إن الفكر الرشيد والمنهج القويم في التعامل مع هذا الموقف يتطلب منا حسن التخطيط ودقة التدبير من جانبين، جانب الفعل في المقام الأول، وجانب ردّ الفعل في المقام الثاني، خصوصاً ونحن أهل حق وأصحاب عقيدة سليمة وقيم نبيلة سامية تسعى لخيرية العالم أجمع، فعلينا دائما أن ننطلق من موقف الفعل، موقف المرسل، موقف المصدر للقيم النبيلة والمبادىء السامية والأخلاق العالية الرفيعة التي يرتكز عليها ديننا الحنيف، وان نكون قدوة حسنة في جميع أعمالنا، وألا تخالف أقوالنا أفعالنا. {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا لٌمّ تّقٍولٍونّ مّا لا تّفًعّلٍونّ (2)كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ پلَّهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ } [الصف: 3] .وقول الشاعر:
لاتنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وقول الآخر.. «آسى يداوي الناس وهو عليل».
وعلينا أن نتذكر دائماً أن مجتمعنا مجتمع رسالة، وأننا أهل رسالة إنسانية للبشرية جمعاء، ولا نقبع ونقيد أنفسنا برد الفعل الذي يجعلنا دائماً في دائرة الاتهام، ولكن علينا العمل بقوله تعالى {\دًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ وّالًمّوًعٌظّةٌ پًحّسّنّةٌ وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} [النحل: 125] ، وألا نلجأ إلى ردّ الفعل إلا حينما يفرض علينا ونجبر عليه، وذلك لتوضيح الحقائق ووضع الأمور في نصابها، لأن شريعتنا الإسلامية تحفظ حقوق الإنسان وتدافع عنها وتدعو إلى التعايش والتسامح بين الناس على منهج حق وعمل صحيح، وتحارب الغلو والتطرف والإرهاب بأسلوب يناسب كل فطرة سليمة وعقل رشيد.
وفيما يلي توضيح لكيفية التعامل مع كل من الجانبين:
أولاً: فيما يتعلق بموقف الفعل:
يجب علينا أن نقوم بما يأتي:
1 إن إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة هو جوهر وظيفة الإنسان في هذا الوجود{وّمّا خّلّقًتٍ پًجٌنَّ وّالإنسّ إلاَّ لٌيّعًبٍدٍونٌ } [الذاريات: 56] وهذا يجب أن يكون حجر الأساس في الدعوة إلى الله كما جاء في حديث معاذ حين أرسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليمن«إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة.. الحديث»، وأن نتدرج في التعليم كما وجه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معاذاً بهذا، وألا نكره الناس بقول أو فعل على شيء لا يريدونه، من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
2 أن نفهم ديننا الإسلامي فهماً صحيحاً وفق مراد الله سبحانه وتعالى على منهج محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وأن الله قد أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين رحمة للعالمين {وّمّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ لٌَلًعّالّمٌينّ } [الأنبياء: 107]، وأن أمة الإسلام أمة وسط بين الناس {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا} [البقرة: 143]، وأنها خير أمة أخرجت للناس، {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ پًمٍنكّرٌ} [آل عمران: 110]، ولهذا تكون رغبتنا أن يشاركنا الآخرون هذا الخير الذي نحن فيه.
3 اليقين الكامل والثقة التامة في هذا الدين، وأن في التمسك به العصمة من الزلل، وصلاح الدنيا والآخرة، لأنه من لدن الحكيم الخبير الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلح شأنه وما يفسده، وأن العاقبة والنصر والتمكين ستكون بإذن الله لدين الله، وهذه حقيقة ثابتة وعقيدة راسخة، والنصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين لا يكون إلا حين ينصرون دينه {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا إن تّنصٍرٍوا پلَّهّ يّنصٍرًكٍمً} [محمد: 7] {إنَّا لّنّنصٍرٍ رٍسٍلّنّا وّالَّذٌينّ آمّنٍوا فٌي پًحّيّاةٌ پدٍَنًيّا وّيّوًمّ يّقٍومٍ الأّشًهّادٍ } [غافر: 51] .
4 تطبيق شرع الله في كل مناحي الحياة في العبادات والمعاملات وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي إقامة العدل والقسط ومنع البغي والظلم والفساد.
5 إن الثوابت اليقينية في ديننا يجب أن لا تمس ولا تهتز في أنفسنا بحال من الأحوال مهما شكك المشككون أو طعن فيها الطاعنون ومهما تتابعت الفتن والأعاصير وعصفت بالناس، لأن هذه الثوابت قوارب النجاة كما أرادها الله سبحانه وتعالى.
6 في الفروع علينا عدم التضييق على الناس وقسرهم على رأي واحد ولهم في ذلك مندوحة شرعية، وألا نخلط بين الأصول والفروع.
7 أن نكون في كل ما نقوم به أنموذجاً عملياً في تطبيق كل ما نقوله أو ندعو الناس إليه حتى لا يخالف عملنا قولنا فيحدث التناقض بين القول والعمل، فيضعف هذا ذاك ويكون ذلك حجةً علينا، ومدعاة للنيل منا ومن دعوتنا وقد أكد القرآن الكريم على هذا الأمر في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله تعالى:{يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا لٌمّ تّقٍولٍونّ مّا لا تّفًعّلٍونّ (2)كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ پلَّهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ } [الصف: 3] .
8 أن نعلم يقيناً أن الصراع بين الحق والباطل قديم أزلي، كما اتضح لنا ذلك في صدر هذا المقال، وهذا الصراع ليس مرجعه إلى ديننا الحنيف، ولم يكن ذلك لخلل فيه، بل لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى حين جعل من خلقه المهتدين، وجعل منهم الضالين.
9 اقتضى عدل الله ولطفه ورحمته بنا أن يهيئ لنا كل الأسباب التي نتعامل بها مع هذا الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر، إن أحسنا استيعابها والأخذ بها وإرجاع كل أمر في هذا الصراع إلى شرع الله، وأن لا نترك ذلك لأهوائنا ورغباتنا ومصالحنا الشخصية بعيداً عن دين الله، وإلا فنكون قد ضعنا وضيَّعنا.
10 أن يكون لنا منهجنا وخططنا الواضحة تبعاً لأنواع المخاطبين وأحوالهم، وان نستدعي لكل حال من الأحوال من شرع الله ما يصلحها فلكل مقام مقال مدركين في كل ذلك مقاصد الشريعة الإسلامية ومقدمين الأهم على المهم، مع الاهتمام بالجزئيات في نطاق الكليات والمصالح الخاصة، في نطاق المصالح العامة.
11 احترام العلماء وتوسيد الأمر إلى أهله، فمن العجب أن الناس في أمور دنياهم يلجؤون إلى أهل كل تخصص، فلا يتجرأ أهل الطب على التعدي على أهل الهندسة ولا أهل الهندسة على الصيدلة إلى غير ذلك، بينما نرى علوم الشريعة أصبحت مشاعاً يتحدث فيها وعنها كل إنسان، بل نجد من الناس من لا يتورع في اختيار من يسأل لأنه يجد من الناس من لا يتورع كذلك عن الإجابة دون أن يعلم ذلك السائل والمجيب، أن المتخصصين في علوم الشريعة يرجع بعضهم إلى بعض في بعض المسائل فكيف بعامة الناس.
12 معلوم أن الفتوى في المصالح العامة للمجتمعات الإسلامية يجب أن تقيد في أصحابها الذين هم أهل لها وأقدر وأجدر بها، والذين يحددهم ويختارهم ولاة الأمر وفق الضوابط الشرعية لذلك، وعدم التجرؤ على الفتيا ممن هو غير أهل لها، أو ممن لم يوسد إليهم أمر الفتيا، وخاصة في المسائل العامة التي لها علاقة بعموم الناس، لأن في ذلك اختلاف في الرأي وشتات في الأمر وفرقة وبلبلة في صفوف المسلمين، مما يخالف المقاصد الشرعية في توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم التي هي مقدمة على غيرها، فضلاً عن أن النوازل لا يؤخذ فيها بقول أفراد من طلبة العلم أو العلماء، وإنما ينظر فيها ما يصدره جمع من العلماء في الهيئات العلمية أو لجان الفتوى أو ما يجتمع عليه من يوثق بدينه وفقهه للنوازل، ولا يخفى على ذي لب أن في التجرؤ على الفتيا من غير أهلها تجرؤ على حدود الله ومَهلَكة لصاحبها، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار».
13 أن يكون من قواعدنا في العمل الطاعة لولاة الأمر في غير معصية فنلتزم بما يضعونه من أنظمة وتعليمات ونعمل بها {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا أّطٌيعٍوا پلَّهّ وّأّطٌيعٍوا پرَّسٍولّ وّأٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنكٍمً } [النساء: 59] .
14 أن نضع من قواعد العمل احترام ما لدى الآخرين من أفكار وآراء وألا نسفهها، بل نتعامل معها ونناقشها وألا نلزم الناس بالاستماع إلينا أو بالعمل بما لدينا {لا إكًرّاهّ فٌي پدٌَينٌ قّد تَّبّيَّنّ پرٍَشًدٍ مٌنّ پًغّيٌَ فّمّن يّكًفٍرً بٌالطَّاغٍوتٌ وّيٍؤًمٌنً بٌاللَّهٌ فّقّدٌ \سًتّمًسّكّ بٌالًعٍرًوّةٌ پًوٍثًقّى" لا \نفٌصّامّ لّهّا } [البقرة: 256].
ثانياً: فيما يتعلق بجانب ردّ الفعل:
أمام هذا البغي الإعلامي والافتراءات التي يتعرض لها الإسلام والمسلمين سواء من قبل أعداء الإسلام، أو من بعض المنتسبين إلى المسلمين وتنكبوا الطريق وخرجوا عن الجادة والصواب ممن غُرربهم أو خُدعوا أو بسبب فهم قاصر أو قلة في الإدراك، أو ممن لهم أغراض ومصالح شخصية تخرج عن نطاق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين. ففعلنا يجب أن يأخذ في الاعتبار المعايير التالية:
1 أن يكون من قواعدنا في التبيين والإيضاح العمل بقول الحق جل وعلا: { وّلا يّجًرٌمّنَّكٍمً شّنّآنٍ قّوًمُ أّن صّدٍَوكٍمً عّنٌ پًمّسًجٌدٌ پًحّرّامٌ أّن تّعًتّدٍوا وّتّعّاوّنٍوا عّلّى پًبٌرٌَ وّالتَّقًوّى" وّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ وّاتَّقٍوا پلَّهّ إنَّ پلَّهّ شّدٌيدٍ پًعٌقّابٌ} [المائدة: 2] وقوله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا اللّه إن اللّه خبير بما تعملون} فلا نعتدي في القول والعمل، ولا نحمل الأقوال أو الأفعال معاني أو مقاصد لا تتحملها.
2 التثبت والاستيثاق مما يقال وان نأخذ الأمور من مصادرها لكي نستبين الحقيقة، عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا أّن تٍصٌيبٍوا قّوًمْا بٌجّهّالّةُ فّتٍصًبٌحٍوا عّلّى" مّا فّعّلًتٍمً نّادٌمٌينّ} [الحجرات: 6] .
3 التأني والتروي وعدم التسرع في الردّ على ما يقال قبل دراسته وتمحيصه والوقوف على أبعاده، وعدم الانسياق وراء العواطف، والبعد عن الأهواء والانفعالات الشخصية في التعامل مع الأحداث والموضوعات، بل وعدم الرد على كل شيء.
4 عدم ترديد ما يقال من بغي إعلامي وفتن وافتراءات على الإسلام والمسلمين حتى لا نسهم دون أن ندري في نشرها وتوسيع دائرتها الإعلامية، ومحاولة حصر ذلك في أضيق نطاق ممكن.
5 ألا نصدر الأحكام المسبقة ونجعلها معياراً ومقياساً لكل شيء فنتعسف في تفسير الكلمات وليّ أعناقها لتوافق المعنى الذي نريد حتى يكون الحكم الذي أصدرناه مسبقاً صحيحاً، وأن نتفاعل ونتعامل مع الأمور بقدرها فلا نضعها في بوتقة ليست لها، ولا في نصاب ليس لها.
6 التعامل مع الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة من قبل أهل الاختصاص في ذلك، وبالقدر المناسب لتفنيدها وتصحيحها ووضع الأمور في نصابها، وأن لا يزيد مقدار ردّ الفعل عن الفعل نفسه، حتى لا تسهم المبالغة في ذلك في تضخيمها وتهويلها وإشاعتها، وألا يتولى الرد والإجابة من لم يطلع على حقائق الأمور فنصدر أحكاماً مبسترة وقاصرة عن أداء الرسالة وتحقيق الهدف، بل يترك الرد لأهل الحل والعقد الذين لديهم الاطلاع والقدرة على التمحيص لمعرفة جلب المصالح ودفع المفاسد.
7 أن يكون الرد على كل أمر وفقاً بما يناسبه فأحياناً يكون من الكياسة والفطنة التعامل مع الافتراءات والبغي الإعلامي بتكذيبه عملياً دون مناقشة هذه الفرية أو إذاعتها أو ترديدها بإذاعة الرد عليها، بل يكتفى بالجواب العملي وكفى، دون أن نردد هذه الفرية على الإطلاق وهكذا في كل مسألة لها ما يناسبها تبعاً لحالها وموقفها وزمانها.
8 إيضاح وإبراز قُبح وبُغض الكذب والافتراء والتقول ونشر الأخبار السيئة والتحدث عن كل شيء«كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع»، لأن الكذب فضلاً عن تحريمه شرعاً مفسد لكل أمر يدخل فيه، وقد ذمّ القرآن الكريم الكذب في أكثر من موضع وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المؤسف أن يكون الكذب بشتى أنواعه المطية التي تمتطيها كل الأبواق الإعلامية الباغية.
9 إبراز وإيضاح المكانة العظيمة للإنسان عند الله عز وجل وتعظيم الإسلام لذلك، وتعظيم حرمة العرض في الشريعة الإسلامية وخطورة المساس بالأعراض، وتوعد الإسلام لكل من يمس أو يتجرأ على تلك الحرمات بالويل الشديد لخطورة هذا الفعل على المجتمعات الإسلامية يقول الحق جلا وعلا: {وّلّقّدً كّرَّمًنّا بّنٌي آدّمّ وّحّمّلًنّاهٍمً فٌي پًبّرٌَ وّالًبّحًرٌ وّرّزّقًنّاهٍم مٌَنّ پطَّيٌَبّاتٌ وّفّضَّلًنّاهٍمً عّلّى" كّثٌيرُ مٌَمَّنً خّلّقًنّا تّفًضٌيلاْ} [الإسراء:70] ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، وقوله صلى الله عليه وسلم «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا» وكان عليه الصلاة والسلام يقول ذلك وهو يخطب الناس في عرفة، حيث اجتمعت حرمة المكان وحرمة الزمان.
10 فيما يتعلق بغير المسلمين، علينا إضافة إلى ما سبق أن نتبع ما يأتي:
أ تفهم عقلياتهم ولغة الخطاب التي يفهمونها عند تفنيدنا لما يصدر عنهم، وذلك في إطار الشرع الحنيف، بالمنطق الذي يناسبهم، ولغة الخطاب التي يفهمونها.
ب أن نقدم المجادلة بالتي هي أحسن والحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين في كل ما نقدمه لهم وفي الحقائق التي نعرضها عليهم، وفي تفنيدنا لكل ما يقولون ويفترون على الإسلام والمسلمين.
ج أن نتدرج معهم في لغة الخطاب وأن نصبر على ذلك حتى نصل إلى ما نصبوا إليه من إيصال الحق والخير إليهم، وقد أمرنا ديننا الحنيف بالصبر والتحمل في سبيل ذلك.
د أن لا نناصبهم العداء والصدام ابتداءً وألا يقع منّا سباب لهم {وّلا تّسٍبٍَوا پَّذٌينّ يّدًعٍونّ مٌن دٍونٌ پلَّهٌ فّيّسٍبٍَوا پلَّهّ عّدًوْا بٌغّيًرٌ عٌلًمُ كّذّلٌكّ زّيَّنَّا لٌكٍلٌَ أٍمَّةُ عّمّلّهٍمً ثٍمَّ إلّى" رّبٌَهٌم مَّرًجٌعٍهٍمً فّيٍنّبٌَئٍهٍم بٌمّا كّانٍوا يّعًمّلٍونّ} [الأنعام: 108] .
ه علينا أن ندرك أنهم إن كانوا قد عصوا الله فينا ببغيهم الإعلامي، فلا نكون مثلهم ونعصي الله فيهم في تجاوز الحد عند الردّ على تلك الافتراءات، لأننا أهل حق وقيم سامية تحرم علينا البغي أياً كانت الأسباب.
و أن نحلّ جميع ما يعرض أو ينشأ بيننا وبينهم في إطار فهمنا الدقيق لنصوص الكتاب والسنة فهماً متكاملاً يحقق المقاصد
الشرعية، دون أن نتعامل مع نص ونترك الاخر بموجب فهم يوافق مراد الله سبحانه وتعالى وفهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، وسلف هذه الأمة فلا يستدل بالنصوص في غير ما جاءت من أجله ولا تفهم أو تفسر الآيات خارج الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية.
وأختتم هذه الموضوع بعبارات وجيزة، وهي:
1 إننا بعد أن نُعمل كل ما سبق ذكره في الحلقات السابقة في إطار تعاليم ديننا الحنيف ونأخذ بالأسباب الممكنة بالطرق والأساليب المشروعة علينا أن نؤمن ونثق أن كلمة الحق هي التي تعلوا وهي التي لها الثبات والرسوخ والبقاء، تصديقاً لقول الله تعالى: {أّلّمً تّرّ كّيًفّ ضّرّبّ پلَّهٍ مّثّلاْ كّلٌمّةْ طّيٌَبّةْ كّشّجّرّةُ طّيٌَبّةُ أّصًلٍهّا ثّابٌتِ وّفّرًعٍهّا فٌي پسَّمّاءٌ (24) تٍؤًتٌي أٍكٍلّهّا كٍلَّ حٌينُ بٌإذًنٌ رّبٌَهّا وّيّضًرٌبٍ پلَّهٍ الأّمًثّالّ لٌلنَّاسٌ لّعّلَّهٍمً يّتّذّكَّرٍونّ (25)وّمّثّلٍ كّلٌمّةُ خّبٌيثّةُ كّشّجّرّةُ خّبٌيثّةُ \جًتٍثَّتً مٌن فّوًقٌ الأّرًضٌ مّا لّهّا مٌن قّرّارُ (ر26)يٍثّبٌَتٍ پلَّهٍ پَّذٌينّ آمّنٍوا بٌالًقّوًلٌ پثَّابٌتٌ فٌي پًحّيّاةٌ پدٍَنًيّا وّفٌي الآخٌرّةٌ وّيٍضٌلٍَ پلَّهٍ پظَّالٌمٌينّ وّيّفًعّلٍ پلَّهٍ مّا يّشّاءٍ (27)} [إبراهيم: 27] وقوله تعالى: { فّأّمَّا پزَّبّدٍ فّيّذًهّبٍ جٍفّاءْ وّأّمَّا مّا يّنفّعٍ پنَّاسّ فّيّمًكٍثٍ فٌي الأّرًضٌ كّذّلٌكّ يّضًرٌبٍ پلَّهٍ الأّمًثّالّ } [الرعد: 17] .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي».
ولو أنصف الإعلاميون ووسائل الإعلام من أنفسهم لجعلوا هاتين الآيتين وهذا الحديث، بالإضافة إلى قوله تعالى: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا} [الحجرات: 6] نصب أعينهم عند نشر أي خبر أو أي مادة إعلامية، بل لجعلوها الميزان الذي به يزنون مادتهم الإعلامية، والمعيار الذي إليه يحتكمون في أعمالهم الإعلامية كلها.
2 كلمة يفرضها الواقع بل الواجب وهي تمثل الشعب السعودي في تعاملهم مع تلك المكائد والمغالطات الإعلامية قول الحق جل وعلا: {وّعٌبّادٍ پرَّحًمّنٌ پَّذٌينّ يّمًشٍونّ عّلّى الأّرًضٌ هّوًنْا وّإذّا خّاطّبّهٍمٍ پًجّاهٌلٍونّ قّالٍوا سّلامْا} [الفرقان: 63] إلى قوله تعالى في وصف المؤمنين {وّإذّا مّرٍَوا بٌاللَّغًوٌ مّرٍَوا كٌرّامْا} [الفرقان: 72] أجل إنه لم يستمع يوماً إلى هذه المكائد الإعلامية الرخيصة بل ازداد تماسكاً وترابطاً والتفافا حول قيادته والمتتبع المنصف يدرك ذلك ويلمسه، متمثلين قول الحق جل وعلا:{فّاصًبٌرً إنَّ وّعًدّ پلَّهٌ حّقَِ وّلا يّسًتّخٌفَّنَّكّ پَّذٌينّ لا يٍوقٌنٍونّ} [الروم: 60] وقوله {وّاسًتّقٌمً كّمّا أٍمٌرًتّ وّلا تّتَّبٌعً أّهًوّاءّهٍمً} [الشورى: 15] .
3 ثم أقول لأولئك الذين أخطؤوا الهدف حين سخّروا وسائل إعلامهم ومحطاتهم الفضائية وأقلامهم لمناقشة ترهات من الأقوال والتصاريح الصحفية المبتسرة، إن رسالة الإعلام الحقيقية هي: خدمة الحقيقة، وأمانة الكلمة، وتحري الإنصاف والعدل، لاطلاع الناس على الحقائق، وأما المؤمنون فلن يضيرهم ذلك، قال تعالى: {وّالًعّاقٌبّةٍ لٌلًمٍتَّقٌينّ} [القصص: 83] .
4 كلمة أخرى أقولها لأولئك الذين يتطلعون إلى استخدام وسائل الإعلام لتسويق تحاملهم ومفاهيمهم الخاطئة وسياساتهم المتأرجحة وازدواجيتهم في التعامل مع قضايا الشعوب، وتنكبهم لمواثيق وعهود وإعلانات عالمية أشهروا دفاعهم عنها، مما فتح الباب لآخرين للمطالبة بالحقوق نفسها، ذلك لأنه لم يعد الآن خافياً على كل إنسان في هذا العالم أي شيء فيه، فإنسان اليوم ليس إنسان الأمس وعالم اليوم أصبح أصغر من قرية الأمس، واعلموا أنه متى ثارت غرائز الانتقام عند الشعوب وغرست بذور الشر، فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر، لهذا فإن العقل والحكمة في السعي لسد كل باب من أبواب الأحقاد والبغي والتعامل مع الشعوب على أساس المساواة والعدل والإنصاف وتحقيق المصالح وتبادلها بعدل ومساواة.
5 وأخيراً وليس آخراً كلمة يفرضها الواجب الشرعي، كل تلك المكائد الإعلامية، والفجاجة في كيل التهم والانتقادت الإعلامية في تطبيق المملكة العربية السعودية لأحكام الشريعة الإسلامية وتمسكها بمبادئها وقيمها ومثلها العليا، ومناصرتها لقضايا المسلمين وفي مقدمتها قضية فلسطين والعمل على تضامن المسلمين وجمع كلمتهم، كل ذلك لم يزد قيادة المملكة العربية السعودية إلا تمسكاً بعقيدتها وثباتاً على مبادئها في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومناصرة المسلمين، والإعلان الواضح والصريح عن تمسكها بموقفها من حق الشعب الفلسطيني في بلده، وتكوين دولته المستقلة، دون مراهنة أو مساومة على أي شيء من ذلك، بل أعلنت قيادة المملكة العربية السعودية ذلك واضحاً جلياً. فشكر الله مسعاهم وزادهم ثباتاً وسؤدداً وتمكيناً ووفقهم وسدد أقوالهم وأفعالهم.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
|