Wednesday 27th February,200210744العددالاربعاء 15 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سلام الشجعان أم سلام القبور المفتوحة؟!سلام الشجعان أم سلام القبور المفتوحة؟!
عادل أبو هاشم*

فجأة عادت إلى الأذهان وكأنها في الأمس المجازر البشعة التي نفذتها العصابات الصهيونية تمهيداً لإنشاء كيانها المغتصب على أرض فلسطين قبل أكثر من نصف قرن!..
سبعون ساعة ارتكبت فيها القوات الإسرائيلية أبشع الجرائم ضد أبناء الشعب الفلسطيني، من القتل والذبح والاختطاف والاعدام الميداني للجرحى وقتل المواطنين بدم بارد على الحواجز واقتحام المدن ونسف البيوت وقصف مقرات الأمن الوطني وتجريف الأراضي وجعل الأهالي دروعاً بشرية أسفرت عن 40 شهيداً ومئات الجرحى والمعتقلين وتشريد العائلات في عيد الأضحى المبارك!!.
في مشهد «هوليودي» تكرر كثيراً في انتفاضة الأقصى!.. فتحت الدبابات الإسرائيلية نيران مدفعيتها على مقار أفراد الشرطة الفلسطينية، وفي جو مفعم بالتلذذ بالقتل راحت الدبابات القاتلة تتجول حول هذه المقار لتدكها من مختلف الجوانب والزوايا، وفي السياق الهوليودي ذاته، طارت رؤوس الضحايا من أفراد الشرطة بعدما طار منها الفك والأسنان، وانتشرت قصاقيص الجلد البشري وشظايا العظام البشرية في أرجاء المكان لتعود الدبابات الإسرائيلية مزهوة بانتصارها الباهر على الأخلاق!!..
نفس المشهد تكرر ضد المدنيين العزل في الأراضي الفلسطينية!!..
لماذا تفاجأ الفلسطينيون من المذبحة التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جميع مخيمات وقرى ومدن فلسطينية؟!.
فالسجل الإسرائيلي الدموي ضد الفلسطينيين خلال أكثر من نصف قرن حافل بجرائم غريبة في بشاعتها، يندر ان تجد مثيلاً لها في أي مكان أو في أي زمان، إلا في العصور المظلمة التي عانت فيها البشرية من جحافل البربرية أو النازية، أو الفاشية..
كيف خطر على بال البعض من أبناء جلدتنا ان يغلق هذا السجل ويتصور انه ينتمي لعصر انتهى في ظل سلام «القبور المفتوحة» الذي يطلق عليه البعض سلام «الشجعان»؟!.
فكل يوم تفتح قبور جديدة في هذا السجل الدموي..!! وما مجزرة رفح ونابلس وجباليا ورام الله والمغازي ومخيم بلاطة وخان يونس وطولكرم إلا امتداد لمجازر دير ياسين وقبية والطنطورة وغزة والدوايمة واللد والرملة وكفر قاسم والصفصاف والسموع ونحالين وقطاع غزة وصبرا وشاتيلا وعين الحلوة والخليل والمذابح المتتالية للمصلين في الحرم القدسي الشريف ومذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف والمذابح اليومية لأطفال ونساء وشباب الانتفاضة وعشرات المذابح ضد المدنيين العزل في جميع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية على مدى أكثر من نصف قرن!!.
إنه الحقد الصهيوني الدفين الذي تمتد جذوره إلى أعماق التاريخ ويصبغ كل النفوس والعقول اليهودية منذ الأزل!!.
في دير ياسين حدث ذات الشيء عام 1948م.. مجزرة ارهابية مدروسة ومخططة ترتكز على اعتماد قانون «الحق المطلق» الذي يضع الصهيونية في جهة أعلى من بقية البشر، وعلى الإيمان بالحق الأعمى على العرب ونقض حقوقهم الطبيعية نقضاً كاملاً إلى درجة تصبح فيها جريمة ابادة الجنس العربي هدفاً مطلوباً بحد ذاته.
جريمة لها هدف سياسي واضح ومحدد وهو اشاعة الذعر الجماعي بأعنف ما يكون، عنف يتناقله القاصي والداني فيرتعد الجميع لهوله.. حتى يكون هروب.. وحتى يكون تهجير وترحيل، فسقط 200 شهيد من الرجال والنساء والأطفال!!..
وفي كفر قاسم نظم الارهابيون القتلة مجزرة مدبرة مماثلة ولم يقم بالمجزرة ذلك الضابط الذي غرمته المحكمة بعد شهور قرشاً واحداً!! على قيام وحدته بقتل العشرات قتلاً منظماً وبارداً، وواحداً واحداً، وانما قامت بالمجزرة السلطات الإسرائيلية كاملة وبأوامر من أعلى الهرم السياسي الصهيوني وشاعت أنباء المجزرة حتى عمت الأرض المحتلة جميعها والأرض من حولها.
في التاسع والعشرين من اكتوبر عام 1956م وفي نفس الليلة التي حدث فيها العدوان الثلاثي على مصر، وقعت مذبحة كفر قاسم، إحدى قرى المثلث في فلسطين، وراح ضحيتها 57 فلسطينياً منهم 17 من النساء والأطفال، بعدها سأل أحد الصحفيين الرائد «شموئيل مالينكي» أحد المسؤولين عن المذبحة والذي قدم لمحاكمة صورية ثم افرج عنه ورقي إلى مرتبة مقدم.
هل أنت نادم على ما فعلت؟
فأجابه «مالينكي» على الفور بكل برودة وصلف: بالعكس، لأن الموت لأي عربي في إسرائيل معناه الحياة لأي إسرائيلي، والموت لأي عربي خارج إسرائيل معناه الحياة لإسرائيل كلها!.
هكذا وبكل بساطة ووضوح عبّر القائد الإسرائيلي عن الأفكار التي زرعها زئيف فلاديمير جابوتنسكي، الأب الروحي لغلاة الارهابيين والدمويين في الكيان الإسرائيلي.
بعد أيام قليلة من مذبحة كفر قاسم أقدم الإسرائيليون على ارتكاب مذبحة رفح، ففي 12/11/1956م أمرت القوات الإسرائيلية شباب المدينة من سن 15 45 بالتجمع في المدرسة الحكومية خلال نصف ساعة وانذر المتخلفون بالعقاب الشديد، وبعد فترة لا تزيد على خمس دقائق أخذ الجنود يطلقون الرصاص على الناس دون تمييز، وقد قدر عدد الشهداء في ذلك اليوم بنحو 300 شخص، ولقد بلغت القسوة بشاويش إسرائيلي ان دخل بيتاً في المدينة يوم المذبحة فقتل طفلين أمام أمهما وهما عطوة علي ابو عاذرة وشقيقه عودة علي ابو عاذرة.. ولما سئل عن الداعي لذلك أجاب «ان زوجته طلبت منه ان يقتل اربعين عربياً فتمكن من قتل 38 فقط وعز عليه ان لا يحقق رغبة زوجته»!!.
وفي قبية والسموع والخليل وصبرا وشاتيلا وفي جميع المجازر السابقة واللاحقة وحتى مذبحة بيت ريما في رام الله كان الارهاب الصهيوني يندفع نحو تحقيق غايات في غاية الخطورة تشير إلى تصميم الكيان الإسرائيلي على تحويلها إلى أمر واقع بقوة البطش وقدرة الارهاب!!.
لقد أعطى العدو الإسرائيلي في مجازره الأخيرة صورة حقيقية ل«سلام الشجعان» الذي وقعناه مع صديقنا الراحل «رابين»!!، غير ان هذا ليس اعنف ما في جعبة إسرائيل، فهي قد جربت ما هو أبشع طوال 54 عاما من قيام الكيان الصهيوني، وليس هناك ما هو أفظع من اقتلاع الإنسان من أرضه وتشريده في أنحاء الدنيا.. ولهذا فإن على إسرائيل ان تعلم ان مجرد غارات هنا وهناك لن تستطيع اخضاع الشعب الفلسطيني، لأن النتيجة واحدة سواء قتلت الفلسطينيين برصاص البنادق أو المتفجرات أو بقذائف الدبابات وبصواريخ طائرات «اف16» والاباتشي والبوارج الحربية، فالموت هو الموت، مهما كانت فداحة الخسائر بالمقاتلات النفاثة عن تلك الناجمة عن الرصاص المتفرق وقذائف الدبابات!!.
لا أحد يستطيع ان يلتمس من عدوه ان يكون رقيقاً وعادلاً.. فلحسن الظن بالجنرالات الذين دبروا المذابح ضد الشعب الفلسطيني ونكلوا بشبابهم ورملوا نساءهم ويتموا أطفالهم.. لحسن الحظ بمثل هؤلاء حدود لا ينبغي تجاوزها..!! حتى ولو غلفنا ذلك ب«الاجتماعات الأمنية» التي تهدف إلى رفع المعاناة عن شعبنا!!.
وإذا كان معتاداً من الإسرائيليين خاصة واليهود عامة نقضهم للعهود، وتجاوزهم لكل ما هو إنساني واخلاقي، فإن العالم بأسره يشاركهم المسؤولية بعدم التحرك حتى الآن لانقاذ شعب يواجه يومياً عمليات انتقامية لم يعرفها التاريخ المعاصر من أية قوة محتلة، فاغتيال المدنيين بصورة علنية ووقحة بالدبابات والطائرات الحربية والهيلكوبتر والبوارج، وتدمير البنية التحتية الفلسطينية، وتجويع الشعب الفلسطيني، اصبحت عنوان المواجهة بين المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والشعب الفلسطيني الذي لا يجد من يرفع هذا الظلم الفادح الذي يوقع عليه، وكأنه شعب من كوكب آخر!!.
نعم اليهود قوم انتزعت من قلوبهم الرحمة، وغُيبت الأخلاق والمبادئ عنهم، ولكن البشرية تحفل بالمنادين ليل نهار بحقوق الإنسان ودعاة السلام والمحبة، فأين أصبحت ضمائر كل هؤلاء عما ترتكب من مجازر يومية ضد شعب أعزل لا يريد سوى حريته وأرض حرة كوطن مستحق.. هي أرض الآباء والأجداد.
إن سلام «القبور المفتوحة» الذي فرضه العدو الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني لن يستمر طويلاً، لأن الحسابات الفلسطينية مختلفة جداً عن الحسابات الإسرائيلية كالاختلاف بين الجلاد والضحية، لأن الجلاد في كل الأحوال لن يعترف بأن هناك ضحية قام بقتلها!!.
إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج في هذه الأيام إلى لقاءات أمنية أو فصاحة المتفاوض أو بلاغة الشعراء والهتافات الحماسية، ولكن إلى وحدة وطنية تستند على صلابة المواقف والتمسك بالثوابت الفلسطينية دون تهاون أحد أو تخاذل للوصول للأهداف الفلسطينية في ظل حرب الالغاء والابادة التي يشنها العدو الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني!!.

ü كاتب وصحفي فلسطيني الرياض

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved