اذا كانت طبيعة الوظيفة العامة تفرض على الموظف العام واجبات والتزامات غير قابلة للحصر، وغير محددة بنطاق العمل، ويختلف مداها من وظيفة الى اخرى، فانها ايضاً أوجبت حقوقاً وضمانات معينة في مواجهة الادارة، تتمثل في: المرتب، والترقية، والاجازات، والعلاوات، والبدلات، والحوافز.. الخ، ومن هنا ينشأ «التلازم» بين الواجب والحق، او بين الحق والواجب.
واذا كانت الواجبات والالتزامات الوظيفية تجد اساسها في حسن اداء الوظيفة، وبالتالي حسن اداء المرافق العامة، فان الامر كذلك بالنسبة للحقوق المقررة للموظف العام، باعتبار ان الغاية من تقريرها للموظف انما هي من اجل القيام بمهام الوظيفة على النحو الذي يحقق حسن ادائها، وبالتالي حسن سير الجهاز الذي يعمل فيه الموظف، ولهذا اعتبرت هذه الحقوق ذات طبيعة خاصة تحمل في طياتها معنى الواجب.
ولو اخذنا هذه الحقوق المقررة للموظف لوجدنا ان الترقية تأتي في المقام الاول، حيث انها تقوم على تقليد الموظف مركزاً و ظيفياً أعلى من الذي كان يشغله، كما يترتب عليها «نفع» معنوي يتمثل في زيادة سلطاته المقررة لممارسة الوظيفة الاعلى، كما يترتب عليها عادة نفع «مادي» يتمثل في زيادة المرتب و غيره من الحقوق المالية، ومن ثم فهي بهذا المعنى تمثل «حقاً» للموظف العام!! لكن هذا الحق يقابله «واجب» تلتزم به الجهة، بحيث لا يرقَّى الا من استوفى الشروط الموضوعية والشخصية، سواء تلك التي ينص عليها النظام، ام تلك التي تقتضيها مصلحة الوظيفة العامة.
ومن هنا نجد ان الانظمة الوظيفية في كل الدول تولي اهتماماً كبيراً بموضوع الترقيات، رغبة في تشجيع الموظفين على بذل اقصى جهودهم في خدمة الاجهزة العامة، وهذا يعني ان هناك مصلحة للجهاز الاداري من ترقية الموظف، تتمثل هذه المصلحة في حسن سير مرافقها العامة، ومن هذا المنطلق يمكننا ان نعتبر الترقية بمثابة حق للادارة ايضاً!!
فهل «الترقية» تدخل ضمن الحقوق الخاصة بالموظف، بمعنى انها حق له تلتزم به الادارة كالتزامها بالحقوق الاخرى مثل الراتب والاجازة ونحوهما وتضمنه لكل الموظفين؟ ام هي حق للادارة تمنحه للموظف عند رغبتها في ذلك؟ اذا رأت ان هناك مصلحة تتحقق لها من جراء الترقية؟
هذا السؤال طرحه د. عصمت الشيخ في دراسة تحت عنوان «الطبيعة القانونية لترقية الموظف العام بين الحق والواجب» مشيراً الى ان الجواب على ذلك لايمكن تحديده بنعم او لا!! وانما يستخلص من واقع المفهوم العام للوظيفة، فالذين يأخذون المفهوم «الموضوعي» للوظيفة، وهو التركيز على «مبدأ الوظيفة» اي العمل المؤدى، فانهم يعتبرون الترقية ليست من الحقوق الخاصة بالموظف، ويعتبرون جميع الترقيات داخلة ضمن مفهوم التعيين تحكمه الشروط الخاصة بهذا المفهوم، ولذلك فان الذين يأخذون بهذا المبدأ لايقصرون الترقية على الموظفين داخل الجهاز، وانما يعتبرونها حقاً لكل من تتوفر فيه الشروط سواء كان موظفا أم غير موظف، وسواء من داخل الجهاز الذي فيه الوظيفة أما من خارجه!!
أما الذين يأخذون بالمفهوم «الشخصي» للوظيفة، وهو التعامل معها على انها «مهنة» لها سمة الدوام والاستقرار، ينقطع لها الشخص طيلة حياته الوظيفية، فانهم وفقا لهذا المفهوم يعتبرون الترقية «حقاً» للموظف يجب على الادارة ان تلتزم به، وللموظف الحق في المطالبة به!! ذلك ان الموظف يضع حياته كلها في خدمة الادارة، ومن ثم يجب ان يكون هناك بعض الحقوق والضمانات، ومن بين هذه الحقوق «الترقية».
هذا السؤال يطرح نفسه دائماً: هل الترقية حق للموظف؟ ام للادارة؟ وغالباً ما نسمع الاجابة بان الترقية ليست حقاً، و انما هي تخضع لرغبة الجهة و تقديرها!! فهل هذا الاعتقاد صحيح؟
يدرك الجميع ان الترقية ينتظرها الموظف باهتمام كبير، ويتلقاها بفرحة غامرة، وهي امل كل موظف، فعن طريقها يمكنه الوصول الى وظيفة اكبر، ودرجة عالية مالية اعلى، فتزداد سلطاته الادبية والاشرافية، ولهذا يحرص على تحقيقها باي وسيلة!! ويضع نصب عينيه من اول يوم دخل فيه الوظيفة احتمال ترقيته الى مرتبة اعلى، بل وصوله الى القمة، ولولا هذا الامل في الترقي لما قبل ان يعيّن في الوظيفة اصلاً، كذلك الجهة نفسها تنمي فيه هذا الشعور، وتدفعه الى تحقيقه.
واذا كنا ندرك ان «العلاوة» ضمن الحقوق الواجبة للموظف فاننا يجب ان نعرف ان هذه العلاوة ترتبط بالترقية، سواء من حيث قيمتها، ام استمرار الحصول عليها، ولهذا فان امكانية الحصول عليها تتوقف احياناً على الترقية اذا ما وصل الموظف نهاية السلم «الدرجة الاخيرة» من المرتبة التي يشغلها، وبالتالي تضيع عليه فرصة الحصول عليها، بينما هي في الاصل ضمن حقوقه الواجب الالتزام بها من قبل الجهة!!
من هذا المنطلق لايمكننا ان نقول «قطعاً» بان الترقية ليست من الحقوق الواجبة للموظف، وانها امر جوازي للجهة، لاننا لو اخذنا بهذا المبدأ، عارضنا واقع المفهوم الشخصي للوظيفة العامة بما يتضمنه من تدرج الى اعلى المراتب، وعليه فان الواقع يحتم علينا ان نقول: إن الترقية حق للموظف، الا ان هذا الحق ليس مكتسباً يحصل عليه الموظف بمجرد قضائه فترة زمنية في العمل، وانما يرجع ذلك الى تقدير الادارة لاجراء الترقية، على اعتبار ان الادارة تهتم باوضاع جميع الموظفين بما يتوفر لديها من وظائف، فمسألة تحديد الوقت الذي تجرى فيه الترقية يرجع اليها، ومن ثم فان حق الموظف في الترقية لاينشأ الا بعد استخدام الادارة لاختصاصاتها باجراء الترقية، أما قبل اجراء الترقية فلا حق له فيها، وهذا هو مايجب ان ندركه، لكي نعلم ان هذا الحق ليس مطلقاً وانما مقيد بحق الجهة!!
من هنا يجب ان نتعامل مع وضع الترقية بما يفرضه النظام فعلا، ولا نخضع ذلك لتفسيرات ناتجة عن اجتهاد يصب في الغالب لمصلحة الجهة، على حساب «الموظف»، لان الموظف هو الذي يعاني من سلب هذا الحق في الترقية، وقد يزداد الامر سوءا بالنسبة له عندما نتعامل معه على ان هذه الترقية ليست من حقوقه، بينما هي في الواقع اساس جميع الحقوق وأهمها، فلا نزيد من عنائه اكثر، ولا نبخسه هذا الحق، وانما نحرص على تحقيقه بالصورة التي يفرضها هذا الحق دون منّة او تعسف، لان المصلحة اولا واخيرا تعود على الجهاز من خلال تحقيق الهدف في بذل الجهد للحصول على الترقية التي تفترض توفر المهارة والكفاءة في الاداء، وهذا هو المطلب المهم. وبالله التوفيق.
|