تنهض مراكز التنمية الاجتماعية التي تعمل تحت إشراف وتوجيه وزارة العمل والشئون الاجتماعية على أساس أن العنصر الاساسي هو جوهر التنمية الاجتماعية، ولذا تركزت معظم برامجها حول هذا العنصر عملاً على صقل وتنمية قدراته وتطويره، والذي عن طريقه تحدث تغييرات اجتماعية شاملة تتضمن بناء المجتمع وأنساقه ومنظماته بما يؤثر إيجاباً في أنماط العلاقات الاجتماعية القائمة فيه، وكذلك في سلوك الأفراد، وفي بعض من القيم والمعايير ذات الأثر الفاعل في هذا السلوك والذي يحدد مكانة الافراد وأدوارهم الانتمائية في الأنساق المنتمين إليها خاصة وان التنمية الاجتماعية تنصب على هذه الجوانب.
فإذا كان القصد هو التوجه نحو تنمية الأسرة الريفية فمن حُسْنٍ أن يضمن القائمون على قطاع التنمية إستراتيجيتهم في هذا الصدد عدة محاور: أولاً: العمل على تنمية وتطوير الأسرة الريفية من حيث أسلوب الحياة وذلك عن طريق الخروج من النمطية الى الدينامية الواقعية في مسايرتها للحياة المتطورة، وتكوين الاتجاهات البنائية لدى الأسرة كي تجتهد في مكونات رفع مستوى معيشتها فإذا كان هذا المنحى يستدعي تغييراً في أنماطها الاقتصادية فيتوجب العمل على خلق ظروف اقتصادية تتيح الفرصة للاستفادة القصوى من كافة الإمكانيات والموارد القائمة في نطاق منطقة خدمات المركز بما في ذلك وضع مخططات تدريب الأيدي العاملة سواء كان مهنياً او ذهنياً أو ثقافياً مما يتيح لكل فرد دوراً فاعلاً في الأسرة وكذلك في المجتمع مما يؤهل للمشاركة الواعية في تغيير أسلوب معيشة الأسرة الريفية، وتطوير شخصية كل فرد فيها.
ثانيا: العمل على ترشيد الأدوار الاجتماعية لكل فرد من أفراد الأسرة خاصة الزوجة نظراً لأنها في الريف كم هي في حاجة ماسة إلى العديد من الخدمات التي تمكنها من رفع مستواها من الناحية التعليمية والتثقيفية وإزالة تلك الصعوبات التي تجتاز مسيرتها وتعترض طريقها بما يمكنها من الاضطلاع بدورها في الرفع من مستوى أسرتها، ومن ثم فتطوير المجتمع حيث إن الواقع المجتمعي يدعو لشحذ طاقاتها الكامنة للمشاركة في توفير مناخ مواتٍ في رفع مستوى الأسرة وبمصداقية عالية.
ثالثا: العمل على ترسيخ القيم والتقاليد والمعايير السلوكية التي ارتضاها المجتمع وتعارف عليها، وكذلك العمل على وضع برامج تطوير هذه القيم مثل: قيمة الوقت والالتزام به وكيفية الاستفادة منه،
وقيمة الدخل وأساليب التصرف فيه، وقيمة الدور الأدائي للزوجة والاستفادة بإمكاناتها وطاقتها وقدراتها المتعددة، وقيمة تهذيب الأبناء وتربيتهم لتطوير أنفسهم، وتطوير الحياة من حولهم من كافة النواحي لخدمة أهداف التنمية، وقيمة العمل وكيفية استثماره، والعمل على تغيير العادات التي تحض على الاتكالية والسلبية والجمود، وعدم المطاوعة الاجتماعية وتحمل المسئولية.
ويتضح من هذه المحاور أن تطوير المجتمع الريفي يرتكز في الأساس على إمكانات تنمية الأسرة الريفية، وعلى منهجية إعدادها إعداداً سليماً بما يمكنها من مواجهة التغيرات الاجتماعية وهي عملية تحتاج من مراكز التنمية الاجتماعية بذل أقصى الجهد لإكساب أفراد الأسرة خبرات اجتماعية متعددة، والتخطيط الهادف لتطوير أفراد الاسرة، ومحاولة دمجهم سلوكياً وفكرياً في المجتمع المعاصر وذلك عن طريق إرشادهم لما هو صائب في الانفتاح على كل ما هو جديد في واقع الحياة العصرية، وتوليد الرغبة في تعرف وفهم مشكلات الواقع وكيفية التصدي لها وإمكانات التغلب عليها، والعيش في الحاضر والتوجه نحو المستقبل في رضا وطموح وليس مجرد التصلب والجمود على الماضي، وتعلم أساليب التخطيط السليم لاقتصاديات الأسرة حتى يمكنها مواجهة المواقف المختلفة، وإكسابها القدرة على التحكم في البيئة والاستفادة بالإمكانات المتاحة بها لسد احتياجات الأسرة وبث الثقة في قدرة الأفراد على المضي قدماً في سلوك الإنجاز وتحمل مسؤوليات المردود الفعلي، واحترام كرامة بعضهم البعض والتمسك بالقيم الدينية، باعتبارها العنصر الأساسي في الحفاظ على كيان الأسرة والمجتمع.
ولما كانت هذه الصفات السلوكية جميعها صفات مكتسبة فهي تلقي بالعبء على مراكز التنمية الاجتماعية في النهوض بتعليمها عن طريق الاختصاصيين في عملية التنمية الاجتماعية وفي تطوير إمكانات الأسرة الريفية مع الوضع في الاعتبار أن نسبة الأمية في الريف لدينا تصل إلى 90% حسب تقارير التنمية البشرية ولذلك يكون لمراكز التنمية الاجتماعية دور تعليمي من خلاله يمكن تنمية المجتمع علي المفاهيم الثقافية والاجتماعية والصحية والتربوية التي تسود بين أعضائه، ويلي ذلك تطوير المخططات الدقيقة والرصينة لتنمية هذا المجتمع.
والجدير بالذكر أننا إذا طبقنا بحق هذا الأسلوب العلمي على ريفنا السعودي فسنجد أن هذا المجتمع يتميز بالبساطة وتغلب على أفراده مهنة الزراعة وهي مهنة تحتاج للصبر والمثابرة.
وأخيرا ليس بخاف على القائمين على مراكز التنمية الاجتماعية أن أغراض هذه المراكز تتمثل في تنظيم جهود أفراد هذا المجتمع وجماعاته وتوجيهها لرفع مستوى أبنائه اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وحل ما يعترض طريقهم من مشكلات اجتماعية واقتصادية وصحية تلك التي يعاني منها المجتمع الريفي في عمومه، والعمل على رفع مستوى أبناء المجتمع الريفي، وتهيئة مقومات الحياة الكريمة لهم حتى يمكنهم الاستفادة الكاملة، بالإمكانيات المتاحة والطاقات المتوافرة والتي تتيحها الدولة، ويتم ذلك كله في إطار عام منظم بدقة مستهدفاً إحداث التغيير الاجتماعي المنشود.
ومن هذا المنطلق يبدو الدور الهام الذي تضطلع به مراكز التنمية الاجتماعية في إزالة مقومات التنمية الريفية فضلاً عن ترسيخ القواعد والقيم التي تساعد على تنمية الأسرة والرفع من شأنها.
وقد آن الأوان لإجراء دراسة تطبيقية حديثة للوقوف على الآثار المترتبة على أساليب التنمية المتبعة حالياً والتي ستعود أول ما تعود على الأسرة الريفية التي هي أمل السعودية في مستقبل زاهٍ ومشرق بإذن الله.
|