عزيزتي الجزيرة:
تحية طيبة وبعد.
حقاً جميلة هي الكلمة حينما تعبر إلى القلب مباشرة دونما جواز سفر .. ودونما مساحيق أو رتوش.. كلمة محفوفة بالمصداقية والواقعية وموطرة بالموضوعية بعيداً عن لهجة المصالح..
كلمة مسافرة في أعماق الواقع.. تلامس هموم المواطن.. تقرأ هواجسه.. تستشرف آراءه.. وتقدم صوته.. وتستطلع مشاكله.. كلمة حرة. أبيّة منعتقة من إطار المجاملة.. رائعة هي الكلمة عندما تفتش عن دوائر المصلحة العامة وعن قنوات العطاء المشوب بالكفاءة والإخلاص والأمانة.. دون تزييف لواقع أو تلميع لموظف.. أو عزف مشروخ على وتر المديح الزائد والمبالغة الممقوتة نحو جهة معينة..
للأسف هناك أقلام تعلقت بأهداب المديح وغرقت في بحيرة الثناء الهاطل بمفردات الإشادة المصنوعة عبر مقالات معلبة اعتادت الدخول مع النوافذ لا الأبواب اعتقادا من أصحابها أن تلك الممارسة خير وسيلة لتسيير معاملاتهم وتمرير أوراقهم وكسب ود المسؤول في نسيج نفعي واضح.
ولم تزل عبارات المديح وألفاظ الإشادة تزحف دون استحياء فوق الأسطر التي تحترق تحت لظى المشاعر الزائفة.. وتظل تبحث في ثنايا هذا البوح الآسن عن ملامح للمصداقية لتجدها تذوب تحت أقدام الكلمات البراقة.. أسلوب يعتمد على كيل التطبيل وإغداق التبجيل لدائرة ما أو لمسؤول معين لحاجة في نفس يعقوب.. تتجلى في طرح هذا الكاتب الذي يظل يسرد تاريخ هاتيك الدائرة ويحكي منجزاتها ويقدمه للقراء في توقيت ينسجم مع مصالحه ويتلاقى مع خيوط معاملته.. ولن يخفى عن القارئ الفطن ما تكنه الأسطر الراكضة من مقاصد الاستفادة.. من أجل بناء جسر مصلحة.. وتحقيق عنصر منفعة.. أجل تقرأ في عطاء نماذج من كتاب الغفلة .. فتجدهم في كل وادٍ يهيمون. ولكل دائرة يمجدون.. وفي كل موقع يهتفون.. في موعد معتاد.. في سلوكهم ذو التوجه النفعي الذي اتخذوه منهجاً وورقة يجيدون استغلالها للحصول على توقيع الرضا. مغفلين أن الكلمة أمانة قبل كل شيء ولا بد من المحافظة على شرفها وتحقيق كرامتها وصونها من العبث والاستغلال الرخيص.
ثم إنه ليس من المصلحة العامة أن يغفل الكاتب عن إبراز قصور الأداء وسلبيات العمل في دائرة ما وتلك الجوانب قد تحتجب خلف كثبان التطبيل المزعج والثناء المحرج.. وليس بكثير أن يبذل المسؤول أو مدير الدائرة جهده لخدمة المراجعين والارتقاء بمستوى الأداء في هذا الوطن المعطاء.. ونثر بذور الحرص والتضحية.. والصبر والمتابعة.. وآه حينما تذوب حبيبات الثناء فوق صفيح ساخن وعلى رسلكم معشر المادحين فقد ارتفع وعي القارئ.. تمهلوا قبل أن تقدموا شهادة إشادة..!! إنها دعوة لاحترام آداب مهنة الكتابة.
نعم.. هناك كتابات مادحة تستفز مشاعر القارئ الذي يحتفي بكل طرح متزن وقراءة منصفة متوغلة في ثنايا الواقع.. تنقل نبض المواطن.. وتتجلى صدى صادقاً لآرائه.. وهو بالتأكيد ينفر من كل مقال دبلج.. أو طرح مدجج.. يتجاوز مصلحة المواطن إلى أهدافٍ شخصية تحت وقع خطى المنفعة.. عبر لحن مثقوب يمجه الذوق السليم وترفضه آذان الواقع.. ليصطدم بوعي القارئ..
وعجبي.. من أقلام ألفت التجديف فوق أمواج الثناء الزائد وبرعت في نسج خيوط المديح وتنميق الأحرف المخملية ورسم لوحات التبجيل المتوهج.. وها هو القارئ يضيق ذرعاً ويتأفف من هذا الطرح الخلّب والبوح الخداج الذي يخفي معالم المصلحة المنشودة.
ونظل نبحث عن كل عطاء كتابي أمين وهادف يضفي صفحات مضيئة في سجل المصداقية.. فهلا منحنا بوحنا باقات من الصدق في عصر استبدت فيه تيارات الزيف..
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة |