* تورا بورا أفغانستان بقلم فلب اسمكر:
نهض الألف شخص من زعماء القبائل ووقفوا على اقدامهم وهتفوا عاش ابن لادن، ووضع زعيم القاعدة يده اليمنى على قلبه رداً لهذه التحية، كما هو معروف عند قبيلة البشتون وأثناء ذلك احاط به خمسة عشرة من كبار حراسه. وفي لقائه المفتوح في مركز الدراسات الإسلامية في جلال آباد في العاشر من
نوفمبر الماضي، شرح أسامة بن لادن خطته لمواجهة أمريكا بقوله: ان لدى الأمريكان خطة لغزو افغانستان، ولكننا اذا اتحدنا ووضعنا ثقتنا في الله سنلقنهم درساً بالضبط كما فعلنا مع الروس وذلك على حد قول اثنين من زعماء القبائل الذين حضروا اللقاء.، وبحديثه هذا كان يضع خططاً يسبق بها الحملة الأمريكية لأنه سيسافر الى حصنه المفضل في تورا بورا، كما توقع الأمريكان، ولكنه ايضاً سيسعى للخروج منها. وبعد حديثه المثير هذا، قام ابن لادن بتقديم هدايا نقدية الى الصفوة من رجاله الذين سيساعدونه في الهرب، وحتى ذلك الحين سارت الحرب الأمريكية ضد أفغانستان بطريقة جيدة، ودفعت بنظام طالبان بعيداً عن النصف الشمالي من البلاد وبعيداً عن كابول علاوة على ان ما تبقى من البلاد سيسقط في الأيام القليلة القادمة. إنها حرب لا مثيل لها، اذ إنها اتت في عصر عرف بالتقنية العالية وكثافة المعلومات، واقتصرت مهمة الجنود الأمريكيين الأرضية على المراقبة وتحديد الأماكن التي ستضربها الطائرات الحربية، لا على أنهم محاربون أرسلوا لاحتلال أرض أجنبية، وكان التفوق الأمريكي مدهشاً عدا معركة تورا بورا التي تعتبر معركة حرجة. لانها كانت تعني للأمريكان القبض على أكثر رجل مطلوب في العالم وذلك حياً أو ميتاً.
اذا استعدنا الأحداث الماضية وتأملنا فيها فسيتضح لنا أن المعركة كانت تنقصها أشياء كثيرة منها ندرة المعلومات التي جمعتها المخابرات والاختيار غير الموفق للحلفاء والتكتيكات الحربية غير الموثوقة، وذلك مما أضاع فرصة ذهبية للقبض على ابن لادن وكبار قادة القاعدة.
اضف إلى ذلك انه بينما توجه امريكا ضرباتها الجديدة ومعها حلفاؤها على محافظة باكتيا وترسل قواتها الخاصة في جنوب شرقي ووسط آسيا، وتجهز لضربة عسكرية محتملة على العراق، فانه يجب على المخططين ان يعوا دروس تورا بورا وهي معرفة بمن يثقون من القادة المحليين ، ومعرفة حلفائهم. وربما يكون الدرس العملي في هذا الوقت هو: «عند استخدامك للقوات المحلية تذكر ان لهم برنامجهم الخاص»، وذلك على حد قول أحد الدبلوماسيين الغربيين ابن لادن يجمع قواته.
لم يمض أكثر من يومين على سقوط كابول في 12 نوفمبر حتى شرع ابن لادن في جمع قواته وسلك الطريق المؤدي إلى جلال اباد، قاعدة عملياته لوقت طويل، وذلك عند منتصف النهار، والقنابل تتساقط في كل مكان فوق المدينة، وقد فرغ زعماء القبائل على التو من وجبة غداء دسمة.
وبعد مقدمة مثيرة لأحد المتحدثين العرب، دخل ابن لادن معهد الدراسات الاسلامية، الذي تم تعديله وبسرعة ليكون مقر مخابرات طالبان والقاعدة.
كان ابن لادن يلبس ثوباً رمادياً فضفاضا، بينما تدثرت فرقته العسكرية في زي أخضر وتقلدوا اسلحتهم الجديدة ثم هتفوا «الله أكبر، ولتسقط أمريكا ولتسقط اسرائيل».
واتسمت كلمته بمزيج من الروح الدينية والروح العسكرية واختتمها بدعاء «الله معنا وسننتصر في الحرب. سيقود اخوانكم العرب الطريق، نحن نملك السلاح والتقنية والشيء الذي نحتاجه أكثر هو دعمكم المعنوي لنا وأسأل الله أن يمنحني الفرصة لملاقاتكم في الصفوف الأمامية». عندها غادر ابن لادن المنصة واحاط به حرسه الخمسة عشر ثم خرجوا جميعاً.
الهرب إلى تورا بورا
وفي اليوم الثالث ازداد القصف الأمريكي وخيمت الكآبة على شوارع جلال أباد، «لقد شاهدنا اسامة عندما كان يقف هنا أمام بيت الضيافة في التاسعة من صباح الثلاثاء» قال براك خان أحد سكان جلال أباد الذي سبق أن عمل حارساً في أحد قواعد المجاهدين الحربية وقال براك: انه متأكد من الوقت لانه كان وقتها يتابع أخبار التاسعة والنصف من الاذاعة البريطانية التي تبث بلغة البشتو.
وقد وصف براك وثلاثة آخرون من سكان المدينة انهم شاهدوا ابن لادن ينزل من السيارة السادسة أو السابعة وهي سيارة تويوتا بيضاء ضمن قافلة تتكون من مئات السيارات. وكان ابن لادن يمتشق رشاشاً من نوع الكلاشنكوف وهو يعطي تعليماته لأحد رجاله، وبعدها بقليل استظل بشجرة بالقرب من مسجد واحاط به أكثر من 60 رجلاً من رجاله المسلحين وكان يبدو عصبياً، بينما كان مولوي عبد الكبير محافظ طالبان لمدينة جلال أباد يمسك بيده كما جرت العادة بين المسلمين كنوع من الود. وكان الاثنان يتحدثان باقتضاب مع ابن يونس خالص، الرجل الذي جمع بين بن لادن وطالبان.
ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى غادرت القافلة المدينة، وقد سلك أعضاء القاعدة، وطالبان طرقاً ترابية وعرة تمر بين أرض المعارك القديمة والقرى المهدمة حتى وصلوا الى مقر القاعدة. وعند سفوح جبال تورا بورا والواقعة 30 ميلاً جنوب شرقي جلال أباد تفرقت القافلة، حيث ذهبت مجموعة الى قرية مليوة وذهبت المجموعة الأخرى الى قرية قاريخي توطئة لاتخاذ مواقعهم القتالية في الكهوف المجاورة.
كانوا غير عابئين بالموقف ثم جلسوا على منحنى وقاموا بتوزيع المقاتلين على عدة كهوف في مواقع مختلفة، وذلك على حد قول مالك خان عمدة قرية قاريخي «لقد اصابنا الهلع، ذلك لأن الطائرات الحربية ستضرب العرب وقد دخلوا قريتنا، لذا ارسلنا النساء والأطفال الى قرية أخرى بغية سلامتهم».
اشتداد القصف
وفي السادس عشر من نوفمبر أي بعد مرور ثلاثة أيام من دخول قوة طالبان والقاعدة داخل خنادقهم اصبحت الضربات الأمريكية أكثر عنفاً، وفي الواقع حدث ذلك بعد رواج التقارير التي تتحدث عن اصابات المدنيين، وكان من بين الضحايا الذين زاد عددهم على المائة قتيل، ابن مالك خان عمدة القرية الذي لم يتجاوز عمره السادسة عشرة، اذ دكت أحد الصواريخ الأمريكية الأراضي من تحتهم.
وفي الوقت الذي اشتدت فيه قوة الضربات الأمريكية على تورا بورا، كانت المروحيات الأمريكية والأفغانية تنقل الامدادات الى افغانستان. وكدأب امريكا في أماكن أخرى من العالم، اخذت في البحث عن قادة عسكريين محليين ووقع اختيارهم على حضرة علي والحاج زمان قامشريك وطلبوا منهما الاشتراك في الهجوم على قاعدة تورا بورا.
وصرح أحد القادة الأمريكيين في رئاسة مركز القوات الأمريكية في فلوريدا «فضلنا ان نحارب مستخدمين الأفغان انفسهم ذلك لانهم يحاربون من أجل وطنهم وان اهدافنا في التخلص من القاعدة متشابه».
بالنسبة لعلي فهو محارب مغرور وقد سيطر على معظم جلال أباد بعد ان غادرتها قوات طالبان. أما تعليمه فلم يتجاوز السنة الرابعة الابتدائية وسبق له أن حارب مع قوات الشمال.
أما القائد الآخر وهو قامشتريك فهو رجل قوي وقد قام الأمريكيون بإعادته من منفاه في فرنسا في اواخر شهر سبتمبر وقد عرف في السابق بضلوعه في تجارة التهريب وعند وصوله الى افغانستان استقبل استقبال الأبطال واطلقت المدفعية 1000 قذيفة تحية له. ثم أصبح رئيس مجلس الشورى في جلال أباد، رغم ذلك فإنه لم ينل تأييد رجال قبيلته «خوقاني» الذين يفخر معظمهم بالعمل في القاعدة في تورا بورا والعديد من القواعد الأخرى، ومنذ البداية، اتضح عدم ارتياح القائد قامشريك لزميله علي ووصفه بأنه فلاح ولا يمكن الوثوق به.
ولا محالة ان يؤدي هذا الانشقاق بين الرجلين الى عرقلة الجهود الأمريكية للقبض على قيادة القاعدة. وبالرغم من ان الولايات المتحدة تقف من خلفهم الا أن اتخاذ القرار كان في ايديهم فيما يختص بأمثل الطرق للهجوم على خصومهم.
لقد قدر القادة الافغان عدد الموجودين في تورا بورا في شبكة ابن لادن ما بين 1500 و 1600 من أفضل المحاربين العرب والشيشان.
وفي يوم 18 نوفمبر صرح قامشريك بأن المعركة ستكون عنيفة وذكر ان محاربي القاعدة قالوا لهم: «اننا سنقاتل حتى الشهادة» وراودهم الشك بأن ابن لادن سيقود المعركة بنفسه وعلى كل فتورا بورا هي الموقع الذي خاض فيه حرباً ضد الروس بنجاح خلال الثمانينيات. وفي 29 نوفمبر صرح ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الى قناة التلفزيون الأمريكية اي بي سي، انه بناء على التقارير التي تصلهم فإن ابن لادن موجود في تورا بورا وانه مزود ليبقى هناك واضاف نائب الرئيس الأمريكي قائلاً: ان لدى ابن لادن القناعة ان يقبع في مكان آمن وان لديه كهوفاً تحت الأرض انها منطقة معروفة لديه.
بداية الأفواج
بعد أسابيع من وصول ابن لادن الى كهوف تورا بورا هبطت معنويات المحاربين تحت وطأة القصف الجوي المكثف، واختبأت احدى القوات اليمنية المحاربة في احد الكهوف التي عينها ابن لادن الذي لم يروه منذ الثالث عشر من نوفمبر.
الا انهم يقولون ان ابن لادن انضم اليهم في 26 نوفمبر وتناول معهم كوباً من الشاي الأخضر وذكروا انه كان يردد كلمة «حرب مقدسة».
كان يجلس معه في ذلك اليوم ثلاثة من المقاتلين المقربين لديه بما فيهم ابو بكر عندما قال ابن لادن: «الزموا مواقعكم بحزم واستعدوا لنيل الشهادة» ذكر ذلك ابو بكر لجهاز المخابرات الأفغانية حين قبض عليه منتصف ديسمبر واضاف قائلاً على لسان ابن لادن «سازوركم مرة أخرى، قريباً جداً، وبعدها اختفى خلف غابات الصنوبر، وبعد ذلك بيومين أو أربعة، ما بين 28 30 نوفمبر، وذلك حسب المقابلات التي تمت مع مجموعة من العرب والأفغان في شرقي افغانستان، هرب ابن لادن، الشخصية العالمية الأكثر طلباً من فك أقوى آلة حربية في العالم يرافقه أربعة من المخلصين له في اتجاه باكستان.
ابن لادن يتصل هاتفياً
وبناء على اقوال عدة مقاتلين ان ابن لادن اتصل هاتفياً بجماعته وحث أتباعه على مواصلة القتال وقال لهم: انه سيرسل ابنه صلاح الدين ليحل محله وقد تكون هذه المحادثة الهاتفية لاتباعه في تورا بورا بعد بضعة أيام فقط بعد رحيله هي التي جعلت ضباط المخابرات الأمريكية يعتقدون انهم سمعوا صوت ابن لادن في العاشرة من ديسمبر ربما في احدى موجات الارسال القصيرة.
تصاعد الهروب
إن الهجرة التي بدأت من تورا بورا بطيئة اضحت الآن اندفاعاً جنونياً، فقد ذكر محمد أكرم أحد المتعاونين في الطبخ لابن لادن انه ذات يوم في أواخر نوفمبر وبينما كان يعد طعام العشاء في أحد الكهوف انفجرت قنبلة في القاعدة فقذفت به ما يقرب من 30 قدماً، مات اثنان من زملائه في الحال وقرر هو مع سعودي آخر ومقاتل كردي الفرار. وفي فبراير ذكر محمد أكرم ان هروبه الذي بدأ في اواخر نوفمبر كما هو الحال بالنسبة لابن لادن «وصلتنا كمية كبيرة من النقود الإيرانية وان القادة قاموا بتقسيمها الى العسكر وكان نصيبه «1400 دولار» وذلك لاستعماله الخاص، ولما كان اخواننا الشيشان يقومون بقتل الهاربين فقد غادرنا المكان ليلاً متجهين نحو باكتيا «من محافظات الجنوب» بالقرب من قرداز ومنها الى زارمات. عندئذ تملك الفزع قلوب المقاتلين داخل الكهوف، وهنا جاءت مساعدة القرويين من الذين كان يدفع لهم ابن لادن، وذكر مالك حبيب، أحد الذين حضروا لقاء ابن لادن في جلال أباد 10 نوفمبر انه كان سعيداً وهو يرتب قافلة البغال لحمل المحاربين، وقال: ان محاربي القاعدة كانوا يدفعون ما بين 5000 000.50 روبية باكستانية اجرة البغال والدلائل، والذين يتحركون خلسة في قاعدة الجبال البيض، ثم فوق خط سريع ثم في مناطق باكستان القبلية البعيدة. واردف قائلاً: «هذه فرصة ذهبية لقريتنا» والمشكلة الوحيدة التي كانت تواجه العرب هي العشرة كيلو مترات الأولى من تورا بورا وحتى قريتنا لأن القصف المدفعي كان شديداً، لكن بعد الوصول الى قريتنا يصبح الأمر سهلاً اذ يمكنك ان تركب بغلاً أو تسوق سيارة الى باكستان».
وقد أضاف مالك حبيب انه مع بعض القرويين قد رافق ما يقرب من 600 شخص خارج تورا بورا بما فيهم عوائل وذلك في الفترة ما بين 28 نوفمبر و 12 ديسمبر. واردف قائلاً: ان مهمتنا الأساسية تكمن في أن نجعل الناس يعبرون نهر كابول في منطقة لالبور وذلك يتطلب عبور الشارع الرئيسي الذي لا حراسة عليه وفي اتجاه الجنوب «اتجاه باكستان» يصبح الأمر صعباً وذلك لعمق الثلوج وصعوبة الصعود مما لا يقوى عليه الا الشباب من المقاتلين.
هل أخفقت المخابرات
قال بخش باردوال رئيس المخابرات في شرق افغانستان التي تسيطر على شرق افغانستان انه صعق عندما علم ان مخططي البنتاغون قد وضعوا قواتاً رمزية في أكثر المخارج سهولة للهاربين من مقاتلي القاعدة وطالبان.
واضاف «ان الحدود مع باكستان هي المفتاح ولكن لم ينتبه اليها أحد» وقال: انه مقتنع ان آلاف الفرق العسكرية الباكستانية الموجودة على طول الحدود الباكستانية مع افغانستان في 10 ديسمبر لم يؤدوا وظيفتهم أبداً ولا يمكننا أن نتوقع منهم ذلك اذا وضعنا في الاعتبار ان المخارج من افغانستان لم تكن مغلقة.
خدمة كرستيان سانيس مونتر خاص بـ «الجزيرة» |