تغطية علي سعد القحطاني:
ضمن فعاليات الانشطة الثقافيةبالمهرجان الوطني للتراث والثقافة عقدت مساء أمس الأول الثلاثاء ندوة (الابداع في الادب) شارك فيها كل من الاستاذ الدكتور حسن الهويمل والدكتور عبدالعزيز السبيل والدكتور محمد الحناش وكان قد قام بادارتها الدكتور منصور محمد الحازمي،
وقد تحدث سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل عن الابداع في الادب: حدوده وآفاقه وقال:
الابداع لا يعرف حدوداً ولا تحده آفاق واذا لم يشعر الانسان بالانطلاقة المطلقة فإنه حتما لن يكون في حالة ابداع كاملة، والحديث هنا يقتصر على لحظة الابداع التي لا خيار للمرء فيها فهو لا يختار زمنا ولا كيفية ولا قالبا واذا وضع المبدع امامه قيوداً حسية أو معنوية فأجزم انه يئد بذلك ابداعه، اما مسألة تجاوز نتائج التجربة الابداعية وعرضها على الآخرين قراءة أو رؤية ومناقشة تأثيرها على مجتمع ما، فتلك قضية اخرى،
والشاعر بصفته احد المبدعين يمر بصعوبات وحالات غريبة قبل ان يؤتى جيد القول وتشير كتب الادب الى مظاهر غريبة يقوم بها الشاعر من اجل اخراج ما يجيش بخاطره من احاسيس ومعان، ويذكر بعض المبدعين ان حالة غريبة تتلبسهم، ينتج بعدها ابداع لعمل فني أو أدبي وتحدث في حالة يقظة أو نوم أو بينهما،
وهنا ترد العلاقة بين المبدع والحالة الابداعية المتمثلة هنا في العلاقة بين الشاعر والشيطان على افتراض وجودها وهي علاقة يختلف مستواها من شاعر لآخر،
كثيرة هي الاشارات التي تعبر عن حالة خاصة تتلبس المرء المبدع بصرف النظر عن نوع هذه القوة التي قد تسيطر عليه لكن يبدو ان المبدع قد لا يملك السيطرة على نفسه لحظة الابداع وقد لا يملك نفسه في منع هذا الشعر، وكأن اخراج العمل يمنح الشاعر راحة كبرى،
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل كل الشعر كذلك؟ الاجابة ستكون قطعاً بالنفي، فالشعر يأخذ اتجاهين أحدهما ابداعي ذاتي نابع من مشاعر واحاسيس وآخر يخلو منهما، ويمثل غالباً بشعر المناسبات،
ان يتم اختيار شاعر معين ليقول قصيدة في مناسبة معينة بصرف النظر عن قناعته بالمناسبة ، فهذا توجيه للشعر الى مسار اجتماعي لا ابداعي، والشعر يجدر به ان يبقى حالة ابداعية وآهة نفسية وزفرة ذاتية تخرجها النفس الانسانية نتيجة تلاطم أحاسيسها لتكون أكثر صدقاً ونقاء وابداعاً،
أخيراً، هل قيمة الشعر فنية ابداعية ام انها اصلاحية؟ اذا كنا على اتفاق ان الشعر الحقيقي هو ما يصدر عن معاناة وانه يختلج في النفس فينطق به اللسان، فإن مسألة النفعية، المتمثلة في المدح أو التوجيه والوعظ لا تبدو وثيقة الصلة بالشعر لا بصفتها نتيجة وإنما بوصفها باعثا لقول القصيدة،
الشعر تعبير وانعكاس لحالة المبدع وقد يحمل وظيفة اجتماعية نفعية لكنها مسألة تالية للابداع، اما ان نريد من الشعر ان يكون دوما صوت تربية واصلاح وتهذيب واطراء، ففي ذلك تحويل لمسار الشعر، وتحويله الى خطابة وعظية ذات وزن وقافية،
كما تحدث سعادة الدكتور محمد محمد الحناش عن ورقته التي تناولت مفهوم الاساس المعرفي لمنظومة الابداع وقال:
يتناول هذا البحث الإجراءات العملية الإبداعية بوصفها لغة في مرحلة ما قبل الأداء، أي البحث في الآليات التي توظفها الكفاية بوصفها منظومة من الخوارزميات التي ينفذها الدماغ لتوليد اللغة لدى المتكلم الفرد وهو مايعني البحث في الطبيعة بيو سيكولوجية للغة الطبيعية بوصفها الأداة الفعلية التي تفرغ فيها عملية الإبداع مكوناتها،
وقال الدكتور الحناش إن العملية الإبداعية تنقسم إلى مستويين: الأول يتعلق بالجانب المعرفي الذي يتتبع مراحل نمو العملية الإبداعية في مسارها الطبيعي في المستوى اللساني، وهو مايعني البحث في المفاهيم التي تقوم عليها العملية الإبداعية قبل ان تفرغ في قوالب تواصلية (تداولية)، مثل: اللغة الباطنية والبنية العميقة وغيرها، والثاني: يتعلق بتتبع أحوال ا لممارسة الإبداعية بعد التشكل المعرفي لبنية اللغة الطبيعية في الدماغ البشري، وسنعرض لأدوات هذا المستوى من خلال بعض المفاهيم الإجرائية، مثل: التلقي والتأويل في بعديهما التداولي من زواياه الثلاث: التلفظ والحجاج والفعل الكلامي، حيث ستفرض علينا مناقشة بعض المفاهيم، مثل قضية الاستعارة والمجاز وغيرها من الأدوات الإجرائية التي لاتزال في حاجة إلى تحديد علمي دقيق،
بين هذين المستويين يقع النص، النتيجة الحتمية للممارسة المعرفية لدى المتكلم، وستكون مناسبة للحديث عن معماريته اللسانية بوصفه شبكة من الخلايا العصبية التي تبرر وجود الكائن البشري، إذ لاوجود لكائن بشري بدون نص، إلا ان نظرتنا لهذا النص مزدوجة الأبعاد: البعد المعرفي (النفس لساني) والبعد الأدائي التداولي، وهذا الأخير يجعل من النص بركانا من المقاصد المفرغة في بنيات سطحية تتناسل فيما بينها وفق آليات صورية غايتها توليد الدلالات المنطقية ليس إلا، وهو مايعبر عنه بالتأويل، والاستعارة والقصد والمرجع، وهي في عمومها مفاهيم منطقية قابلة للبرهنة تنظر إلى العبارة بوصفها مفهوما قضويا يتألف من موضوعات ومحمولات، أو بعبارة أخرى مفهوما سيمايئياً ثلاثي الأبعاد (ش، موريس)،
تجب الإشارة أخيراً إلى أننا لن نولي كبير عناية لفعل التلقي بوصفه مفهوما مستقلا، بل سندرجه في الفعل الكلامي بمعناه عند أوستين أو سورل، مخافة العودة إلى المفاهيم البنيوية التقليدية التي يبدو أنها لاتزال تعشش في دراستنا النقدية التي ترتكز أساسا على الطروحات البنيوية التي توقفت نهائياً عن تقديم الجديد في هذا المجال،
إننا ننظر إلى العملية الإبداعية بكونها قضية معرفية ذات بعدين: لساني وتداولي، فاللسانيات هي وحدها الكفيلة بتشريح البعد المعرفي لهذه العملية، من خلال الأدوات التي توظفها في تفكيكها والتعرف عليها عن كثب، والتداوليات هي وحدها الكفيلة بتقديم التفسير المنطقي للعلامة بوصفها تفريغا للمكون المعرفي في بعديه الصوري والمعنوي، وليس الدلالي،
بناء على ماسبق يمكن النظر إلى ا لعملية الإبداعية على أنها مكون فرداني قد لايكون قابلا للتكرار من منظور معرفي إلا في حدود التماثل الذي تسمح به الكليات اللغوية، يؤكد هذه الحقيقة تعددية المرجع ولا نهائيته زمناً ومكاناً وشخصاً من منظور تداولي،
وتحدث المحاضر عن البعد المعرفي اللساني للعملية الإبداعية وقال:
المقصود بالمعرفة اللسانية الآليات التي توظفها كفاية المتكلمين بغرض إنتاج العلامة في شكل أداء لغوي قادر على إنجاز عملية التواصل بين البشر، مع ممارسة الرقابة القاعدية عليها، ويخطئ من يقول إن اللغة هي الخبر، أو هي المرجع، إن دور اللغة محصور في سياقة الخبر، أما اللغة نفسها فمنظومة من الخوارزميات التي برمجت في الدماغ البشري بلغة صورية لم تتمكن البحوث البنيوية من معرفة فحواها وشكلها، لكن الثابت علميا أنها تقوم على مبدأ الكليات التي تشترك فيها جميع اللغات الطبيعية لبني البشر،
وبوصف اللغة ظاهرة طبيعية فإنها تشكل موضوعا مشتركا تبحث فيه أغلب العلوم الإنسانية، أليست اللغة ظاهرة إنسانية؟ ألا يعبر عنها باللغة الطبيعية؟ كما أن البحث في المعرفة اللغوية تشعب إلى نظريات ومناهج تكاد تصل أحياناً إلى حد القطيعة بينها، بالإضافة إلى ان هذه المناهج وتلك النظريات قد تتوزع على نماذج تحليلية قد تتفق في الهدف إلا أنها تبتعد عن بعضها في الأداة الموظفة،
وإذا عدنا إلى المعرفة اللسانية العربية، فإننا قد نجد بعض الأبحاث العلمية التي تلامس هذا الموضوع إلا أنها لاتزال بعيدة في أغلبها عن لمس الجوهر الذي تعمل به الدراسات العلمية في اللغات الأخرى،
يبحث اللسانيون اليوم في اللغة الطبيعية من خلال الكفاية اللغوية، وقد ظهرت مجموعة من التوجهات النظرية والمنهجية التي توصلت إلى صياغة قوالب يمكن القول بأنها استقرت اليوم في وضعها النظري النهائي أو تكاد، وقد تدرجت هذه المناهج من الوصف إلى التفسير، تم خلال هذا التدرج صقل الأدوات العلمية التي تلامس ظاهرة المعرفة اللغوية على الأقل في بعض من جوانبها التي تتعلق ببعض أوجه الظاهرة اللسانية الإبداعية عامة،
قديماً قال الوصفيون: إن اللغة هي التي تجزئ العالم إلى مكوناته الأساسية، ولا دخل للإنسان في ذلك»،
كما رددوا: إن التواصل اللغوي هو تحديد خصائص الكون بشكل دائم، فالإنسان لايعيد الصياغة نفسها في الإنتاج اللساني، لأن المرجع لايتكرر،
وقال: غيرهم من اللسانيين: إن إدراك الإنسان للواقع يتم عن طريق المنظومة اللسانية المترسخة جذورها في بنية العقل البشري الداخلية، أي المعادل النظري لما يسمى باللغة الباطنية للمتكلمين،
وختم المحاضر بقوله:
فهذا منهج علمي جديد يمكننا من تناول عملية الإبداع عموما واللغوي من بخاصة ليس انطلاقا من المتن الظاهر كما هو الأمر عند البنيوية بمختلف اتجاهاتها: سيميولوجية وتأويلية وسردية وتناصية وشعرية وغيرها، بل من خلال تتبع عملية الإبداع في أساسها المعرفي في الكفاية، ثم النظر إليها من خلال الوجه التداولي الذي يحلل الآليات البلاغية التي يقوم عليها النص أثناء ممارسة عملية التواصل،
الذي ندعو إليه في هذا البحث هو تفعيل الأدوات التي تؤدي إلي انتاج المتن، وليس المتن في حد ذاته، ومن ثم النظر في خلفياته المعرفية ذات الوجهين:
الأول: الوجه الباطني الذي يحدد قوانين انتاج المتن على أساس ان أي متن هو ممارسة لغوية بالأساس، وإعطاء فهم صحيح لهذه العملية،
الثاني: الوجه التفريغي، أي نسخ آليات المعرفة اللغوية على عتاد صوتي وصواتي قابل للمعاينة تداولياً بالمعنى الذي حددناه سابقا،
المداخلات:
|