تتعدد الأسباب المعلنة من قبلنا لكراهيتنا للاستشراق، ومن ضمنها تشويهه لتاريخنا، وتهميشه لمنجزنا الحضاري، إضافة إلى أننا نشم فيه رائحة التمهيد لما أعقبه من استعمار أوروبي بغيض، ولاعتقادنا كذلك بأنه البؤرة والبذور: البؤرة التي انطلقت منها ولم تتوقف فيروسات الغزو الفكري والثقافي، والبذور لما قطافه ماثل في تفوق الحضارة الغربية المعاصرة.
هذه هي مجمل الأسباب أو البواعث (الكبرى) لمقتنا وكراهيتنا للاستشراق، ورغم مشروعيتها فثمة بدهية تصرخ (همسا!) بالقول إن للأسباب الكبرى أسبابا صغرى، وبما أن الصغائر مع الإصرار تضحى كبائر، فتجاهل الأشياء الصغرى كذلك يمنحها كل الفرص لتصبح كبرى. عليه فمن الممكن أن نضيف إلى الأسباب الكبرى أسبابا (كانت!) صغرى غير أنها تمخضت في رحم تجاهلنا لها، لتطالها حتميات النمو، وتشب عن الطوق، فتخرج بسبب عزوفنا عن معرفة عدونا خارج نطاق القدرة والسيطرة. فثمة عوامل نفسية تصب في أحواض كراهيتنا للاستشراق إلى درجة (النفور) من جني ثمار فضيلة أو مبدأ (اعرف عدوك!)، والسبب الرئيس في ذلك يتمثل في كوننا نعرف في قرارة أنفسنا دقة ومصداقية غالب ما جمعه الاستشراق عنا من معلومات، فهو يعرف عنا ما لا نطيق الاعتراف به لأنفسنا عن (أنفسنا!)، ويُذكُّرنا بما نكره أن نتذكر، فقدرنا أن تكون معلوماته صحيحة لكونها تمحورت حول أوضاع كانت (خاطئة!)، ويكفينا اعترافنا بأنه قد تسلل إلينا في غفلة منّا.. وخلال أزمنة تعني لنا (قمة!) الانحطاط الحضاري.. فهي أزمنة استثنائية بالسلب بكافة جوانبها العقدية والثقافية والحضارية.
وهنا يتجلى السؤال الألم: ما الفرق بين أوضاع الأمس واليوم، أليست أسباب قدوم الاستشراق بالأمس هي ذاتها العوامل الفاعلة يومنا هذا؟! إذن فلا عجب أن يحظى الاستشراق بكل المساحات، ويمتلك كل الفرص والأبعاد الإستراتيجية ليجوب أرضنا، فيعيد كتابة تاريخنا، ويقولب إنساننا، ويسرق آثارنا، ويفك طلسم (عقليتنا) الثقافية، فيعرفنا أكثر مما نعرف نحن (عنّا!).
ختاماً من المفترض، بل من حقنا أن نكره الاستشراق ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، غير أنه يجب الحذر من أن تقودنا هذه الكراهية إلى غمطه حقه من (الاحترام..!!).. عليه ففي المقالة القادمة إن شاء الله تناقش شدو الحيثيات التي جعلت من كلمة (الاحترام) المذكورة آنفا تقبع بين قوسين وأمام علامتي تعجب!!..، وإثباتاً (للبراءة) أو بعثاً للطمأنينة لا فرق دعوني أفصح قليلا بالقول إن شدو سوف تناقش الفرضية الماثلة في أن (احترام العدو) هو الوسيلة الوحيدة لمعرفته، كما أن تجاهله باسم عدم احترامه مدعاة للاغترار به أو الانجذاب إليه، فالسقوط من ثم لقمة سائغة في براثنه،... هذا ليوم الأحد، أما يوم الخميس فتظل شدو كالمعتاد (شمسية..!!) متواضعة الصنع للوقاية من حرارة (جفاف!) مقالات الأحد والثلاثاء..
|