Thursday 14th March,200210759العددالخميس 1 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تلميحةتلميحة
الفن النقي ينقي أساليب العرض من سلبياتها
محمد المنيف

المعارض التشكيلية التي تقيمها مؤسسة الفن النقي تكشف لنا الكثير من الأخطاء والسلبيات في المعارض التي تقيمها جهات أخرى فالمؤسسة التي اخذت على عاتقها دعم الفن التشكيلي السعودي دون أدنى ربح أو مكاسب حققت الكثير من التميز ابتداء بالأهداف التي وضعتها قاعدة لتحركها مروراً بالنجاحات المتتالية في اقامة المعارض والمسابقات لفنانين معروفين وللواعدين وتواصلاً مع أساليب العرض وما يرافقها من بهارات كما يحب الكثير اطلاقها على ما تقوم به المؤسسة من طرق رائعة في شكل تجهيز المعارض وإعدادها لتقديمها للجمهور ما يذكرنا بأن الوجبة مهما كانت ذات مذاق طيب لا يمكن ان تكتمل إلا بالطبق وأسلوب التقديم اللائقين بها فكيف إذا كانت الوجبة إبداعية فكرية جمالية ولفن من أرقى الفنون الإنسانية.
لماذا أصبحت اللوحة خارج
حدود الفعل الثقافي المحلي؟
لا يختلف اثنان على ان الأدب وفروعه المختلفة الأقرب إلى واقع اللوحة التشكيلية نتيجة لتطابق الإبداعين تماما مع تقارب سبل الالهام والتمازج في كيفية التعامل مع الأبعاد الجمالية المكانية والزمانية لكل منهما ولهذا فالعلاقات الأقوى في محيط الكلمة قصيدة كانت أو رواية أو قصة قصيرة مع اللوحة التشكيلية تكمن في وجود الصورة البصرية المباشرة في اللوحة والخيالة في الأدب وحينما يقرأ أحدنا رواية ما، يكتشف استعارة كاتبها الكثير من الصور الواقعية في محيط بطل الرواية وبتفاصيل دقيقة جداً لا تقل بأي حال عن تفاصيل اللوحة المرسومة متيحة للقارئ كل ما يمكن ان يتجسد في تلك الحال بتمريره بمختزله اللوني فتصبح الكلمات صورا خيالية النسج وواقعية الاحساس حينما تتراءى له في العقل مما دفع الروائيين والكتاب والشعراء للاستعانة واستعارة اللوحات التشكيلية منها ما يعنى به تفسير أو تجسيد بعض المواقف في الرواية مع وجود رأي مخالف لمثل هذا الشكل من اشكال التعاون عوداً إلى ان تفسير الصورة الخيالية في الرواية أو القصة في اللوحة تفقد الخيال الأدبي قيمته وتضعف العمل الفني كونه اصبح وسيلة ايضاح غير صادقة مبنية على وصف غير مباشر يحرص الفنان على الإبداع إلا في حالات معينة كأن يشارك الاثنان في تجسيد مشهد مشترك بينهما شهدا على رؤيته معا، وما عدا ذلك فالمشاركة تكون متوازية وغير ملتقية وهي الأجمل دائماً ومن هنا فالعلاقة كبيرة والحاجة لتواصل الطرفين اكثر اثراء وثراء للإبداع كما هي الحال في الكثير من الدول العالمية التي ربطت الفنون التشكيلية بالأدب وفنونه إلا ان التفعيل والتمازج لدينا بهذا المنحى لم يحدث إلا قليلاً جداً وفي مناسبات معينة كان فيها الفن التشكيلي والأدب أكثر انسجاما عندما أقيمت ندوة أدبية تشكيلية قبل سنوات بعيدة فرسانها أدباء وتشكيليون وأقيم على هامشها معرض للفنان التشكيلي عبدالجبار اليحيا أحد أولئك الفرسان فكانت مؤشراً لتحقيق الحلم إلا ان لاحق الأيام لم يكن مهيئاً لمثل هذه التجربة الناجحة وبقي هذا الفن في حدود المناسبات الطارئة أو لتنفيذ البرامج أو لتغطية عجز نشاط أي جهة تعنى بالثقافة وبذلك فقد دوره الحقيقي كفعل مهم في دعم واقع الثقافة والأدب بكل معانيها وبقي معلقاً بين أحقية اندماجه بالأدب وفنونه وبين الفنون الأخرى التي لا تربطه بها أي روابط لا في الشكل ولا في المضمون.
كثافة المختزل اللوني
جزء من وعي المتلقي
قبل ثلاثين عاما ومع بداية انتسابي لسلك تعليم الفنون الجميلة أو التربية الفنية في المرحلة المتوسطة كنت أشرح لتلامذتي وقتها عن الألوان الساخنة والألوان الباردة وعن مصادرها فإذا بأحد التلامذة «حالياً مهندس كبير يشار إليه بالبنان» يضع يده خلسة على علبة الألوان بحثاً عن مصدر الحرارة ليسبق زملاءه بالإجابة عن أي استفسار حولها فغضضت البصر عنه حتى لا يشعر بالحرج حينما لا يجد السخونة التي اعنيها حسيا لا ماديا ملموسا عبر الشعور بها بصرياً عند إرجاعها لأصلها، فالألوان الساخنة هي المنتمية لألوان الشمس أو النار والالوان الباردة مصدرها الماء والخضرة وزرقة السماء وهكذا، هذه المعلومة تخدم الفنان الموهوب في كيفية توظيف هذا الاحساس عند رسم أي لوحة إذ لا يمكن ان ترسم لوحة عن الحرب بألوان الطبيعة الباردة في وقت تكون فيه اللوحة مخضبة بدماء الشهداء وانفجارات القنابل الخ..
المهم هنا ان المختزل البصري للألوان في ذلك الوقت أو ما سبقه من فترات كنا فيها تلامذة صغاراً لم نكن نعرف عن الألوان إلا فيما تلبسه أمهاتنا من أقمشة ولهذا نجد أنفسنا محرجين عند تلوين أي موضوع جديد لا يرتبط بالبيئة كأن يطلب منا معلمنا المعار من إحدى الدول العربية الشقيقة رسم الطائرات الورقية الملونة التي لم نكن نعرف حتى اسمها فكيف لنا رسم أشكالها بينما اليوم لا يجد أي تلميذ صعوبة في ان يخرج اللوحة كرنفالاً من الألوان وبكل درجاتها وبانتقاء رائع لا تنافر أو تباين فيها بل انسجام تام، هذه القدرات لعب فيها الواقع العام ابتداء من الشوارع وبما تتجمل به من ألوان النيون واللوحات الدعائية وتنوع الأسواق وأساليب العرض فيها وبما يشاهد من مختلف البرامج واللقطات في شاشة التلفزيون من كل بقاع الدنيا أو ما نراه من مظاهر التجميل بالأشجار والزهور على الشوارع وفي المنازل أو في كل مكان نمر به أو نعمل فيه ما ينشط ملكة الاحساس بالألوان ويشبع المختزل اللوني فيها بكل العناصر التشكيلية.
هذا الواقع اليومي الملون الذي تتشبع به أبصارنا وتتلذذ به بصيرتنا له دور آخر أيضاً وهو تجديد العلاقة بالحياة وطرد الملل والارهاق بعد يوم من العمل المضني نتيجة تلقينا لتلك المؤثرات البصرية من مشاعر المتعة عند تجوالنا في الأسواق أو عند حضور المناسبات الكبيرة منها احتفالات الأعياد ومهرجانات التسوق وغيرها من المظاهر التي تعتمد كليا على الألوان في مختلف وسائل الابهار فيها باعتبار اللون أكثر تأثيراً وجذباً للأعين.
ان النعمة الكبيرة التي منحها الله لنا في ان جعل الأرض اجمل كوكب ما يحملنا مسؤولية انعكاس هذا الجمال على جمال سلوكنا العام والمحافظة على فطرة الروح الإنسانية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.comعناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved