حوار: عبدالله بن ظافر الأسمري
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالتمسك بسنته التي هي طريق النجاة وسبيل السعادة في الدارين، ولم يترك شيئا عليه الصلاة والسلام من الخير الا دل أمته عليه، وما ترك شراً إلا حذر منه، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن هذه السنن التي فعلها وسنها لأمته عليه السلام، سنة الأضحية يوم عيد الاضحى، وقد ضحى عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيمينه وسمى وكبر، والأضحية شعيرة من شعائر الإسلام وعبادة عظيمة تعبد الله بها عباده المؤمنون، فعلها رسولنا صلى الله عليه وسلم أصالة عن نفسه ونيابة عن المؤمنين من أمته، تعلقت بها أحكام ينبغي على المسلم عند إرادتها ان يفقهها ومن ثم يضحي وفقها تقربا الى الله تعالى طلباً لمرضاته وكسبا للأجر الأخروي من لدنه تعالى.
ومن هذا المنطلق ولقرب حلول موعد هذه السُنَّة، قامت «الرسالة» بحوار مع فضيلة الاستاذ الدكتور صالح بن عثمان بن عبدالعزيز الهليل أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بالرياض، والذي أجاب فضيلته مشكورا عن التساؤلات وبيّن الاحكام المتعلقة بهذه الأضحية فإلى الموضوع:
* ما تعريف الأضحية؟
الأضحية لغة مشتقة من الضحوة وهي: ارتفاع النهار ولهذا سميت أضحية لأنها تذبح في الضحى. يقال ضحيت بالشاة أي: ذبحتها في الضحى ومنه سمي يوم النحر حيث يقال له: عيد الأضحى.
وفي الاصطلاح تعني: ما يذبح من بهيمة الانعام تقربا الى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق.
* ما الحكم التكليفي للأضحية؟
اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية الأضحية لدلالة الكتاب والسنة القولية والفعلية على ذلك وقد حكى اجتماعهم على تلك المشروعية جمع من الفقهاء. لكن اختلفوا في حكمها التكليفي والذي عليه جماهيرهم أنها سنة مؤكدة لا ينبغي لمن قدر عليها تركها، عمدة هذا القول حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً» رواه مسلم.
والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام «إذا أراد أحدكم..» الخ، فلما علق التضحية على الإرادة دل على أنها مستحبة لا واجبة، إذ ان الواجب لا يتعلق فعله بإرادة المكلف، بل يجب عليه إراده او لم يرده.
ولكن لا ينبغي على المسلم الذي أقدره الله عليها ان يحرم نفسه الأجر العظيم الذي وردت به السنة المطهرة بل يبادر إلى فعلها ويداوم عليها كل سنة ويحيي بذلك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» فقد ضعفه أصحاب الحديث وإن صح فيحمل على الاستحباب.
* هل امتناع بعض النساء عن تمشيط شعورهن، وتقليم أظافرهن له مسوغ؟ وما توجيهكم؟
المرأة إن كانت تريد ان تضحي بنفسها فعليها عدم أخذ شيء من شعرها أو أظافرها من أول عشر ذي الحجة حتى تذبح أضحيتها.
أما ان ضحى عنها وليها من زوج أو أب فأشركها في أضحيته فلا مانع من تقليم أظافرها وأخذ شعرها، لأن النص السابق في حديث أم سلمة رضي الله عنها جاء «وأراد أحدكم أن يضحي..» وهي في هذه الحالة مضحى عنها لا مضحية عن نفسها فلا يشملها الخطاب.
هذا حكم أخذ الشعر والاظافر أما تمشيط الشعر ولو تساقط منه شيء بغير قصد فلا يتناوله النهي السابق بل عليهن التجمل والتحسن لأزواجهن ومنه العناية بالشعر.
* هل تجزئ الأضحية بغير بهيمة الأنعام كالدجاج والحمام ونحوهما؟
سبق تعريف الأضحية أنها من بهيمة الأنعام وعليه فلا يجزئ ان يضحى بسواها من مأكول اللحم. لعدم ورود نص من كتاب أو سنة في جواز سوى بهيمة الأنعام. تلك عبادة الأصل فيها التوقف على ما ورد والذي ورد هو ان محل الأضاحي بهيمة الأنعام دون سائر مأكول اللحم من طير او نحوه.
* هل الأفضل ذبح الأضحية أو التصرف بثمنها؟
الأضحية كما سبق شعيرة من شعائر الإسلام لها مقاصدها الشرعية وحكمها وأسرارها فلا ينبغي العدول عنها الى سواها من القرب بحيث تنعدم وتحل محلها بدائل اخرى.
لذا فالافضل ذبحها في يوم العيد، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى ووجه ذلك: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء من بعده ضحوا ولو كان التصرف بثمنها أفضل لأرشد إليه عليه الصلاة والسلام بل في حديث عائشة رضي الله عنها ان النبي عليه الصلاة والسلام قال: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم...» الحديث.
فهذا العموم دليل على أفضلية الأضحية على التصرف بثمنها، ومما يؤيد ذلك ان إيثار الصدقة على الأضحية يفضي الى ترك سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ومما ينبغي الإشارة إليه ان بعض الطرح والتلميح بأن التصرف بثمن الأضحية قد يكون أنسب لأن الناس في غنى ويأكلون اللحم مراراً في اليوم الواحد.. إلخ.
فهذا الرأي فيه نظر لأن لحم الاضحية ليس المقصود شرعاً وإنما المقصود ما ذكره الله عز وجل في قوله «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم». فينبغي المداومة على الأضحية والتماس الأجر والمثوبة من الله ونحرها يوم العيد لأنه أفضل أيام النحر.
* ما حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية؟
هنا قاعدة وهي أن الصدقات غير الواجبة يجوز إعطاء غير المسلم منها ولا سيما إذا كان في ذلك تأليف له، ودعوة إلى دين الله عز وجل وإظهار سماحة الإسلام وإنسانيته ونحو ذلك من المقاصد الشرعية ومن ذلك الأضحية إذا لم تكن وصية.
أما إذا كانت واجبة كما لو أوصى بأضحية فإنه يجب ذبحها، ومن ثم فلا يعطى منها الكافر لأن الصدقة الواجبة لا يجوز دفعها لكافر كالزكاة الواجبة وسائر الكفارات ومنها الأضحية الموصى بها لأنها واجبة.
* ما حكم الاستعانة في ذبح الأضحية؟ وما حكم الإنابة في ذلك؟
هناك قاعدة في باب النيابة مفادها: أن العبادات المالية المحضة تدخلها النيابة بالإجماع. والأضحية من هذا الباب ومنها يمكننا القول: بأن الاستعانة في ذبح الأضحية جائزة. وكذلك الإنابة جائزة في ذبحها وتوزيعها لكن الأفضل والمستحب ان يتولى المسلم ذبح أضحيته والاشراف على توزيعها أثلاثا تطبيقا للسنة فيأكل ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث على الفقراء ومن في حكمهم. لأن في هذه الأعمال أجرا عظيما فينبغي على المسلم الحرص على كسبه، وعدم إيثار غيره به، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تولى ذبح أضحيته بنفسه قال جابر رضي الله عنه: «فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده» أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله لكن لو اضطر إلى من يساعده بالمسك ونحوه فلا بأس.
* هل يجوز للمرأة أن تضحي عن أهل بيتها إذا كان زوجها فقيراً وهي تطيق ذلك؟
يستحب للمرأة الغنية أن تضحي عن أهل بيتها بما في ذلك زوجها ما دام فقيرا. لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على القريب صدقة وصلة» وأقرب الناس لها أهل بيتها وحينئذ لا تأخذ من شعرها ولا أظفارها شيئا حتى تذبح تلك الأضحية كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
* ما حكم الأضحية عن الميت؟
الأصل أن الأضحية للحي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين كما في حديث جابر السابق وحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، وكلاهما في الصحيحين ولم أطلع على أنه ضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته بناء على ما صح، ولكن بناءً على أن الأضحية عبادة مالية تدخلها النيابة فإذا أوصى بها الميت أو جعلها من ريع وقف أو نحو ذلك شرعت بل تدخل في عموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» وهي حينئذ من الصدقة الجارية أما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم: أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه فهذا حديث لم يصح إذ مداره عن رجل يقال عنه حنش بن ربيعة، وقد تفرد به شريك بن عبدالله القاضي وهو ضعيف، فلا يعول عليه إذ لو صح وجب المصير إليه لأنه نص في الأقضية ومن هنا وجب التمسك بالأصل وهو أن الأصل في الأضحية كونها عن الحي. ولكن لا نضيق واسعا فمن أراد أن يشرك معه أحدا في أضحيته حيا أو ميتا جاز ذلك، وعليه العمل قديما وحديثا، ومن أراد ان يفرد ميتا بأضحية فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بأحد الكبشين عن أمته ومنهم الحي والميت، ومما ينبغي التنبه إليه أن بعض الناس قد يضحي عن موتاه ويترك نفسه ومن تحت يده من الأحياء وفي هذا قلب للأحكام الشرعية وحرمان أعاذنا الله منه.
* هل يجوز للذمي ذبح الأضحية؟
يعيش بين أظهر المسلمين بعض من يدينون غير دين الإسلام وهؤلاء إما كتابي وإما غير كتابي. فأما غير الكتابيين فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين بالاتفاق ومن ثم فلا يجوز تمكينهم من ذبح الأضاحي أو غيرها مما يريد المسلم تذكيته لأنها تصير ميتة.
أما الذمي الكتابي فقد وقع خلاف بين العلماء في جواز إنابته في ذبح الأضحية بخصوصها مع أن ذبيحته حلال.
لكن نظرا إلى أن الأضحية قربة فإن جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وروي قبل ذلك عن بعض الصحابة كعلي، وابن عباس، وجابر أنهم كرهوا ذلك. وما ترجح لدي أن لا يتولاها إلا مسلم ويدعمه حديث ابن عباس رضي الله عنهما جاء فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ولا يذبح ضحاياكم إلا طاهر» لكن لم أعثر حتى الآن على تخريج لهذا الحديث. ومن ثم فالأولى أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم لأنها قربة وغيره ليس من أهلها.
* هل لكم إعطاء صور لبعض المعاني والحكم السامية لهذه السنة العظيمة؟
حوت الأضحية حكما وأسرارا ومعاني عظاما جماعها الآتي:
1 الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام التي تتكرر كل عام مما يجعلها بابا واسعا للخير والأجر العظيم التي جاءت به النصوص من الكتاب والسنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
2 الأضحية قربة من القرب، وعبادة عظيمة وسبب من أسباب التقوى والتقرب الى الله عز وجل في أيام فاضلة من السنة يكون المسلمون ضيوفاً على خالقهم سبحانه وتعالى قال تعالى: «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» ويقول سبحانه: «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين» فينبغي الإخلاص فيها والنية الصادقة إذ هي عبادة لا تكون إلا لله عز وجل يقول تعالى: «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» فهذه الآيات ونحوها مما فيه ذكر للتقرب ببهيمة الأنعام والنسك يشمل الأضاحي والهدي ونحوها مما يتقرب به إلى الله تعالى ويكون مدعاة للتقوى والزلفى عنده سبحانه.
3 تتجلى في مشروعية الأضحية من خلال تطبيق الأحكام الشرعية معان اجتماعية دعا إليها الإسلام فالمسلم حينما يوسع على عياله بثلث أضحيته ويتفضل على المساكين ونحوهم بثلثها الآخر ويهدي ثلثها الثالث للأحبة من الأقارب والجيران ونحوهم لهذا يطهر نفسه من البخل والشح ويوسع على الفقراء ونحوهم في هذا اليوم العظيم الحج الأكبر بذلك تصير الأضحية علاجاً من داء البخل وطريقاً للبر والإحسان. كل هذه المعاني السامية تتجلى في الأضاحي في صورة تطبيقية متماسكة.
4 في الأضحية عبرة وذكرى لقصة فداء أبينا إسماعيل عليه الصلاة والسلام فقد رأى أبوه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ان يذبحه تقرباً إلى الله تعالى ورؤيا الأنبياء حق فلما عزما على التنفيذ وكان قاب قوسين أو أدنى جاء الفرج من لدن عزيز رحيم في قوله عز من قائل:
«وفديناه بذبح عظيم» ومنذ ذلك الحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهذه الأضاحي تذكرنا بهذه القصة العظيمة والابتلاء العظيم فلولا الله ولطفه ورحمته لذبح أبو العرب إسماعيل عليه الصلاة والسلام شاباً لا ولد إلى الأبد لكن الله فداه فبقي حتى خرجت من صلبه ذريته الذين هم العرب ونبيهم خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وتلك نعمة كبرى تذكرنا بها الأضاحي كل عام بتجرد.
تلك أبرز الحكم والأسرار من هذه الشعيرة العظيمة.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت تديم عز الإسلام والمسلمين وتعينهم على تطبيق شرعك والعمل بما يرضيك وأن تجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|