لتعليم البنات بأكبر نسبة منها.. تلميذة تطير بالهواء من شباك حافلة النقل الجماعي، وأخرى تدهسها الحافلة وترديها قتيلة أمام باب بيتها وعلى مرأى من شقيقها بسبب خطأ ارتكبه سائق الحافلة التي كانت تقلها حيث تصور أنها نزلت من الحافلة بينما لم تنته من النزول بعد مما أدى إلى التفاف عجلة الحافلة حول عباءتها لتموت دهساً ويمضي سائق الحافلة في طريقه لجهله بما حدث، والمروحة السقفية تهوي في أحد الفصول لتلحق الضرر بالطالبات حيث إن عامل الصيانة تأخر في إصلاح تلك المروحة التي كانت على وشك السقوط وهلم جرا..
مآس وأحداث وكوارث في جهات مختلفة من جهات المملكة ومن قبل جهاز واحد.. هو الرئاسة العامة لتعليم البنات.
وهذا الحدث الأخير الذي اهتزت له مشاعر الرأي العام وتألم كل من سمع عنه وتساءل ملحا في السؤال: أين الرقابة مما يحدث؟ ومن المسؤول؟ ولماذا لم تبلغ هذه الحوادث نسبتها العالية في وقت طويل مضى؟
إن المملكة تنفق أموالاً طائلة لدعم التعليم بأنواعه وترسم الخطط للتصعيد من فاعلية الاداء في ذلك المجال حرصاً منها على مواكبة التطور العلمي والتقني ولإعداد المواطن السعودي إعداداً جيداً رصيناً متكاملاً شاملاً لتقوية لبنة أساس المجتمع الرصينة.. لكننا نجد وللأسف الشديد تأخراً ملحوظاً في مجال تعليم البنات من ناحية ارتفاع نسبة المباني المستأجرة لاستخدامها مدارس للبنات رغم قدمها وسوء موقعها وعدم ملاءمتها للمواصفات أو حتى لجزء من مواصفات المدرسة الحديثة.. فمدارس البنات في المملكة معظمها مستأجرة في مناطق لاتتناسب ومواصفات المباني المدرسية في وسط السوق.. أو بين المساكن في الأحياء الشعبية.. أو على الشارع العام الرئيسي.. كإحدى رياض الأطفال في الملز.. أما من ناحية البناء فحدث ولا حرج.. الشبابيك المتهاوية.. والسلالم المثلمة.. والجدران المكسرة القذرة.. والمرافق غير الصحية.. وكلما توغل المرء داخل المبنى المدرسي يجد ما لا يسره.. فالفصول الدراسية عبارة عن غرف مكتظة بالتلميذات في بيئة غير صحية من ناحية التصميم والتهوية والإنارة والمعدات.. وفي بعض الفصول لا تجد للسبورة لوناً أو وجوداً.. هذا من جانب المباني المدرسية ولا نريد التطرق إلى الجوانب التعليمية الأخرى.. فأين الرقابة؟ وأين اللجان المختصة؟ أين الشورى وأين الطريقة التي تحد من إصدار القرارات الفردية؟
إحدى المواطنات عملت في مجال التعليم العالي في الرئاسة العامة لتعليم البنات.. ولسنوات طويلة.. لكنها كنفر قليل أو كبير من مثيلاتها لم تحظ بنصيب الرضا الشخصي.. بسبب بسيط.. فمن حق المواطن التعبير عن رأيه في الصحف.. والرأي ممكن أن يكون نقداً بناء.. أوتساؤلاً أو تظلماً للمسؤولين أو طرح قضية للنقاش.. ذلك بسبب فردية القرارات واجحاف حق الأفراد.. لكن هل تفلت مثل هذه المواطنة من الملاحقة ووضع العراقيل في طريقها وسد جميع الأبواب في وجهها..؟
دكتورة في إحدى كليات البنات قامت بتأليف كتاب كدليل لطالبات التربية العملية لإثراء حصيلة الطالبات من التجارب والمعلومات في مجال التطبيق العملي والمرسوم الملكي السامي يشجع العلم والعلماء والبحث والتأليف فيقضي بأن تشتري المنظمة التي يعمل بها الموظف مؤلفه مهما كان الموضوع والمحتوى وقد حدد الحد الأدنى لشراء النسخ.. فنجد المنظمة أو المؤسسة التي تقرر تدريس هذا الكتاب فيها للاستفادة تشتري الحد الأدنى وهو سبعون نسخة بينما يفوق عدد الطالبات الألف طالبة.. ذلك لأن المؤلفة لا تتمكن الرئاسة العامة من هضمها.. إحدى الموظفات منعت من المشاركة في مهرجان الجنادرية الثاني عشر وطلب منها رسمياً الاتصال بمنسق المهرجان والاعتذار عن المشاركة.. ألم يكن ذلك واجباً وطنياً يحتم المبادرة؟ لماذا لا يساءل من يصدر مثل هذه القرارات لأن المؤسسات التعليمية وجدت لخدمة المجتمع؟
إن الأسلوب الذي تنهجه الرئاسة العامة لتعليم البنات في التخطيط والتنظيم والرقابة واتخاذ القرارات بحاجة إلى مراجعة، وإلا فالحوادث متتالية وبأبسط الأساليب يكون الرد في حالة حدوث كارثة. أنه قضاء وقدر.. جميعنا نؤمن بالقضاء والقدر لكننا نسأل في حالة وقوعه بسبب الإهمال وعدم الاكتراث، فالرسول الكريم عليه أفضل الصلوات يقول: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ويقول: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» فأين اتقان العمل في جو يسوده التخلص من الموظف المخلص الحريص على عمله بمضايقته لحين تقديمه الاستقالة عن العمل؟
إن حكومة خادم الحرمين الشريفين تحرص على تعليم أبنائها وتقدم لهم من المساعدات والدعم ما أمكن لتخريج الكوادر المؤهلة.. فالموظفة التي صرفت عليها الدولة مبلغاً لا بأس به عند ابتعاثها للدراسة وحصولها على المؤهل المناسب.. تصاب بالإحباط بسبب النظرة الفردية الضيقة وانعدام الرقابة وعدم وجود مبدأ الشورى في الإدارة مما يجعلها تتقدم باستقالتها عن العمل في وقت يحتاجها العمل ويعلن مراراً عن تخصصها.. وما زلنا ننادي بسعودة الوظائف.. أليست سعودية تبذل قصارى جهدها لتقديم أقصى ما تتمكن لخدمة وطنها؟ وإذا كان قد بدر منها قصور أو خطأ ألم يكن الأجدى مخاطبتها وتوجيهها أو مساءلتها؟
وللأسف نجد اللجوء الى مضايقتها هو الوسيلة الوحيدة لعدم وجود المبرر.. هذه هو الكوادر المؤهلة وهذه هي الرئاسة العامة لتعليم البنات.. فجهاز الرئاسة العامة لتعليم البنات لم ولن يتمكن من تحمل المسؤولية.. ناهيك عن وجود مشاكل اتصالية كثيرة ومتشعبة فالنساء يعملن في واد والرجال في واد آخر.. وليس هناك أي إمكانية لتقدير الوضع داخل المؤسسات النسائية.. إحدى الطالبات في إحدى كليات البنات رسبت بمادة إدارة رياض الأطفال.. فتعطل إعلان نتائج الامتحان لأيام.. الأمهات والطالبات تحرقهن أشعة الشمس في صيف 1997م بانتظار النتائج والمسؤول يسوف ويماطل.. فأين الرقابة واسأل مرة أخرى: من المسؤول عن جهاز يعمل في معزل ويصدر قراراته الفردية؟.. وأخيراً فالحوادث ستبقى متعاقبة وبناتنا سيبقين ضحية.. وكفانا جلوساً نتفرج على الأحداث ونأسف.. ولعل نقطة البدء تكون في المعالجة الصحيحة بعد أن نقارن وضع المدارس والكليات في المملكة العربية السعودية بجاراتها دول مجلس التعاون الخليجي التي تجسد التطور العلمي والحضاري والتقني إذا ما رأيت المدارس فيها سواء المباني والتجهيزات أو المناهج وطرق التدريس.. فللمعلمة كلمة مسموعة وللمديرة رأي يؤخذ به وللمناهج دراسات تطويرية شاملة مستمرة.. وحتى في الأقطار الفقيرة من دول مجلس التعاون الخليجي.. فمتى نصل إلى هذا المستوى ونحن في القرن الحادي والعشرين نعاني من الإهمال الذي يتسبب في فقدان الأرواح والإعداد غير المتكامل والمبررات غير المجدية؟
والله من وراء القصد.
جامعة البحرين
|