Friday 1st March,200210746العددالجمعة 17 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرةقصة قصيرة
أشواك العمر

كفي تعانق الجدران.. تتحسس أشواكاً مدببة أشعر بانقباضة في القلب ووخزات في سائر الأطراف..
أفتش عن بعض الفراغات.. أو ثقوب تمتص قطرات العرق.. أرى صورة تنعكس على الزوايا أبحث فيها عن ذلك الوجه الذي قد غاب زمناً طويلاً.. فلا أجد شيئاً؟؟
يتبادر إلى سمعي صدى أصوات.. بعض همسات أريد أن أقبض بكفي التي قد امتصت أشواك الجدران المتهالكة.. ولكن يبقى صوت ينادي يستغيث.. بينما أرى العناكب تتدلى من الأسقف تتشرنق حول الأشواك..
تنتمي إليها بصورة مقززة.
أرى ذلك الوجه قد أصبح غريب الملامح وبعض من خيوط العنكبوت قد التفت حول أناملها والأشواك تغطي ذلك الرداء القديم الممزق تمد كفها.. تستنجد بصوت عميق.. حزين.. منكسر.. أرى وجها متجعداً وأطرافاً متشققة..
كيف لي أن أميز بين هذه الثقوب واختلاط الأوجه..
هل الأشواك تلتف حول القلوب.. وتمزق خيوط العناكب أم أن العناكب تسيطر على النبضات وتجعل الأشواك تنغرس فيها.. وتشد عليها وطنة الألم والأحزان المرأة تقترب مني تشد وشاحي.. تريد أن تتسلق فقرات ظهري.. أشعر باختناق كبير..
تلك المرأة لا تزال تسيطر على حسي..
هل باستطاعتي أن أنقذها .. كيف!!
وأنا لم أر هذا الوجه الغريب..
تهمس بصوتها.. أنا أراكِ في زوايا الليل.. أبحث عنكِ منذ زمن.. ابنة بارة.. وإذا أردت أن تكوني ممرضة ساهرة قد تداوي هذه الوخزات..
أحاول أن أشد وشاحي برفق.. وأستند على الحائط المليء بالأشواك أتألم بصمت.. أنظر للمرأة التي أصبحت في زوايا العناكب.. تبكي بوهن.. أحاول الاقتراب منها، وكم أخشى ذلك؟!
فأنا لا أعلم ماذا تخفيه بين جوانحها..
هل الشر يختلط بالخير! أم أن خيوط العناكب تلتف حول الحب وتخنق صوت الخير والانطلاق..
أدثرها.. بغطاء أبيض.. أضع وشاحي على رأسها.. أغمض عيناها.. وهي تخبرني بأني قد مزقت خيوط قد التفت حولها منذ ما يقرب من خمس سنوات..
ضعف.. خوف.. ضياع.. وهي قابعة في منزلها بعد أن مضى الجميع لتبقى وحيدة الصمت والجدران التي تنغرس فيها أشواك العذاب..
أنادي بين النوافذ.. صدى يتردد في فضاء غامض لا يقوى على النهوض.. صور غريبة.. أرقام مبعثرة.. دروب متخبطة.. كيف لي أن أعيد بسمة الشفاه وصدق الوعد المتكرر.. لقد لبث ابنها بجوارها وكفه تلتصق بالجدران لتمتص تلك النبضات التي تنبئ بلحظات الوداع؟
تلك التي تسقى ورود عمرها عناءً.. وذبولاً بينما لا تزال تشم رائحة السنوات التي مضت وهي تحتضن.. تكفكف الدمع.. تبقى بأعين مرهقة وهي ترى قرة عينها في سبات عميق.. العناكب تتدلى من سقف منزلها تحاول أن تخفي ذلك الوهن والانكسار لكن الأشواك تفترش طريقها الوعر.. تبقى بجوار شجرة جافة الأغصان.. تكتب قصائد الشوق وحب الأمومة الذي لا يخالطه الكره.
تعيد عمل ذلك الفستان وهي ترى فيه وجه الطفولة الذي قد يكون اشراقة لأمل مستحيل بخيوط الصوف التي تحولت بين أناملها إلى مجرد أشواك مدببة وخيوط شفافة واهنة تقطر منها دموع العمر الذي مضى.. ولن يعود..

صدى الذكريات
سدير

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved