اطلعت على ما نشر في جريدة الجزيرة في العدد 10716 وتاريخ 16/11/1422ه في صفحة شؤون محلية تحت عنوان (انتحار مدرس) وجاء في الخبر انه يعاني من اضطرابات نفسية وقد كتب وصيته وفحواها انه يريد ان يلتحق بالرسول صلى الله عليه وسلم، لقد وقفت مشدوها حينما قرأت حيثيات هذه الفاجعة وأعدت قراءة الخبر مرة ثانية وثالثة كيف يسوغ ويصدر هذا التصرف من معلم يربي لنا الأجيال. ان انتحار مثل هذا الشخص ولا أسميه معلما وفي الحقل التعليمي ليستحق أكثر من وقفة ويجب ألا تمر هذه الحادثة علينا مرور الكرام. فهل كل من خرجت الكليات التربوية صالح لأن ينخرط في سلك التعليم؟ سؤال يطرح نفسه على وزارة المعارف التي من أبرز معاييرها الأولية ان يكون المتخرج تقديره ممتازا بغض النظر عن الجوانب الاخرى كالسلوكية والعقلية فتأتي هذه في المرتبة الثانية ودعك من المقابلات الروتينية التي تتم للخرجين والتي قد تتغلب فيها العاطفة أحيانا مع بعض الخريجين. ان التحاق مثل هذا الشخص المضطرب نفسيا في التعليم لهو مؤشر خطر وخلل في تربية النشء فكيف نضع ابناءنا بين يدي من يعاني من عقد نفسية واضطرابات عقلية؟ ان النتيجة ستكون مرة وسيتخرج على يديه جيل هش التربية مشوّش التفكير ضعيف الادراك منفصم الشخصية فإذا كان هذا الشخص ينتحر يلتحق بالرسول صلى الله عليه وسلم الا يدل على سفاهة في عقله وسطحية في تفكيره فأي تربية سليمة يريد ان يصبها هذا في اذهان طلبته وهذه فعلته ومعلوم بالضرورة لدى جهلة عوام الناس فضلا عن متعلمهم حرمة الانتحار وما أعد الله من العذاب لمرتكب مثل هذه الجريمة انه لمن الواجب على وزارة المعارف ان تجند كل طاقاتها لتنقية الحقل التعليمي من الشوائب الخطيرة التي لها مردود سيئ على تربية النشء وان تعيد النظر في المعايير التي بموجبها يتم اختيار المعلم ومن أبرز هذه المعايير: قدرات المتخرج العقلية والسلوكية لأن بعض المتخرجين في طبيعته لا يصلح اصلا للتعليم فقد تكون قدراته العقلية فيها نوع من الاضطراب وتفكيره فيه شيء من السذاجة والسطحية وعدم الاتزان فإذا دخل معترك التعليم زاده اضرابا وخبالا.
وأمر آخر يمكن تداركه وتصحيحه وهو ان تتضافر فيه جهود مدير المدرسة مع المشرف التربوي ومن ورائهما ادارة التعليم وربما يشترك مع الجميع عضو من وزارة المعارف من أصحاب الخبرة وتتم مقابلته للشخص المعني بسرية تامة ليضفي على الامر صبغة رسمية وجادة في هذا الشأن للكشف عمن يشك في سلامة تصرفاته ممن هو على رأس العمل في الحقل التعليمي وتعد لهم مقابلات مدروسة ومقننة من لدن لجنة مختصة في وزارة المعارف وتكون في الاجازة الصيفية وتكون بشكل سري وانفرادي فإذا ثبت لديهم انه لا يصلح للتعليم للاسباب الآنفة الذكر فإنه يبعد عن المجال التعليمي الى مجال آخر يناسبه ولا تقبل فيه شفاعة الشافعين لأن مصلحة أبنائنا الطلبة فوق الاعتبارات والمصالح الفردية ولا يبقى في التدريس الا الأصلح.
أما ان نغمض اعيننا عن مثل هذه الفواجع ونعتبرها جروحا لا تستحق العلاج وحالات شاذة كما هي العادة فهذا يوقعنا تحت مظلة بيت الشاعر:
اذا ما الجرح رم على فساد تبين فيه إهمال الطبيب |
وهذا مما لا تحمد عقباه في تربية النشء لان المعلم ليس كمن يرسم لوحة فنية ان حصل فيها خطأ يمكن إعادة رسمها مرة اخرى، بل ان المعلم يبني انفسا وعقولا فإذا كان الباني لا يحسن البناء جاء البنيان مختل الاركان وكان مآله السقوط، والله الهادي الى سواء السبيل.
عبدالله بن سليمان العمران - بريدة |