أطلق الرئيس الفرنسي على مبادرة صاحب السمو الملكي ولي العهد «بالقرار الشجاع»، وبعيداً عن الأصداء الدولية الايجابية التي رافقت تلك المبادرة، يمكننا قياس أصداء تلك المبادرة على المستوى المحلي وفقاً لعدد من المعطيات منها:
تمتلك المملكة ثقلها الكبير على مستوى العالم الإسلامي، وأي انعطاف في سياسة المملكة اتجاه المواجهة العقائدية المزمنة بين المسلمين واليهود ستنعكس آثارها على عموم العالم الإسلامي، وبالتالي ستفتح آفاقاً أخرى لطبيعة الصراع في المنطقة، وأنهار الدم التي تسيل في كل يوم لن تقود المنطقة إلا إلى مزيد من الدمار، فلذا هذه المواجهة تبرز وجهاً آخر لوجوه الحرب في الإسلام حينما تجدب لغة العنف، بالتأكيد سيكون هناك لغة السلام العادل الذي يعيد الأمور إلى نصابها ويعطي كل ذي حق حقه، ولربما سأترك لأهل الاختصاص الإشارة الى العديد من عهود ومواثيق الصلح في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي كان رجل دين ودولة معاً، وما يهمني هنا هو التأكيد أن الإسلام يمتلك جميع أساليب المواجهة من ساحة الوغى حتى طاولة المفاوضات.. البقية كيف نوظفه وكيف نستثمره بما يتوافق مع الاستراتيجيات الدقيقة القائمة في المنطقة.
التزام المملكة بمسؤوليتها الكاملة تجاه قضايا شعوبها المصيرية، وهذه المبادرة تقود المملكة الى قلب الحدث، في سبيل تدارك حالة الانهيار الشامل الذي تعيشه المنطقة، والذي بدوره يقود المنطقة وشعوبها الى كوارث الله وحده يعلم نهايتها على جميع المستويات الأمنية والاقتصادية ناهيكم عن اطماع بعض دول الجوار.
توقيت المبادرة في غاية الدقة والذكاء، وانتشل المملكة من حملة إعلامية مرعبة كانت تطوِّقها بعد أحداث سبتمبر الماضي، فالمملكة كانت تبدو بالنسبة للعالم كقلعة صحراوية غامضة تقع بجوار آبار النفط، ومهمتها اضطهاد النساء، وتفريخ الارهابيين وارسالهم لتدمير أرجاء العالم..
هذه المبادرة مزقت هذه الصورة التي كانت تحيط بالمملكة وحملتها بمهارة سياسية وحذق نحو مسارات أخرى للقضية، كدولة محبة للسلام وقادرة على مسايرة التناقضات الدولية وموازين القوى وأقطاب التوازن الدولي.
ردود الفعل الفورية بعد المبادرة التي قال عنها سمو الأمير إنها ما برحت في الأدراج وعلى الرغم من هذا، أوقفت إسرائيل إثرها العمليات العسكرية فوراً لمدة سبعة أيام، ووسعت طوق الحصار على الرئيس الفلسطيني، وأرسلت الى جدة «خافير سولانا» المندوب الأوروبي المحمَّل بالرغبة في معرفة المزيد من التفاصيل.
توقيت المبادرة لا بد أن ينقذ مسار السلام الفلسطيني الذي استفردت به إسرائيل وبدأت في فرض أساليب عنجهية وغرائبية دون رادع او وازع، ودون أن يمتك الفلسطينيون جداراً يتكئون عليه ويحمي ظهورهم المشرعة.
هذه إضاءات سريعة على الانعكاسات المحتملة لمبادرة سمو ولي العهد على مستوى العالم العربي والإسلامي.
الباقي علينا نحن أن نكون الأرضية الداعمة المؤيدة والمشجعة لمثل هذا القرار الصلب الشجاع من الرجل «أخ النجدات والحلم الرصين» والذي استطاع بشجاعة نادرة أن يشرع سيف هذه المبادرة وهو يعلم بأنه يقدمه لغد المنطقة ولمستقبل أبنائها ولاستقرارها.
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم |
|