* الجزيرة خاص:
أبواب الأوقاف كثيرة، ومجالاتها الخيرة واسعة، وقد تحدث ل«الجزيرة» عددٌ من أصحاب السماحة والفضيلة عن هذا الأمر الذي يهم جداً أمر المسلمين الباغين في عمل الخير المتواصل الراغبين في التقرب إلى الله تعالى أكثر وأكثر، وتناولوا الكيفية من الاستفادة من موارد الأوقاف وخاصة ما يتعلق بالعناية بكتاب الله تعالى، ودعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في المملكة، وكذا مدارس تحفيظ القرآن الكريم، كما وجهوا النصح والإرشاد للذين يملكون أوقافاً كثيرة، أو أولئك القائمين والأوصياء والنظّار على الأوقاف.
جهات البر كثيرة
ابتدأ الحديث في هذا الأمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء، حيث قال: إن الوقف مشروع بالكتاب والسنة، وقد اتفق الأئمة على مشروعيته في الجملة، وهو عمل صالح يقدمه المسلم لنفسه لكي يتصل له بعد موته أجره وثوابه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»،والمسلم إذا كان عنده جِدَة وفضل مال فليوقف على جهات البر المختلفة، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن منهم من عنده جدة إلا وقف، وجهات البر كثيرة، منها أوقاف المساجد، والقناطر، والمقابر، والوقف على الفقراء، والمساكين، والمحاويج، والوقف على الأيتام، وغير ذلك.
وأضاف سماحته قائلا: ومن جهات البر الوقف على تعليم كتاب الله وتحفيظه والعناية به، ولا شك أن الأوقاف داعم مادي قوي ومستمر بإذن الله لمثل هذه الأعمال الخيرية، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم إذا ما دعمت بالأوقاف، فإن مسيرتها ستستمر وتقوى، ونفعها سيعم بإذن الله فأهيب بإخواني من ذوي اليسار العناية بهذا الجانب وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
الاستفادة من موارد الأوقاف
وعن الموضوع نفسه، أبان فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح الحميد رئيس محاكم منطقة تبوك، ورئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة، ورئيس المجلس الفرعي للأوقاف بتبوك أن من وسائل أعمال البر التي حث عليها الشارع الوقف، والوقف كما يعرفه الفقهاء تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، والوقف من خصائص المسلمين فلم يوجد قبل هذه الأمة، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى {وافًعّلٍوا پًخّيًرّ لّعّلَّكٍمً تٍفًلٌحٍونّ } [الحج: 77] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية» الحديث، والمراد بالصدقة الوقف، وفعله عمر رضي الله عنه في الحديث المشهور ما أشرت إليه مدخل للإجابة على هذا التساؤل كيف يمكن أن يستفاد من موارد الأوقاف في العناية بكتاب الله، ودعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، والإجابة على هذا أنه مما لا شك فيه أن تعليم كتاب الله للناشئة، وتحفيظهم إياه، وتأديبهم بآدابه، وتخلقهم بأخلاقه من أعظم القربات عند الله وهو عمل مبرور، والوقف في تعلم القرآن.
وأضاف فضيلته أنه ينبغي على الموقفين عند تسجيل أوقافهم عدم إغفال تعليم القرآن الكريم، فعلم القرآن الكريم من أجل العلوم وأفضلها قربة عند الله سبحانه وتعالى، مؤكداً فضيلته أن الأوقاف الموجودة اليوم في المملكة تحتاج إلى توعية إعلامية مكثفة، ولعل الأمانة العامة لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم تساهم بذلك، ولا يخفى اليوم حاجة ميزانية كثير من الجمعيات في المملكة إلى الدعم وحاجتها أيضا إلى الاستمرارية في هذا التوجه المبارك، ولن يتأتى ذلك إلا إذا توفر المورد الثابت والأوقاف التي تدر دخلاً يعتبر من الموارد الثابتة.
وأهاب الشيخ عبد العزيز الحميد بذوي اليسار في المملكة أن يوقفوا شيئا من عقاراتهم لصالح الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، فذلك عمل صالح مبرور وصدقة جارية وعلم ينتفع به،
كما دعا فضيلته إلى إنشاء مجمعات أوقاف يساهم بها أبناء المجتمع كل على قدر استطاعته، وهذه المجمعات يحسن اختيار أماكنها، وتكون لجميع الجمعيات الخيرية بالمملكة، مؤملاً من معالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ رئيس المجلس الأعلى لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم تبني هذه الفكرة، ودعمها، حيث عُرف عن معاليه حبه وحرصه وفقه الله على كل عمل خير مبارك يدعم مسيرة الجمعيات، داعيا اللّه تعالى أن يوفق الجميع إلى كل خير، وأن يجعل الجميع من مفاتيح الخير.
العبادات والسنن!
وأشار من جهته سعادة وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف الدكتور عبد الرحمن بن سليمان المطرودي إلى أن الأوقاف من العبادات والسنن التي في ظاهرها مالية، ولكنها ربما جمعت بين النوعين خاصة إذا خصصها الواقف لعمل من أعمال الخير، ثم سعى بنفسه إلى إيصال غلتها إليه، وكذا اذا رعى تلك الأوقاف بنفسه فإنه على خير كثير، مبيناً أنه حين صنف السلف القرب من حيث عمومها وخصوصها أو من حيث تعدي نفعها أو اقتصاره على فئة معينة، فقد جعلوا أن من أفضلها ما كان نفعه متعدياً أي الذي يتعدد المنتفعون به.
وأبان سعادته أن الواقف على كتاب الله وعلوم القرآن الكريم من هذا النوع من القرب، وأي منتفع به أكثر نفعاً وفائدة من كتاب الله سبحانه وتعالى، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، فمن أعان على تعلم القرآن وتعليمه فله إن شاء الله من الأجر مثل ما لمعلمه ومتعلمه، وأحسب أن الوقف على القرآن من باب الجهاد بالمال، موضحاً أن العناية بكتاب الله سبحانه وتعالى لا تقتصر على تحفيظه وحفظه، بل تتعدى ذلك إلى طبعه، ونشره، والاهتمام بعلومه، ونشره ودعم القائمين عليها.
ونوه الدكتور المطرودي في هذا السياق بالعناية والرعاية المتواصلتين اللتين أولاهما ولاة الأمر بالقرآن الكريم، وما قاموا به من تيسير على من يريد من المسلمين الإسهام في ذلك، فأنشئت جمعيات تحفيظ القران الكريم التي نالها حظ وافر من دعم ورعاية وعناية ولاة الأمر ضاربين المثل والقدوة لكل من يريد أن يطرق هذا الباب، ويلج منه، وقد تنادى أهل هذه البلاد حرسها الله منذ زمن الى الحبس على تحفيظ القرآن وتعليمه في زمن كانوا أشد ما يكونون حاجة إلى لقمة العيش، بل كانوا يبذلون في سبيل الحصول عليها كل غال ونفيس، وربما ذهبت أنفسهم بسبب البحث والتفتيش عن لقمة العيش الحلال.
وأضاف الدكتور المطرودي أنه في هذا الوقت الذي بدّل الله له الحمد والمنة حال الشدة بالرخاء والقلة بالجدة، والخوف بالأمن، وبعد الطريق ووعورته بقربه وسهولته، داعياً الله أن يجزي من عمل لذلك وكان السبب فيه كل خير عن هذه الأمة، وأنزل على قبره شآبيب الرحمة والرضوان، نجد أن جمعيات تحفيظ القرآن، ومكاتب الدعوة وتوعية الجاليات تعتمد كثيراً في نفقاتها على التبرعات الموسمية التي هي كثيرة ولله الحمد، وجزى الله المنفقين خيراً مما أنفقوا، مشيرا سعادته إلى أنه في هذه الأيام بدأ الاهتمام بالوقف يظهر على هذه الجمعيات وعلى مناشطها داعياً الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم إلى الاهتمام بالأوقاف، وفتح باب التبرع لذلك كل بحسب استطاعته، بل تكوّن لجان مختصة بهذه الأوقاف.
وقال سعادة وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف: إن الوزارة ممثلة بوكالة الأوقاف بتوجيه كريم من معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ يسعدها التعاون مع كافة الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم من أجل السعي لإيجاد أوقاف خاصة بهذه الجمعيات، ولعله لا يغيب عن الأذهان ما نوّه عنه معالي الوزير من أن هذه الوزارة بصدد إنشاء صناديق وقفية على أغراض معينة،
ومن أولها وأهمها الصندوق الوقفي للقرآن الكريم، وعند استكمال دراستها وإجراءاتها سيتم الإعلان عنه، راجيا أن يكون ذلك قريبا إن شاء الله تعالى .
وحث سعادته الأوصياء والنظّار والموظفين كلاً بحسب موقعه على الأمانة والدقة في رعاية الأوقاف، وتحقيق مراد الواقفين، والبحث بكل السبل عما يحقق غبطة الأوقاف ومصلحتها، سائلاً الله تعالى أن يعين الجميع على أداء هذه الأمانة، ويحسن إليهم من يساعدهم على ذلك.
|