Sunday 3rd March,200210748العددالأحد 19 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تعلمتُ من أبي!تعلمتُ من أبي!

لا يوجد «هم» يحمله الإنسان في حياته ويزداد به سعادةً كلما ازداد به شقاءً وعناءً ومسئولية مثل هم «الابوة» لا يستطيع الابناء معرفة قدر الابوة او الامومة قبل تجريبها وحمل همها امهات وآباء.
عرفت هذه الحقائق بعدما اصبحت اماً، وتذكرت ما كنت تقوله لنا عندما كنا صغاراً فتوجهنا، ونشعر بثقل توجيهاتك علينا فتردد بحب عظيم لن تعرفوا عظمة محبتنا لكم الا بعد حين، ومنذ ذلك الوقت بدأت أفكر في معنى هذه «الحكمة» رغم حداثة سني، واصبح ذلك القول معجماً لي اجد فيه ترجمةً صادقةً لكل تصرفاتك معنا، اجد فيه تفسير دمعة حائرة تغالبها حتى تحجبها بقناع الرضا والاستسلام لإرادة الله عندما يلم بأحدنا مرض او يصاب بوعكة فتخشى عليه، واجد في هذا القاموس معنى «القلق» الذي يرتسم على محياك الوضاء كلما تأخر احد إخوتي او ألم باحدنا ما يثير في نفسك مخاوف لم تعرفها قلوبنا الا بعد حين.
وقد جاء ذلك «الحين» لنا جميعاً فأصبحنا آباءً وامهات، وخضنا غمار تجربة الحب العظيم..حب الامهات والآباء للابناء، وعرفنا يا ابي كم كنت عظيماً في حبك لنا، وكم كنت تحبنا حباً ما نحن ببالغيه لو بذلنا في سبيله انفس مافي أعمارنا كلها.. حباً لا نستطيع الوفاء له الا بما نبذله في حب ابنائنا، ولن نجدهم قط يحبوننا مثل حبنا لهم، فتعلمنا من حبك لنا انه لا يوجد حب لا يعرف الحدود ولا ينتظر العطاء بالمثل مثل حب الآباء للابناء.
ابتاه.. اختلطت دموعي بأوراقي، وسبقت دقات قلبي الملتاع كلماتي، وهأنذا اشعرربما لاول مرةً في حياتي ان هناك «مشاعر» تعتمل في داخل الانسان لا تستطيع الكلمات وحدها ان تعبر عنها، ولا تفسرها الا المكانة العالية التي لا تعلو عليها مكانة، التي جعلها الله جل وعلا للوالدين ليكرم بها الابناء لدخول الجنة. جاء في الحديث عن زيد بن ارقم قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:« من اصبح ووالداه عنه راضيان امسى له بابان مفتوحان من الجنة، وان كان واحد فواحد. ومن اصبح وهما ساخطان عليه اصبح له بابان مفتوحان من النار، وان كان واحد فواحد، قيل: يا رسول الله وإن ظلماه؟ قال رسول الله : وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه» «الجامع الكبير للسيوطي».
أبتاه.. نسأل الله ان نكون قد ادينا معك في دنياك ما تستوجبه ابوة مثل ابوتك، ونسأله تعالى وانت الى جواره ان يكرمك بفضله، ويؤجرك عن عظيم ما قدمته لنا حباً وتربيةً، وما بذلته من نفيس عمرك زهرة شبابك وفضل شيخوختك.
ابتاه.. مااعظم ما خلفته لنا من دروس، وما اغلى ما تركت لنا من قيم جعلك الله اسماً على مسمى، فتعلمنا منك «عزة» النفس، وعفتها، ورأينا فيك دروساً في الترفع عن الدنايا. وكنت قدوةً في الايثار وحب الخير وادخال السرور على نفوس مستحقيه ممن نعرف ولا نعرف. وقد قادت خصال حسن خلقك الى اجماع من حولك على حبك، فاذا كان حبنا لك حب الأبناء للآباء ولا عجب في ذلك، لكن حب الناس كان تصديقاً لخلقك، فلا يحب الناس الا من حسن ادبه معهم، وكف اذاه عنهم، وتواضع لهم، وانزلهم منازلهم.
ابتاه.. احمد الله انك لم تكن من الآباء الذين يقضون اعمارهم في جمع حطام الدنيا فيخلفون لهم اموالاً وأطياناً سرعان ما تفنى احمد الله انك تركت لنا قيماً ومبادئ وعلماً، وأفنيت عمرك في «صناعة النفوس» بزراعة الايمان في القلوب وتحصينه بالعلم فكان منا المهندس والطبيبة والمعلمة، تعلمت منك منذ الصغر ان الثروة الحقيقية التي يتركها الانسان من بعده اولاد متعلمون يستطيعون مواجهة الحياة من بعده بعزة وكرامة واقتدار فيشعر الاب وهو الى جوار ربه باطمئنانه عليهم، وسعادته بهم، وانهم حقاً قد اصبحوا امتداداً له.
رحمة الله عليك يا ابي، هكذا كنت، هكذا نحن بتوفيق الله نراك مثاباً عند أرحم الراحمين عن كل خطوة نخطوها فيها خير ومحبة وسلام «والله لا يضيع أجر المحسنين»، فهذا اعظم ما تعلمته منك، ولك اجره ما حييت.

الدكتورة فاتن عزت العلي

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved