* الرياض المحرر السياسي المنامة جمال الياقوت:
أعلن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تحويل دولة البحرين إلى مملكة دستورية وفي هذه المناسبة تنشر «الجزيرة» بحثاً عن«الصلة التاريخية بين البحرين والمملكة العربية السعودية من اعداد معالي الدكتور الشيخ عبد الله بن خالد الخليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية بمملكة البحرين والذي نشر ضمن النشاط الثقافي بمناسبة الذكرى العشرين لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله الحكم في المملكة العربية السعودية. وجاء في البحث في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري نشأت الدولة السعودية الاولى في الدرعية على يد مؤسسها الامام محمد بن سعود عندما آوى ونصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبايعه على دين الاسلام وإعلاء كلمة التوحيد «لا اله الا الله محمد رسول الله» وقد جاهدوا في الله حق جهاده حتى دانت لهم بلدان نجد بعد جهاد مرير وتقلبات كثيرة ولكن اعتمادهم على الله سبحانه وتعالي والجهاد في سبيله والصبر على ذلك امدهم الله بنصره،
وفي سنة 1179ه/1765م، انتقل الامام محمد بن سعود الى جوار ربه قرير العين بما تحقق على يديه وخلفه ولي عهد وقائد الجيوش المظفرة الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وفي مطلع القرن الثالث عشر سنة 1209ه/ 1791م انتقل الى جوار ربه شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب وقد رأى ثمرة جهاده وما وصلت اليه دولة التوحيد من عزة ومنعة تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته، وفي سنة 1224ه/1809م امتدت الدولة السعودية الاولى بقيادة الامام عبدالعزيز بن محمد وابنه سعود حتى شملت اقطار جزيرة العرب الحجاز ونجد والاحساء والقطيف وهددت بغزواتها العراق وعمان واليمن، وفي سنة 1218ه/1803م طعن الامام عبدالعزيز بن محمد وهو ساجد يصلي فمات غفر الله له واسكنه جناته في حادث مشهور في الكتب.
تولى بعده الامام سعود الكبير وفي عهد الامام سعود جرى الاتصال بين البحرين والدولة السعودية وهنا لابد لي ان اذكر حال البحرين منذ سنة 1217 الى 1224ه/1802 1809م، في مطلع سنة 1217ه/1802م، حاصر البحرين السيد سلطان بن احمد سلطان عمان بسفن كثيرة وتصالح حاكم البحرين والزبارة الشيخ سليمان بن احمد آل خليفة مع السلطان وسلموا له البحرين صلحاً، وخبر ذلك يطول ومن اراد ان يرجع اليه مفصلاً فليراجع كتابنا «البحرين عبر التاريخ من صفحة 253 وما بعدها».
والمهم انه استلم منه رهينة أخيهم محمد بن احمد وبعد سنتين قتل السيد سلطان بن احمد سنة 1219ه/1804م وتولى ابنه السيد سعيد بن سلطان الحكم خلفاً له، وفي عام 1223ه/1808م وصلت الاخبار من مسقط الى الزبارة بوفاة الشيخ محمد بن احمد آل خليفة في مسقط ولما علم الشيخ سلمان وعبدالله آل خليفة بوفاة اخيهم في مسقط اتصلوا بالامام سعود بن عبدالعزيز واتفقوا معه على مساعدتهم على استرداد البحرين فأمدهم بالمال والرجال تحت قيادة ابراهيم بن عفيصان واعد العتوب سفنهم وهاجمت هذه القوة التي اجتمعت في الزبارة البحرين وتم لها النصر وقال ابن عفيصان لآل خليفة بعد ان طالبوه بتسليم البحرين لهم اريد أمراً من الامام فتوجهوا بسفنهم الى الزبارة لمراجعة الامام سعود في ذلك، وفي خبر يطول ومفصل في الكتب استرجع آل خليفة البحرين وانتقلوا من الزبارة واسسوا مدينتي الرفاع والمحرق عام 1225ه/1810م وصلح حالهم مع الامام سعود بن عبدالعزيز ثم مع ابنه الامام عبدالله بن سعود، حتى تمكن ابراهيم باشا من احتلال الدرعية والسيطرة على كثير من جزيرة العرب فكانت البحرين احد الملاجئ التي لجأ إليها اتباع الدولة السعودية الاولى .
واستطاع الامام تركي بن عبدالله ان يؤسس الدولة السعودية وبعد مقتله رحمه الله خلفه ابنه الامام فيصل واستعادت الدولة السعودية في ايام الامام فيصل هيبتها ومكانتها واستعادت كثيراً من اجزاء جزيرة العرب التي تخضع للدولة السعودية الاولى، وكانت العلاقات بين البحرين وحكومة الامام فيصل يعتريها المد والجزر وخاصة في سنين حكمه الاخيرة لان الامام فيصل بن تركي حكم مرتين المرة الاولى من سنة 1250ه الى 1254ه وسنة 1834م الى 1838م ، ثم تولى على نجد خالد بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود وخورشيد باشا، ونازعهم الامر عبدالله بن ثنيان وتغلب علي نجد وطرد الاتراك منها ثم عاد الحكم مرة ثانية الى الامام فيصل 1259ه 1843م، ودام حكمه الى سنة 1282ه 1865م، حيث انتقل الى رحمة الله وبعد وفاة الامام فيصل اسكنه الله فسيح جناته بدأت الخلافات الداخلية بين حكام وافراد ومشايخ العرب تأخذ مجرى سيئاً حيث ظهر الخلاف بين ابناء الامام فيصل الامام عبدالله الفيصل واخيه سعود الفيصل وكذلك الخلاف في امارة البحرين بين الشيخ محمد بن خليفة واخيه الشيخ علي بن خليفة وما حدث في الكويت بين الشيخ مبارك الصباح واخوانه محمد وجراح.ونجد في تلك الظروف ان الدولة التركية قد ضعفت واصبحت دول اوروبا تسميها الرجل المريض والدول طامعة في الاستيلاء على تركة الرجل المريض وخاصة بريطانيا العظمى.. والانجليز مشهور عنهم انهم قد لا يسببون الخلاف ولكن اذا حصل الخلاف استغلوه لصالحهم لذلك نجد ان هذه الفتن كان لبريطانيا العظمى يد فيها.
بعد هذه المقدمة التي شرحت فيه صلة هذه الجزر بشبه الجزيرة العربية ثم انتقلت لتعريف السامع علي عجالة عن بداية الدولة السعودية الاولى ثم الثانية، ويسعدني الآن أن انتقل الى صلب الموضوع:
فترة صعبة تلك التي مرت على الرياض والمنامة شملها العقد التاسع من القرن الثالث عشر الهجري.
ففي اليوم الحادي والعشرين من شهر رجب سنة 1282ه الموافق يونيه 1865م انتقل الامام فيصل بن تركي الى رحمة الله وبويع لاكبر انجاله الامام عبدالله بن فيصل بالحكم من بعده وكان له من الاخوة ثلاثة هم: محمد وعبدالرحمن وسعود ومن المؤسف ان دب الخلاف بين الامام عبدالله واخيه سعود وامتد الخلاف بين الاشقاء ودارت بينهم معارك طاحنة مزقت اواصر القربى وقسمت البلاد واصبحت الدولة في محنة عظيمة مما اعطى الفرصة للاعداء المتربصين في الداخل والخارج للتدخل في شئون البلاد، كما سيأتي.
وفي نفس الفترة دبت الخلافات في البحرين وانتهت بمعركة الرفاع التي استشهد فيها الشيخ علي بن خليفة الخليفة والد الشيخ عيسى بن علي وغادر الشيخ عيسى واخوانه البحرين الي الزبارة وذلك في 26 جمادى الثانية 1286ه الموافق 1869م وبدأ بجمع جنده ومؤيديه في الزبارة للهجوم على البحرين واخراج خصومه منها واسترجاع حكمه لانه هو الوارث الشرعي للامارة بعد ان استشهد والده في معركة الرفاع.
غير ان الانجليز الذين تربطهم معاهدة صداقة وحماية مع والده تدخلوا في الامر وتقدم اهالي البحرين بالمطالبة بتولي الشيخ عيسى بن علي الحكم في البحرين خلفاً لوالده وفي 29 شعبان 1286ه الموافق 1869م، تولى الشيخ عيسى بن علي الخليفة الحكم على البحرين وبتولي الشيخ عيسى استقرت الامور في المنامة، اما في الرياض فقد كان الخلاف على اشده بين الامام عبدالله بن فيصل واخيه سعود ودارت بين الطرفين معارك شديدة وقاسية انتهت بانهيار الدولة واحتل الاتراك القطيف والاحساء.
وفي اوائل شهر اغسطس عام 1874م الموافق شهر جمادى الثانية 1291ه وصل الامام عبدالرحمن الفيصل آل سعود الى البحرين قادماً من البصرة عن طريق البحر ومعه عشرة اشخاص من اتباعه من بينهم فهد بن صنيتان ولدى وصوله البحرين استقبل بحفاوة من لدن اميرها الشيخ عيسى بن علي الخليفة وقام باكرامه.
ويجب ان نذكر ان وصوله البحرين كان في الصيف وعادة اهل البحرين في ذلك الوقت يسكنون في المصائف ابتداء من يونيو لشدة الحر بقرب المياه ويسكنون غالبيتهم في بيوت مبنية من السعف والامير الشيخ عيسى آل خليفة يسكن القلعة في المنامة صيفاً وتبنى مجالس وبيوت من السعف للضيوف حول القلعة كما تبنى لاتباع الامير بيوت من السعف وينتشر سكان البحرين على طول سواحل البحر في بيوت من السعف وذلك من شدة الحر ويتركون المصايف في اول شهر اكتوبر، اذاً فعند و صول الامام عبدالرحمن كان الشيخ عيسى في المصيف وسكن الامير واتباعه في هذه البيوت لانه لا يمكن سكن البناء بالحجر في ذلك الوقت وعندما سمع عن قدومه الكثير من اهل نجد الموجودين في البحرين اتصلوا به وطول اقامته في البحرين كان يتصل بالقبائل العربية المؤيدة له و يقابل من يأتي منهم للسلام على امير البحرين من العجمان وآل مرة بسرية تامة ولكن ما يقوم به من نشاط وصل الى علم الوالي التركي على منطقة الاحساء والقطيف الذي خاف من ما يسمع من استفسارات رسل عبدالرحمن وعن موقف القبائل الودي المؤيد له.
وعليه كتب الوالي التركي الى حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي بتاريخ 20 اكتوبر 1874م حوالي 20 رمضان 1291ه رسالة قال فيها:« تلقيت استخبارات فحواها بان كلا من عبدالرحمن الفيصل وفهد بن صنيتان موجودان في البحرين حالياً وتقودهما نواياهما السيئة هادفة خلق اضطرابات ضد الحكومية التركية كما تميل تصرفاتهما الى التمرد، وانت تساعدهما في محاولة لجمع 400 او 500 متمرد.
ولعلمك بانه اذا ثبت لنا بانك تساعدهما في تحضير اي سفن او اي عمل آخر يساعدهما حتى لدرجة تافهة في تنفيذ خطتهما الضعيفة فلا ريب فيه ان الحكومة التركية تفرض عليك ثمناً لما يحدث فيما بعد، فكان من الضروري ان احذرك كتابياً عن طريق حسن افندي وهو ضابط في الجيش التركي. وفور استلامك هذا الخبر عليك اخطارنا عما تريد ان تكون في حالة حرب مع الحكومة التركية او لا. وقد امرنا الضابط الا يبقى معك الا يوماً واحداً ليعرف قراراك كي نحدد خطوتنا التالية مطابقاً له».
ولما وصلت الرسالة الى حاكم البحرين اخبر حامل الرسالة انه احال الرسالة الى المندوب البريطاني في الخليج، وبعد ان علم عبدالرحمن بفحوى الرسالة غادر هو ومؤيدوه البحرين بتاريخ 23 اكتوبر 1874م الموافق 23 رمضان 1291ه تقريباً عن طريق العقارية وهي ميناء في البحرين من الغرب مقابل ميناء العقير وكان هذان الميناءان المتقابلان عامرين في ذلك الوقت بالسفن التي تنقل الركاب والبضائع بينهما وقد تبعه في نفس اليوم الذي غادر فيه البحرين حوالي خمسين شخصاً من اهالي نجد وكل منهم يحمل نوعاً من السلاح قد يكون حربة او سيفاً او خنجراً او بندقية والتحقوا بعبدالرحمن. وفي اليوم الثاني من نزوله التحق به عدد كبير من قبائل العجمان وآل مرة وقاد هذه الجموع الى مهاجمة الاحساء ومعه فهد بن أصنيتان وعند وصولهم الاحساء ساعدهم اهل الاحساء وتمكنوا من اقتحام المدينة وحاصروا جنود الترك في القلعة.
ان المساعدات التي حصل عليها الامام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود من البحرين ساعدته على تكوين هذه القوة والزحف بها على الاحساء ولكن الانجليز قللوا من شأنها لكي لا يثيروا غضب الترك الذين ماعلموا باقتحام عبدالرحمن للاحساء ومحاصرة جنودهم في القلعة حتى زاد غضبهم واتهموا الشيخ عيسى ابن علي حاكم البحرين بمساعدته على القيام بذلك وكتبوا رسائل للانجليز يشتكون على الشيخ عيسى ويهددون بمعاقبته وجهزوا حملة كبيرة اسندت قيادتها الى ناصر بن راشد بن ثامر السعدون رئيس المنتفق واسندوا اليه ان يكون «قائم مقام» على الاحساء والقطيف ولما وصلت الحملة قرب الاحساء في اواخر ذي القعدة 1291ه الموافق ديسمبر 1874م، برز لها الامام عبدالرحمن الفيصل بجنده ودارت بين الجيشين مناوشات ولما رأى عبدالرحمن ان جيش الترك يفوق جنده عدداً وعدةً انسحب الى الرياض ولما دخل الرياض جيئ بأخيه سعود الفيصل مريضاً الى الرياض وانتقل الى رحمة الله في 18 ذي الحجة الموافق 22 يناير 1875م ودفن في الرياض وتولى حكم الرياض عبدالرحمن بمبايعة اهل الرياض له ولكنه تولى الحكم باسم اخيه الامام عبدالله الفيصل.
وبقيت الاحوال مضطربة في نجد بعد وفاة سعود ودارت معارك كثيرة بين ابناء سعود وعمهم عبدالله وبين آل سعود وآل رشيد وفي 8 ربيع الثاني 1307ه الموافق 1889م توفي الامام عبدالله بن فيصل آل سعود ودفن بالرياض وفي 11 ذي الحجة 1307ه/ 1889م تمكن عبدالرحمن بن فيصل من القبض على سالم السبهان واعوانه وسجنهم وحكم الرياض فسار اليه محمد بن عبدالله آل رشيد بجيش جرار واستولى على الرياض سنة 1308ه/1890م وخرج عبدالرحمن آل فيصل وعائلته وجميع اعوانه من الرياض وتوجه مع عائلته الى البحرين.
ووصل البحرين تقرياً في الشهور الاولى من سنة 1308ه/1890م، ومعه جميع اسرته ومن بينهم الملك عبدالعزيز البالغ من العمر 11 سنة فرحب بهم الشيخ عيسى اجمل ترحيب واسكنهم المحرق في بيت كبير بجوار بيته الذي يسكنه من جهة الشرق وبعد ان اطمأن الامام عبدالرحمن على اسرته في كنف الشيخ عيسى الذي كان يرعاهم كابنائه غادر البحرين الى الجزيرة العربية ليعمل على استعادة بلاده وكان اكبر ابناء الامام عبدالرحمن سناً عبدالعزيز فكان يحضر مجالس الشيخ عيسى وكانت رجولة عبدالعزيز ونبوغه اكبر من سنه وزامل عبدالعزيز ابناء الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الذي كان له من الابناء خمسة وهم:
1 سلمان وعمره آنذاك 19 سنة.
2 حمد وعمره آنذاك 17 سنة.
3 راشد وعمره آنذاك 14 سنة.
4 محمد وعمره آنذاك 12 سنة.
5 عبدالله وعمره آنذاك 8 سنين.
يحضر معهم مجلس والدهم في الصباح وفي المساء، ويركب معهم الخيل ويزاول معهم القنص وارتبط بصداقة وخاصة مع الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة واستقامت عائلة الامام عبدالرحمن في البحرين ما يقارب سنتين اما والدهم الامام عبدالرحمن فتحدثنا بعض كتب التاريخ عنه انه قام ببعض المحاولات لمقاومة ابن رشيد ومنها انه «في سنة 1309ه 1891م سار عبدالرحمن بن فيصل وابراهيم آل مهنا الصالح ابا الخليل ومعهم جنود كثير الى الدلم واستولوا عليها واخرجوا من قصرها رجال ابن رشيد ثم ساروا الى الرياض واميرها حنيذاك محمد الفيصل فدخلوا بغير قتال وكان محمد بن رشيد حين بلغته مسيرتهم الى الرياض قد جمع جموعه وسار بها من حائل قاصداً الرياض وتقابل جمعاهما عند حريملاء وانهزم جيش الامام عبدالرحمن وقتل ابراهيم آل مهنا ثم سار ابن رشيد الى الرياض وامر بهدم سورها وقصريها القديم والجديد وثبت محمد بن فيصل اميراً عليها ثم رجع الى حائل في شهر صفر من هذه السنة نقلاً عن الاطلس التاريخي للجزيرة العربية».
اما الامام عبدالرحمن فقد ذهب الى آل مرة في الربع الخالي ومنها اتجه الى قطر الدوحة وبقي في ضيافه الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني شهرين ثم عاد الى آل مرة واجتمع هناك مع ابناء عمه جلوي بن تركي آل سعود ومن معهم من آل سعود واتباعهم، ولم يغب هذا التجمع عن عيون والي الاحساء التركي والدولة العثمانية فخشوا من هذا التجمع وبدأوا يفاوضون الامام عبدالرحمن وتوصلوا معه الى حل بأن يجروا له راتباً مقداره ستون ليرة ذهباً ويذهب للاقامة في الكويت ووافق شيخ الكويت على إقامته بالكويت ووصل الامام عبدالرحمن الى الكويت مع جميع افراد اسرة آل سعود حوالي عام 1309ه/1891م.
اما عائلته التي في البحرين فنرجح انها انتقلت بواسطة سفينة من البحرين الى الكويت لانها افضل وسيلة للانتقال في ذلك الوقت.
وبعد تسع سنوات من انتقال الامام عبدالرحمن الى الكويت وكان عمر ابنه عبدالعزيز حوالي الواحد والعشرين سنة وقد ظهرت عليه علامات الرجولة والشهامة والجرأة وعندما حدثت معركة الصريف سنة 1318ه تمكن هو من احتلال الرياض وحصار جنود ابن رشيد في القلعة ولما سمع بانتصار ابن رشيد في معركة الصريف اخلى المدينة مذكراً اهلها بانه سيعود واتجه عبدالعزيز الى الربع الخالي ثم الى قطر حيث ابحر الى البحرين مع عدد قليل من رجاله وقابل الشيخ عيسى بن علي في البحرين مجدداً الصلة والمودة التي بينهما، ثم غادر البحرين الى الكويت واستقام برهة من الزمن ثم خرج من الكويت مصمماً ارجاع ملك آبائه مستعيناً بالله وحده وسالكاً طريق اجداده في اعلاء كلمة التوحيد ولم تشرق شمس الخامس من شوال 1319هجرية الموافق 16 يناير سنة 1902م الا والمنادي ينادي في مدينة الرياض الله اكبر الله اكبر الملك لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود في ملحمة رائعة قل لها مثيل { كّم مٌَن فٌئّةُ قّلٌيلّةُ غّلّبّتً فٌئّةْ كّثٌيرّةْ بٌإذًنٌ پلَّهٌ وّاللَّهٍ مّعّ پصَّابٌرٌينّ} [البقرة: 249] .
وبدخول عبدالعزيز الرياض بدأت هذه الدولة المتسعة الاطراف والتي نحتفل بمرور مائة سنة على قيامها وكانت هناك امارتان شملتهما الفرحة بهذا النصر احداهما الكويت والاخرى البحرين وكانت فرحة البحرين خالصة لوجه الله تحدوها المحبة والقربى وقد اهتم الشيخ عيسى اهتماماً كبيراً باخبار عبدالعزيز وتابع انتصاراته في حروبه والرسائل المتبادلة بينهم تعطينا فكرة عما يكنه الطرفان لبعضهم البعض واول رسالة سنشير اليها الرسالة المؤرخة في 5 شعبان 1320ه الموافق 29 ديسمبر 1903م، اي بعد مضي تسعة اشهر من دخول الملك عبدالعزيز الرياض كتبها للشيخ محمد بن عيسى آل خليفة نصها:
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل الى جناب الاجل الامجد المكرم الاخ الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة المحترم أدام الله بقاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد مزيد السلام والسؤال عن ذاتكم العزيزة على الدوام احوال محبكم من فضل الله جميلة وتقدم لكم قبل هذا كتاب نرجو انه وصل وانتم مسرورو لخاطر امعرفينكم فيه من قبل ممشابن رشيد يبي الرياض بعدما وصل الحسي استشعر من بعض ناس يجونه ان ماله من قدومه فايده، وانا استقمت بالرياض اترجى انه يقرب او ينزلها حتى يصير مذبحه، او ذل ماجاها او يوم شفت انه ماعاد هو ابقادم، ظهرت الموجب ضف عربانا وعلى عزم الممشا عليه وجاه خبران ابن سعود ما ظهر الا ذاك منك او عدا يبي عربانا وابطل الله من فضل الله كيده وجعل الله تدميره في تدبيره او نزل الدلم او ضفيت عرباني الحاضر منهم او معنا اهل الفرع الحريق والحوطة واهل الافلاج والحاضرين من بدونا ونزلنا الدلم حنا بجنوبيها وهو بشماليها او ظهرنا عليها اونوخ او عقل ولا ظهر من اخيامه او بقينا الى القايله بعدما انكفينا مشي مقصودة ربما يحصل غره فينا او فزعنا عليه على غير ملوى او تقاضبنا حن واياه قدر ساعة، يوجا وقت العصر اعاننا الله وركضنا عليه واكسره الله ثم كسرناه او رمى بخيله وباعره دون جموعه او قضينا او عقرنا من البل مائة او خمسين ناقة او خمسين فرساً او يوم جا عند اغروب الشمس اعاننا الله وركضنا عليه وكسره الله ثم كسرناه والسالم من جوعه اركبوه رديف على خيلهم والى ولينا منهم مائة وخمسون رجلاً من دون الصوبا او صويبهم يذبونه بالقلبان وهو حي وبعد ذلك لحقني خيال من الديرة او ذكر لي ان باقي عربانا وصلوا، البدو، او كفيت الجموع الموجب لاجل الخيل او على عزم الممشاعلية الصبح باخيامه يوم جا تالي الليل والا انه يوم كبر الضوي او قام يضرب بالمدفع او ثبت عندنا انه راكد ولا عنده نية يوم صلينا الفجر مشينا وقدمنا خيلنا قدامنا يوم وصلوه عينوه هاج تالي الليل او مشينا ونزلنا في منزله او روحنا له سرية اتسنعه وين غدا او عينوه نازل بالسفايل لاجل يأخذ زهاب او بعد ماجونا مشينا بعد صلاة المغرب او قلطنا اسبورنا قدامنا او عينوه هاج العشا او نزلنا في منزله بالسفايل لاجل نستلحق عربانا او جيشنا نبي انتبعه بإثره وإن شاء الله عن قريب يجيكم الخبر الي يسركم فلما رأينا من الله به علينا من ذل العدو حببنا بشرتكم.
وهذه رسالة ارسلت من الشيخ مبارك الصباح الى اخيه عيسى بن علي مؤرخة 21 محرم 1322ه ومرفق بها رسالة من الملك عبدالعزيز يخبر فيها ويصف وقعة الشنانة جاء فيها ما يلي:
لابد بلغكم سابقاً بمناوخنا حنا وبن رشيد علي الشنانة والرس بخامس عشر رجب تحققنا انه يشد من الشنانة وظهرنا عليه نهار شديده وهو قد شال ونوخناه من الفجر الى غروب الشمس ويوم جاء المغرب سرا وخيلنا تطرده ونوخ بالبل على ماء يسمى القويعي حول الشنانة وقام عليه وبعد شد ونزل قصر ابن عقيل الظهر وامرنا الله ومشينا عليه من الرس رجل قدر خمس ساعات بعد المحل المقصود هجاده ويوم برقنا خفنا نتغايب بالليل وعزمنا نغيب بالقصر ونكاونه اذا شد ويوم اصبح شد وعقب ما قل مشينا عليه ونوخ ماوراه من اطواب وعسكر وبدو وحضر وعقل وبنى بيوت الحرب وقام يضرب بالاطواب اربعة ضرب بها قدر مايتين طوب وتقاضبنا حنا وياه قدر ثلاث ساعات والرمي خادم وبعد ذلك اعاننا الله عليه..
وكسرهم الله ثم كسرناهم ويوم انصفقوا وإلا الكل قاضب رفيقه والبل والجيش والمضاهير مردفة لهم وتزبنوها وحطوها بيننا وبينهم والا كان ما شرد منهم احد وذبحنا من اهل حايل ثلاثماية وخمسين ومن العسكر خمسماية وجبة اطواب ستة وجميع دبش شمر وجيش بن رشيد والعسكر واخيامهم ما سندوا به اخذه الله ثم اخذناه ولا والله شرد لهم لا قليل ولا كثير السالم براسه والله ان جميع من حضر انه اخذ اربعة ايام يشيلون حتى اهل قرايا القصيم المتشطرة لحقوا عقب يومين واخذوا والخيل والله ان الى جاء منهم انه مايتين وستين فرساً اكثرها عند الحضر والله ان يوسف بن ابراهيم زملته حمار وضلاله حصير وعشاه عقب ليله لقمة شعير العياذ بالله لهفته الشقاوة من فضل الله وبعد ذلك غدوا مثل اهل النار كل يلعن رفيقه وبن رشيد امتحن بالعسكر شريد تهم قالوا اختر اما المدينة ولا المشهد والا حطنا بحايل ولعاد نظهر للبر والحمد لله هذي عادة الله فيمن طغى وبغى وحال التاريخ تعدا بقيعا يمشون على ارجيلهم وحنا بغينا نطلبهم ولاشك والله ما عينا احد نطلبهم الحضر والبدو فضاهم الله بالكسب ولما رأينا من الله به احببنا بشارتكم على يد ناصر بن سعود وإن شاء الله عن قريب يجيكم الخبر بنزول حايل الله لا يتكلنا على جهدنا هذا ما لزم تعريفه والسلام. 23 رجب 1322ه.
عبدالعزيز آل سعود
وبعد ان استعرضنا هاتين الرسالتين بنصهما كما كتبنا في تاريخهما وبنفس الأسلوب والكلمات لنعطي القارئ فكرة عن كتابة الرسائل في ذلك الوقت واللهجة والكلمات المستعملة التي ربما ان بعض كلماتها قد عفا عليها الزمن ولا يعرف بعض الاصطلاحات التي وردت فيها الا القليل.
ان الدارس لتاريخ العرب يجد الترابط القبلي واثره الواضح حتى يومنا هذا خاصة عند اهل نجد او من نزح من نجد وهم يشعرون انهم ينتمون الى اب واحد وانهم بنو عمومة يتناصرون لبعضهم البعض ويتفقون حين يداهمهم العدو وان كانوا قبل لمختلفين.
تحت هذه المعاني كانت صلة البحرين بالمملكة العربية السعودية حكاماً ورعية فان كلتا الاسرتين الحاكمتين في الدولتين تنتميان الى قبيلة واحدة وان الصلة صلة القرابة اوصى بها ديننا الحنيف في آيات متعددة من القرآن الكريم.
وسوف تجد آثار تلك الصلة في التشاور والنصح والتعاون بين آل سعود وآل خليفة بما يحفظ لرعاياهم من خير وامن واستقرار ولبلادهم من سيادة واستقلال.
اولاً: ما ستوضحه الرسائل المصورة والمرفقة بالبحث والمتبادلة بين المغفور لهما جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود والشيخ عيسى بن علي آل خليفة الشاملة ابناءهما.
ثانياً: الزيارات الأخوية المتبادلة:
1 زيارة الملك عبدالعزيز للبحرين في اوائل مارس 1930م يقول عن هذه الزيارة محمد المانع في كتابة توحيد المملكة العربية السعودية صفحة: 190 بعد اللقاء الذي دار بين جلالة الملك عبدالعزيز والملك فيصل بن الحسين ملك العراق والسير فرانسيس همفرز القنصل العام البريطاني في العراق على ظهر السفن في الخليج بعد انتهاء اللقاء امر الملك عبدالعزيز قائد السفينة التي كان يستقلها ان يتوجه الى ميناء المنامة وامرني ان ابعث ببرقيتين احداهما للشيخ عيسى بن علي آل خليفة والثانية الى القنصلية البريطانية في البحرين للاخبار بزيارته للشيخ عيسى آل خليفة وعند رسو السفينة في الميناء حوالي نصف الليل وصلت برقية جوابية من القنصل البريطاني في البحرين بان الشيخ عيسى بن علي مريض ولا يستطيع مقابلتكم وفي نفس الوقت اخبر الشيخ حمد بان الملك الغى زيارته استغرب الملك هذه البرقية وفي الصباح وصلت السفن الصغيرة الى الباخرة وفيها الشيخ حمد واخوانه لاستقبال الملك حيث كان والدهم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة كبيراً في السن وانتقل من المحرق الى المنامة لمقابلة جلالة الملك عبدالعزيز ولما وصلت السفن الى الباخرة اخبرهم الملك بأنه قرر عدم النزول للبرقية المرسلة بالاعتذار فقالوا انهم لا يعلمون بالبرقية وان الوالد الشيخ عيسى في انتظارك في قصر القضيبية فعرف ان ذلك من مكر الانجليز ودسائسهم ونزل الملك معهم من الباخرة واستقبل استقبالاً حاشداً من الجماهير وتوجه ركبه الى القصر حيث استقبله الشيخ عيسى بن علي وهو كبير في السن، وعندما رحب الشيخ عيسى بالملك قال له: خشيت ان اموت ولا اراك، فاحمد الله على رؤياك وانت في هذاالعز والسؤود والآن سأموت وانا مطمئن البال، فاجابه الملك: انا لما رأيتك كأني ارى عبدالرحمن والدي وبعد الغداء زار بلدة الرفاع بناء على دعوة من القصيبي ثم سافر عن طريق الزلاق وبرفقته الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وحشد كبير لوداعه وانتقل بواسطة السفن الصغيرة الى الباخرة التي كانت في انتظاره مودعاً بمثل ما استقبل به من حفاوة واكرام وتوجه الى ميناء العقير.
حج الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عن طريق البحر ونزل في جدة وحج بمعيته جمع غفير من بني عمه واتباعه واستقبلهم الملك استقبالاً حافلاً واكرمهم غاية الاكرام وأدى الشيخ حمد حجه في شهر ذي الحجة سنة 1356ه الموافق شهر فبراير 1938م، وقد رجعوا من الحج يلهجون بالشكر على مالاقوه من حفاوة واكرام.
2 زيارة الملك عبدالعزيز الى البحرين في 11 ربيع الاول 1358ه الموافق 2 مايو 1939م، هذه الزيارة تمت عندما زار جلالة الملك عبدالعزيز المنطقة الشرقية للاحتفال باستخراج النفط في الظهران ولما علم الشيخ حمد بقدوم الملك الى الظهران قرر زيارة الملك للسلام عليه ودعوته لزيارة البحرين وفعلاً توجه الشيخ حمد وبرفقته اخوانه واولاده وابناء عمه وحشد كبير من اتباعه الى الظهران لمقابلة جلالة الملك عبدالعزيز وكنت من بين من كان في هذا الموكب الكبير واستقبل الملك الشيخ حمد ومرافقيه بالترحيب والاكرام، وقد وجه الشيخ حمد الى الملك دعوة لزيارة البحرين هو وجميع من معه فقال نحن كثيرون قال الشيخ حمد ونحن نتشرف بجلالتك ومن معك قال إذن نرسل لكم بعض الخيام التي معنا لايواء المرافقين فقال الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة موافقون على ذلك وارسلت الخيام وانزلت الفرضة وبقيت هناك ولم تكن البحرين في حاجة الى هذي الخيام ولكنهم كانوا يريدون او يوافقون الملك على كل ما يقول لاجل ان يوافق على زيارة اهله في البحرين وهكذا استقبلت البحرين جلالة الملك عبدالعزيز وابنائه ومرافقيه بفرحة وابتهاج وعاشت البحرين ستة ايام في عيد وأفراح لم تشهد البحرين مثيلاً لها، وغادر جلالته البحرين بتاريخ 16 ربيع الاول 1358ه الموافق 7 مايو 1939م مودعاً بمثل ما قوبل به من حفاوة واكرام.
هذه الزيارات كثيرة فقد زار البحرين الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد ولا اريد التطويل في شرح كل هذه الزيارات، اما الصلات الاقتصادية فحينما اكتشف النفط في المملكة العربية السعودية ساهم عمال البحرين في العمل على القيام بالكثير من الخدمات في حقول النفط والبناء ومد الانابيب وغير ذلك من الخدمات التي اسست صناعة النفط في المملكة. وقد استفادت البحرين مما منَّ الله به على المملكة العربية السعودية من ثروة نفطية واهمها النفط المتدفق من حقول المملكة العربية السعودية الى معمل التكرير في البحرين والذي يشغل الكثير من الايدي العاملة وكذلك المشاركة في مصنع الالمنيوم في البحرين، وزادت ارتباطات البحرين بالمملكة بانشاء جسر الملك فهد بين البحرين والمملكة فأخذ سكان البلدين الشقيقين ينتقلون من البحرين الى المملكة وبالعكس كما انتقل عليه ابناء الخليج العربي عموماً.
وهكذا كانت علاقة البحرين وصلاتها بشقيقتها المملكة العربية السعودية لمدة مائة عام صلات يغلب عليها الاخاء والتعاون في خلال عهود الملك عبدالعزيز والملك سعود والملك فيصل والملك خالد وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية امد الله في عمره وعهود الشيخ عيسى بن علي والشيخ حمد بن عيسى والشيخ سلمان بن حمد والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة والشيخ حمد بن سلمان آل خليفة امير البحرين اطال الله عمره، وقد توجت هذه الصلات بقيام مجلس التعاون الخليجي الذي ربط دوله الست برباط الاخوة والتعاون. نسأل الله ان يزيد هذا التعاون قوة وتأييداً ويتم علينا نعمه ويهدي الجميع الى سواء السبيل.
|