* كتب مندوب «الجزيرة»:
أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ أن كل الفتن التي حصلت في تاريخ المسلمين إنما حصلت من جراء الأهواء وعدم لزوم الجماعة في الدين،وقال:فعند ظهور الفتن أو التقلبات يحصل هناك اضطراب فالمخرج في الثبات على الدين والبعد عن أسباب الفرقة هو لزوم جماعة الدين وجماعة الأبدان.
كما شدد معاليه على أن الأمة اليوم بحاجة إلى أعداد كبيرة من أهل العلم ومن الدعاة إلى اللهجل وعلا،والأمة اليوم فيها الكثير من المصائب،تواجه تحديات عظيمة جداً من أعدائها،فاليوم المجال مجال تناصح وتعاون وبذل وإخلاص وسعي ليلاً ونهاراً في الحق والهدى..بمقتضيات الشرع وبالحكمة الحسنة وبالحوار وبالمجادلة بالتي هي أحسن.
جاء ذلك في محاضرتين القاهما معالي الشيخ صالح آل الشيخ مؤخراً الأولى بعنوان :(أسباب الثبات على الدين) بجامع الإمام عبدالله بن سعود في حي السويدي بالرياض، والثانية بعنوان :(واجب أهل الدعوة)، بجامع الجوهرة البراهيم بحي التعاون بمدينة الرياض.
وفي محاضرته الأولى، أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ أن الثبات على الدين أمر مطلوب في كل حال، وفي كل زمان ومكان لأن القلب يتقلب لهذا كان من منه جل وعلا على عبده محمد صلى الله عليه وسلم أن قال الله له: {وّلّوًلا أّن ثّبَّتًنّاكّ لّقّدً كٌدتَّ تّرًكّنٍ إلّيًهٌمً شّيًئْا قّلٌيلاْ} [الإسراء: 74] وقال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا}ا لنساء [: 66]، وقال لنبيه {فّاسًتّقٌمً كّمّا أٍمٌرًتّ ...} [هود: 112].
وقال معاليه: ولأجل أهمية الثبات على الدين وأنه مطلب من أعظم المطالب الدينية والشرعية كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :(اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك) (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
ولفت معاليه إلى أنه في كل زمن يحتاج المرء إلى أن ينظر في أمر دينه، وكيف يحصل أسباب الثبات عليه، وقال: إنه في أزمنة الفتن والتقلبات والأحوال التي لا يعرف جل الناس مبتدأها ولا منتهاها ولا علتها الأولى ولا علتها الغائبة فإنه يعظم أن يحرص العبد على البعد عن أسباب الفتن ليكون ثابتاً على دينه.
وأكد معاليه مجدداً أن الثبات على الدين أمر مهم لكل وقت ولهذا الزمن بخصوصه، والثبات على الدين يظهر عظمه عندما مَن عظم الدين وعرف أثره، فتعظيم الله جل وعلا دين، وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم دين، بما يناسب مقام الرسالة دين، وتعظيم الكتاب والسنة دين، والبعد على أسباب الهوى دين، وهذه كلها مأمور بها في القرآن، ولهذا فإنه على خطر عظيم من تلاعب بدينه، من ظن أن الدين والشرع هو مسرح لكل أحد أو ميدان لا خطر على من دخله، فمن تعدى الحدود فَيُخْشَى عليه.
وأكد معاليه أن الثبات على الدين ثبات على الكتاب والسنة، ثبات على الحق، ثبات على سبيل من شهد الله جل وعلا لهم بالرضوان والمغفرة والنجاة، والدين يختلف، هناك دين الفرقة الناجية، وهناك دين أهل الأهواء ولكن الحقيقة أن الدين الحق هو الذي نسعى إلى الثبات عليه وهذا يتطلب معرفة به وعلماً به.
وأبان معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن هناك أصلان عظيمان لاسباب الثبات على الدين وهما: الاعتصام بالكتاب والسنة والحق، والثاني العناية بالعلم النافع من أهله الذين تحققوا بفهم طريقة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
وتحدث معاليه باسهاب عن هذين الاصلين وقال: ان الاعتصام بالكتاب والسنة له أثران، الأثر الأول الثبات على الدين، والأثر الثاني، رد الاهواء واسباب الفتن التي ترد على القلب، والاعتصام بالكتاب والسنة هو الاعتصام بالله، والاعتصام بشرعه لهذا قال تعالى :{وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ پلَّهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا ...} [آل عمران: 103]، مستعرضاً تفسيرات أهل العلم في معنى (حبل الله) في الآية، منها أن حبل الله هو الإخلاص لله جل وعلا، ومنها أن حبل الله هو القرآن، ومنها أن حبل الله هو السنة المبنية للقرآن، ومنها أن حبل الله هو الجماعة.
وقال : ان الجماعة في الكتاب والسنة لها معنيان، وأن الفرقة المنهي عنها لها معنيان، أما الجماعة بالمعنى الأول فهي جماعة الدين، وهي الاجتماع على الدين الحق الذي هو مبين في الكتاب والسنة، وأما الجماعة في المعنى الثاني فهي جماعة الابدان وهي الاجتماع على من ولاه الله الأمر.
وفي هذا السياق استشهد معاليه بما جاء في الحديث الصحيح أن الله يرضى لكم ثلاثا (يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بالله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال).
واعتبر معاليه لزوم الجماعة لزوم الدين الحق وعدم التفرق فيه، فهناك ملازمة ظاهرة ما بين التفرق في الدين والتفرق بين الناس في ابدانهم، أو جهة لزوم الامام أو ولي الأمر، وقال : إن الناس إذا فرقوا في الدين وكانوا شيعاً واحزاباً فإنه سيؤول ذلك إلى التفرق الآخر، وإذا تفرقوا في أمر الدين بأن فرقوا ولم يؤمنوا بالكتاب كله واتبعوا أهواءهم فإنهم سيتلاعنون ويتفرقون في ابدانهم ولا بد.
واشار معاليه إلى أن كل الفتن التي حصلت في تاريخ المسلمين إنما حصلت من جراء الاهواء وعدم لزوم الجماعة في الدين، وقال: فعند ظهور الفتن أو التقلبات يحصل هناك اضطراب فالمخرج في الثبات على الدين والبعد عن اسباب الفرقة وهو لزوم جماعة الدين وجماعة الابدان.
وعن الاصل الثاني «العناية بالعلم النافع» ، تحدث معاليه قائلاً: «إن العلم النافع هو الذي يجعل المرء متحققاً بمفاهيم الكتاب والسنة ومعاني الادلة عن أهله المتحققين بفهم طريقة السلف وأهل الحق الذي لا يخلو منه زمان، فلا بد من وجود الحق والأمة لا يغيب عنها الحق في أي وقت من الاوقات، فالحق ليس خفياً، ولكن قد يشتبه على بعض الناس فإذا اشتبه الأمر وخاصة في زمن الفتن كان من اسباب الثبات على الدين أن يؤخذ الحق من أهل العلم المتحققين فيه.
وفي هذا السياق استشهد معاليه بما قاله عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه في وصف حال السلف من الصحابة وكبار التابعين انهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وقال: إن من أسباب الثبات على الدين أن يقف المرء على علم صحيح، وأن يكف ببصر نافذ، أما إذا خاض بغير علم ولم يكف لعدم بصيرته فإنه يحدث منه الخلط والهوى ولا بد.
واستعرض معاليه بعضاً من الفتن والاختلافات التي حصلت في تاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مشدداً على أهمية النظر في حال الاختلاف بمآلات الاشياء لا في مبتدئها لأن مبتدأها لا يعني الصواب فيها، بل الصواب هو غاياتها ومنتهاها، موضحاً معاليه أن المعرفة بالمآلات أصل شرعي لهذا جاءت قواعد شرعية تؤصل هذا المبدأ دائماً في الشريعة ونحتاجه في الثبات على الدين في زمن الفتن.
وقال معاليه: ومن تلك القواعد درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما، وسد الذرائع، ضارباً معاليه بعض الامثلة في ذلك، مشيراً إلى أن السلف ذموا الدخول في الفتن، وامتدحوا الحرص على الدين وكف اللسان لأن المآلات تخفى.
وواصل معاليه الحديث عن اسباب الثبات على الدين، وقال: إن منها كذلك أن يكف العبد عليه لسانه، فاللسان هو ميدان الابتلاء، مورداً ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع معاذ حين قال:(ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكف الناس في النار على مناخرهم أو قال على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
وفي هذا السياق، أكد معاليه على ضرورة أن يقول الإنسان خيراً أو ليصمت لأنه باللسان تكون الفرقة، فعلى العبد أن يكف لسانه وخاصة في زمن الاختلاف والفتن، فكف اللسان مدعاة للتقليل من اثر الفتن والتغيرات على المسلمين قال تعالى:{وّقٍل لٌَعٌبّادٌي يّقٍولٍوا پَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ إنَّ پشَّيًطّانّ يّنزّغٍ بّيًنّهٍمً ..} [الإسراء: 53] .
وحث معاليه المسلم على الا يشغل لسانه في زمن الفتن بالأحكام التي تلقى إما أحكام كفر أو أحكام تضليل لأن هذه الأحكام لها ما بعدها من تصرفات، مؤكداً على ضرورة الركون إلى أهل العلم، وكف الالسن كما كان يفعل السلف الصالح.
واسترسل معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ قائلاً: إن من أسباب الثبات على الدين أيضاً وخاصة في هذا الوقت الذي نعيشه الاقلال و الامتناع عن رؤية الفضائيات المختلفة حتى في الأمور الاخبارية، لأن عدو الأمة يعلم أن مصدر الاضطراب عند الناس إنما يكون بالمعلومات الصادقة أو الكاذبة، لهذا فمن طالح هذه الفضائيات وما فيها من أخبار بعضها صحيح وبعضها غير صحيح ومن مناقشات اصبح فيها بث للجهل، وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهذا من دلائل نبؤته عليه السلام قال:(لا تقوم الساعة حتى يقل العلم، ويبث الجهل)، وعلق معاليه قائلاً: فإذا كان المسلم إذا جالس عالماً في اليوم ساعة أو ساعتين أكتسب منه علماً، وأثر في نفسه، فكيف إذا جالس جاهلاً أو فاسقاً، أو منحرفاً ساعات طوال أمام هذه القنوات الفضائية، فأولاً الحذر منها من جهة الشبهات فقد يشك المرء الذي يدمن النظر فيها يشك في دينه، وأن يحذر منها ثانياً من جهة الشهوات، لأنها سبيل ايضاً إلى تغيير تدين العبد.
وقال معاليه: لهذا الحذر من هذه القنوات ومما يبث فيها من جهالة ومن نظر فيها فليُميز وإذا وجد نفسه أنها تتأثر فإنه يحذر على دينه في ذلك وعلى أن لا يقع في الأهواء.
واستمر معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قائلاً: ومن الأسباب كذلك للثبات على الدين هو كثرة العبادات وخاصة عند زمن الاضطراب والفتن، والعبادة اعظمها توحيد الله وتعظيم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمداومة على الصلاة وقراءة القرآن والذكر قال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا..}النساء [: 66].
وخلص معالي الوزير آل الشيخ، إلى القول: إن أسباب الثبات على الدين كثيرة ومتنوعة لكن يجمعها الاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم الجماعة، واخذ العلم عن أهله المتحققين به، والبعد عن الأهواء، والنظر في المآلات والاعتبار بالعلل الغائية للاشياء، ولزوم كف اللسان، ولزوم العبادة، والحذر مما يلقيه أعداء الإسلام إلينا في رسائلهم المختلفة عبر نقلة إما قاصدين أو غير قاصدين.
ونوه معاليه إلى أن المسألة عظيمة اليوم، والواجب تحري العلم بدليله، وتحري الحكم في المسائل، والنظر فيها بدليلها الشرعي وفق القواعد الشرعية، لأن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، جاءت للحفاظ على أهل الإسلام ولو ارتكبت بعض المفاسد فإن ارتكاب بعض المفاسد الصغرى للحفاظ على المطالب الكبرى، هذا أمر مطلوب في الشرع والقواعد، بل النصوص تقتضيه.
واوصى معاليه طالب العلم، وخاصة في وقت الاختلاف النظر في القواعد الفقهية، لأن القواعد الفقهية فيها رؤية لتعليلات الأحكام، ومقاصد الشريعة، ومن نظر في الشريعة بدون معرفة المقاصد وعلل الأحكام فإنه قد لا يدرك الصواب فيما ينظر فيه من الأحكام.
وفي محاضرته الثانية، أوضح معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا للناس ، ليعبدوا الله وحده لا شريك له، ولتطاع الرسل وليتقي العباد ربهم جل وعلا، ثم جاءوا بلزوم الاستغفار وورث الأنبياء وخاتمهم وآخرهم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، فكانت رسالته أكمل الرسالات، وكانت شريعته أكمل الشرائع، فجعل الله جل وعلا في رسالته وشريعته أكمل الهداية بالقول والعمل والاعتقاد، فأخذها منهم عنه صلى الله عليه وسلم من أخذها من الصحابة ثم اخذها عن الصحابة من أخذها عن التابعين من أهل العلم والعمل، حتى بلغت تلك الشريعة، وبلغت مقتضى الرسالة أهل هذا الزمان بواسطة العلم.
ومضى معاليه قائلاً: ولهذا فإن أهل العلم الذين ينقلون الشريعة، ويحفظون معاني القرآن، ويحفظون حدود السنة، هم في الحقيقة الورثة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام :(إن العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
واضاف معاليه يقول: وبين الله جل وعلا لنبيه أن خاصة عباده الذين يصبرون معه على البصيرة وعلى الدعوة إلى الله تعالى، فقال جل وعلا:{قٍلً هّذٌهٌ سّبٌيلٌي أّدًعٍو إلّى پلَّهٌ عّلّى" بّصٌيرّةُ أّنّا وّمّنٌ \تَّبّعّنٌي ..} [يوسف: 108]
والذين ورثوا النبي صلى الله عليه وسلم هم العلماء، والذين ورثوا الدعوة هم الدعاة، مشيراً إلى أن الدعوة ليست هي الموعظة فحسب، بل نشر العلم دعوة، وتبصير الناس بالحق دعوة، وتبيان ما يحتاجه الناس في أمر عقيدتهم دعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة، موضحاً أنه بقدر ازدياد المرء من العلم يكون نصيبه من الدعوة، فواجب أهل العلم واهل الدعوة أن يكون نصيبهم من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم من العلم عظيم، فهذا سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الفرقة الناجية التي جاءت بالحديث ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال هي الجماعة فيمن هي هذه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فسرها الإمام أحمد = رضي الله عنه بأنهم أهل العلم، وهذا يقتضي أن ما عليه أهل العلم هو الذي يجب على الناس أن يسلكوه.
وأبان معاليه أن على أهل العلم والدعوة واجبات بمقتضى النصوص أوجب الله عليهم أولاً أن يكونوا أهل خشية منه لأن خاصة عباده الذين هم الأنبياء والعلماء هم الذين يتحلون بهذه الخشية قال تعالى في وصف النبيين ومن ورثهم انهم :{كّانٍوا يٍسّارٌعٍونٍ فٌي پًخّيًرّاتٌ وّيّدًعٍونّنّا رّغّبْا وّرّهّبْا وّكّانٍوا لّنّا خّاشٌعٌينّ} [الأنبياء: 90]، وقال جل وعلا :{إنَّمّا يّخًشّى پلَّهّ مٌنً عٌبّادٌهٌ پًعٍلّمّاءٍ...} [فاطر: 28]، والعلماء هم أهل الرغب والرهب، وأهل الخشية والذي يأخذ العلم بلا رغب ورهب من الله وخشية منه سبحانه يخشى عليه لهذا كانت الملائكة في السماء إذا سمعت الوحي من الله جل وعلا ضربت باجنحتها لقول الرب جل وعلا.
وأبان معاليه أن واجب أهل العلم والدعوة أن يكون من أخص صفاتهم الخوف من الله جل وعلا والخشية منه سبحانه والاستعداد للقائه بما يتكلمون به، أو يعملون سراً وعلناً أو خفية وباطنا وهذا هو الذي ينبغي على كل ما انتسب إلى العلم أو إلى طلبه، أو إلى الله جل وعلا، وإذا عظمت الخشية وعظم الرغب والرهب استقام اللسان فستجد المنتسب للعلم والدعوة طيب اللسان ليس بفاحش ولا سباب ولا بذيء يحفظ حق الله جل وعلا ويحفظ حق العباد ليس بذي قدح ولا سباب، كما جاء في وصف المؤمنين في قوله صلى الله عليه وسلم : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء)، وقال الله جل وعلا لنبيه:{وّقٍل لٌَعٌبّادٌي يّقٍولٍوا پَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ إنَّ پشَّيًطّانّ يّنزّغٍ بّيًنّهٍمً...} [الإسراء: 53]، إذا عظمت الخشية لم يكن اللسان منطلق فيما شاء بل يتحرى الصواب في القول والعمل ويتحرى الحق فيما يأتي وفيما يذر ويتعاون فيما يقول مع من يعلم رشده في العلم والعمل.
وقال معاليه: أما الواجب الثاني على أهل العلم والدعوة فهو أن يكونوا من أهل الإخلاص وعبادة الله وحده لا شريك له لأن الإخلاص وعبادة الله وحده لا شريك له هي اخص صفات عمل الانبياء عليهم صلوات الله وسلامه ولهذا قال الله لنبيه :{لّئٌنً أّشًرّكًتّ لّيّحًبّطّنَّ عّمّلٍكّ وّلّتّكٍونّنَّ مٌنّ پًخّاسٌرٌينّ} [الزمر: 65]، فالإخلاص في القول والعمل والاعتقاد هذا من أعظم الواجبات والإخلاص يتفقده المرء في نفسه وفي أقواله واعماله لأن المرء قد يريد بعمله انحاء من مقاصد الدنيا، اما الشهرة، أو الظهور أو صرف وجوه الناس إليه، أو أن يكون قويا عند الناس بالحق وهو ليس بمخلص في ذلك أو يكون عنده غيره في الظاهر لكنه يعلم من نفسه في الباطن أنه ليس بمخلص في ذلك لهذا كان الإخلاص في عبادة الله وحده لا شريك له وفي جميع الأعمال كان هذا من أخص صفات أهل العلم والدعوة ومن واجباتهم التي أوجب الله عليهم أن يتحلوا بها.
واضاف معاليه أن من واجباتهم أن يكونوا متواضعين للعلم راغبين في الازدياد منه فكلما ازداد المرء بالعلم ازداد من صفات العلم والدعوة، لأن أهل العلم متفاوتون في رتبهم في العلم وفي رتبهم في بذل العلم والدعوة والواجب أن يزداد الجميع علماً وأن لا يقول قائل قد اكتفينا من العلم والآن أو أن البذل والدعوة ولا يسعى في ازدياد العلم، والواجب أن يزداد أهل العلم علماً وأن لا ينقطع ذلك فيهم، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: وقد رؤى معه محبرة وورق قيل له أنت أبو عبدالله وتحمل المحبرة والورق، قال كلمته المشهورة :(مع المحبرة إلى المقبرة) هذا مع كونه اماماً، والناس يصيرون إليه، لكن من قال أنا اكتفيت من العلم والآن أبذل، واعظ أو ادرس، وهو لا يتعلم، ولا يقبل على العلم فإنه قد فرط في واجب من الواجبات وما أحسن قول ابن الوردي في لا ميته: (في ازدياد العلم ارضاء العدء وجمال العلم اصلاح العمل)، فإذا ازداد أهل العلم والدعوة في العلم فإنهم يرغمون العداء على جميع اصنافهم، لأنهم حينئذ يوفقون إلى الصواب.
واوضح معاليه في السياق نفسه أن ازدياد العلم ليس معناه أن يكتفي بعلم نفسه بل المرء يتعلم ويأخذ من علم اخوانه أو أبنائه أو اخواته أو مشايخه على حد سواء يعني في التلقي، معنى ذلك أنه لا يترفع عن أحد العلم ممن صغر منه سناء أو صغر قدراً، فإنه يأخذ من العلم لأن العلم ضالة المؤمن، والهدهد جاء لسليمان بعلم لم يحط به، فقال: احطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، ويأخذ المرء العلم من اقرانه ويأخذ العلم، وهو الاساس من مشايخه، فطالب العلم وأهل العلم والدعوة حريصون على العلم النافع، ولذلك لا يصلح أن يستقل أحد ينظر في نفسه أنه صاحب صواب في بحثه أو في قوله أو بعلمه دون مشاورة لأهل العلم وأخذ ما عندهم.
وواصل معالي الوزير صالح آل الشيخ محاضرته متحدثاً عن واجبات أهل العلم واهل الدعوة قائلاً: ومن واجباتهم أيضاً أن يبينوا الحق وأن لا يكتموه، لأن الله جل وعلا أخذ الميثاق على أهل العلم وأهل الكتاب وهذا ظاهر في عدة آيات قال تعالى: {وّإذً أّخّذّ پلَّهٍ مٌيثّاقّ پَّذٌينّ أٍوتٍوا پًكٌتّابّ لّتٍبّيٌَنٍنَّهٍ لٌلنَّاسٌ وّلا تّكًتٍمٍونّهٍ فّنّبّذٍوهٍ وّرّاءّ ظٍهٍورٌهٌمً وّاشًتّرّوًا بٌهٌ ثّمّنْا قّلٌيلاْ ..} [آل عمران: 187]، وذم الله جل وعلا الذين يكتمون البينات.
وقال معاليه: ان أبو هريرة رضي الله عنه كانت عنده أحاديث من أحاديث الفتن والملاحم، وبعض أخبار الخلفاء، فكتمها، وإنما اخبر بها بعد زوال المانع، لأجل أن لا تذهب على الأمة، والإمام أحمد حذف من مسنده الأحاديث المتعلقة بالفتن مع الولاة والسلاطين ونحو ذلك، لأجل أن لا يأخذها من لا يفقه في الأحكام، فيجعل ذلك وسيلة للخروج عن المحكمات في الشريعة.
وبين معاليه أن من امثلة الادلة التي تراعى عند البيان والايضاح أن لا يترتب على القول مفسدة أكبر، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأن القاعدة الشرعية تقول:«اركاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما مطلوب شرعاً، مشيراً إلى أنه اذا كان العالم يرى أن في بعض البيان ما قد يترتب عليه مفسدة فإن تأخيره متعين، وأما قول الاصوليين لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا بضابطه المذكور، وهو لا يترتب على ذلك مفسدة.
وأبرز الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن الواجب العظيم من واجبات أهل العلم والدعوة في أن يكون بينهم تناصح، وأن يكون بينهم تعاون، لأن الشريعة جاءت بالتعاون على البر والتقوى، قال تعالى: {وّتّعّاوّنٍوا عّلّى پًبٌرٌَ وّالتَّقًوّى" ولا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ...} [المائدة: 2].
ومضى معاليه قائلاً: ومن واجبات أهل العلم والدعوة أن يتحروا السنة وطريقة السلف الصالح، وأن يبتعدوا عن الاهواء ما صغر منها وما عظم لأن السلامة في السنة وفي طريقة السلف ، السلامة في خصال الفرقة الناجية، السلامة في النظر إلى ما كان عليه السلف الصالح في اقوالهم واعمالهم، واعتقاداتهم، في هديهم ، في تعاملهم مع بعضهم البعض، في تعاملهم مع ولاة امورهم، ومع علمائهم، وفي تعاملهم مع الموافق والمخالف، في تعاملهم مع أهل الاهواء، كيف كان تعاملهم هذا هو الكمال لأن الله أثنى على سلف هذه الأمة، وهم الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم قال :(خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
وأكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد أن الأمة اليوم بحاجة إلى اعداد كبيرة من أهل العلم ومن الدعاة إلى الله جل وعلا ، والأمة اليوم فيها الكثير من المصائب، تواجه تحديات عظيمة جداً من اعدائها، فاليوم المجال مجال تناصح وتعاون وبذل واخلاص وسعي ليلاً ونهاراً والهدي بمقتضيات الشرع وبالحكمة والموعظة الحسنة وبالحوار وبالمجادلة بالتي هي أحسن.
وحث معاليه أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في أن لا يستخفنهم أحد، قال الله جل وعلا لنبيه: {فّاصًبٌرً إنَّ وّعًدّ پلَّهٌ حّقَِ وّلا يّسًتّخٌفَّنَّكّ پَّذٌينّ لا يٍوقٌنٍونّ} [الروم: 60]، ولهذا جاءت النصوص في الكتاب والسنة بمنع الاستعجال وبذمه وبذم أهله، والله جل وعلا، يقول: {ولا تستعجل لهم}، وهذا يجب أن يكون من صفات المسلمين جميعاً تبعاً لعلمائهم في ألا يستخفنهم الذين لا يوقنون في الاقوال أو في الافعال أو في التصرفات، لأنه إذا ضعفت الأمة من داخلها وصار بأسها بينها ضعفت عن المواجهة، فإذا قويت وتكاتفت فإنها تقوى في مواجهة أعدائها.
ولفت معاليه في هذا السياق إلى ما تتعرض له الأمة اليوم من هجمة كبيرة بأنواع الهجوم تارة بالتصريح، وتارة بغير التصريح لكي يختلف المؤمنون والمسلمون فيما بينهم وتقع الاضطرابات في بلادهم ولكي يطعن بعضهم في بعض ولكي يضطربون في تصرفاتهم، والواجب النظر في قوله الله تعالى: {فّاصًبٌرً إنَّ وّعًدّ پلَّهٌ حّقَِ وّلا يّسًتّخٌفَّنَّكّ پَّذٌينّ لا يٍوقٌنٍونّ} [الروم: 60]، مستشهداً معاليه في هذا السياق بقصة نوح عليه السلام في دعوة قومه والمدة التي قضاها في دعوتهم والتي بلغت ألف سنة إلا خمسين عاماً، وقصة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في الدعوة.
وخلص معالي الوزير آل الشيخ في محاضرته إلى حث أهل العلم وأهل الدعوة أن يوافقوا مقتضى الأمر الإلهي ومقتضى السنة سواء رأوا النتائج أو لم يروها، المهم أن يمشوا على الصراط الذي مشى عليه السلف وأهل العلم، هذه منزلة عظيمة وواجب عظيم الصبر وأن لا يُستخف، وهذا يحصل أن يأتي مثلاً بعض المتحمسين فيتأثر بما وقع، أو بما بث فيأتي يضغط على طالب العلم، وعلى العالم وعلى الدعوة في أن يقول أو أن يتصرف في اشياء واحياناً يستجيب له لأجل كثرة القول أو كثرة الضغط، وهذا ليس بمحمود، فالمحمود أن يكون أهل العلم قدوة في أن يقولوا ما فيه مصلحة وليس موافقة الناس.
|